رأتني زوجتي وأنا أعقد رباط (جزمتي) تأهبا لخروجي، فقالت بعد أن اقتربت مني: - عادل قلت وأنا أعتدل: - نعم أري في عينيها كلاما كثيراً.. قالت آمرة: - اسمعني كويس.. الفلوس في جيبك، وطلبات البيت انت عارفها كويس.. فتح لي ودانك كويس، تشتري الطلب وقبل ما تدفع قرش صاغ واحد خد فاتورة بثمن اللي اشتريته، تمام زي مصلحة الضرائب ما بتقول.. مستسلما وجدتني أرد: - حاضر.. عادت تقول: - ما تخليش حد يلبسك العمة، انت فاهمني طبعا.. تبسمت لها ابتسامة تؤكد موافقتي ورضاي التام.. وقبل أن أتركها تتمادي في بث ارشاداتها الوعظية التوضيحية التي اشعرتني من خلالها أنني تلميذ بليد لا يعي الدرس جيدا رميتها قائلا: - عن إذنك 2 - تلمع يا أستاذ.. مبتسما قالها ماسح الأحذية - الجالس علي الجانب الأيمن من الطريق - فتوقفت علي الفور.. نظرت إلي حذائي ثم رحت أحدث نفسي في همس: - أبدأ مشاويري بحذاء نظيف. في خفة وسرعة متناهية وآلية منتظمة، أنهي الرجل عمله علي أكمل وجه، ضرب بفرشاته فوق صندوقه وراح يقول: - تمام يا أستاذ.. أنزلت قدمي، أخرجت من حافظتي جنيها، وقبل أن أعطيه للرجل، التفت إلي كلمات زوجتي التي راحت تلتف من أمامي ومن خلفي وعن يميني وعن يساري، علي الفور قررت أن ألبسه العمة، طالبته بفاتورة كما تقول لنا مصلحة الضرائب تبسم في وجهي ثم قال: - والله أنت ابن نكته، ضحكتني يا أستاذ، وانا طالع من البيت مهموم وقرفان و...... قاطعته بقولي: - أنا باتكلم جد.. راح يقول وعلامات الدهشة والعجب بادية علي وجهه النحيل. - صباحك فل يا أستاذ.. هات الجنيه خبأت الجنيه في كفي.. جن جنونه.. وجدته يحدث نفسه بكلمات سريعة غاضبة. لم أفهم منها غير آخرها: - أنت باين عليك مش راح تجيبها لبره يا أستاذ قام من مكانه غير قادر علي حمل جسده الذي راح يتحرك يمنة ويسرة دون ارادته، خرجت كلماته المختلطة برذاذ من فمه لتستقر في وجهي: - انت عاوز فاتورة..؟! مضطرا أوميء برأسي.. رماني بنظرة غاضبة بعدما رفع حاجبه الأيمن ثم راح يقول: - حاضر من عينيه الجوز.. غاضبا خلع طاقيته البيضاء لتظهر رأسه الصلعاء المملوءة بالكثير من النمش البني المتناثر.. هزني الموقف للحظات. أمسك زجاجة الصبغة السوداء. فتح غطاءها في سرعة متناهية، سكبها بقوة فوق صلعتي ناصعة البياض. أخرستني المفاجأة للحظات. ظل يضرب صلعتي بشدة حتي تسقط آخر نقطة من زجاج الصبغة وهو يقول في هيستيرية. - أنت مجنون وانا اجن منك. صمت برهة وسرعان ما عاد يقول في شبه جنون: - أنا هلاقيها منك. واللا من الحكومة.. واللا من مراتي. واللا من حماتي.. واللا من الأيام.. شعرت ان علي رأسي نافورة.. تخرج منها دماء حمراء.. عاد وأمسك بزجاجة الصبغة البيضاء التي راح يفتحها ثم سكبها فوق صلعتي. شعرت علي الفور بظلمة شديدة تخيم علي عيني. عاد وأمسك بفرشاة تلميع الاحذية. راح يمررها علي رأسي. فاختلطت الألوان ببعضها البعض راسمة الألوان الثلاثة الاحمر والاسود والابيض علم بلدنا الحبيبة. عندئذ شعرت ان علم مصر يتربع فوق صلعتي. سعدت كل السعادة.. العلم راح يحركه الهواء بشدة.. غمرتني سعادة ما بعدها سعادة لاني الوحيد الذي يحمل فوق رأسه هذا العلم فكان لزاما علي ان أردد: - بلادي بلادي بلادي لك حبي وفؤادي.