لن يسمح نتنياهو أبدا بإقامة دولة فلسطينية متي يتحرك المجتمع الدولي لإنقاذ إسرائيل من نفسها جدد الرئيس الأمريكي باراك اوباما التزامه بأمن إسرائيل مثلما هو ملتزم بأمن أمريكا ذاتها، مؤكدا أن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها، ولم يستبعد استخدام القوة العسكرية ضد إيران لمنعها من إنتاج قنبلة نووية خوفا علي أمن إسرائيل. جاء ذلك في خطاب «أوباما» أمام منظمة «ايباك» اليهودية الأمريكية. وبوسعنا أن نستخلص من مقال «باتريك سيل» الصحفي الانجليزي المتخصص في شئون الشرق الأوسط ردا علي سؤال يجري علي كل الألسنة: من أين يستمد نتنياهو كل هذا الغرور والصلف والتعنت؟.. يقول سيل في جريدة السفير: يبدو أنّ لا شيء ولا أحد قادراً علي كبح جماح طموح إسرائيل بتوسيع حدودها بهدف بلوغ "إسرائيل الكبري". ما الذي يخبئه المستقبل القريب؟ في ظلّ الغياب المستمر للتدخّل الدولي الحازم، من المرجّح أن تسعي إسرائيل إلي تعزيز سيطرتها علي 40 في المئة من أراضي الضفة الغربية بما فيها وادي الأردن، إما من خلال توسيع الاستيطان أو عبر ضمّ الأراضي لها بحرية تامة. وقد يتمّ عزل المدن الأساسية التي تضمّ سكاناً عرباً مثل نابلس وأريحا ورام الله علي رغم أنّ إسرائيل قد تسمح لها بإقامة ممرات إلي الأردن. وستصف إسرائيل بالطبع المرحلة الأولي من هذا المشروع علي أنها "تنازل مؤلم». طرد الفلسطينيين وفي حال نجحت إسرائيل في ذلك، قد تتألف المرحلة المقبلة من صفقة أكثر تشدداً يمكن أن تشمل طرد شريحة كبيرة من الفلسطينيين، علي الأرجح تحت غطاء الحرب، كما حصل عامي 1948 و1967 وذلك من أجل إتمام إنشاء "إسرائيل الكبري" من البحر إلي النهر. واستناداً إلي أحداث السنتين الماضيتين، لن يراود أحد أدني شكّ في أنّ ائتلاف رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو اليميني عازم تماماً علي منع قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية. قد يسمح بقيام "بانتوستانات" لفترة من الوقت لكنه لن يسمح أبداً بقيام دولة فلسطينية. حلم الأب ومعروف عن نتانياهو تأثّره العميق بوالده المؤرخ بنزيون نتانياهو الذي يبلغ حالياً 101 سنة والذي كان مستشاراً لزئيف جابوتنسكي، "مؤسس الصهيونية التصحيحية". كما أنه طالما كان مؤمناً شديداً بمشروع إسرائيل الكبري. لقد اعترض علي خطة تقسيم فلسطين التي بادرت بها الأممالمتحدة في 29 تشرين الثاني 1947 لأنّه علي غرار أشخاص آخرين مثله، أراد أن تكون فلسطين كلّها لليهود. فهذا هو حلمه. وسواء استولت إسرائيل بالكامل علي الضفة الغربية أو علي 40 في المئة منها "فقط"، فستكون المملكة الأردنية الهاشمية هي الضحية المباشرة، لا سيما أن من المرجح أن تشهد تدفّق الفلسطينيين المشرّدين إلي أراضيها. وكان أرييل شارون الذي يعدّ مدافعاً شرساً عن الاستيطان اليهودي في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة يقول دائماً إنّ "الأردن هو فلسطين " وحاول الأردن الذي يشعر بقلق كبير حيال مستقبله وهو محق في ذلك، إعادة إحياء عملية السلام المحتضرة من خلال عقد اجتماع في عمّان بين ممثّلين عن الإسرائيليين والفلسطينيين في حضور اللجنة الرباعية غير الفاعلة. لكنّ هذا الاجتماع لم يجدِ نفعاً. انهيار أوباما والصدمة الكبري التي تلقتها ما سمي "عملية السلام" خلال السنة الماضية هي انهيار الرئيس باراك أوباما في وجه تعنت نتانياهو. وبما أنّ أوباما أحيا آمالاً بإمكان اعتماد سياسة أمريكية جديدة أكثر اتزاناً تجاه النزاع العربي- الإسرائيلي، بدت هزيمته أكثر إيلاماً. حين رفضت إسرائيل تغيير موقفها، انسحب أوباما من دون إبداء أي حزم ومن دون اتخاذ إجراءات صارمة حيال إسرائيل، الأمر الذي أمل عدد كبير من مراقبي النزاع بمن فيهم اليهود الأميركيون الليبراليون حصوله. ويدل إخفاق أوباما علي سجل أمريكا السييء لجهة احتكار عملية السلام علي مرّ العقود القليلة الماضية والذي قدّم غطاءً للتوسّع الإسرائيلي. قلب الموازين ويبدو أنّ المساعدة المالية والعسكرية والسياسية الهائلة التي تقدّمها الولاياتالمتحدة لإسرائيل لم تمنحها أدني تأثير علي السياسات الإسرائيلية. فجاء التأثير معاكساً. إذ نجحت إسرائيل في رسم سياسة واشنطن إزاء الشرق الأوسط بدلاً من حصول العكس. ونادراً ما شهد التاريخ مثالاً صارخاً كهذا علي قلب موازين القوة. وليس العرب في وضع يسمح لهم بوقف توسّع إسرائيل. فقد أضعفهم الربيع العربي. ويناضل زعماؤهم سواء كانوا ثوّاراً أم لا لمعالجة العواقب الناجمة عن الانتفاضات الشعبية. فهم غير قادرين علي تخصيص الوقت أو الطاقة للقضية الفلسطينية. ولا يزال الفلسطينيون سواء كانوا تحت الاحتلال أو تحت الحصار منقسمين فيما لا تزال حركتا "فتح" و"حماس" تتشاجران مع بعضهما البعض وتبدوان عاجزتين عن تشكيل جبهة موحّدة علي رغم أنّ بلدهما يضمحل أمام عينيهما. ولا عجب في أنّ الإسرائيليين المتشددين يشعرون بأن إسرائيل الكبري باتت في قبضتهم. كما أنهم يرون أنّ خطوة كبيرة واحدة تفصلهم عن تحقيق هذا المشروع. ويبدو أنّ ذلك ينطبق علي المتطرّفين اليهود الذي يسعون إلي فرض مواقفهم المتشددة علي المجتمع الإسرائيلي فيما يتولي أعضاء تابعون لهم مناصب عليا في الجيش. كما ينطبق ذلك علي القوميين الدينيين وعلي ناخبيهم من المستوطنين العنيفين والمتشدّدين وعلي السياسيين المتشدّدين مثل نتنياهو، الذين يعتبرون أنّ إضعاف البلدان المجاورة والإخلال باستقرارها واستغلال القوة الأمريكية لمصلحة هيمنتهم لا سيما حالياً ضد إيران، سيسمح لإسرائيل بالاستمرار في السيطرة علي المنطقة بأكملها عسكرياً في المستقبل المنظور. فلا يشكّل السلام والتنازل عن الأراضي والتعايش السلمي جزءاً من عقيدتهم. لا مبالاة الطبقة الوسطي وكان بعض الزعماء مثل نتانياهو مسئولين عن مراقبة التغيرات المهمّة التي تحصل في المجتمع الإسرائيلي بما فيها انتشار عدم التسامح والعنصرية والوحشية. وحتي لو أنّ الطبقات المتوسطة الليبرالية في إسرائيل نصبت آلاف الخيم خلال السنة الماضية من أجل التعبير عن شكاوي اقتصادية، فيبدو أنها لا تكترث للقمع المستمر الذي تمارسه إسرائيل بحق الفلسطينيين وسلبها أراضيهم. وتسبّب النزاع العربي-الإسرائيلي إلي جانب المشكلة الفلسطينية التي تقع في صلبه بحروب ومجازر وعدد كبير من الحوادث العنيفة علي مرّ القرن العشرين. وهو يهدّد حالياً بتلويث القرن الحالي أيضاً. ويبدو أنّ الهجوم القاسي الذي شنّته إسرائيل علي قطاع غزة في نهاية عام 2008 وبداية عام 2009 ينذر بأحداث أكثر سوءاً في وقت لاحق. نصف مليون مستوطن في خطاب ألقاه في كلية لندن للاقتصاد في شهر تشرين الأول الماضي، وصف الدكتور توني كلاغ، وهو خبير بريطاني بارز في شئون الشرق الأوسط، ازدياد أعداد المستوطنين في إسرائيل من 5 آلاف في بداية السبعينات إلي أكثر من 500 ألف مستوطن اليوم، علي أنه "أطول اغتيال للدولة في التاريخ". وأعلن أنّ "إسرائيل تواجه اليوم خياراً صعباً: إما تجميد نمو المستوطنات تحضيراً لإجراء مفاوضات سريعة ومركّزة علي أساس حدود ما قبل شهر حزيران مع تبادل متساوٍ للأراضي، أو الاستعداد لنزاع دائم ولأن تكون إسرائيل دولة منبوذة". هل تغيير النظام ممكن في إسرائيل؟ لا يمكن استبعاد حصول معجزة. لكن لا يوجد دليل علي إمكان حصول الصحوة الشعبية الكبيرة المطلوبة لبلوغ ذلك. ألم يحن الوقت كي يفرض المجتمع الدولي حزمة من العقوبات والحوافز التي من شأنها دفع إسرائيل إلي تغيير مسارها؟ يجب ألا يكون الهدف إنقاذ إسرائيل من تدمير ذاتها فحسب بل تجنيب منطقة الشرق الأوسط عواقب أفظع حرب قد تشهدها في تاريخها المعاصر.