في كتابه «الأشكال المختلفة من الخبرة الدينية» 1902 ذكر عالم النفس الأمريكي وليم جيمس مقطعاً علي لسان كاتب فرنسي مجهول يقول فيه عندما كان يعاني من مثل هذه الحالة «لقد ذهبت إلي غرفة ملابسي ، وفي الغسق هبط علي ذلك الشيء فجأة دون إنذار مسبق كأنه جاء من الظلام. كان ذلك خوفاً مرعباً يتعلق بوجودي الخاص نفسه. وصف فرويد ، اختلال الشعور بالشخصية بأنه حالة غريبة خاصة بالأنا المزدوجة بالشخصية المنقسمة «أنا مش أنا». بعض العلماء وصفوا هذا الاختلال علي أنه دال علي إحساس ضعيف غير متكامل بالأنا ناتج عن صراعات خاصة بعدم الكفاءة وعدم التكامل بين مكونات الذات من ناحية ، والواقع من ناحية أخري. بعض العلماء نظروا إلي ذلك علي أنها آلية دفاعية يقوم بها المرء عندما تعجز الآليات الدفاعية عن التكيف مع الواقع، وقد وصفت هذه الحالة في كتب الطب النفسي أيضاً بأنها «إحساس مغلق دائم بالغرابة» فيها مشاعر بلا واقعية الأشياء والحياة، مع فقدان الاقتناع بالهوية الخاصة بالفرد والعجر عن التحكم في حركات الجسد، وهناك نوعان بارزان من الشعور والوعي هنا هما: - الاحساس بأن الشخصية نفسها قد تغيرت (الشخص نفسه لم يعد هو هو ) - الاحساس بأن الواقع نفسه قد تغير، و هنا تفقد الخبرات معناها العاطفي أو الانفعالي المعتاد وتصطبغ بإحساس سخيف بالغرابة واللاواقعية. قد تظهر هذه الحالة علي نحو مفاجئ وقد تظهر تدريجيا، لكنها في الغالب تكون محصلة لعدد كبير متراكم من الضغوط الاجتماعية والنفسية التي عجزت الشخصية عن مواجهتها أو تحملها أو اكتشاف آليات مواجهة إيجابية أو سلبية مناسبة لمواجهة هذه الضغوط. هنا قد يقول الشخص إن مشاعره تجمدت وإن أفكاره غريبة، وإنه قد تحول إلي آلة أو إنسان آلي. هنا تبدو له الأشياء غير صحيحة والبشر غير حقيقيين، يفتقرون الحيوية، وقد يشعرالشخص بأنه في حلم أو في غشية من أمر، وأنه مرتبك ، وفي حيرة، وأن عقله قد مات. إضافة إلي الاحساس المتحول بالزمن، حيث يتشوه الإدراك للزمان والمكان ويبدو الزمن وكأنه تنطبق عليه مقولة إينشتين «إن المبرر الوحيد للزمن هو ألا يحدث كل شيء في اللحظة نفسها» في مشهد من وردية ليل نجد الليل الموحش، والأماكن المفتوحة والمعتمة، وعالم من البشر يعملون في استقبال البرقيات وارسالها، شخصيات وحيدة منعزلة علي الرغم من وجودهم معا، وفي عالم غريب موحش. وفي قلب هذه الشخصيات نجد «الحريري» الموظف صاحب الوجه النحيل الشاحب، واللحية النابتة البيضاء، والعينين الحمراوين بلون الدم - والذي يبدو ، بسبب غربته واغترابه، وبسبب حياته الطويلة المرهقة الجافة في عالم الليل الروتيني المتكرر قد اختلط لديه الزمان بالمكان فأصبح يطلق الآذان ويدعو الناس للصلاة في غير مواقيتها، بعد أن ينتصف الليل بزمن. وقد كان صوته كما أشار إبراهيم أصلان يتردد ضعيفا بين عشرات من لمبات النيون المعلقة «كان يكرر الآذان ويردد، وأثناء التكرار كان يمد هذا الصوت حتي يحتبس ويضيع ويضيع ثم ينفلت بعيدا ثم يأتي مسموعا مرة أخري. وقد كان يؤذن بكلام مبهم غير مفهوم لكن له نغمة الآذان. هنا الآذان ، دلالة علي الآلية والنمطية، دلالة علي اختلاط الشعور بالزمان والمكان، دلالة علي فقدان الإنسان لإنسانيته، دلالة علي أنه صار يعمل مثل آلة ، تصدر عنها نغمات مبهمة، صار يتوجه في سلوكه بفعل أصوات تسيطر عليه بدلا من أن يسيطر هو عليها، صار سلوكه غير مفهوم وغير مألوف، فقد الألفة ووقع في براثن «ذلك الشيء غير المألوف» الذي تحدث عنه «جيجك». هناك حالة أشبه بحالة انهيار التمثيلات أو العجز عن الوصول إلي تمثيل معقول وقابل للفهم حول الواقع وحول الحياة. (وكما تحدث عنها كانط وبعدْ ليونتار). هنا الذات نفسها قد تحولت إلي آلة تصدر عنها الأصوات ، هذه الذات ليست موجودة في داخلها ، لأنها ليست موجودة في داخلها ، لأنها لا تمتلك و عيها الخاص، هنا شخص وربما مجتمع قد وقع في براثن عالم من الإيماءات والحركات والأصوات الطقسية النمطية المتكررة التي تكشف عن غياب الوعي وجمود الإبداع وضياع الإنسان وغربته واغترابه في عالم انتهك آدميته وسلطة مستبدة وظروف خانقة حولته من إنسان إلي آلة، هناك التكرار الذي يعني أن لا شيء يحدث، وأن الزمان يعيد نفسه ، وأن الأحياء قد اصبحوا موتي والموتي قد أصبحوا أحياء. وثمة دلالة علي هذا الشعور الخاص باختلال الشعور بالهوية، بالذات بالشخصية في هذه القصة ومنها ، تمثيلا لا حصرا: 1- الشعور بالغرابة البدنية: هنا نجد الشخص يشعر بأنه لا يتحكم في حركات جسمه وانفعالاته المترتبة عليها أو أنه قد أصبح مثل الآلة المتحركة دون إرادة منه، أو أن ذاته موجودة خارج حدوده الجسدية. 2 - التحولات الوجدانية: هنا يشعر الشخص بحالات من عدم الاستقرار أو الاتزان الوجداني ، قد تتراوح بين التبلد الانفعالي واللامبالاة والجمود العاطفي أو الاندفاع والعنف والعدوان. وهكذا كان «الحريري» يبدأ متحمسا للأذان ، ثم تنهمر عيناه بالبكاء والدموع التي تبلل وجهه الشاحب النحيل. 3 - خبرة الخواء العقلي: حيث يترتب علي اضطرابات الذاكرة واختلاط الزمان والمكان لدي هذه الشخصيات نوع من الشعور لدي الشخصية بفراغ العقل من محتوياته، شعورها بأنها ليس لديها أفكار جديدة في عقلها ، ويترتب علي ذلك: 4- الاستغراق القهري المتكرر في فحص ذواتهم وحياتهم. 5- الاغتراب عن الواقع المحيط به: هنا يقر الأفراد الذين يعانون من تلك الحالة بأنهم قد عزلوا عن واقعهم الخاص بهم، وقد انقطعت صلاتهم به، حيث تبدو الأشياء لهم غير واقعية كما أن العالم يبدو لهم ليس كما ينبغي أن يكون.