محافظ الغربية يتابع بدء استقبال طلبات التصالح في مخالفات البناء بزفتى والسنطة وطنطا    رئيس البورصة: انطلاق المؤشر الإسلامي قبل منتصف العام الحالي    العدوان على غزة.. رئيس النواب يشيد بالدور المصري ويحمل الحكومة الإسرائيلية مسئولية التصعيد    جهاد جريشة يهاجم بيريرا: مبيطورش الحكام    استغل خروج زوجته.. تفاصيل هتك عرض طفل على يد زوج الأم في بولاق الدكرور    وزير الري يتابع تدبير الأراضي لتنفيذ مشروعات خدمية بمراكز المبادرة الرئاسية حياة كريمة    1.6 مليار دولار حجم الصادرات الغذائية المصرية خلال الربع الأول من 2024    «معلومات الوزراء»: توقعات بنمو الطلب العالمي على الصلب بنسبة 1.7% عام 2024    رئيس البورصة: النظام الإلكتروني لشهادات الإيداع الدولية متكامل وآمن لتسجيل العمليات    انطلاق الأعمال التحضيرية للدورة ال32 من اللجنة العليا المشتركة المصرية الأردنية    جدول مواعيد امتحانات الشهادة الإعدادية العامة 2024 في محافظة البحيرة (الترم الثاني)    وزير الخارجية الإسرائيلي: دخول الجيش إلى رفح يعزز الهدفين الرئيسيين للحرب وهما إطلاق سراح الرهائن وهزيمة حماس    اليوم.. تنصيب بوتين رئيساً لروسيا للمرة الخامسة    باحثة سياسية: الدور المصري له أثر كبير في دعم القضية الفلسطينية    رئيس جامعة بنها يترأس لجنة اختيار عميد كلية التجارة    "أمور خفية والنفوس شايلة".. كريم شحاتة يكشف عن أزمة البنك الأهلي في الدوري    دويدار: معلول سيجدد تعاقده مع الأهلي    اسعار الاسماك اليوم الثلاثاء 7 -5-2024 في الدقهلية    العد التنازلي.. كم متبقي على ميعاد عيد الأضحى 2024؟    العد التنازلي يبدأ.. موعد امتحانات الثانوية العامة 2024 علمي وأدبي    طقس الفيوم اليوم الثلاثاء.. مائل للحرارة نهارا والعظمى 31°    أسرة الطفلة السودانية "جنيت" تحضر أولى جلسات محاكمة قاتلها    إصابة 3 أشخاص إثر حادث تصادم سيارة ملاكي وموتوسيكل في الدقهلية    مدير حدائق الحيوان ب«الزراعة»: استقبلنا 35 ألف زائر في المحافظات احتفالا بشم النسيم    رئيس جامعة حلوان يشهد احتفالية أعياد شم النسيم بكلية السياحة والفنادق    المتحف القومي للحضارة المصرية يحتفل بعيد شم النسيم    ياسمين عبد العزيز: «كان نفسي أكون ضابط شرطة»    لقاح سحري يقاوم 8 فيروسات تاجية خطيرة.. وإجراء التجارب السريرية بحلول 2025    لا تأكل هذه الأطعمة في اليوم التالي.. الصحة تقدم نصائح قبل وبعد تناول الفسيخ    مدحت شلبي يعلق علي رفض الشناوي بديلًا لمصطفى شوبير    رويترز: جيش الإحتلال الإسرائيلي يسيطر على معبر رفح الفلسطيني    زعيم المعارضة الإسرائيلي: على نتنياهو إنجاز صفقة التبادل.. وسأضمن له منع انهيار حكومته    كيفية صلاة الصبح لمن فاته الفجر وحكم أدائها بعد شروق الشمس    عبد الجليل: استمرارية الانتصارات مهمة للزمالك في الموسم الحالي    مصرع سيدة أربعينية أسفل عجلات قطار المنيا    لاعب نهضة بركان السابق: نريد تعويض خسارة لقب الكونفدرالية أمام الزمالك    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 7-5-2024    إصابة الملك تشارلز بالسرطان تخيم على الذكرى الأولى لتوليه عرش بريطانيا| صور    اليوم.. مجلس النواب يناقش حساب ختامي موازنة 2022/2023    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    «أنا مركزة مع عيالي أوي».. ياسمين عبدالعزيز تكشف أهم مبادئها في تربية الأبناء    ياسمين عبد العزيز:" عملت عملية علشان أقدر أحمل من العوضي"    صدقي صخر: تعرضت لصدمات في حياتي خلتني أروح لدكتور نفسي    أمين البحوث الإسلامية: أهل الإيمان محصنون ضد أى دعوة    صدقي صخر يكشف مواصفات فتاة أحلامه: نفسي يبقى عندي عيلة    كريم شحاتة: كثرة النجوم وراء عدم التوفيق في البنك الأهلي    صليت استخارة.. ياسمين عبد العزيز تكشف عن نيتها في الرجوع للعوضي |شاهد    الدوري الإنجليزي، مانشستر يونايتد يحقق أكبر عدد هزائم في موسم واحد لأول مرة في تاريخه    اللواء سيد الجابري: مصر مستمرة في تقديم كل أوجه الدعم الممكنة للفلسطينيين    ب800 جنيه بعد الزيادة.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي الجديدة وكيفية تجديدها من البيت    فرح حبايبك وأصحابك: أروع رسائل التهنئة بمناسبة قدوم عيد الأضحى المبارك 2024    إبراهيم عيسى: لو 30 يونيو اتكرر 30 مرة الشعب هيختار نفس القرار    الأوقاف تعلن افتتاح 21 مسجدا الجمعة القادمة    رغم إنشاء مدينة السيسي والاحتفالات باتحاد القبائل… تجديد حبس أهالي سيناء المطالبين بحق العودة    هل يحصل الصغار على ثواب العبادة قبل البلوغ؟ دار الإفتاء ترد    بعد الفسيخ والرنجة.. 7 مشروبات لتنظيف جسمك من السموم    للحفاظ عليها، نصائح هامة قبل تخزين الملابس الشتوية    أستاذ قانون جنائي: ما حدث مع الدكتور حسام موافي مشين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كلمة حق واجبة
نشر في الواقع يوم 30 - 08 - 2010


النور لن يحجبه أي غيوم هكذا هي الموهبة الحقيقية!!!
تأخرت فى نشر هذا الفيض والكلمة الطيبة عن نصوص"عبير الاختناق" للموهبة الحقيقية(سيلفانا الحداد) التى سوف يكتب لها النور فى أتى الأيام القادمة، رغم ادعاءات الزيف والزور التى تقلل من شانها. وأنا أعلم الناس بعد الله بمدى طهر هذه الموهبة، وكيف ولدت عبارات وجمل ومعانى هذا العبير "عبير الاختناق" على يدي أنا، مما يجعلنى شديد الإيمان والثقة بصاحبة هذا الكلم النابع من وجدانها المتدفق.
أترككم مع تفاصيل (عبير الاختناق) حتى تثقون كما أثق عن يقين أن كل ما ضمه دفتيه هو فيض من الله أفاضه على صاحبته(سيلفانا الحداد)، وأيضا لتروا بأعينكم وبمنطق العقول مدى تماسك النصوص ولضمها بعض ببعض مما ينفى عن نفسه أية شبهة للاقتباس أو التأثر بأي أحد.
قراءة تفسيرية
لنصوص عبير الاختناق
تشتت الذات عند سيلفانا الحداد في الألغاز الوجودية
والعلة في حالة الاغتراب الفوضوي
تشكل مجموعة نصوص الكتاب الجديد "عبير الاختناق" لسلفانا حداد أهم معالم الإنسان، وحالة تشتته فى تيه النفس البشرية المقيدة فى طينته الأرضية التى تحاول مع النفس أن تشطح في فك طلسم الوجود من حولها فى طرح عدة علامات تعجب، تفرضها علامات استفهام أكبر لكنها تأتى على استحياء منزوية مترددة بصوت واهن خائف من التصريح بما رأى فى حالات الشطح هذه.
يفتح هذا الكتاب أفق الاستفهام والدهشة بلون الأحزان المغتربة في فضاء سرمدي لا نهاية له حيث البداية العادية لكل شيء فى الوجود .. صراخ.. بكاء.. فرح. ثم يرتكن كل شيء إلى الذبول؛ ليعود إلى بدايته ونسمع مرة أخرى فى الأفق الصراخ والبكاء من جديد لتتجدد حالة الاستفهام والدهشة تلقائيا.
تشتت الذات الشاعرة عند سيلفانا الحداد فى الألغاز الوجودية بلا جدوى، والعلة في حالة الاغتراب الفوضوي المقدر، المفروض على الإنسان. كل هذا يدور من خلال طرح نص منظوم هو حصيلة كتابها المعنون باسم "عبير الاختناق".
نحاول هنا كشف ألغاز سيلفانا، فى هذه القراءة التفسيرية لنصوصها الشعرية فى "عبير الاختناق"، ونرى ما لها وما عليها. وأين نجحت وأين أخفقت؟
نبدأ ب
أولا: تحليل النصوص
تفتح سيلفانا الحداد عالمها بنص" نسيان"، لترصد حالة من الوهج المحزون الملضوم بالتيه داخل النفس البشرية، عندما يفقد النسيان الذاكرة، فماذا بعد؟ وتتعدد فضاءات طرح الأسئلة للذات المتحيرة في عالمها الطيني فتقول:
أين سقف المكان...
لماذا؟ تجيب الذات هنا في رغبتها بأن تطل من جديد على عالم ما حتى لو كان شرخا في الجدار:
نبحث عن شرخ نطل منه في جدار التوهان.
هنا في النص الشعري "تيه" تستمر حالة عتب الذات على حالة التشرد والضياع في" تقلص الآمال"، وتستمر أيضا الذات الشاعرة بطرح الأسئلة الكونية المبهمة، فتسأل:
يا معجم الزمن، لماذا نحتار؟
لماذا يصعب علينا الاختيار؟
ويطيل البحث عن " أجنة الأمل" وفى البحث الطويل يأتي صدى صوت مترجٍ من داخل عمق الذات في استخدام مفردة الترجى " لعلها ... لعلها" لعل الأمل يعود؛ فتتوحد الذات مع الضمير الجمعي في "إلينا" ليبقى الأمل المشترك الوحيد لجمع الناس على مساحة ود في مواصلة الآمال.
فى النص" لقيمات" هو حقا مجرد لقيمات من "خبز الأماني" التى هى الأخرى ضاعت بضياع الآمال فى التيه خلف فقدان النسيان الذاكرة.. وبهذا التسلسل الإنساني فى اللاوعي عند الذات الشاعرة المتحيرة غير مصدقة بأن يوما ما قد " تتحقق الوعود". هنا تعود الذات إلى التمحور حول نفسها، فهى هنا تستخدم ضمير المفرد وكأنه حالة التمنى حالة خاصة ولكل فرد أمنياته الخاصة التى تختلف عن المجموع.. المجموع الذى شارك بالفطرة الذات نفسها فى حالة فقدان النسيان الذاكرة، وشاركها أيضا فى الضياع بالتيه.
وتشتد أزمة الذات الشاعرة، وتبدأ فى كشف ما غمض فى النصوص السابقة هنا فى نص" ذنب" لتوضح الذات هنا العلة وتضع الجواب الذى هو الآخر جواب محير لا تخرج منه بشيء غير علامة استفهام أخرى، أكبر لتزيد الحيرة والقلق فى فهم هذه الذات التى تجلد نفسها. والجَلد ربما كان " ذنب" هو السبب، لكن الذات مازلت حائرة فى معرفة سبب الذنب:
لا أعلم ..
لماذا اخترتك ...
أم ساقتني أقداري إليك فأحببتك ...
وتتشتت الحيرة وتنتهى على صخر الوجود حقيقية كونية أزلية لا حيلة للإنسان فيها، فتقول:
فيضيع النهار ...
ويبقى سواد الليالى ..
وزفير يعزف ناى الأنين.
فى النص الخامس "الدف"، وتضع سليفانا هنا الألف واللام المعرفة لمفردة "دف" ويفيد التعريف هنا ارتباط ما فى نفسية الذات الشاعرة بطقس شعائرى ما:
دقات طبل ..
على جلد الدف ..
بأكف الصبر ..
لها سجع الكلمات ...
لها مقدار ...
صلاة فى معبد الإنسان.
مرتبط بالدف المصحوب دوما فى المعتقد الإسلامي بأنه الآلة الموسيقية (الحلال)، والتى كان يستمع إليها رسول الإسلام محمد الأمين، لذا جاءت الدف معرفة على عكس عناوين النصوص السابقة التى جاءت نكرة والتى أفادت حالة التشتت غير المسبب. أما هنا فى الدف فالذات تعرف ولأول مرة تعرف مدخلها (الدف) وما يصحبه من طقس وجودى يعلن عن نفسه بالإيقاع الرصين. تختم الذات الشاعرة بنفس الحيرة والقلق و التى ذيلت بها نصوصها السابقة ، فتسأل:
أيا زفير العمر
أين شهيق طفولتنا ...
قبل عبير الاختناق...
وتأتى مشاركة ظلال الهلاوس البصرية فى نص "ظل"، حيث ظل آخر يشارك الذات الشاعرة فى المكان، وأينما تولت ثمة ظلال النفس التائهة عازفة على دف الآمال الضائعة لأنه ظل كما تقول سلفانا:
لظل أخرس محفور فى المكان ...
يتمرد الظل هنا على الذات الشاعرة فيشكوه إلى نفسها فيقول:
يشكو إلى لونه الرمادى السرمدى ..
عدم معرفة الحرف الأبجدي ...
لا يعرف حس اللمس ...
فيضيع الظل وتضيع الذات الشاعرة.
يتمرد الظل في الذات الشاعرة هنا فى نص"فتات"، ويعلن رفضه لضياع سنين عمره هباء، فيقول:
كفتات الخبز يتساقط عمري ...
يقتات عليه من يقتات ...
ما هو إلا فتات ...
يقتات عليه من يقتات ...
مر عليه الزمن وفات ...
فى هذه الانتقالية مابين الذات الهائمة فى الملكوت إلى الذات الهائمة فى الذات نفسها. انتقلت سليفانا ببراعة جراح يضرب مشرطه فى أفق الإشارات والإلهام إلى التأويل ومن ثم الرفض. نعم رفض أن يضيع هكذا الإنسان هباء أن تسقط منه سنوات العمر.
الطرح هنا ينتقل رويدا رويدا إلى عالم أخر عالم المسخرات فى خدمة الإنسان من جبال ورياح ورمال وشموس،الخ. هذا العالم المسخر لمعنى وجودى يعلمه الله للبرهان على عظمته وقوته وضرب الأمثال به للإنسان حين يشطح وينكر. لكن هنا سيلفانا لا تنكر ولا تشطح إنما توحد مابين الطبيعة المسخرة وبين الإنسان أمير هذا الكون. والعجب أن سيلفانا وتوحيدها ببراعة تحسد عليها مابين المحدود ورغبته فى فك شفره العالم اللامحدود وتستعين سيلفانا هنا بالعرافة، فتقول:
لعلها تجد عرافة
تقرأ لهم
كفوف
ليست لهم...
إذن نحن بصدد مشكل كوني مستعار صفة الإنسانية التعسة تفرضه سيلفانا هنا على القارئ فى نصها"عرافة" إذ ترمز للبشر بحبات الرمال، فتقول:
تاهت الرمال
فى صحراء الزمن ..
كانت تلعب
مع رياح الأيام ..
تجرى مع ظل الليالي ..
تتسابق مع بعضها ...
وماذا حدث لهذا الخلط بين البشر وبين رمال الصحراء؟ فتقول سيلفانا:
أخذتها عواصف
دون جواز سفر ..
على شط
من شطوط البحر ..
صاحبت الصدف ..
وبهذا الخلط والتوحد فى المصير تكشف سيلفانا أن القضية الأزلية والأمر محسوم، فالإنسان هو الإنسان وإن تغير وإن تبدل فهو الكائن المتحير الذى لا يهدأ له سؤال أو الذى لا تغمض عيناه عن الاندهاش الدائم.
تؤصل سليفانا الحداد في نص "قطع الشط" مشهدا جنائزيا مهيبا مع تفاصيل الذات المشتتة ما بين وصل الحنين وبتر الأشواق لأنها فى الأساس ( النسيان فقد الذاكرة)، فيتكرر المشهد ألاف المرات من تكرار نفسه وفى كل مرة يزداد العويل والبكاء وكأنه أول مرة، لماذا؟ لأنه كما أخبرتنا فى نصوصها الأولى أن النسيان فقد الذاكرة، فتسجل سيلفانا هنا دورة الليل والنهار فى أسلوب بليغ ومبتكر، فتقول:
فى جيب النجوم
جلس القمر القرفصاء
خلع خمار المحاق
انزلق الشال الأسود
من فوق كتف السماء
على أرض الشروق
لملمه الشفق
وضعه فى الماء
فكان المساء يبتسم...
وهكذا مع نص "قطع شط" تفك سيلفانا طلاسم نصوصها الأولى البكر فى الوجودية لتبرهن دورة الحياة المستمرة رغم أنف النسيان فاقد الذاكرة هذا.!
بعد تلك القطع المفروشة من شاطئ الذات التى قدمها الرمل من دموعه يأتى نص "تراب الأحلام" صورة أخرى من الشقاء الوجودي التعس للإنسان المتجسد فى جثة الأحلام التى أمست ترابا لتعبث يد الذات الشاعرة فى هذا التراب ، فماذا وجدت؟ فتقول:
أطياف كؤوس
تمتلىء من أباريق الوهم!
بعد حالة اليأس فى اللا حلم، والحلم تعود بنا الذات الشاعرة إلى الفكرة المجردة والتى شبهتها فى نص"مهرة" بالمهرة العافية التى ترمح بنا لتسبق الريح حتى تصل إلى الفارس المسحور عشيق صهيلها؛ لكنه أين؟ هو متجسد فى بعض الصفات الأسطورية التى ألبسته إياها سيلفانا ، فقد حددت ملامحه:
فارس يمسك درع
من معدن له صوت ضميرى
وسيف له بريق عيونى
و لجام من جلد الحياء
تستحى أن تلمسه كفوفى
تتشابك الألغاز فى النصوص التالية" مذاق - مقعد الصبر- قبلة الشفق" بطعم المذاق، مذاق بطعم اللاطعم برشف أكواب من علقم على مقعد الصبر؛ لتشييع جنازة الوقت حتى تمر الحياة بين التماس شفتين في قبلة الشفق:
قبلة من شفاه الشفق الأحمر
على جبين فجر وجهها ...
إنها النفس الأميرة
يا بشر
يحل الظلام؛ ليعنكب على الأميرة نص"تبعثرت" لتعود مرة أخرى الذات الشاعرة إلى وكر النسيان كما بدأت به نصوص كتابها في النص الأولى"نسيان" صفعة أخرى قدرية مصحوبة بالجبر تفرض النسيان على ضفاف"عبير الاختناق".
محاولة للهروب من قهرية النسيان فى نصوص الثلاثية للمقاومة والرفض" أغصان الْبَرْقَ- رُفِضَتْ- كفوف السلام" فتفتح سليفانا هذه الثلاثية ب:
اشْعُرُ بِأَجنِحَتَّىْ تَطَيَّرُ ..
تُحَمِّلْنِى إلى دُنْيَا
سَمَائِكَ الْمُلَبَّدَةَ ..
أغوص فِىْ سَحَابَاتِكَ الْرِّمَادِيَّةِ ..
أحْتَاجَ إلى نَفْسِ عَمِيْقٍ ..
فَأَنَا بِفَنٍّ الْغَوْصِ فِىْ أعماقك مُدَرَّبَةً ..
لتسأل بدهشة المتمني في رجائه بأن يرى:
دَعْنِىْ أرى ؟
ترى ماذا؟ فتجيب الذات الشاعرة:
حُرُوْفٌ تُسَبِّحُ .. تَائِهَةٍ ..
كَلِمَاتٌ غَيْرُ مُعَرَّبَةٌ ..
لَا أعْلَمُ لُغَتِهَا ..
أشلاء عِبَارَاتُ
انْتَحَرَتْ مِّنَ فَوْقَ سُطُوْرِ ..
ترفض الذات الشاعرة هنا كل ما سبق وعلى الرغم من حالة الانتحار هذه للظواهر التعبيرية المرتبطة بالإفصاح والبوح إلا إنها تصر على الرفض كسلاح مقاوم لتعسف الذات الأخرى التي تفرض أشياء وإحساسات على الذات الشاعرة ما لا يطاق، فتقول سيلفانا:
رُفِضَتْ
أن تَكُوْنَ زَاوِيَةً مِنْ زَوَايَا مِحْوَرُهُ الْمُتَعَدِّدَةٍ
رُفِضَتْ
أن تَنْسَكِبُ فِىْ رُكْنٍ
تَتَرَاكَمُ تَأْخُذُ شَكْلَ الْصَّبْرِ
أن تَكُوْنُ عَلَىَ دَائِرَةِ صَحْرَاءِهِ
تَلْتَحِفُ بِحَرِيقٍ شَمْسُ نَهَارُهُ
تَتَجَرَّعُ سَمِّ عَقَارِبُ الْلَّيْلِ
رُفِضَتْ
كُؤُوْسَ فَارِغَةُ
ومع هذا الرفض والرغبة في التحقق والمقاومة، تطرح سيلفانا نصها المكمل لثلاثية المقاومة "كفوف السلام"، كمعادل سلام وواحة أمن داخل الذات الشاعرة، فتقول سيلفانا:
للبدر ابتسامة تظهر ...
لها وميض من نجوم ...
انتشرت على وجنات السماء قبلات ...
لأريج أنفاسه عبق الشروق ...
"قل لي لماذا أنت- قالت له علمنى" فى هذه الثنائية المتناقضة تخاطب الذات الشاعر الحبيب المتخيل أو المرتجى أن يحقق الآمال وتعود معه الذات الشاعرة أكثر توافقا مع نفسها، فتزيد من عتابه حتى يكون في الهوى من يستحق قلبها، فتقول:
قل لى لماذا ؟
أرى بيتك دون احتواء
سلالم طويلة عناء
ستائر لا تستر عراء
وتترجى هنا المحبوب بأن يأخذ بيد الذات الشاعرة، فتقول:
قَالَتْ لَهُ عَلِّمْنِىْ
كَيْفَ أكْتُب كَلِمَةَ إخلاص
وَكَلِمَةُ صِدْق
وَكَيْفَ ارْسِمُ قَلْب
وَأطبع قِبْلَةً عَلَىَ بَطْنِ الْكَفِّ
وَأكَلِّمَ عُصْفُوْر الْحُبِّ
"شاطىء المر- سُطُوْر- الْلَّيْلِ- تَمْتَمَاتُ" يطول اندهاش الذات الشاعرة فى محاولة منها لفك شفرة الألغاز الوجودية من حولها، ولماذا هى بالذات التى تعانى هذا العناء فى السؤال، فتقول سيلفانا:
سألت ذاتي عنك ..
أأجدنى عندك؟..
أبحث عن نفسى فيك ..
تسطر الذات الشاعرة رحلة البحث عن من يسطر وجعها المرهون بفك طلسمه إذ وجد من يستطيع أن يكتبها، فتقول سيلفانا :
سَأَلْتُ بُوْحِى ....
هَلْ لَهُ أن يُكْتَبَ جَرِوِحَىِّ ؟؟؟؟ ....
قَالَ لِىَ ....
قَدْ اسْتَأْذَنَ وَكَلَّمَ الْقْلُمَ ...
أن يَخُطَ ...
هيهات هذا من يخط كل هذا الجروح، فتقول سيلفانا فى" الليل":
لِلَّيْلِ قَلْمٌ وَ دَفَاتِرِ زَمَنِ
وأحبار نَاطِقَةِ وأخرى صَامِتَةٍ
لماذا هذا الصمت والعجز الليلى وتشتت الأنا ما بين رغبة تسطيرها عبر الزمن أسطورة وبين طمس حروف الأسطورة(الإنسان) فى النسيان فاقد الذاكرة، فتقول سيلفانا:
حُرُوْفٌ صَمْتِهَا مُدَوِّى
حُرُوْفٌ ضَجِيْجِهَا غَيْرُ مَسْمُوْعٍ
انَّهُ
صُمِّمَ الْظَّلامِ
وتأتى رباعية هذه النصوص "تمتمات"، فمن هذا الذى يتمتم؟ إنه الصمت. تتفوق سيلفانا الحداد هنا على الذات الشاعرة في رغبة الإفصاح عن ذاتها هى تسجيل لحظات حبور كانت أو قد ستكون، فتقول:
أمْسِكُ الْلَّيْلِ بِأَوْتَارٍ الْسُّكُوْنُ ...
عَزَفَ عَلَىَ عُوْدٍ الْرَّيَاحِيْنِ
وَقَانُوْنَ الرِّيَحُ
وَدَفَ يُدَقُّ بِأَنَامِلَ الْوَقْتِ ....
فَتَمْتَمَ الْصَّمْتِ
تَمْتَمَاتُ صَاخِبَةٌ الْهُدُوءْ ...
الليل بقدر ظلامه وغربته وذكريات الموجعة فى تاريخ الذات الشاعرة إلا أنه مازال يحمل بعض البريق ذا ضى حنون يحمل الذات الشاعرة إلى عالم آخر تريده وتشتهيه، فتقول:
ضَحِكَ الْقَمَرَ بِرَنَّاتِ غَنَاءً ...
طَبْطَبَ الْفَجْرِ بِكَفِّ الْصُّبْحِ ....
عَلَىَ كَتِفِ الْلَّيْلِ..
وبهذا الطبطبة تختم سيلفانا الحداد نصوص كتابها بنص" الولد" نص أكثر إشراقا وهو هنا يفك طلاسم النصوص السابقة كلها بالرغبة فى الأمل والتواصل.. خروج روح من روح.. خروج حياة من حياة، فتقول:
يشاور لى الآجل
أن تعالى
احضني الغد
مقاومة .. نص مقاوم لحالة اليأس وطي شراع الصمت والحيرة والتشتت والفقد فى تيه بحور وظلمات سيلفانا الحداد، فبرغم قولها:
يمسك بيدى الزمن إلى حيث لا أعرف
وكيف أعرف ما يخبأه الدهر
أسمع أنين السنين على ولدها الماضى يبكى .
دموع ذكريات ما تلبث أن تجف
من ريح الوجع يئن و يئن
لكنها الحياة. اللغز ذات الطلسم الذى حير العلماء وجن الفلاسفة وسحر الأدباء، فلا تجد الذات الشاعرة مفر فى ختام نصها وختم نصوص كتابها الموجوع الغارق فى ظلامية الأنا، ففى نشوة النصر والتغلب على قهر الآخر الزمن، تقول سيلفانا:
ولا زال الولد يعدو...!
ثانيا: الجماليات الأدبية في النصوص ومنها:
1- بساطة اللغة ووضوحها:
جاءت نصوص سيلفانا حداد فى كتابها " عبير الاختناق" بمفردات سهلة وبسيطة وليس فيها تكلف أو صنعة لفظية حتى فى مناقشة المسائل الوجودية لذات ودهشتها من حالها؛ فجاءت الألفاظ بيسر، فتقول سيلفانا على سبيل المثال:
تتقلص الآمال
من مخاض التيه
حبلى الأيام
يتألم الوجع .
فالمشهد هنا يعبر عن ألم الوجع نفسه لحبل الأيام أثناء مخاضها، فيتقلص الأمل مشهد بسيط دون تكلف أو تعقيد مفرداته لكنه غاية في العمق والأناقة التعبيرية. وكلما ابتعد الكاتب عن التعقيد والزحلقة اللغوية فى معجمه الأدبي كان أسهل وأسرع وصولا للقارئ، وهكذا جاء معجم "عبير الاختناق" فى تراكيبه البسيطة وسطوع المعانى.
2- spanالزمان والمكان فى "عبير الاختناق"/span
ليس هناك فضاء محدد معروف بأركانه الأربعة في نصوص "عبير الاختناق، إنما فضاءات مفتوحة على بحار الأنا بكل نزاعاتها وأماكنها وأزمانها فليس هناك مجسم طبيعى لحالة المكان أو الزمن بثوبهما المتعارف عليه، فتقول:
أين فوهة الزمان
أين سقف المكان
لكن حيز ما داخل النصوص ينتج حالات من التعبير عن الزمن والمكان كمنتج هلامى ابن شرعى لحالة الذات الشاعرة المتحيرة أمام العالم الكونى عند سليفانا الحداد، فنراها ترصد المكان ب(جدار التوهان- حجرة الماااااضى- ركن نفسى- الدروب- معبد الإنسان- عمود الروح- بيتك دون احتواء- شاطىء المر- للَيل محطات - بيت الْعبارات- ... )
وهكذا تغزل سيلفانا ثوب زمانها بمنطق الأشياء الهلامية الزمن اللامرئي إلا بعين الذات الشاعرة التى تجدها تحن إلى الزمن كمتعارف عليه من وقت محدد، إلا إنها لم تستطع رصد وقت زمن مرتبطا ببداية ونهاية وتتصاعد المفردات الدالة على الزمن فى نصوص سيلفانا لتوقع بالقارئ فى حالة الاغتراب الزمنى، ومن هذه المفردات التى لخصتها الذات الشاعرة لتأصيل الزمن فى نصوصها فتقول:
أيا دهر هذا ابنك الزمن ...
و بناتك السنين...
يا جد الساعات و الدقائق
وعمر يلعب بالثوانى
فيضيع النهار ...
و يبقى سواد الليالى
فأي أشارة أخرى تعبر عن الزمن غير هذا التدفق البارع فى وصف الزمن؟!
وهكذا تستمر فى رصد مفردات الزمن وما تعبر به من معانى شعورية تكاد تكون خاصة جدا فى مخزون سيلفان الحداد الإنساني.
3- جماليات الصور الاستعمارية المبتكرة
تتميز الصور البلاغية عن سيلفانا الحداد بالابتكار، حيث يمكننا عند قراءة النص أن نتعرف على صاحبه مباشرة دون ذكر اسمه؛ ولعل هذا التميز ما ميز كبار الشعراء بالخصوصية، فمثلا حين نقرأ أي قصيدة دون ذكر اسم الكاتب عليها نعرفه مباشرة لمن تنتسب هذه القصيدة، فمن لا يميز جماليات صور نزار قبانى وصلاح عبد الصبور من هذا الذى لا يستطيع أن يفرق بين قصة لنجيب محفوظ ويوسف إدريس.
هذا وتحمل صور "عبير الاختناق" أكثر من بعد دلالي ليتعدى البعد البلاغي والجمالي إلى أبعاد أكثر تعقيدا نحو الأبعاد الميتافيزيقية (ما وراء الطبيعة) لتستعير صورا بتراكيب فريدة وعجيبة وهذا واضح من عنوان كتابها(عبير الاختناق) ليحمل عدة أسئلة تثير الدهشة، فترى أي عبير هذا الذي يخنق؟ ويخنق من؟ ومن أين هذا العبير الخانق؟ ولماذا يخنق فى الأساس مع أنه من المفترض أن العبير يحمل معنى ما للحياة؟
إذن الحياة نفسها حبل سرى يحمل الذات والقوت للجنين الإنسان، وحين يحدث خلل يلتف هذا الحبل حول العنق فيخنق الجنين الإنسان. وبهذه الصورة شديدة الغرابة والتأويل الأغرب تموج معظم صور كتاب سيلفانا الحداد، فمنها:
( تراب سكنته الثلوج - يتألم الوجع - خرجنا من بطن العدم - تبقى جثة للتمنى- يكون عصفورى غرابى- لا يعرف حس اللمس- خرق بكارة الدف فمات الفناء - أم هو لؤم داخل وعاء- متهجن صوتك ككلب له عواء- ...).
تحمل هذه الصور من الطرافة والغرابة المعنى، وما وراء المعنى مما تحتاج إلى دراسة أخرى فى الأسلوب البلاغي ودلالات الاستعارة المختلفة وتوظيفها فى خدمة النص الأدبي.
وبهذا تدخل سيلفانا الحداد دار الكتاب المبدعين بهذه الخاصية والميزة بصورها البلاغية المبتكرة التى تضفى عليها بصمتها الخاصة وبرغم كون "عبير الاختناق" عملها الثاني إلا أنه يحمل السمات الأسلوبية الخاصة التى سوف تضع سيلفانا الحداد بأسلوبها الوليد، هذا بجوار القامات العملاقة أن وفرت له المناخ الصحي بتعدد القراءات، وانفتاح رؤيتها إلى عوالم أخرى فى قضية الإنسان على الأرض.
spanيتضح مما سبق بعض السمات المميزة والأساسية عند سيلفانا الحداد وهى:/span
1- بساطة اللغة، وهي سمة بارزة في نصوص سيلفانا تقترب إلى اللغة الثالثة الممزوجة ما بين الفصحى وعامية المثقفين. وهذا واضح فى الكثير من استخداماتها التصويرية وتراكيب بعض الجمل لديها، فضلا عن أنها تقدم طرح فكرتها بيسر وبمفردات سهلة بعيدة عن التعقيد والإغراق فى الأبعاد الفلسفية أو البلاغية المطلسمة .
2- يتمتع أسلوبها برنة موسيقية داخلية من بنية الجملة نفسها، فالموسيقى تنبع من توظيف الصورة والمشهد الذي ترصده حيث يشارك النغم هذا الإضاءة التي تختلف درجاتها من مشهد إلى مشهد وحسب نوع المشهد نفسه من فرح أو طرح.
3- التعبير عن الألم الإنساني المتقوقع داخل الذات.. داخل الأنا، والتي تصلح لتعبير عن كل البشر.. ببراعة شديدة تمتلكها سيلفانا بموهبة حقيقية تجعل أي إنسان أن يتوحد مع نصها وإن اختلف في بعض أفكاره.
4- يتميز المكان والزمان عند سيلفان بقدسية خاصة، فهما ليس بالمكان أو الزمان المتعارف عليه.. وهى هنا تحقق قيمة عالية وثوب جديد لتفسير قيمة المكان والزمن.
في الختام:
لقد حاولت عبر هذا التفسير الاقتراب من العالم الإبداعي عند سيلفانا الحداد، وهي محاولة اجتهد صاحبها أن يقرأ نصوص سليفانا من داخل النصوص نفسها، ومن هنا أحاول تأسيس منهج فى تفسير الأدب.. مفسرا للأدب وليس نقدا معتمدا على المدارس الغربية إنما اعتمادي كان على أساس داخلى نابع من إضاءات النصوص نفسها وتعتريها رويدا رويدا بعد كل فعل للقراءة، كما اجتهد أيضا في أن يعثر على المكونات الدلالية والجمالية الكاشفة عن طبيعة توحد الذات المبدعة فى أرقى صورها إبداعا وفنا عند سيلفانا الكاتب. وهذا من خلال الوقوف عن كل مفردة وكل جملة وتأويلها على كافة الأوجه حتى تكشف عن وجها الجمالي الذى تقصده بالفعل الذات المبدعة، وهى ليست إنطاق ما لا ينطق أو حلولا ما ليس موجودا، إنما هي رصد وكشف وتفسير أسباب المعاني ووضعها في هذا السياق دون الأخر ليعطى لنا منتجا جماليا قد يختلف حوله المفسرين فى شرحه إنما لا يختلفون حول جماليته.
هذا وقد تبين من خلال هذه النصوص"عبير الاختناق" أن الكاتبة تدعو على استحياء إلى رغبة البوح وإن كان خافت حيث تقول وتعبر عن نفسها هى وهى فقط، حيث تلقى النصوص بانسياب ونعومة النفس المتوجعة التى ربما تصادف الكثير من الأنفس المتشابهة والمتوحدة في الوجع.
ولا تبقى سوى كلمة أخيرة في حق الكاتبة سيلفانا الحداد، فهي حاكت بمهارة نصوصها "عبير الاختناق" عبر صراخ هادئ داخلي بوقار المرأة المصرية ذات الأصول العريقة المنحدرة من سلالة الملكات الفرعونية، برغم الوجع في كل حرف من النصوص إلا أننا لم نلحظ دموع عينيها، وهذه البراعة تكشف لنا عن مكنون الإنتاج الأدبي الذي سوف تقدمه لنا سيلفانا الحداد في أعمال أخرى قادمة لها.
مع كتابة أخرى، وبوح آخر قادم. فقط ادعوا الله أن يهب لي البركة في العمر حتى أكتب عن النور وعن جنته في مواهب خلقه.
يا الله مدد...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.