«بحضور المحافظ وأساقفة عموم».. تجليس الأنبا مينا كأول أسقف لإيبارشية برج العرب والعامرية (صور)    الإسعاف الإسرائيلي: 22 قتيلًا وأكثر من 400 مصاب منذ بداية الحرب مع إيران    بالمر يقود تشكيل تشيلسي ضد لوس أنجلوس في كأس العالم للأندية 2025    مدحت شلبي عن أزمة ضربة الجزاء: ما حدث لا يليق    الأرصاد تكشف مفاجآت بشأن حالة الطقس فى الصيف: 3 منخفضات جوية تضرب البلاد    تأجيل محاكمة 11 متهما بالانضمام لجماعة إرهابية فى الجيزة ل8 سبتمبر    استوديو «نجيب محفوظ» في ماسبيرو.. تكريم جديد لأيقونة الأدب العربي    «الصحة»: ملتزمون بخدمة المواطن وتعزيز الحوكمة لتحقيق نظام صحي عادل وآمن    «سياحة النواب» توصي بوقف تحصيل رسوم من المنشآت الفندقية والسياحية بالأقصر    نراهن على شعبيتنا.. "مستقبل وطن" يكشف عن استعداداته للانتخابات البرلمانية    "الإسعاف الإسرائيلي": 22 قتيلًا وأكثر من 400 مصاب منذ بداية الحرب مع إيران    بدأت بمشاهدة وانتهت بطعنة.. مصرع شاب في مشاجرة بدار السلام    وزير خارجية إيران: مكالمة من ترامب تنهي الحرب    وزير الثقافة: تدشين منصة رقمية للهيئة لتقديم خدمات منها نشر الكتب إلكترونيا    خبير علاقات دولية: التصعيد بين إيران وإسرائيل خارج التوقعات وكلا الطرفين خاسر    وائل جسار يجهز أغاني جديدة تطرح قريبا    "كوميدي".. أحمد السبكي يكشف تفاصيل فيلم "البوب" ل أحمد العوضي    ما الفرق بين الركن والشرط في الصلاة؟.. دار الإفتاء تُجيب    حالة الطقس غدا الثلاثاء 17-6-2025 في محافظة الفيوم    طبيب يقود قوافل لعلاج الأورام بقرى الشرقية النائية: أمانة بعنقي (صور)    وزير العمل يستقبل المدير التنفيذي للأكاديمية الوطنية للتدريب- صور    العثور على جثة شاب مصاب بطلق ناري في ظروف غامضة بالفيوم    فيفا يشكر كل من شارك في إنجاح مباراة افتتاح كأس العالم للأندية بين الأهلي وإنتر ميامي    لمست الكعبة أثناء الإحرام ويدي تعطرت فما الحكم؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    ما هي علامات عدم قبول فريضة الحج؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    أمين الفتوى يوضح حكم الجمع بين الصلوات في السفر    سي إن إن: إيران تستبعد التفاوض مع واشنطن قبل الرد الكامل على إسرائيل    محافظ الدقهلية يتفقد أعمال إنشاء مجلس مدينة السنبلاوين والممشى الجديد    تقرير يكشف موعد خضوع فيرتز للفحص الطبي قبل الانتقال ل ليفربول    البنك المركزي يطرح سندات خزانة ب16.5 مليار جنيه بسعر فائدة 22.70%    إلهام شاهين توجه الشكر لدولة العراق: شعرنا بأننا بين أهلنا وإخواتنا    البنك التجارى الدولى يحافظ على صعود المؤشر الرئيسى للبورصة بجلسة الاثنين    مفوض الأونروا: يجب ألا ينسى الناس المآسي في غزة مع تحول الاهتمام إلى أماكن أخرى    التضامن تعلن تبنيها نهجا رقميا متكاملا لتقديم الخدمات للمواطنين    افتتاح توسعات جديدة بمدرسة تتا وغمرين الإعدادية بالمنوفية    عضو ب«مركز الأزهر» عن قراءة القرآن من «الموبايل»: لها أجر عظيم    التعليم العالي تعلن حصاد بنك المعرفة المصري للعام المالي 2024/2025    «لترشيد استخدام السيارات».. محافظ قنا يُعّلق على عودته من العمل ب «العجلة» ويدعو للتعميم    وفود دولية رفيعة المستوى تتفقد منظومة التأمين الصحي الشامل بمدن القناة    بعد عيد الأضحى‬.. كيف تحمي نفسك من آلالام النقرس؟    إيراد فيلم ريستارت فى 16 يوم يتخطى إيراد "البدلة" في 6 شهور    العربية: إيران تعتقل عشرات الجواسيس المرتبطين بإسرائيل    تخفيف عقوبة 5 سيدات وعاطل متهمين بإنهاء حياة ربة منزل في المنيا    النائب حازم الجندي: مبادرة «مصر معاكم» تؤكد تقدير الدولة لأبنائها الشهداء    تصنيف الاسكواش.. نوران جوهر ومصطفى عسل يواصلان الصدارة عالمياً    توقيع عقد ترخيص شركة «رحلة رايدز لتنظيم خدمات النقل البري»    بريطانيا تشهد تعيينًا تاريخيًا في MI6.. بليز مترويلي أول امرأة تقود جهاز الاستخبارات الخارجية    محمد عمر ل في الجول: اعتذار علاء عبد العال.. ومرشحان لتولي تدريب الاتحاد السكندري    القبض على 3 متهمين بسرقة كابلات من شركة بكرداسة    بدء تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع جنة بالمنصورة الجديدة.. 6 يوليو    الجالية المصرية فى لندن تحتفل بعيد الأضحى    لا تطرف مناخي.. خبير بيئي يطمئن المصريين بشأن طقس الصيف    محافظ أسوان: 14 ألف حالة من المترددين على الخدمات الطبية بوحدة صحة العوضلاب    الينك الأهلي: لا نمانع رحيل أسامة فيصل للعرض الأعلى    أسعار الفراخ اليوم.. متصدقش البياع واعرف الأسعار الحقيقية    إصابة 3 أشخاص بطلقات بندقية فى مشاجرة بعزبة النهضة بكيما أسوان    3 أيام متواصلة.. موعد إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والبنوك والمدارس (تفاصيل)    الشرطة الإيرانية: اعتقال عميلين تابعين للموساد جنوب طهران    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هزائم آشيل:
عنف الواقع وخشونته
نشر في أخبار الأدب يوم 18 - 12 - 2010

"هزائم آشيل" مجموعة قصصية تستحق التأمل لما تحتويه من أحداث تدفع القارئ إلي الاهتمام المصاحب للتأني والروية والتفكير، لأنها قضايا اجتماعية إنسانية عامة وليست خاصة وإن أُتت بلسان سارد يُشكل المحور الأساسي في التعبير عن جلاء الذات المتكلمة وهي تراقب ما يدور حول فلكها من تنوع وتعدد الأنماط السائدة، في واقع يتسم بالازدواجية السوداء، في حركة تفاعل مستمر لكل الوقفات والمعاني التي يمكن التصدي لها والدفاع عنها..وهي فضاء غني بخصائصها التي تخدع النفس وتجبرها لغض البصر عن حقائق ملموسة ومحسوسة بطريقة ينمحي معها وجودها حيث الانسلاخ عن عادات المجتمع والعزلة والعجز عن التلاؤم والفشل الذريع في الاندماج والتكيف مع المحيط المعيشي.
ولعل أول ما يشد انتباه القارئ، وهو يتصفح المجموعة، هو عنوانها الذي يذكره بالبطل الملحمي اليوناني آشيل/ السارد المغربي، الذي هزم أعداءه وأبادهم وأنقذ بلاده، كيف يتجرع هو بدوره الهزيمة مما يذكي فيه حماسا لمعرفة الأسباب وترصد الهنات والسقطات التي كانت كفيلة لهذه النتيجة، مجندا شعوره وأحاسيسه للبحث عبر أمكنة فصولها التي تحمل دلائل قوية كانت كافية لهذا الخسران المفاجئ.
والمجموعة هي لصاحبها الكاتب المغربي عبد لله باعلي الصادرة عن منشورات سليكي- طنجة 2005 وتضم تسع قصص قصيرة تقدم تجربة جمالية يحتوي متنها علي قضايا وجودية وإنسانية تشمل مختلف الأحداث والتحولات الاجتماعية المبنية علي الصراع الحياتي، حيث الفضول والتجسس والانغماس في لذة الحشيش والجنس والمأساة عبر تضارب المصالح واللامبالاة والفراغ القاتل الممل إلي ذكريات الحب المفقود والمحن المتكررة التي يعيشها الضعفاء ...
كل هذه المكونات الفانتاستيكية المليئة بالتناقضات والانكسارات التي تتعرض لها النفس البشرية تحكي بضمير المتكلم من بدايتها إلي نهايتها رغم الشخصيات المصاحبة لها، مع الرغبة الملحة التي تدفعها إلي الهروب خارج المحيط لمعانقة عالم يطبعه الخيال والتخيل ساعيا إلي تعزيز رؤيته التحررية عبر إدانته لنمط العلاقات الاجتماعية القائمة علي خصال غير حميدة ساردا أحداثها وفق منهجية حكائية متأثرة بعوالم الحكاية الشعبية...
ففي قصة'أسرار ونوافذ' ينشطر وعي السارد بين رفضه ما هو كائن وسقوطه في حبائل الفضول واللحظات التي تتجاذبها أصوات نفسه لمعرفة خبايا الناس التي تظهر منكسرة وضائعة في متاهات الوجود..'لا أنكر أنني فضولي، لكن ليس لدرجة التجسس علي أسرار الناس، لي حياتي الخاصة، ولي أسراري، ولا أحب أن يحشر أحد أنفه عبر نافذتي...وليس غريبا- علي أي حال- أن يكون الفضوليون أكثر الناس حرصا علي أسرارهم_ص8
والمتأمل للسرد المحكي يحس أنه مبني وفق معطيات درامية تأسست علي عناصر ذات أبعاد اجتماعية محضة حيث الرؤية جلية للحالة النفسية الغنية بإحساس ومشاعر يائسة متعطشة للخروج من هذا الضيق والانكسار والاختناق المجسد في ذوات تحلم وتتمني تحسين الأوضاع والظروف المحيطة بها..
ثم ينتقل السارد إلي وصف جسد المرأة مبرزا أنها حليفة إبليس في إسقاط الرجل في شباك الجنس الرخيص!! وأنها مصدر الهدم وسبب الفوضي العارمة بما تنشره من إشعاعات الفتنة والغواية مبرزا الحالة النفسية والتوتر الحاصل داخل نفسها أثناء القيام بدورها الفاتن بلغة جذابة وسرد محبوك ليدون اختراقات الواقع وفضح خطاباته، موظفا طابع السخرية، ومعتمدا علي المرجعية الثقافية والتاريخية والأسطورية في تثبيت أسطورة شيطنة الجسد الأنثوي، وكأنه يذكر القارئ أن حواء/ الأنثي الأولي، كانت سببا رئيسيا لهبوط آدم إلي الأرض، وأنها عقدة المجتمع الذي لم يتخلص من هذا الإحساس الفظيع ....
ثم في قصة العشاء الأخير ص 31 يلاحَظ اغتراب تجربة السارد الذاتية ومساره الحياتي عازما علي الخروج من هذا المأزق وذلك من خلال انسلاخه عن المجتمع الغربي/ فرنسا الذي يتواجد فيها حين عجز عن التلاؤم مع سكانها وخفق في التكيف مع الأوضاع السائدة فيها حيث إحساسه وشعوره منعدم بالانتماء إليها وبمغزي الحياة فيها... وهو بهذا يسعي جاهدا إلي إبراز ما قد يعانيه الإنسان المهاجر من مشكلات التعبير والتكيف والاكتمال وجو العزلة والاغتراب الذي فرضته عليه الظروف قد يؤدي به إلي عرقلة مشاريعه فيتمزق حضوره وتضيع صلته بمحيط غير محيطه مسلوب النعمة والحرية والإرادة فتنتابه جراء ذلك لحظات الجنون نتيجة تصادمات بين رغباته وبين حقيقة المجتمع الذي يعيش فيه...
(فكرت أن أحمل أغراضي، وأغادر المدينة، نهائيا، ودون وداع. كأي مجرم أو مجنون. لن يكون لذلك معني، أغادر ليلا، وأصل صباحا إلي العاصمة...'كأن...لم يكن'..سيكون الزمان قد مزقني دون موت.)
ثم يقوم السارد بتفسير حكاية البسطاء الذين يحاولون تغيير وضعهم وطبقتهم ومحيطهم، ولأن رحلة الطموح القاسية تعيد صياغتهم من جديد، فهم حريصون علي مواصلة الحياة مهما كانت الصعاب والعراقيل، في تحد وسعي دائمين لإثبات وجودهم الذي تتمتع به الطبقات العليا.. والرؤية المرسومة والمرسلة من طرف السارد إلي قارئه هو أن يدرك واقعا يتسم بهدر طاقات عناصره/ الشباب، اليد العاملة، أمل الحاضر و وعد المستقبل، المليء بحيوية الطموح والمبادرة والمغامرة وحب الحياة وقبول التحديات، وهي إشارة ذكية إلي أصحاب القرار أن يلتفتوا إلي حسن استثمار هذه الفئة وتحسين حياتهم الهزيلة الرتيبة قبل أن تصاب بالعقم الذي يحرم المستقبل من القدرة والتفاعل والعلاقات الايجابية مما يؤدي إلي تصاعد أزمات الحرمان وتفاقم مرارة الأوضاع مولدة الإحباط والغضب.. ولأن الإحساس بالفقدان تضع الذات الإنسانية في وضع انعكاسي غيابي استسلامي مدي العمر..
(علي الشاطئ، قرب المرسي، حركة بطيئة لأصحاب نوح. في الزاوية علي مرمي بصر يتحلق عمال السفن، وبعض المشردين حول بائع الشاي، ... قبل أن تستيقظ النوارس.)
وقد استطاع السارد أن يجعل القارئ يعيش قصصا / حكايات تعكس بصورة تهكمية عنف الواقع وخشونته كما أنه نجح في توظيف راو واحد يترجم هذه الانهزامية التي تلاحقه عبر كل الأمكنة التي تواجد فيها معلنا فشله في تقويم صوت ذاته المفرغة التي تبحث عن حقيقتها ساعية إلي التحرر من الجرح والألم اللذين سببهما حبه الرومانسي الحالم باحتضان أنثاه في محاولة منه النبش في ذاكراته عن أحداث ميزت هذا التعلق بالحبيبة وما خلفه من مآس وآلام وأحزان كما أن تعدد أسماء المدن يوضح أن السارد يعيش لحظة الاغتراب والضياع والأسي وفقدان التواصل مع الآخر...
والمدن المذكورة هي أمكنة داخل الذات كقارات تجسد الحلم القديم في الحب حيث يسجل من خلالها ذاكرة الألم البشري في صراعاته المختلفة والتي لا تمحي بشيء
(ثم أمضي بحثا في قادم الأيام عن صوت يلون رماد اللحظة، ويدفع قسوة البداية..أسألها'من أنت'صوتك يملأني فلا أراها...)
إن حضور صوت السارد الذي يروي تجربته وما تقع حواسها عليه مع مخاطبته الصورة التخيلية لذاته في صيغة شعرية تجسد أزمتها في زمان نفسي يمتد للكشف عن الدوافع التي حركت شخوصه وأحاسيسه للتقمص الأدوار علي التوالي جعل المجموعة القصصية تتسم بالواقعية الوصفية التي تنقل الواقع راسمة الخط الواصل بين الظاهر والأعماق ، مسبوقة باستهلال لبعض المتصوفة والفلاسفة كابن عربي و النفري وجلال الدين الرومي وأبو يزيد البسطاوي وحافظ الشيرازي...
كما أنها تعبر عن مواضيعها بلغة إشارية ودلالية عن خلجات الروح والوجدان بتعبيرية فلسفية تصدر حالات الاغتراب والعزلة والتأمل في المصير الإنساني المتجه نحو الوهم والوجود المزيف في العالم واكتشاف وضعه الأصلي بواسطة القلق والشعور بالانهزام في كافة محطاته واللذين يعبران عن فقدان الأمل وسيطرة اليأس (أركب قطار الدار البيضاء...أشهد هزيمة جديدة لاسمي...ثم أعود للمحطة ثانية ...آخذ قطارا آخر...لمدينة أخري، صار اسمها رديفا لهزيمة جديدة...)..
والمتأمل في أسلوب المجموعة يتحسس فيه البساطة والإيحاء والتكثيف والتركيز والوصف والاستمرار في السرد والبراعة في رسم اللوحات والقدرة علي تسلسل الأحداث وترابطها مشتغلا علي التوازي بشكل كلي راسما الفجوة الهائلة لتسليط الضوء علي حجم الهزائم الذي أصاب السارد / آشيل الجديد، كما أنها تتميز بالمتعة الجمالية والحس الفلسفي .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.