منذ أن قرأت كتاب "حفيدات شهرزاد" قراءات في إبداعات وعيني تستحث السطور، تنتظر إجابات لقضايا تشغلني، توقعت أن يجيب عليها القاص الكبير الأستاذ يوسف الشاروني، لمَّ له من تجربة حياة ممتدة في الإبداع والنقد، والقراءات المتنوعة، خاصة وأنه يقدم قراءة أدبية ونقدية لمجموعات من القصص القصيرة وبعض الروايات لعدد من المبدعات المصريات والعربيات. كانت أول الأسئلة التي ألحت علي ذهني هل هناك بالفعل سمات خاصة للأدب الذي تكتبه المرأة المبدعة؟ يجيب المؤلف استناداً علي قراءته النقدية، وعلي بعض المصادر التي تصدت لهذه الظاهرة بالدراسة، بأن هناك بالفعل بعض الخصوصية التي اتسمت بها أعمال المبدعات المصريات والعربيات ويجملها في: التركيز حول ذاتها وعالمها الداخلي، أكثر من التفاعل مع العالم الخارجي. تبدو عوالم التجريب في الكتابة أقل عند المرأة، ليس لحداثة تجربتها الإبداعية، بل لكونها أقل تمرداً. يظهر الرجل في كتابات المرأة بطلاً غائباً لا حضور له، يحكي عنه، ويحتل الموقع الخلفي، وتتصدر المرأة الموقع الأمامي. وأتصور أن تلك السمات التي أجملها الأستاذ الشاروني يمكن الرد عليها وحصرها في النماذج التي قرأها، وليس علي كل إبداعات المرأة العربية فهذه الأحكام المطلقة لا يمكن الركون إليها. فهناك من المبدعات من وظفن التاريخ في نصوصهن؛ ليشتبك ويتواصل الماضي بالحاضر في رؤي استكشافية مبدعة، مثل نصوص "رضوي عاشور" و"سلوي بكر" و"نجوي شعبان" في "ثلاثية غرناطة" و"البشموري" و"أدماتيوس" و"نوة الكرم" وغيرهن، كما أن هناك من المبدعات ما تصبح الأحداث السياسية والاقتصادية، وبعض الظواهر الاجتماعية، محور إبداعاتهم مثل أعمال "لطيفة الزيات" ذاتها في رواية "الباب المفتوح" الذي أوردها الشاروني، وأليفه رفعت في نصوص أخري لها، ونصوص "أمينة زيدان" و"سحر الموجي" و"سهام بيومي" و"صفاء النجار" وغيرهن من قصاصات وروائيات. وفيما يختص بدعوي محدودية عوالم التجريب في الكتابة النسوية فهناك نماذج متعددة تند عن هذه الدعوي أورد منها المؤلف مجموعة "شمس الملوك" ل "مريم الخولي" "وليلي والمجهول" "لإقبال بركة" وما عده المؤلف نوعاً من التشتيت أتصوره بناءاً فنياً مقصوداً، ويحضرني الآن رواية "حلاوة الروح" لصفاء عبد المنعم التي كتبتها بالعامية المصرية. وفي ظني أنه في ظل الانفجار الروائي والقصصي الذي تشهده الساحة الأدبية في مصر والوطن العربي، وتحتل المرأة فيه مكانة متميزة كماً وكيفاً، سنري عوالم التجريب الكتابي عند النساء تتسع، وسنجد النصوص التي تلهث وراء التمرد، بما يتفق مع مضمون ستسعي الأنثي المبدعة لترسيخه، وهو محاولة نيل حقوقها، والمساواة بينها وبين الرجل في الحقوق والواجبات حتي وإن خالفت بنية تقاليد المجتمع وأعرافه. أتفق مع ما رآه الشاروني من أن المرأة أكثر حرصاً وتردداً في عوالم التجريب، لكنه يعود في ظني لحداثة تجربتها ومحدوديتها! كما أنني أري أنها أقل تمرداً من حيث التشكيل والتجريب الفني، لأن تمردها انصب وتمحور في صورته الأساسية علي المضامين التي عُدت في وقتها، وحتي اللحظة الراهنة، هي الثورة الأساسية، كما أري أن محدودية التمرد الفني في كتابات المرأة لن تلبث أن تسكن صفحات التاريخ الأدبي وستتآكل مع مرور الوقت في إبداعات المرأة. كما أن تلك النماذج التي قدم لها لا يمثلن كل حفيدات شهرزاد، فحفيدات شهرزاد أكثر من أن تحدهن صفحات الكتب. وفيما يختص بموقع الرجل في النص النسوي فهو حقاً الغائب الحاضر، وليتنا هنا نستحضر القانون الطبيعي البديهي "وهو أن لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه" وليتنا أيضاً نحدد موقع المرأة في إبداعات الرجل، بالرغم من أنني لا يستهويني هذا التصنيف العنصري: أدب المرأة، وأدب الرجل، وأري أن الأدب يجب أن يحكمه كونه ظاهرة إنسانية عامة. لكن الشئ بالشئ يذكر. ويتكون كتاب حفيدات شهرزاد من مقدمة تحدثت عن المرأة والقصة، وبدا المؤلف فيها علمياً موضوعياً، أرجع فيها حداثة تجربة المرأة الإبداعية إلي ظاهرة التطور الحضاري التاريخي، وصنع مقارنة بين وضع المرأة في الأداب الرسمية، ومكانتها في الأداب الشعبية، وكان الفصل الأول بعنوان "في القصة القصيرة" قدم فيه قراءة لثلاث عشر مجموعة قصصية، أتصور أن الرابط الذي يجمعن هو تعبير المرأة عن ذاتها وما تعانيه من قهر المجتمع لها، وهو اختيار من الناقد المبدع، لا سمة عامة في إبداعات المرأة كما أعتقد. وقدم في الفصل الثاني وهو بعنوان "في الرواية" لعشرة نماذج من الرواية التي أبدعتها النساء، وخاتمة الكتاب التي عنونت بعناق النثر والشعر في ديوان حق اللجوء العاطفي للدكتورة "عزة بدر". ويبدو المنهج الذي يتتبعه المؤلف في قراءاته لإبداعات عدد من القصاصات والروائيات مندرجاً تحت ما يسمي بالنقد الانطباعي. فيعرض للعمل من خلال ملخص سريع يستخلص فيه مضمون النص ومدي علاقته بالمرأة المؤلفة، وهل تبدو التجربة المقدمة بالنص ذاتية، وتخص قضايا المرأة فقط، أم أنها تقدم المجال الحياتي في صورته العامة. ويحرص الناقد علي تبيان موقع السارد من النص هل هو بضمير المتكلمة، أو أنه يتجاوز تلك الساردة لتتعدد ضمائر السرد ويُعد ذلك علامة عند الأستاذ الشاروني علي مدي انخراط المؤلفة أو الذات الأنثوية التي تبدع في النص، وفيما يتعلق بالمرأة في معناها الشامل والواسع، وتظل تحولات الضمائر في النص من القضايا التي تلفت نظر الناقد ويرجعها لسمات اجتماعية ونفسية خاصة. وبرغم حرص المؤلف منذ المقدمة علي رفضه لظاهرة من يبحثون في الأدب النسوي عن المرأة المؤلفة في النماذج القصصية والفصل بينها وبين الراوية الضمنية في النص، إلا أنه في بعض القراءات لا يتجاوز تلك الظاهرة تماماً، مثل ما صنعه في نقده لمجموعة "عندما يقترب الحب" ل "زينب صادق" أو "الحب الكبير" ل "أميمة خفاجي" وأتصور أن ذلك يعود لتكرار التيمة القصصية في المجموعتين. ولا أود أن أغادر هذه المنطقة دون أن أشير إلي التفات المؤلف لقضية اختفاء الأسماء في كثير من النماذج القصصية التي تناول قراءتها، وإرجاعه ذلك لشيوع تلك النماذج في قصص المرأة، ولتشابه قضاياها في هذا المجتمع الذي تحياه، ولذا تختفي الأسماء أو تصبح من قبيل "س" و"ص" مثل "محاكمة السيدة س" ل "سكينة فؤاد". وغالباً ما يحدد الكاتب انتماء النص إلي أي مذهب أدبي، هل هو رومانسي أو واقعي نقدي أو اشتراكي، وهكذا، يبحث في العمل عن التجاوز والتجدد في التشكيل الفني.