رغم مرور ستة أشهر علي بداية الثورة اليمنية ، فإن الأزمة مازالت مرشحة للتصعيد، فقد قامت المعارضة اليمنية بتشكيل المجلس الوطني من عدة أطياف سياسية منها اللقاء المشترك وحزب الاصلاح "الديني " والحوثيون وكتل سياسية أخري وإن كان يعيبه حسب بعض المراقبين ، غلبة حزب الاصلاح علي تشكيله ، وعدم تمثيل شباب الثورة به ، هذا من جانب ، وعلي الجانب الآخر فقد تحدي الرئيس اليمني علي عبد الله صالح ، الجميع بظهوره ، وخطابه شديد اللهجة ، الذي أعاد الأزمة للاشتعال مرة أخري، وهدد بصوملة اليمن ، مما ينذر بمشهد مخيف ، إن لم يتحد الثوار في الساحات ، ويشكلون مجلسهم الوطني المعبر عن كل الأطياف السياسية ، دون إقصاء أو تهميش ، أو سيطرة قوي علي المجلس ، في مواجهة قوي أخري ، ويتصدون لكل محاولات صالح لجرجرة اليمن إلي حرب أهلية، فهو يلعب في الساعات الأخيرة ، حسب المثل الذي يقول "علي وعلي أعدائي ". حول هذا المشهد اليمني بكل تعقيداته ، كان هذا الحوار مع د. سامية عبد المجيد الأغبري ، الأستاذة بكلية الإعلام ، جامعة صنعاء، والكاتبة الصحفية بصحيفة الثورة اليمنية .. فإلي نص الحوار.- بداية ، كيف ترين المشهد اليمني الآن ؟ ما يحدث في ساحات التغيير الان من ثورة شعبية كبيرة ، سبقته علي مدي سنوات أحداث صعدة ، وحروب نظام علي عبد الله صالح مع الحوثيين ، وانتفاضات عامي 2005 و2007 ، حوالي ست حروب أنهكت الشعب اليمني ، إلي جانب الفساد الطاغي في كل مناحي الحياة والذي يعترف به الرئيس صالح نفسه ، فهناك تسييس للوظيفة العامة وخراب البنية التحتية لدرجة ان الحوادث المرورية تحصد من أرواح اليمنيين في الشهر، بما يفوق ما تحصده.. في الحروب ، هذا الي جانب الافتقار لأبسط وسائل المعيشة ، فالشعب اليمني اصبح يعاني من كل شئ ، كالمياه النظيفة وانقطاع الكهرباء في اليوم الواحد من 10 الي 15 مرة وقد يظل النور مقطوعا لمدة 10 الي 15 ساعة في اليوم ، هذا كله الي جانب تفاقم مشكلة البطالة بين الشباب وحتي المتعلمون منهم ، وأكثر من 50% من الشعب اليمني تحت خط الفقر ، وقد كتبت في عمودي الصحفي دائرة الضوء عن مشاكل الشباب والبطالة التي وصلت الي رقم كبير ما يقرب من 35% من القوي العاملة، فمن يعملون في القطاع الحكومي لا يتجاوزون 10% من الشعب اليمني ، و70 % يعملون بالزراعة التي تم تدميرها هي الأخري، بسبب الاستخدام المفرط للكيماويات، فالخضراوات والفاكهة كلها بها مواد مسرطنة. فمرض السرطان منتشر بشدة عندنا ، وهناك حوالي"70 ألف مريض " يأتون للعلاج في مصر ، هذا إلي جانب ارتفاع نسبة المصابين بالفشل الكلوي ، كل هذه الظروف ساهمت في انطلاق الثورة اليمنية ، معبرة عن معاناة شعب من الاضطهاد والظلم والقهر ، وكانت الثورة المصرية بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير ، هنا لأن الشعب اليمني مرتبط بعلاقات قوية وحميمية مع الشعب المصري ، لدرجة أنه يوم انتصار الثورة المصرية " 11 فبراير " كان يوم اشتعال الثورة اليمنية ، ومحاكمة مبارك في مصر ، حفزت الثورة في اليمن ، وقد تكون الثورة التونسية هي الأولي ، ولكن الثورة المصرية أكثر تأثيرا ودفعا للثوار العرب. - هناك تشابه كبير بين الأوضاع العربية من حيث القهر والظلم والاستبداد والفساد الواقع علي الشعوب ، ودكتاتورية الحكام العرب ، فعل هناك خصوصية للثورة اليمنية ؟ نعم هناك خصوصية لكل دولة عربية علي حدة ، مع وجود أشياء مشتركة بينهم ، وبالنسبة لليمن مازال النظام المؤسسي ، شبه معدوم ، خاصة بالنسبة لشمال اليمن ، أما الجنوب فكان به دولة مدنية ، مؤسسية ، أثناء حكم الحزب الاشتراكي ، لكن تم القضاء علي مدنية الدولة بعد وحدة الشمال والجنوب ، وتحولت إلي نظام قبلي ، " مناطقي "، عسكري ، متخلف ، مع إهمال التعليم والتطور الحضاري داخل المناطق القبلية. - في رأيك ، ما سبب عدم استخدام الشعب اليمني السلاح في ثورته حتي الآن رغم إنه مسلح ، ورغم محاولات النظام جره إلي حرب أهلية ؟ لقد أظهرت الثورة أفضل صفات الشعب اليمني ، وأكدت أنه شعب متحضر رغم كل الظروف المعيشية السيئة التي يعيشها ، وكذبت كل مقولات النظام الفاسد ، بأننا شعب قاعدي " أي نتبع تنظيم القاعدة ، وأننا متخلفون ، لقد فند الشعب اليمني كل هذه الاتهامات ، فترك السلاح في البيوت ، ونزل إلي الساحات يهتف سلمية .. سلمية .. وارحل ، في المقابل قامت القوة العسكرية النظامية المتمثلة في الحرس الجمهوري والحرس الخاص ، بإرتكاب جرائم بشعة ، ضد الثوار ، ورغم محاولة المعارضة ، وأحزاب اللقاء المشترك ، والشباب في الساحات الدفاع عن أنفسهم وذويهم ضد جرائم هتك العرض وغيرها ، فإن المعركة ليست متكافئة بين الطرفين . - لقد حاول النظام جرجرة الثوار إلي حرب أهلية بالفعل !! نعم حاول عن طريق حرق بيوت المشايخ ، وحرق ساحة الحرية بتعز ، وحرق معوقين بساحة الحرية ، وتم دفن الجثث بالجرافات ، واستولوا علي مستشفي الثورة في تعز ، وحولوه إلي ثكنة عسكرية ، وطردوا المرضي ، وألقوا بالأجهزة الطبية ، ونفس الشئ فعلوه بالمستشفي الميداني ، فما يحدث باليمن هو جرائم حرب ، قد تكون أشد مما يحدث في سوريا ، وليبيا . - أعتقد أن ما يحدث في سوريا وليبيا هو الأسوأ ؟ لا .. ما يحدث باليمن هو جرائم حرب ، لكن الإعلام المضاد عندنا قوي جدا ، داخل اليمن وخارجها ، حتي الفضائيات العربية لا تقول الحقيقة كما هي. - الثوار اليمنيون في الساحات منذ حوالي ستة أشهر ، ما أهم العوائق التي تقف في طريق اكتمال باقي مراحل الثورة ونجاحها ؟ هناك عوائق عديدة سواء كانت محلية ، أو إقليمية ، أو دولية .. وفيما يتعلق بالمحلية فهي تتعلق بامتلاك النظام الحاكم للقوة العسكرية والأمنية الرئيسية ، وكذلك القوة الاقتصادية ، فهو يضغط علي البسطاء بدفع مبالغ مالية لهم مقابل تأييده ، وبضغط من ناحية أخري برفع الأسعار ، خاصة البنزين ووسائل المواصلات حتي يصعب علي الناس الحركة والذهاب لأماكن تجمعات الثوار ، كما بقطع الكهرباء حتي يصعب التواصل ومتابعة الأحداث وقطع المياة وشل كل مناحي الحياة ، خاصة في وقت الذروة ، هذا بالإضافة للعوائق الإجتماعية ، المتمثلة في رؤساء الأحياء . والذين بيدهم حل معظم المشاكل في الحارات ويسمون " عواقل الحارات " وهم عادة من رجال الأمن ، أو يتم تعيينهم من قبل الأمن .. ويتحكمون في كل شئ ، فإذا ما طلب مواطن مثلا " أنبوبة غاز " ، لابد من سؤاله أولا : هل أنت مع النظام أم ضده ؟ وبناء علي الإجابة يحصل علي الغاز أو لا يحصل ، وهذا حدث معي شخصيا ، أي أنهم يتفننون في عرقلة حياة الناس ، ومع ذلك الساحات ممتلئة بالجماهير .. لا تفرغ أبدا رغم الضغوط الاقتصادية ، والأمنية ، والقمع الوحشي ، للمظاهرات والاعتصامات ، كل هذا أضيف أليه ، محاولات إختراق الأمن للساحات للوقيعة بين الثوار وإجهاض الثورة ، وتشويه سمعة الثائرات في الميدان ، كذلك هناك بعض التناقضات بين التيارات السلفية والليبرالية في الساحات ، ويحاول النظام البائد الإستفادة منها لإضعاف موقف الثوار ، من خلال التركيز عليها إعلاميا ، بينما الاعلام الثوري هو عبارة عن صحف ونشرات يومية ، تنشربعض التقارير ، لكن الإعلام المرئي أكثر تأثيرابالطبع ، وليس لدي الثوار إلا قناة " سهيل " وتم ضربها أكثر من مرة ، وهي تتبع حزب الإصلاح الديني ، وهي تقوم بتغطية الأحداث علي الساحة ، لكنها لا تكفي ، في مواجهة الاعلام الرسمي ، الذي يلعب دورا خطيرا في ظل تفشي الأمية في اليمن . - كم تقريبا ، بعد حكم أستمر 33 عاما ، وأدعي أنه قام بتحديث اليمن؟ التقارير الحكومية تقول 55% ، بينما الحقيقية هي 80% من الشعب اليمني ، وخاصة بين النساء . - تحدثنا عن التحديات الداخلية ، فماذا عن الإقليمية والخارجية؟ أولا هناك تدخل سعودي ، ليس فقط من بداية الثورة ، ولكن منذ زمن بعيد ، وهي تتدخل حاليا بشكل كبير ضد الثورة اليمنية من خلال الدعم ، وأحيانا تقدم دعما للطرفين " تلعب علي الحبلين " ، وأحيانا تقدم دعما للحراك الجنوبي وهناك البعض في الجنوب ينشط ويطالب بالإنفصال وتكوين دولة الجنوب وهذا أيضا من ضمن التحديات ، فدائما ما يهدد الرئيس اليمني " صالح " بقوله : إذا ما انتصرت الثورة ، وتركت السلطة ، فالقاعدة ستنشط وتسيطر علي الجنوب ، والحوثيون سيمسكون السلطة في صعدة ، ويستخدم كل هذه الفزاعات ، مع بعض المواطنين ليؤثر عليهم ، وكذلك يستخدم التيار الديني ليخيف الناس من تحويل نظام اليمن إلي نظام طالبان ، خاصة أن بعض القوي السلفية تطالب بدولة دينية وليست مدنية ، مما يخلق مشاكل بين القوي الوطنية الموجودة في الساحات ، كل هذه الظروف يستغلها النظام استغلالا كبيرا ، وكذلك السعودية تدعم كل هذه التناقضات ، خاصة أن هناك يمنيين كثيرين يعيشون فيها ، تصل أعدادهم لحوالي 2-3 مليون يمني ، أما باقي دول الخليج ، فهي في الغالب شبه محايدة ، وليس لها مواقف قوية. - وماذا عن العوائق الدولية ؟ إذا ما رجعنا للوراء ، مع بداية الثورة ، في ساحة التغيير في صنعاء ، وقعت مجزرة الكرامة التي راح ضحيتها 55 شهيدا في يوم واحد ، وعدد كبير من الجرحي ، ورغم ذلك كان رد الفعل الأمريكي والأوروبي والعربي ، باهتا ، وغير واضح ، مجرد تنديد وكلام عام ، وكذلك المبادرة الخليجية ما هي إلا مبادرة أمريكية بأيدي سعودية ، وتم تعديلها 4 مرات ، لدرجة أننا لا نعلم ما أدخل عليها من تعديلات ، ورفضها النظام ، ولم يوقع عليها اللقاء المشترك ، المهم أنها كانت تطالب برحيل " عبد الله صالح " لكن بصورة تحفظ له ماء وجهه ، وهو رفض الرحيل ، ولكن تردد اللقاء المشترك تجاه المبادرة أحدث خلافا بينه وبين الشباب في الساحات ، وهذا كان له تأثير كبير علي مسار الثورة مما يؤكد تأثير البعد الإقليمي والدولي علي الثورة اليمنية . - بعد كل هذه الأحداث ، والتصعيد من قبل الرئيس اليمني " صالح " كيف تقرأين المشهد الحالي " اليمن رايحة علي فين "! النظام السابق لن يعود ، والرئيس لن يعود ، حتي لو عاد ، لن يعود للسلطة ، ولكن هذا النظام له أركان ، وحزب الإصلاح الديني كان من ضمن النظام ، ومثلا علي محسن الأحمر قائد الفرقة الأولي مدرع ، وهو أحد أقارب الرئيس ، وكان قد أنشق عنه ، وحميد الأحمر وصادق الأحمر كانوا جزءا من النظام ، وتربوا معه ، وايضا انشقوا عنه ، وأعتقد أن القيادة في المرحلة القادمة ستكون قيادة جماعية ، ناتجة عن الائتلافات التي تحدث في الساحات ، ففي بداية الثورة لم نكن نعرف بعضنا البعض ، الآن بدأت تحدث التكتلات ، فبعد أن كانو 250 تكتلا ، أصبحوا أقل بكثير ، وبدأ الشباب يدخلون الأحزاب ، وبدأ تكوين المجلس الوطني الأنتقالي وهو نتاج الائتلافات والتكتلات ، وبدأت الصورة تتضح أكثر ، فنحن نريد " دولة مدنية " هذا هو مطلبنا جميعا الآن ، دولة ديمقراطية حديثة ، لا يحكمها عسكر ولا قبيلة ، ولا حزب معين وحده ، ويتم حاليا عقد منتديات سياسية للتوعية في الساحات ، ينضم إليها ناس جدد كل يوم . - أنت الآن تراقبين المشهد عن بعد ، ماذا تقولين للثوار..من القاهرة ؟ أقول لهم ، إتركوا الخلافات الصغيرة ، والتناقضات الموجودة بين الفصائل والعمل علي الاتفاق علي أهداف محددة ، وأولويات ، وأهمها إسقاط النظام الفاسد وأركانه ، ورموزه ، وألا نفتح الآن ملف تجريم ، كل من كان يتبع النظام السابق ، وألا نسيء لبعض ، لمواجهة عدو مشترك ، وإسقاطه ، وإقامة دولتنا المدنية الحديثة ، والضغط علي القوي الإقليمية والدولية التي تحاول الإبقاء علي النظام السابق الذي يخدم مصالحها في المنطقة ، ومحاكمة هذا النظام ورموزه بعد إسقاطه. - ولكن البعض يقول، إن محاكمة الرئيس مبارك وأولاده ورموز النظام ، جعلت الحكام العرب يتشبثون أكثر بالسلطة ، خوفا من هذا المصير ، فما رأيك؟ مهما يحدث ، أعتقد أن الثورة ستنتصر ، لأن نزول الناس إلي الساحات دون سلاحهم ، ورفضهم محاولات النظام لجرجرتهم إلي الحرب الأهلية ، يعني أن الوعي الثوري لدي الناس بدأ يتشكل ويزداد ، ويخلق حالة من الإصرار علي إسقاط النظام ، ومحاكمة رموز الفساد في هذا العهد ، وهذا إتجاه عام ، ولكن هناك خلافا حول من كانوا يتبعون النظام السابق ، وانضموا لصفوف الثوار ، ودعموا الثورة سواء بالمال أو بالتأييد ، فهناك فريق يدعو للتسامح معهم ، وآخر يريد محاكمتهم ، وهناك إتجاه ثابت يقول ، فلنترك هذه الأمور الآن ، ونهتم بإسقاط النظام أولا ، ثم بعد ذلك يجري تشكيل جبهة وطنية عريضة تضم كل القوي الموجودة في الساحات ، حتي من شاركوا في الحكم السابق وانضموا للثورة فيما بعد ثم تأتي بعد ذلك المحاكمات ، فمن إعتدي علي الحق العام ، ولكنه تاب ، واعترف بما أخذه ، وأعاده ، يتم استعادة هذا الحق العام عن طريق القانون ، أما الحق الخاص ، فيتم استرجاعه عن طريق التقدم للمحكمة بشكواه وإثبات حقه ، والحصول عليه عن طريق المحاكمة العادلة . - وماذا عن جرائم الفساد السياسي ، كيف ستتعاملون معها؟ الفساد السياسي هو الذي أدي إلي الفساد الإقتصادي والمالي والقضائي ، فرئيس مجلس القضاء الأعلي عندنا هو علي عبد الله صالح ، وهو الذي أقال النائب العام ، وهناك شخصيات يتم القبض عليها وإلقاؤها في السجن دون تهم ، مثل الصحفي الوحيد "حيدر عبد الله " الذي قام بتصوير تنظيم القاعدة ، وقال أن النظام اليمني هو الذي يعمل علي نمو الإرهاب في اليمن ، وهناك ضغط أمريكي علي الرئيس صالح لإطلاق سراحه ، ورغم ذلك ما زال مسجونا ، فليس لدينا حرية تعبير علي الاطلاق ، والصحفيون هم الفئة الأكثر عرضة للتنكيل في اليمن ، فهم يدفعون الثمن غاليا بشكل يومي ، ولذلك نحن نطالب الاعلام المصري بمزيد من الاهتمام بالثورة اليمنية ودعمها بقوة ، فالشعب اليمني مرتبط بشدة بالشعب المصري ، ويهمه هذا الدعم ويؤثر علي دفع ثورته للأمام ، كذلك نحتاج للدعم الطبي فلدينا الكثير من المعاقين والجرحي والحالات الحرجة وليس لدينا أي قدرات طبية ، وهذا كله سيساعدنا علي الوصول لمرحلة الحسم، واسقاط النظام ، وإقامة دولتنا المدنية الديمقراطية الحديثة.