استحالة إسقاط القذافي.. واستحالة سحق الثورة ما الذي سيحدث في ليبيا.. هل ستتمكن الثورة من الانتصار.. أم يستطيع نظام العقيد القذافي إخماد الثورة؟ وبمعني آخر هل هناك حل عسكري للمواجهة الدائرة حاليا في ليبيا؟ وما مدي تأثير العمليات العسكرية التي انتقلت إلي حلف الناتو في حسم تلك المواجهات العسكرية لصالح الثورة؟ وهل هناك حل سياسي للأزمة رغم أنهار الدماء التي سالت والمعارك التي قسمت ليبيا علي جميع الأصعدة في الداخل والخارج؟ وأخيرا هل تستطيع الجامعة العربية لعب أي دور لحل الأزمة وما أبعاد دور قطر والإمارات؟ عشرات الأسئلة تحيط بالموقف الليبي الذي يتعقد يوما بعد يوم، حيث المشهد علي الساحة العسكرية ثابت تقريبا دون تغيير حاسم، قوات الثورة وهي جزء من القوات الليبية وآلاف المتطوعين المدنيين يسيطرون علي بنغازي ثاني أكبر المدن الليبية وعدة مدن أخري في الشرق ومدينة مصراتة في الغرب، والقوات النظامية الليبية تحت إمرة العقيد القذافي وأولاده يسيطرون علي طرابلس العاصمة وأجزاء كبيرة من الأراضي الليبية. وعلي الرغم من نجاح قوات التحالف الدولي في تدمير معظم الدفاعات الأرضية والطائرات الليبية، فإن قوات القذافي الباقية خاصة أسلحة المدرعات والدبابات والمدفعية ماتزال تعمل بكفاءة وتشكل تهديدا حقيقيا لقوات الثوار غير المنظمة جيدا، في مواجهة جيش مدرب ومنظم، وتكونت لديه دوافع قتالية جديدة في ظل التدخل الأجنبي الذي لم تقتصر هجماته علي أهداف عسكرية وإنما امتدت لضرب أهداف مدنية، وبالتالي قتل عدد من المدنيين وهو ما حدث حتي في صفوف الثوار، فيما وصف بأنها «نيران صديقة». واستمرارا لمتابعة المشهد العسكري فإن هناك نقاط قوة قد تصب في صالح الثوار علي أية حال، فهم يستطيعون الحصول علي مساعدات وإمدادات من الذخائر والأسلحة وربما التدريب عبر البحر في ظل سيطرة الثوار علي ميناء بنغازي وبعض الموانئ الصغيرة الأخري علي البحر المتوسط، وهو ما سيؤدي إلي رفع كفاءة وقدرات قوات الثوار، في الوقت الذي ستعاني منه القوات الرسمية من نقص الإمدادات في ظل استمرار المواجهات في الصحراء. وهذه الصحراء هي نفسها التي شهدت أعنف معارك الحرب العالمية الثانية التي امتد مسرحها من بنغازي وطبرق إلي العلمين في الأراضي المصرية، وخسرت فيها قوات الحلفاء بقيادة المارشال «ومنتجمري» والمحور بقيادة الجنرال «روميل» آلاف الدبابات وخسر «روميل» تلك الحرب بعد قطع الإمدادات عن جنوده خصوصا «الوقود» ولم يكن يدري بالطبع أنه يقاتل فوق بحيرة من النفط تحت رمال شرق أفريقيا وصحرائها القاتلة. وبالتالي لا يتوقع أن تنجح قوات القذافي في حسم معركتها ضد الثوار عسكريا، مع حالة الحصار المفروضة علي إمدادات ليبيا من الوقود، صحيح أن لديها إمكانيات نفطية هائلة لكن تكرير النفط وتحويله إلي وقود للمدرعات والدبابات مسألة أخري، وجرت عملية تحويل نفط تحمل وقودا إلي الثوار، وهو ما سيعني أن حصول قوات القذافي علي إمدادات الوقود سيجعلها تواجه ما حدث لقوات روميل في الحرب العالمية الثانية، بل إن الجيش الليبي نفسه تعرض لهذا الموقف منذ سنوات حين أرسل دباباته الحديثة آلاف الأميال عبر الصحراء إلي تشاد محملة علي حاملات الدبابات، ولم تنجح تلك الدبابات إلا في التقدم عشرات الأميال ثم توقفت في الصحراء بسبب قطع إمدادات الوقود، وهو ما قامت به فرنسا عبر مساعدتها لحكومة تشاد أيام رئيسها «حسين حبري» والذي استعان بأشهر المرتزقة الفرنسيين «بوب دينار» في القيام بعمليات ضد القوات الليبية. حصار الجوع والثورة الشعبية وهناك بعيدا عن العمليات العسكرية التي يبدو حسمها مستحيلا أيضا بالنسبة لقوات الثوار التي لن تنجح أبدا في الوصول إلي طرابلس لإسقاط القذافي، فإن عنصر الحصار الاقتصادي يبدو خطيرا للغاية إذ سيؤدي نقص المواد الغذائية بشكل خطير بعد عدة أسابيع إلي إحداث ردود فعل شعبية غاضبة ضد استمرار هذه الحرب، التي لم يدفع المواطنون في طرابلس بعد ثمنا باهظا لها، في ظل وجود احتياطيات كبيرة من كل المواد الغذائية والطبية لنظام تعود وخبر سنوات الحصار من قبل. ولكن استمرار الحرب واستمرار سقوط مئات الضحايا من الجانبين ومخاطر تقسيم ليبيا إلي شرقية وغربية، وحالة العزلة السياسية التي سيعيشها نظام القذافي قد يؤدي إما إلي ثورة شعبية داخلية أو انقلاب عسكري من الحلقة القريبة للقذافي، أو إلي قبول الأخير لإنقاذ سياسي تجري مشاورات سرية حوله الآن في ظل امتناع دولي ومحلي باستحالة إسقاط نظام القذافي في حرب محلية، ويبدو أن تركيا حققت تقدما في إطار التسوية السياسية. وجاء هروب وزير الخارجية «موسي كوسه» وقد عمل 16 سنة رئيسا لجهاز الأمن الخارجي وكاتم أسرار القذافي بمثابة ضربة شديدة لنظام القذافي في إشارة إلي إمكانية تصدع النظام خاصة أن هناك قرارا تم اتخاذه في مؤتمر لندن الأخير الذي ضم 30 دولة بمناقشة إمكانية الاعتراف بالمجلس الانتقالي الليبي الذي يضم أيضا وزيري العدل والداخلية في نظام القذافي وعددا من كبار قادة الجيش يتقدمهم اللواء عبدالفتاح يونس. مؤتمر لندن والواقع أن مؤتمر لندن يمثل تطورا مهما في إطار عملية تضييق الحصار علي نظام القذافي، وفتح آفاق مختلفة لاتخاذ خطوات مستقبلية ضده، خاصة في ظل توقع أن يقدم «موسي كوسه» معلومات مهمة حول المؤامرات والعمليات السرية التي قام بها نظام القذافي وخاصة تفجيره الطائرة الأمريكية «بان أميركان» فوق قرية «لوكيربي» «الاسكتلندية» عام 1988، وحول البرامج النووية الليبية وغير ذلك من ملفات قد تشدد من الحصار الدولي ضده، واستصدار قرارات جديدة من مجلس الأمن إضافة إلي القرارين في 1970 و1973 وقد استندا علي الفصل السابع من الميثاق الذي يجيز استخدام القوة. وحتي الآن فإن الخيارات الدولية تستبعد تماما أي تدخل عسكري بري علي الأرض، وهو ما أكد عليه الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» الذي نجح في تقليص دور فرنسا بنقل قيادة العمليات إلي حلف الناتو الذي يضم 26 دولة، وكان «ساركوزي» يأمل في أن يقود العمليات بالمشاركة مع دول أوروبية أخري والولايات المتحدة لتحقيق أهداف خاصة بفرنسا استراتيجية أهمها تأمين حوض المتوسط وانتزاع مصالح اقتصادية مهمة في ليبيا من جارتها إيطاليا التي احتلت ليبيا عدة عقود. الدور العربي ثم نأتي إلي الدور العربي الذي لايزال غائبا، فالجامعة العربية أصدرت قرارها الأهم باستبعاد الوفد الليبي الرسمي من المشاركة في الجامعة وتمثيل ليبيا، ودعت المجتمع الدولي لحماية الشعب الليبي بفرض منطقة حظر جوي لمنع الطائرات الليبية من التحليق وضرب الثوار والمدنيين، وحين وصلت الأمور إلي ضربات جوية تراجعت الجامعة علي لسان أمينها العام عمرو موسي الذي أراد أن يكسب من الموقفين حماية الثورة الليبية ومنع ضرب ليبيا في نفس الوقت! ويبقي أن مشاركة قطر والإمارات في إطار سياسة مجلس التعاون الخليجي التي ظهرت جليا في حماية نظام البحرين، وإلي محاولة التأكيد علي أن سياسة مجلس التعاون تمتد إلي بقية العالم العربي، ومحاولة إحراج بقية البلدان العربية التي تعاني من مشاكل كبيرة في الداخل خاصة مصر وتونس والجزائر. وسيشهد هذا الأسبوع عقد اجتماع خمسة +خمسة «دول المغرب العربي ودول أوروبا المتوسطية» لبحث مستقبل الأوضاع الليبية، حيث كل الخيارات مفتوحة، سواء علي الأصعدة السياسية أو العسكرية، وفي ظل عدم مقدرة الثورة أو النظام علي حسم الموقف لصالحه، وهو ما سيجعل المواجهة مستمرة إلي أن تحدث مفاجأة كبيرة تغير الموازين السياسية والعسكرية.