أول ما يلفت نظر الزائر للكويت هذه الأيام هو انقسام واضح للعيان بين النخبة المثقفة من جهة والمواطنين العاديين من جهة أخري حول الموقف من ثورة مصر فرغم ابتهاج الجميع بانجاز الشعب المصري وفي المقدمة شبابه فإن مواطنين عاديين عبروا لنا في أكثر من مناسبة عن عدم الرضا عن خلع الرئيس السابق حسني مبارك قبل أن ينهي مدة رئاسته لأنهم يعتبرونه أحد المحررين للشعب الكويتي من الغزو الصدامي للبلاد قبل عشرين عاماً، وهم يشعرون بالامتنان له من أجل ذلك.. بينما تتوالي الاحتفالات بمرور عشرين عاماً علي التحرير من الاحتلال العراقي متجاهلين ان الجيش العراقي الذي خرج مهزوما بعد جريمة غزو صدام للكويت قد حلت محله وحدات وقواعد عسكرية أمريكية لا يثير وجودها الغضب، وهي نفس الحالة الموجودة في قطر، حيث تتمركز قاعدة «العوديد» اكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة وعلي العموم فإن منطقة الخليج العربي قد تحولت بعد تحرير الكويت إلي ما يشابه المحميات الأمريكية. اختارت مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري أن يتواكب مهرجانها لربيع الشعر الرابع مع ما قررته الأممالمتحدة بأن يكون يوم 21 مارس من كل عام يوماً للشعر العالمي. كان المهرجان قد بدأ فعالياته لأول مرة عام 2008 واحتفت المؤسسة في هذه الدورة بشاعرين راحلين هما غازي القصيبي السعودي وأحمد السقاف الكويتي وعقدت ندوتين نقديتين لهما وقدم الدكتور محمد حسن عبدالله بحثاً ضافياً عن السقاف. وأصدرت المؤسسة كتاباً عن كل منهما كما نظمت ثلاث أمسيات شعرية شارك فيها عدد من الشاعرات والشعراء العرب، وكانت ثورة مصر موضوعاَ مميزاً لعدد من القصائد. وزارة الثقافة نشأت المؤسسة عام 1989 وراكمت منذ ذلك الحين انجازا كبيرا فأصدرت عام 2008 معجما توثيقيا هو معجم البابطين لشعراء العربية في القرنين التاسع عشر والعشرين ضم سيرا ذاتية وعلمية لتسعة آلاف وخمسائة وثمانية عشر شاعرة وشاعر من القرنين التاسع عشر والعشرين في 25 مجلداً ضخماً استغرق اعداده أحد عشر عاماً وشارك فيه 630 باحثاً وموظفاً من الوطن العربي وخارجه. ويجري العمل في اعداد معجم البابطين لشعراء العربية في عصر الدول والإمارات 1258 - 1800 وستستمر السلسلة الي أن تحيط بعصور الأدب العربي كافة وصولاً إلي عهد ما قبل الإسلام عصر الانبثاقة الأولي للابداع الشعري العربي. كذلك رصدت المؤسسة جائزة باسم «احفاد الإمام البخاري» لترميم الجسور الثقافية بين الأمة العربية والدول الإسلامية في آسيا الوسطي. وحين أطلق المفكر الأمريكي ورجل الأمن القومي الراحل «صمويل هنتنجتون» مقولته حول صراع الحضارات قائلاً إن الصدام القادم سيكون بين المسيحيين الغربيين وديانات الشرق مثل الإسلام والبوذية والهندوسية. اطلقت المؤسسة مشروعها للحوار مع الآخر أي حوار الحضارات بدلاً من صراعها فأسست عام 2000 ملتقي سعدي الشيرازي في كل من طهران وشيراز. وعندما وقعت أحداث سبتمبر 2001 حين قصفت طائرتان برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك ومقر وزارة الدفاع الأمريكية في واشنطن وجهت المؤسسة أولي دوراتها في الغرب وعقدت دورة «ابن زيدون» في قرطبة عام 2004 وعلي اثرها جري اقرار اللغة العربية كلغة رسمية بمدارس الأندلس من قبل الحكومة المركزية في مدريد. في عام 2006 عقدت دورة «شوقي ولا مارتين» في باريس بالمشاركة مع منظمة اليونسكو ودورة «خليل مطران ومحمد علي ماك دزدار» في سراييفو بالبوسنة عام 2010 وتقرر بعد ذلك أن تقام دورات الحوار الثقافي والحضاري بشكل مستقل عن الشعر وفي المحافل الأجنبية ابتداء من عام 2013 بينما تستمر الدورات الأدبية في انعقادها بعواصم الوطن العربي وستحمل الدورة الأدبية التالية اسم رائدين من رواد الشعر العربي قديما وحديثا «أبو تمام» و«عمر أبو ريشة» في دمشق عام 2012. المخططات الشعرية تحت مظلة مركز عبدالعزيز سعود البابطين لحوار الحضارات الذي تأسس عام 2005 بالمشاركة مع جامعة قرطبة تأسس كرس للدراسات العربية في جامعات غرناطة وأشبيلية وملقا وقرطبة، ومع جامعة قرطبة أنشأت المؤسسة جائزة البابطين العالمية للدراسات التاريخية والثقافية في الأندلس، كذلك تأسس مركز البابطين لتحقيق المخطوطات الشعرية عام 2007 بالتعاون مع جامعة الإسكندرية بقصد نشر دواوين الشعر المخطوطة منذ حوالي ألف عام وتحقيقها. وأنشأت المؤسسة مكتبة البابطين الكويتية في القدس ورصدت جوائز للشعراء الشباب في فلسطينالمحتلة 1948 حفاظا علي اللغة العربية المهددة، كما أنشأت صالة كبيرة سلمتها لبلدية طولكرم تبرعا، وجمعت كل الأشعار عن الشهيد الطفل محمد الدرة وطبعتها في ثلاثة مجلدات ضخمة توزع مجانا. هذا بالإضافة إلي بناء عدد من المدارس وترجمة الكتب وتعليم اللغة العربية للأجانب، وتنظيم دورات لتعليم العروض، وإنشاء مكتبة كبيرة في قلب عاصمة الكويت تضم ما يقارب أربعمائة ألف كتاب متاحة للقراء والباحثين. ويتضح لنا من هذه السيرة المختصرة أن المؤسسة تكاد تنهض بعمل وزارة ثقافة متحررة من البيروقراطية وبعدد محدود من الموظفين والموظفات علي رأسهم المثقف الكويتي عبدالعزيز السريع. وبوسعنا أن نتصور ما يمكن أن تجنيه الثقافة العربية والشعر العربي علي نحو خاص إذا ما نشأ تعاون مخطط بين المؤسسة والجامعة العربية لتأسيس المزيد من المراكز وتوسيع نطاق الخدمات للثقافة والمثقفين في العالم العربي لانتشالها من وهدة التأخر والهيمنة السلفية. نماذج تحتذي وتشكل هذه المؤسسة نموذجا يمكن أن يقتدي به كل أصحاب الثروات الضخمة في الوطن العربي أسوة بأغنياء أوروبا وأمريكا الذين رصدوا أموالا طائلة لمشروعات ثقافية وعلمية علي الصعيد العالمي مثل فورد وفولبرايت وبيل جيتس وغيرهم. وفي مصر تتميز مؤسسة ساويرس بنشاطها الثقافي الذي يمكن أن يتوسع إلي ما لا نهاية له لو تم رصد المزيد من الأموال. وتحتاج مثل هذه المؤسسات في وطننا العربي والتي أنشأها الأثرياء إلي مساحة أوسع من الحرية لمواجهة الطابع الأساسي المحافظ لتوجهاتها بخاصة تلك المؤسسات التي نشأت في دول الخليج حيث تلعب قوي الإسلام التقليدي النصي والسلفي دورا محوريا في تشكيل البنية الذهنية العامة، ومع ذلك يدور صراع مكتوم أحيانا ومعلن في أحيان أخري بين الحداثة والقدامة بين التقليد والتجديد، وهما يتصارعان داخل مؤسسة البابطين ذاتها ويتعايشان أيضا، ولا تقلل هذه الملاحظات من أهمية العمل الذي تقوم به هذه المؤسسات وأولها مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين. كان الحضور في الأمسيات الشعرية الثلاث محدودا للغاية وغالبية الجمهور من الشعراء والنقاد، ذلك أن حلم الشاعر والمسرحي الألماني الكبير برتولدبريخت أن يجذب الشعر والمسرح جمهور كرة القدم لم يتحقق إلا نادرا في العالم العربي، حين أنشد كل من نزار قباني ومحمود درويش أشعارهما أمام الآلاف. ولعل ندرة جمهور الشعر بل وعزلة الشعراء أن تكون قضية للنقاش في مؤتمر قادم.