ترفع أجهزة الأمن البريطانية درجات الإستعداد لمواجهة إحتمالات قائمة لتحرك نشاط إرهابي ، ضد شبكة المواصلات العامة والمطارات لإحداث خسائر وفوضي في الوقت نفسه . وتطبق هذه الأجهزة سياسة علي درجة عالية من الانتباه بإعتماد الخطط المتواصلة لتأمين الشوارع والمطارات ، دون إرباك الحياة العامة أو تكثيف المظاهر البوليسية مما يعكر صفو التقاليد الديمقراطية المعروفة التي توفر الحرية للجميع . عندما تسير في الميادين العامة والمناطق التجارية ، لا تري الشرطة ظاهرة عبر سيارات الأمن المتراصة ، التي تضفي علي الشارع رهبة مع الخوف ، لكن علي الرغم من ذلك فالأمن موجود عبر الكاميرات المنتشرة والسيارات في الشوارع الجانبية الهادئة وبها أجهزة تصنت ورصد للنشاط المثير للشك والإنتباه . يمارس البريطانيون حياتهم العادية من انفتاح وحرية ، وعلي الرغم من ذلك فالأجهزة ترصد كل شئ ، لكن بطريقة متحضرة ، لا تضايق المواطنين ولا تعكر صفو حياتهم ، فالأسلوب الحديث لأجهزة الأمن يعتمد علي مراقبة غير منظورة وعمليات رصد متطورة للغاية لا يشعر بها المارة . ومنذ تعرض لندن لحادث تفجير إرهابي في شهر يوليو عام 2005 ، وهناك حالة إستنفار أمني لا تهدأ علي الإطلاق ، حتي لا يتكرر هذا الحادث مرة أخري ، بما يحمله من تهديدات لحياة المواطنين . وتعتمد أجهزة الأمن علي طريقة وقائية عالية الدرجة في متابعة النشاط الإرهابي وتعقب خلاياه ، مع وجود جالية باكستانية كبيرة يصل عددها إلي أكثر من مليوني شخص ، وإنطلقت منها الخلية الإرهابية التي نفذت إعتداء عام 2005 . منذ هذا التاريخ والأمن يطبق خطة محكمة لا يشعر بها المواطن الذي يمارس حياته دون اللجوء إلي تعقيدات تغير من طبيعة سلوكه الذي اعتاد عليه . وفي منطقة دور السينما والمسارح وسط لندن دائما هناك حالة من الإزدحام والميادين العامة تشهد حركة واسعة من البشر دون تغيير في ظل هذا التوتر الموجود ، لكن الأمن يراقب عبر معدات حديثة ومتطورة تدفع بهجر الأساليب التقليدية القديمة . سلطة القانون وعلي الرغم من ذلك فإن الدوريات العادية لرجال الشرطة لحفظ الأمن العام مستمرة ، وهذا يعطي المواطن الشعور بالأمان ، إذ هناك سلطة القانون موجودة لحماية المواطن وليس للإعتداء عليه ، كما يحدث في بعض الدول التي تطبق هذا الأسلوب الأمني بإستخدام سياسة مرعبة ومخيفة في الوقت نفسه . وخلال الفترة الحالية ومنذ أعياد الميلاد تتدفق التقارير التي تحذر من اعمال إرهابية محتملة في بريطانيا . والأمن يضغط للإنتباه والتحذير ، خصوصاً في مناطق المواصلات العامة مثل خطوط السكك الحديد والمطارات . وتقوم الكاميرات الموجودة في كل مكان بالمراقبة والرصد ، وعلي الرغم من شكوي بعض المنظمات الحقوقية ، فإن هذه الكاميرات لتأمين حرية المواطن وليست لمراقبته شخصياً أو لمطاردته ومنعه من ممارسة حريته بالأسلوب الذي اعتاد عليه في ظل القيم الديمقراطية . إن الإنسان في بريطانيا حر يفعل ما يشاء ، طالما ظل في إطار القانون ، وعندما يخرج عليه يجد الشرطة في الحال وفق إجراءات لا تتجاوز الأعراف العامة ولا تخرج عليها . حماية المواطن لا تخويفه يضمن هذا الأسلوب توفير ضمانات لتطبيق القانون ، إذ الهدف ليس تخويف المواطن وإنما حمايته أولاً وأخيراً ، والأعراف القانونية تلزم الجميع بخطوط ثابتة لا يمكن الخروج عنها أو تجاوزها ، وإذا حدث ذلك فإن العقاب أيضاً ضمن الإجراء القانوني ، حيث لا تطاول ولا إعتداء ولا مس بالكرامة علي الإطلاق . ونتيجة لهذه التقاليد فإن المواطنين يتعاونون مع الشرطة في الإبلاغ السريع عن تجاوزات أو مخاوف أو شكوك ، إذ عين المواطن تساعد الأجهزة الأمنية في عملها ، لأنها صديقة له تعمل علي تحقيق مصالحه وتضمن أمنه وكرامته في الوقت نفسه . ولا تشهد البلاد في أحلك لحظات الخطر والإرهاب ، إجراءات إستثنائية ، وعندما كان الجيش الأيرلندي المحظور يشن عمليات داخل لندن ، لم تعتمد الحكومة إجراءات القبض العشوائي والإستثنائي للحصول علي معلومات ، إذ يلزم القانون هذه الأجهزة الإلتزام بالضوابط في ظل تقاليد البلاد . وقد رفعت أجهزة الأمن درجة الإستعداد في ظل تقارير تتحدث عن إرهاب عابر للقارات يستهدف دول الإتحاد الأوروبي منها بريطانيا ، لتنفيذ عمليات علي غرار ما حدث في مومباي الهندية عام 2008 ، حيث أطلقت مجموعة مسلحة النيران عشوائياً بهدف تحقيق الفوضي والإضطراب وإسقاط الضحايا دون تمييز . تكرار نموذج مومباي يقلق الأجهزة الأمنية في أوروبا وبريطانيا ، لكنها مستعدة له وتتوقع حدوثه ، لذلك لا تستبعد هذه الطريقة ، بل علي العكس تتوقعها وتعمل علي تخطيط الطرق الوقائية لإجهاض هذا المخطط إذا تمت محاولة تنفيذه . تعتمد الأجهزة علي فكرة أن الإرهاب يمكن أن يفعل أي شئ ويتحرك في أي وقت ، إذا وجد الفراغ الأمني قائماً ، كما حدث في مومباي الهندية عام 2008 ، لذلك الخطة في بريطانيا هي ملء الفراغ بخطط وقائية محكمة تنتظر الهجوم ، حتي لا تكون هناك مفاجأة علي الإطلاق . اجهاض من المنبع القاعدة أن الخطر قادم والإستعداد للتعامل معه ، هو الطريق الوحيد لإجهاضه عند المنبع ، وليس انتظار تحركه ثم البكاء بعد ذلك نتيجة هذا التقصير الفظيع . تقود وزير الداخلية تريزا ماي خطة الأمن الوقائي ، وهي وزيرة سياسية تحمل حقيبة ممتلئة بالأوراق التي تضمن تحقيق الأمن في ظل الخط السياسي للحكومة بعد التجاوز نحو المواطن ، فالهدف من الأمن حمايته أولاً وتحويله إلي طاقة للعمل والتناغم مع قرارات وقائية تستهدف حمايته . كانت تريزا ماي قد تحدثت أمام البرلمان عن الإجراءات الجديدة لمواجهة احتمالات لعمليات إرهابية . ودائماً لابد من إعلان البرلمان لخطط الحكومة ، ووزيرة الداخلية ملزمة بالوقوف أمام الجهة التشريعية لشرح سياسة وزارتها والحصول علي موافقة ، إذا كان هناك ما يتطلب سلطة البرلمان في شأن يحتاج الإجماع الداخلي لأعضاء مجلس العموم . والحكومة ملزمة أمام البرلمان المعبر عن سلطة الشعب وهو أعلي هيئة في البلاد تحدد السياسة العامة ، ووزارة الداخلية ملزمة أمام هذه الهيئة التشريعية بتطبيق القانون وحماية المواطن في الوقت نفسه . المشاركة بريطانيا تعيش أيام المواجهة مع الإرهاب في ظل أزمة إقتصادية صعبة وتوتر في الشارع نتيجة سياسة الحكومة ، لكن كل هذا لا يدفع نحو إجراءات إستثنائية ، إذ كل شئ يتم في إطار القانون ، خصوصاً ملف مكافحة الإرهاب كله الخاضع للبرلمان وللجهاز التشريعي. وعلي الرغم من صعوبة المواقف ، سواء السياسية أو الإقتصادية ، فإن المواطن في قلبها ، لأنه يدرك مدي مشاركته عبر البرلمان في تحديد سياسة وزارة الداخلية وغيرها من وزارات الحكومة المنتخبة والموجودة في السلطة لأنها جاءت نتيجة اختيار المواطنين . خطط محاربة الإرهاب في بريطانيا تستند إلي تراث البلاد الديمقراطي ، وعندما تقف تريزا ماي وزيرة الداخلية تتوعد الإرهاب ، فإنها تتحدث بثقة كاملة ، إذ خلفها البرلمان يدعمها وهي تطبق القانون وتلتزم بكل الإجراءات التي ينص عليها . محاربة الإرهاب في بريطانيا تتم بقانون الديمقراطية وبموافقة شعبية كاملة ومساندة من الأغلبية التي لها مصلحة في هزيمته والقضاء عليه .