«إن فاتك الميري» إتمرمغ في ترابه من الأمثال الشعبية الراسخة التي تعكس قدم ورسوخ الدولة المصرية الضاربة في عمق التاريخ منذ خمسة آلاف سنة - حيث شهدت الحضارة الفرعونية أقدم نظام وظيفي بيروقراطي في تاريخ البشرية - وتوالدت بعد ذلك الحضارات علي أرض مصر ولكن ظل علي الدوام وجود سلطة مركزية يتبعها آلاف العاملين المنتظمين والذين يتقاضون رواتب ثابتة من الدولة حتي تضخم الجهاز الحكومي علي مر السنين ليبلغ عدد الموظفين في مصر الآن حوالي 6 ملايين موظف.. وذلك رغم توقف آلية التعيين عن طريق القوي العاملة منذ عام 83/84، والمتابع للتطورات التشريعية في مجال قانون العمل والعمال لابد وأن يتوقف أمام شيئين مهمين: أولهما: صدور القانون رقم 12 لسنة 2003 - المنظم لعلاقات العمل عامة في غير القطاع الحكومي - والتي حرص علي تسميته وقت صدوره «قانون العمل الموحد». ثانيهما: «مشروع قانون الوظيفة العامة» - والذي نشر منذ فترة ولاقي هجوما شديدا - إذ أظهر ملامح التصور الحكومي لطبيعة الوظيفة العامة في المستقبل والعدول عن كونها وظيفة دائمة. ولكن عاود وزير التنمية الإدارية الحديث عنه تمهيدا لصدوره في الدورة البرلمانية المقبلة - وقد تعددت في الفترة الأخيرة - القرارات المنظمة للوظيفة المؤقتة في القطاع الحكومي. 1- فقد صدر الكتاب الدوري للجهاز المركزي للتنظيم والإدارة رقم 6 لسنة 2000 وفقا للقانون 5 لسنة 2000: بالقواعد التي تجيز تثبيت العاملين المعينين بعقود مؤقتة علي درجات دائمة متي توافرت الشروط الآتية: أ- أن يكون العامل المؤقت علي بند (2) نوع (3) مكافآت شاملة. ب- أن يكون مضي علي تعاقده مدة 3 سنوات متصلة علي الأقل وبشرط أن تطلب السلطة المختصة ذلك من الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة. 2- تضمن كتابا السيد المستشار رئيس هيئة مستشاري مجلس الوزراء رقم 3733، 3766 في 10/5/2006، 11/5/2006. أنه بالعرض علي السيد الدكتور رئيس مجلس الوزراء أشار سيادته بالآتي: أ- عدم الموافقة علي تثبيت العمالة المؤقتة سواء المعينون علي الباب الأول أو السادس أو الصناديق الخاصة بموازنة جميع الوحدات علي مستوي الجهاز الإداري للدولة العام المالي 2005/2006. ب- عدم الموافقة علي المقترحات الخاصة بتمويل بعض الوظائف ذاتيا، وقد أنهي هذا القرار إمكانية تحول العقود المؤقتة إلي درجات ثابتة. 3- أن كل التعاقدات المشار إليها سوف تخضع لبند المكافآت السنوية التي قد تتجدد كل عام وقد لا تتجدد وذلك حسب احتياجات كل وحدة اقتصادية وحسب المتوفر في الميزانية لتمويل هذا البند. 4- ثم أخيرا صدر القرار رقم 7 لسنة 2010 من وزير الدولة للتنمية الإدارية والذي نص علي إلغاء القرار 25 لسنة 1997. ثم صدر الكتاب الدوري رقم 3 لسنة 2010 في 14/2/2010 من الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة مفسرا وموضوحا لقرار وزير التنمية الإدارية. وأهم ما ورد بمضمون هذا القرار هو: - تضع كل وحدة آليات الاختيار للعاملين المطلوب التعاقد معهم وذلك بترتيب المتقدمين علي أساس الجدارة والكفاءة وتستوفي الجهة الإدارية احتياجاتها وفقا لهذا الترتيب. - تعلن كل وحدة عن حاجتها للتعاقد مع العاملين علي نحو يكفل العلانية وتكافؤ الفرص والمساواة في أماكن ظاهرة. - يتم الإعلان عن نتيجة الاختبار علي ضوء المعايير المحددة ومن ثم التعاقد معهم وفي نفس مكان الإعلان بالوحدة. - شغل الوظائف بطريق التعاقد لا يكون إلا وفقا لاحتياجات الجهة الإدارية، وفي حالة سماح بند 2 مكافآت شاملة نوع 2 عمالة موسمية طوال مدة التعاقد. - لا يجوز أن تزيد مدة التعاقد علي اعتمادات الباب الأول أجور وتعويضات عن مدة سنة علي أن تنتهي بنهاية السنة المالية من كل عام وتجدد لمدة مماثلة إذا اقتضت حاجة العمل ذلك. في مجال تجديد قيمة المكافأة للمتعاقد: يتم تحديد قيمة المكافأة للمتعاقدين علي بند (2) مكافأة شاملة نوع (2) أجور موسميين علي النحو التالي: - مكافأة شهرية توازي بداية ربط درجة النظير المتعاقد المعين علي درجة دائمة. - العلاوات الخاصة المضمومة محسوبة علي قدر المكافأة. - العلاوات الخاصة التي لم يحل موعد ضمها. - العلاوات الاجتماعية والإضافية. - منحة عيد العمال. - الحوافز والمكافآت والبدلات والأجور المتغيرة الأخري في ضوء ما تقدره السلطة المختصة لكل وحدة. هذه هي القواعد التي ستحكم العمل بالوظائف المؤقتة بالجهاز الحكومي في المستقبل ولنا عدة ملاحظات بعد هذا العرض تتمثل في الآتي: أولا: أنه سوف يصبح الأصل في العمل في الحكومة عن طريق التعاقد المؤقت علي وظيفة مؤقتة مما يمكننا القول إننا سوف نقول قريبا وداعا للوظيفة الدائمة التي ظلت مئات السنين هي أساس علاقة العمل مع الدولة والحكومة لأنه وفي ظل متوسط أعمار الموظفين الحالي ففي خلال عشرين عاما علي الأكثر، لن تكون هناك وظائف دائمة لأنه سوف يستبدل هؤلاء بمتعاقدين سنويين علي وظائف مؤقتة بعقود بند مكافأة شاملة، والذي ينتهي العقد بعد سنة ويمكن ألا يجدد بعد ذلك حسب رغبات واحتياجات الجهة الإدارية مما يجعل الموظفين جميعا في مهب الريح أو علي صفيح ساخن يتوقعون إنهاء خدمتهم مع نهاية كل عام. ثانيا: أن قانون «الوظيفة العامة» والذي يعد في سرية وتكتم - قد بانت ملامحه - بتقنين العمل في الحكومة عن طريق التعاقد السنوي وبذلك تتحول كل الوظائف العامة مع الوقت إلي وظائف مؤقتة. ثالثا: أن القرار قد جاء خاليا من أي إشارة لمصير الكتاب الدوري 6 لسنة 2000 - الذي كان يضع شروطا للتعيين علي درجة دائمة بمرور ثلاث سنوات علي التعاقد - وفي ظل تأشيرة رئيس الوزراء في مايو 2006 بعدم الموافقة علي تثبيت العمالة المؤقتة - مما يفصح عن نية الدولة في التحول نهائيا إلي نظام الوظائف المؤقتة. وأخيرا أن ما شاهدناه من آثار اجتماعية ضارة ومدمرة نتيجة تطبيق أحكام القانون 12 لسنة 2003 علي العمال، مما تسبب في فقدان الآلاف وظائفهم، ويكفي أن نذكر أن عدد عمال القطاع العام كان في عام 1975 حوالي 2 مليون عامل وقت ما كان عدد سكان مصر لا يتجاوز الأربعين مليونا أصبح الآن عددهم لا يتجاوز 340 ألف عامل، في حين بلغ عدد السكان 80 مليونا، هذا جراء الفصل والتشريد والضغط والتهديد وخفض الرواتب والمعاش المبكر إلخ.. مما أدي لزيادة أعداد العاطلين وارتفاع نسب البطالة. والآن وحسب توصيات البنك الدولي الذي يطالب بتسريح ثلثي الموظفين في الدولة ليصبحوا 2 مليون فقط بدلا من 6 ملايين، فما مصير أربعة ملايين موظف يعولون ما لا يقل عن عشرين مليون شخص. إن سياسة السير في طريق الهلاك حتي النهاية.. ستؤدي إلي كارثة تدمر الجميع حكاما ومحكومين فهل لهذا البلاء من نهاية؟