قد تكون رائعة يوسف إدريس «الحرام» أكثر من عبر وبقوة عن تلك الفئة المهمشة في مجتمعنا المصري.. «عاملات التراحيل» واللاتي مازلن في قري ومحافظات مصر يحملن عبء تلك الحياة علي أجسادهن النحيلة.. الأمر قد يبدو مختلفا بعض الشيء أو يشوبه تطور طبيعي لحياة هؤلاء العاملات لأنهن أصبحن يتعاملن بشكل أقرب للواقع ويضفن علي عملهن بعض مكتسبات الطعم والرائحة للتحايل علي الشفاء، رصدنا بعيون قريبة ملامح خاصة جدا وإنسانية للغاية وعشنا يوما في حياة إحداهن وعشنا تفاصيل أخري علي لسان بعض العاملات لنرصد وجها إنسانيا غائبا عن سياسات حزبنا الوطني الجليل.. والذي غالبا لا يشاهد أفلاما ويترفع أيضا عن مشاهدة الواقع. والذي رفع في دورته الانتخابية الماضية 2005 شعار «من أجلك أنت» ويرفع في دورته الحالية شعار «من أجل مستقبل أبنائك». هؤلاء يتمثل أجرهن الزهيد ما بين 10 جنيهات إلي 20 جنيها يومياً حيث يعملن لأكثر من 8 ساعات بدءا من السادسة صباحاً وحتي الثالثة عصرا. سمية سيد متزوجة لديها خمسة أطفال تعيش في محافظة أكتوبر تحديدا «أوسيم» تستيقظ كل يوم صباحا في الرابعة فجرا لتستقل سيارة نصف نقل تنقلها مع غيرها من السيدات والبنات اللاتي يذهبن للعمل داخل سوق العبور - القريب من طريق الإسماعيلية - حيث إنهن يعملن «شيالات» لطاولات الخضراوات والفاكهة مقابل أجر بسيط يحصلن عليه ليعدن إلي حياتهن ببعض النقود لتسد رمق الأسرة، أما سمية فهي لا تعمل «شيالة» ولكنها تذهب لتشتري الفاكهة بسعر أقل من السوق وتأتي لمدينتها الجافة لبيعها علي «ناصية شارعهم» وهي فرحة لانتهاء يومها في الثانية عشرة ظهرا، في حين تنتظرها ابنتها الكبري ذات السنوات العشر وتحضر أخواتها من المدرسة للمنزل وتعود سمية لتمارس أعمال البيت، في حين يعمل زوجها موظفا حكوميا بسيطا. لم تكن سمية هي الوحيدة حيث يحدث يوميا أيضا رؤية الفتيات اللاتي يركبن سيارة النقل للذهاب للعمل في بعض الغيطان القريبة من مدينتهن وهن غالبا ما يتعرضن للخطر نتيجة الطرق السيئة غير الممهدة بين القري والتي يقترب منها بشكل دائم الصرف غير المغطي الذي يعد مصدرا للحوادث الدائمة وما أكثرها، وكأن السيارة نصف النقل لم تتغير منذ أيام صلاح أبوسيف وفاتن حمامة وحتي يومنا هذا. أعمار تلك السيدات تختلف فبعضهن صغير لدرجة مؤلمة حيث لا تتجاوز أعمارهن العاشرة والآخر كبير لدرجة تقترب بك إلي الشفقة فبعضهن تجاوزن الخمسين، تلاحظ دائما علامات الزمن الواضحة علي تلك الوجوه ولا تندهش إذا لمحت بجانبها ابتسامة رقيقة هي مفتاح الحياة بالنسبة لهن. إيمان إحدي الفتيات اللاتي تعودن علي جمع الخضراوات من الحقول، لم تدرس إطلاقا ولكنها تستطيع كتابة اسمها فقط تقول إنها تعرضت لأكثر من حادث انقلاب للسيارة التي تنقلهم والتي كادت السقوط إلي «الترعة» ولكنها اعتادت علي هذا لأنه «أكل عيش» وقد فقدت إيمان في الحوادث التي وقعت بعضا من صديقاتها ورفيقات رحلة الشقاء التي تصنع في كل لحظة أمام أعيننا سياسات الحزب الوطني التي أنتجت هذا البؤس. الشعب لا يعرف نوابه إلا عندما تمر سيارات الانتخابات معلنة أسماء مرشحي الحزب الوطني الكرام «الذين لا يري بؤساء الشعب المصري وجوههم» إلا علي لافتات وصور إعلاناتهم والميكروفون عندما ينادي بأسمائهم من دورة انتخابية إلي دورة انتخابية أخري.