بإعلان الفريق أول عبدالفتاح السيسي عزل الرئيس السابق «د. محمدمرسي» وتجميد العمل أو تعطيل الدستور الإخواني السلفي القائم حاليا والتوافق علي «خارطة المستقبل»، وتولي المستشار عدلي منصور رئيس المحكمة الدستورية العليا منصب رئيس الجمهورية المؤقت.. يمكن القول إننا ننتقل من الجهاد الأصغر إلي الجهاد الأكبر، فالتحديات التي تواجهها البلاد خلال المرحلة الانتقالية علي المستوي السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني وعلي مستوي العلاقات العربية والإقليمية والدولية، عديدة وصعبة وتحتاج لتضافر جهود كل الأحزاب والقوي السياسية والحركات الاحتجاجية والشعب كله. ولا يمكن في هذه المساحة تناول كل هذه التحديات، ومن ثم سأركز علي عدد محدود منها لابد من مواجهتها خلال الأيام والأسابيع القادمة. وأبدأ بالإعلان الدستوري المتوقع صدوره خلال أيام والذي ينظم العلاقات بين سلطات الدولة المختلفة، وكذلك الدستور الذي سيتم صياغته خلال الفترة الانتقالية بعد ذلك. فمن الضروري الحرص علي أن يتضمن الإعلان الدستوري والدستور، نصا يؤكد علي مدنية الدولة وأن نظامها يقوم علي «المواطنة» باعتبارها دون غيرها مناط الحقوق والواجبات العامة، وعدم جواز قيام أي حزب في مبادئه أو برامجه أو مباشرة نشاطه أو أساليب عمله أو اسمه أو شعاراته علي أساس ديني أو طائفي أو فتوي أو جغرافي أو علي أساس «مرجعية دينية»، فقد أدي حذف النص علي عدم قيام الحزب علي مرجعية دينية والذي كان موجودا في المادة الخامسة من دستور 1971، من المادة نفسها في الإعلان الدستوري الذي أصدره المجلس الأعلي للقوات المسلحة برئاسة المشير حسين طنطاوي في 30 مارس 2011 إلي ظهور أحزاب «دينية» تكاثرت كالفطر وقادت البلاد إلي الأزمة السياسية الحالية، وخاصة وقد نقلت هذا النص وزادت عليه في الدستور السلفي – الإخواني القائم حاليا، وفتحت الباب واسعا لإسقاط الدولة المدنية الديمقراطية التي ناضل الشعب المصري من أجل تأسيسها طوال ما يزيد علي مائتي عام، وأدخلت الدين في السياسة والسياسة في الدين، وتخلت عن شعار ثورة 1919 العظيم «الدين لله والوطن للجميع». التأكيد علي صياغة الدستور أولا ثم إصدار قانون أو قوانين انتخابات المجلس «أو المجالس» النيابية وانتخاب رئيس الجمهورية، وإجراء هذه الاستحقاقات الانتخابية واشتراط نسبة خاصة لابد من توافرها لصحة الاستفتاء علي الدستور (40% أو 50% علي الأقل من المقيدين في جداول القيد الانتخابي) وأن يتم إقرار الدستور في الاستفتاء بنسبة لا تقل عن 65% أو 75% من الذين أدلوا بأصواتهم، ليكون دستورا توافقيا بحق وليس دستورا لتيار أو اتجاه حصل في لحظة معينة علي الأغلبية (50%). لم يكن لجوء جماعة الإخوان «غير القانونية» وحزب الحرية والعدالة إلي ممارسة العنف بعد أن أسقطت ثورة 30 يونيو حكمهم وعزلت رئيسهم «د. محمد مرسي» مفاجأة، فالعنف والإرهاب مكون رئيسي في فكرهم منذ حسن البنا وحتي اليوم، إضافة لإدراكهم أن صعودهم للسلطة خلال العامين الماضيين هي فرصتهم الأولي والأخيرة، ولن تتكرر إذا فقدوها الآن، ومواجهة هذا العنف واللجوء للإرهاب سواء في الوادي أو في شبه جزيرة سيناء بالتحالف مع الجماعات الإرهابية، يتطلب التطبيق الصارم للقانون ودعم أجهزة الشرطة والقوات المسلحة لتقوم بدورها في وقف العنف وتصفية الإرهاب، وقبل ذلك استمرار الشعب المصري وقواه وأحزابه السياسية خاصة حملة تمرد وأحزاب جبهة الإنقاذ في الاحتشاد في الميادين بالملايين بصورة منظمة، فوجود مثل هذه الحشود تأييدا لبناء الدولة الجديدة المدنية الديمقراطية ورفضا للعنف والإرهاب، كفيل بشل يد القتلة الإرهابيين وعزلهم، حتي وإن لجأوا إلي الاغتيالات الفردية وعمليات إرهابية متفرقة. وبالنسبة لدعوة المصالحة وتطبيق العدالة الانتقالية فالأمر يتطلب أولا أن يقوم قادة جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة وحلفاوهم الذين تحملوا الحكم خلال المرحلة الماضية بالاعتراف علنا بجرائمهم والاعتذار عنها وتقبل الجزاء القانوني عنها. وهذه الإجراءات السياسية وغيرها يجب ألا تنسينا أن الناس في حاجة إلي إجراءات عاجلة لتحسين ظروف معيشتها وتحقيق حد أدني من العدالة الاجتماعية، فالفروق الفلكية في الأجور والارتفاع في نسب البطالة والفقر وانتشار الفساد والتضخم وارتفاع الأسعار والأزمة الاقتصادية، تمسك بخناق الطبقات الشعبية والوسطي، والمسئولية الأولي للحكومة القادمة – إضافة لتحقيق الأمن والاستقرار – اتخاذ إجراءات عاجلة لتحسين الأوضاع المعيشية للمصريين إلي أن يتم تغيير السياسات الاقتصادية والاجتماعية المطبقة منذ عام 1974 لصالح الرأسمالية الطفيلية وتنفيذا لتعليمات صندوق النقد والبنك الدوليين وهيئة المعونة الأمريكية، وفي مقدمة هذه الإجراءات تعديل الموازنة العامة للدولة الحالية المنحازة للأغنياء وإعادة صياغتها بمنطق العدالة الاجتماعية، وفرض ضرائب تصاعدية تحمل الأغنياء العبء الأكبر ضرائبيا، ووضع حد أدني إنساني للأجور وحد أقصي عادل بما يؤدي لزيادة دخول غالبية المصريين، وضبط الأسعار وعودة الدولة للعب دور أساسي في تجارة التجزئة في السلع الاستهلاكية الضرورية للمواطنين «المجمعات الاستهلاكية».. إلي غير ذلك من الإجراءات التي سبق لحزب التجمع طرحها في برنامجه.