بدأ الحراك الشعبي السوري في مارس 2011 صراعاً شعبياً صرفاً مسيساً إلي أبعد الحدود، سواء من حيث أهدافه أم من حيث أسلوبه، فبدأت شعاراته تطالب بالكرامة والحرية ثم محاربة الفساد وعسف أجهزة الأمن والتنديد بجرائمها. كانت أساليب الحراك والانتفاضة الشعبية أساليب سلمية، تعتمد علي الاحتجاج السلمي والتظاهر السلمي، وترفض العنف، ولم يمارس مئات آلاف المتظاهرين الذين كانوا يملأون الشوارع يومياً أي عنف، ولم يحاولوا الصدام مع أحد بمن في ذلك أجهزة الأمن، إلا أن السلطة السورية، سارت علي خطين منذ اليوم الأول للاحتجاج أولهما اتهام جماهير المحتجين والمتظاهرين بأنهم عملاء ومندسون ومتآمرون وسلفيون ومتطرفون يقبضون الأموال من الخارج، ويمارسون مؤامرة (كونية) ضد سورية، بل وطائفيون أيضاً، وثانيهما أن السلطة ردت علي المتظاهرين السلميين بإطلاق الرصاص واستخدام أقصي درجات العنف، وباعتقال النشطاء بالآلاف وتعذيبهم، وقضي قسم كبير منهم تحت التعذيب وذلك ظناً من السلطة أنها سوف تقضي علي الانتفاضة في مهدها، ورغم ذلك استمرت الجماهير الشعبية بالتظاهر والاحتجاج، إلا أنها طورت شعاراتها من شعارات تنادي بتحقيق أمور مطلبية إلي شعارات أخري أكثر عمقاً واتساعاً اقلها المطالبة بإصلاح النظام وتطويره تطويراً جذريا وصولاً إلي إسقاطه، مما زاد عنف السلطة وشدة قمعها وصار مألوفاً أن تتكبد كل مظاهرة كبيرة عشرات القتلي ومئات الجرحي، وأن تقذف المعتقلات يومياً عدداً كبيراً من الذين قضوا تحت التعذيب، خاصة بعد أن أدخلت السلطة الجيش السوري في المعركة بكل أسلحته بما في ذلك المدفعية والدبابات والقصف الجوي والصاروخي ثم الكيماوي، مما نتج عنه أمران: الأول أن عديداً من ضباط وجنود الجيش السوري رفضوا المساهمة في قتل الجماهير وانشقوا عن الجيش وكانت بداية تشكيل الجيش الحر وهو الجناح المسلح للمعارضة، وثانيهما أن الاحتجاج الجماهيري تحول إلي ثورة وحمل قسم من المعارضين السلاح مقابل عسف السلطة شيئاً فشيئاً، ولهذه الظروف المستجدة بدأ الحراك الشعبي يتراجع والصراع المسلح يتقدم. معارضة خارجية والأمر النوعي الذي استجد علي الثورة السورية هو قيام معارضة خارجية من سوريين يعيشون في الخارج ومعظمهم لم يكن ناشطاً سياسياً ولا ينتمي لأي حزب، ووجدت جهات عربية ودولية فيهم ضالتها وتعاونت معهم ودعمتهم بالمال والسلاح. وطرحوا منذ الأسبوع الأول لتأسيس ما سموه (المجلس الوطني) إسقاط النظام واستدعاء القوات الأجنبية وشعارات من شأنها تخوين المعارضة الداخلية واعتبار المجلس الوطني هو الممثل الوحيد للمعارضة. وأمام هذه الظروف جميعها انتقل علاج الأزمة السورية والتعامل معها من الداخل إلي الخارج، وأصبح حلها خارج الحدود ونُحي الشعب السوري وحراكه ومعارضته الداخلية جانباً بانتظار أن يحل الخارج مع مسلحي الداخل الأزمة. الصراع علي سوريا ومنذ ذلك الوقت أخذت دول خارجية: إيران وروسيا من جهة والولايات المتحدة وأوروبا والبلاد العربية من جهة أخري، تتدخل في الشأن السوري وكل يعمل لنقل حل الأزمة السورية إلي يده، وهذا يفسر حل المجلس الوطني في السابق بحجة فشله، وتشكيل الائتلاف الوطني ثم توسيعه ثم إعادة هيكلته في مطلع هذا الأسبوع، وانتقاله من يد قطر إلي يد السعودية، وفي الحالات كلها كان الشعب السوري هو الذي يدفع ثمناً غالياُ من خلال تدمير البلدات والمدن وتهجير ثلث سكان سورية من مساكنها وارتفاع نسبة البطالة إلي أكثر من 60%، ولجوء مليون ونصف مليون سوري إلي الخارج، وارتفاع عدد القتلي إلي أكثر من مائة ألف والمعتقلين إلي 150 الفا والجرحي إلي أكثر من 250 ألفا، وتراجع الاقتصاد السوري تراجعاً مخيفاً، وارتفاع نسبة الجوعي بين السوريين والحبل علي الجرار. خلاصة الصراع في سورية أن حل الأزمة أصبح خارج الحدود ووقع بأيدي الدول الأخري، ولم يعد للمعارضة السورية دور حقيقي في حله ولا للشعب السوري أيضاً. وباستثناء المسلحين في الداخل الذين ترتبط وتيرة تقدمهم وتراجعهم بمدي تقدم وتراجع الدعم المالي والتسليحي. إن ما حصل في مصر هو دليل جدي علي أن حل أي أزمة لشعب من الشعوب إنما يتم داخل الحدود وبيد أبنائه، وأنه مادامت الأزمة في الخارج فلن تحل لمصلحة الشعوب علي الإطلاق. مع الاعتراف أن المساعدات الخارجية تساعد بلا شك تسهيل المهمة، علي ألا تبقي مقدرات الأزمة بأيديها.