الدماثة والهدوء صفتان تلازمتا في شخصية الشاعر الراحل عبدالمنعم عواد يوسف أحد أبناء الرعيل الأول في شعر الحداثة في مصر مع صلاح عبدالصبور وأحمد عبدالمعطي حجازي وكامل أيوب ومحمد مهران السيد وغيرهم ممن أسسوا لذائقة فنية وشعرية جديدة. «مات كما يموت الناس» عبدالمنعم عواد كما يقول في عنوان أحد دواوينه المهمة «كما يموت الناس مات» عن عمر يناهز الثمانين عاما، بعد رحلة حياتية وأدبية اتسمت بالهدوء، الذي اختاره الشاعر ليكون عنوانا لحياته ولشعره، فعلي المستوي الحياتي كان ذلك الشخص الطيب جدا إلي حد التسامح، وعلي المستوي الشعري هو ذلك المجدد علي مستوي الشكل الرومانسي في مضمونه الشعري. ولذلك نجد تجربته الشعرية تدور في إطار درامي كلاسيكي تقليدي أحيانا فلا يخلو ديوان من دواوينه من قصائد عمودية حتي في أكثر دواوينه حداثة «لكم نيلكم ولي نيل» والصادر عن هيئة الكتاب عام 1993 نجد عددا لا بأس من هذه القصائد رغم ما به من قفزات فنية في إطار تجربة الشاعر. وتمتاز تجربة «عواد يوسف» بطابعها اللغوي الجزل الرصين، وإيقاعها الهادر، وإن لم يكن بها العمق الفلسفي كما عند صلاح عبدالصبور أو الاجتراء الأيديولوجي - بفنيات الشعر - كما عند حجازي، أو الجرأة السياسية علي التابو كما عند محمد مهران السيد. مارس عبدالمنعم عواد يوسف مهنة التدريس بداية من تعيينه مدرسا للغة العربية بإحدي قري محافظة البحيرة، مرورا بالعمل لسنوات طويلة في الخليج العربي. ستون عاما - إذن - هي عمر التجربة الشعرية لهذا الشاعر الطيب الذي لم يرفض الأشكال الجديدة التي يكتبها الشعراء الشباب التالون لجيله، بل كان أكثر شعراء جيله تسامحا وحضورا لندوات الشعر علي مختلف أشكاله، لذا أحبه كثير من شعراء السبعينيات، وأحببناه نحن - أيضا - الذين يفرق بيننا وبين جيله ما يقرب من أربعين عاما، كان - من دماثة خلقه - دائما الأسبق في التقرب إلينا رغم أن الواجب بحكم السن والتجربة أن نكون نحن الأسبق في التقرب منه، لكنه كعادة الآباء والأجداد الطيبين - الذين خرجوا من طين هذه الأرض - كان يضرب - دائما - المثل في التسامح وكان يقول دائما «لست متشائما فالشعر دائما بخير مادام هناك شعراء يكتبون ويحاولون وإن اختلفت الأشكال». الطيبون - عادة - ما يرحلون فجأة وهكذا رحل «عبدالمنعم عواد يوسف» الذي كما يموت الناس مات. فوداعا أيها الطيب المتسامح