رحل عن دنيانا الشاعر الكبير عبدالمنعم عواد يوسف الذي قدم للمكتبة العربية العديد من الدواوين الشعرية، وهو واحد من رواد شعر التفعيلة، ولد في عام 1933 بشبين القناطر محافظة القليوبية، وتخرج في قسم اللغة العربية من كلية آداب القاهرة، كما عمل بتدريس اللغة العربية في مصر ودولة الإمارات ورأس القسم الثقافي بجريدة البيان الإماراتية. وقد التقيت بالشاعر الكبير في أحد المؤتمرات الأدبية بجامعة المنيا، وفي طريق العودة إلي القاهرة كان لي لقاء طويل معه حيث تحدث عن الثقافة العربية والشعر العربي، وشعوره بالغربة خارج وطنه كما تحدث عن هموم المثقف العربي ودوره الذي يجب أن يقوم به في مستقبل بلاده، ويومها قلت له كيف انبهرت بأول قصيدة قرأتها له، وهي رثاء رجل من عامة الناس، وكيف تركت انطباعا ظل صداه في نفسي، وفيها يقول: وكما يموت الناس مات لا.. لم تنح أرض عليه ولا تهاوت شامخات لا.. ولم تشيعه الطيور إلي القبور مولولات وكما يموت الناس مات! يومها سرح بخاطره قليلا، ونظر من نافذة السيارة التي تقلنا إلي القاهرة، وكانت الشمس تجنح نحو الغروب، وقال إن هذه القصيدة لقيت قبولا عند الناس، وعدّد لي بعض دواوينه الشعرية: عناق الشمس، أغنية طائر قريب، الشيخ نصر الدين والحب والسلام، للحب أغني، الضياع في المدن المزدحمة، وكما يموت الناس مات، وغيرها من الدواوين الشعرية وقرأت للشاعر الكثير مما كتب، وكان شعره يمتاز بالجزالة، واللغة القصصية الجميلة، والخيال المجنح، ويجنح إلي الرومانسية أحيانا، وإلي الواقعية في أحيان أخري، كما صدر له بعض المسرحيات الشعرية للأطفال. وكمثال علي شعره الجميل، قوله في قصيدة للنوارس حالتها: مضوا كلهم، بينما أنت باق! فماذا يشدك للأرض؟ ماذا وراء انتظارك؟ كل النوارس ألقت أزمتها للمدي المستثير، لدافعها المستحث، وراحت تحلق عبر المدارات، ها أنت ترقب آخرها قد تخلي، وراح يحث الجناحين، كي يلحق الركب، ماذا وراء انتظارك؟ هل صرت ظلا لفرخ غراب كسيح؟! و.. ما أجمل الإبحار في عالم هذا الشاعر الكبير.. رحمه الله.