بدأت تلوح في افق الاهتمام العربي والعالمي بازمة سوريا مؤشرات تدل علي ان النظام السوري يقترب حثيثا من تغيير آراء الحكومات والمراقبين من الاعتقاد بانه في طريق الهزيمة امام "قوات المعارضة". لم يعد اليسار الأمريكي والاوروبي واللاتيني وحده هو الذي يقف في صف النظام السوري في الدفاع عن نفسه والدفاع عن استقلال سوريا، بل والدفاع عن الوطن العربي في مواجهة المخطط الأمريكي-الاسرائيلي-الاوروبي الذي يرمي الي تحطيم ما تبقي من وجود عربي وتفتيت الدول العربية بتقسيمها الي دويلات. لم يعد الدور الخطير ضد سوريا هو الذي تقوم به الدول العربية الملكية، وخاصة السعودية وقطر والامارات والبحرين، الذي يتلخص في تسليح وتمويل التنظيمات الخارجية المتطرفة القادمة من الشيشان وكازاخستان وكوسوفو بالاضافة الي القادمة الي حرب سوريا من مصر والمغرب والاردن وليبيا وغيرها والتي تقف في صف المعارضة السورية ضد النظام السوري. لقد بدأ العالم يتنبه الي ان هذه التنظيمات التي تحصل يوميا علي دعم أمريكي واسرائيلي واوروبي غير قادرة حتي بهذا الدعم علي ان تلحق هزيمة بالنظام السوري علي الرغم من مضي نحو 27 شهرا علي بداية هذه الحرب. بل علي الرغم من التأييد الذي تحصل عليه من نظم كالنظام الاخواني المصري والنظام الذي اقامته الولاياتالمتحدة وحلف الاطلسي في ليبيا. لقد اخذت في الظهور في الاسابيع الاخيرة بوادر تدل علي تزايد احتمال انتصار النظام السوري ضد هؤلاء الاعداء مجتمعين بما فيهم السعودية باموالها والولاياتالمتحدة باسلحتها وحلف الاطلسي بتهديداته المستمرة بالقيام في سوريا بدور كذلك الذي قام به في ليبيا. والاهم من ذلك ان بوادر أخذت في الظهور تدل علي تنبه جماهير الشعب العربي الي حقيقة ما يجري في سوريا وان المؤامرة الاسرائيلية- الغربية هي اساس هذه الاحداث. وذلك بعد ان كانت الجماهير العربية مشدودة بالخديعة الاعلامية الغربية الي الاعتقاد بان ما يجري في سوريا هو الجزء الرئيسي من ثورة "الربيع العربي" وان الشعب السوري انما يدافع عن حريته ضد النظام الحاكم، وليس ان الغرب الذي حالف التنظيمات الاسلامية المتطرفة في تونس ومصر وليبيا واليمن يحالفها في سوريا دفاعا عن "الحرية" و"الديمقراطية". تأييد داخلي بدأت تلوح في افق الازمة السورية حقيقة ان النظام السوري بسبب سياساته المناهضة لاسرائيل وللنفوذ الأمريكي يثبت بصموده طوال الفترة الماضية منذ ان بدأت الازمة الي الان انه يتمتع بتأييد داخلي لا يأتي ذكره في اجهزة الاعلام العربية او الغربية، وان الرؤية الصحيحة الموضوعية لما يحدث في سوريا لا تجد مجالا الا في الاعلام اليساري الأمريكي والاوروبي، ولا تجد مجالا في الاعلام اليساري المصري (وضمنه صحيفة "الاهالي" التي تخرج عن خطها السياسي ازاء هذه المشكلة لتنشر هذه السطور). لكن التيار العام السائد بالنسبة للازمة السورية بدأ يدرك الحقيقة وربما يستغرق بعض الوقت في هذا التحول كما استغرق الشعب المصري بعض الوقت ليدرك ان تنظيم الاخوان المسلمين حظي بتأييد الولاياتالمتحدة قبل ان ينقض علي ثورة 25 يناير 2011 ثم ليستولي علي الحكم ثم ليوسع سيطرته علي السلطة والدولة والمجتمع. ربما لهذا السبب لحدوث هذا التحول في الرؤية بدأت تظهر نوعية جديدة من الاكاذيب الاسرائيلية والغربية بشأن ما يجري في سوريا مفادها ان اسرائيل والسعودية وقطر وأمريكا واوروبا الغربية لا تقدم مساعدات للتنظيمات والقوي التي تحارب النظام السوري. كأنما الاسلحة من كل نوع التي تحارب بها هذه التنظيمات المتطرفة ليست أكثر من صناعة داخلية تتم بايدي الاخوان القادمين الي سوريا من بلدان اسلامية في آسيا وافريقيا (…) بينما الحقيقة التي وجدت طريقها اخيرا الي الاعلام الغربي دون تزييف هي "ان قوي المعارضة في سوريا لم تستطع ان تفرض سيطرة علي مدينة سورية واحدة. لقد توقفت قدراتها العسكرية عند حدود السيطرة علي بعض الاحياء في بعض المدن ثم ادعاء السيطرة علي هذه المدن باكملها"، وهو ما تكذبه كتابات المراسلين الغربيين خاصة منهم اولئك الذين يعتنقون أفكار اليسار العالمي ومواقفه. النظام ينتصر وهنا لابد من ان نذكر ما قاله المراسل البريطاني الذي لا يمكن وصفه باليسارية، وان كان معروفا بموضوعيته وصدق مقولاته ومصادره. لقد قال قبل ايام (بالتحديد في 8 مايو الحالي) في تسجيل علي الفيديو اذيع من التليفزيون البريطاني "ان الحكومة السورية تنتصر… ان مساندة الرئيس (الأمريكي) اوباما لغارات الصواريخ الاسرائيلية التي جرت أخيرا انما تستحق الرثاء". والواقع ان ردود الفعل التي قوبلت بها الغارات الاسرائيلية الصاروخية من الطائرات علي موقع احدي الكليات العسكرية السورية بالقرب من دمشق دلت علي ارتباك الاعلام الغربي وحتي الاسرائيلي. فقد كشفت ان اسرائيل تقف مع "المعارضة السورية" وليس انها تتعاطف مع النظام السوري كما اوحت ردود افعال عديدة صادرة من عواصم عربية وغربية. ويدل ما قاله روبرت فيسك من ان النظام السوري يوشك علي الانتصار علي ان النظم العربية توشك علي ان تصاب بصدمة بعد ان علقت كل آمالها علي تدخل عسكري أمريكي مباشر ضد سوريا، خاصة وقد طال امد الصراع الذي وهبت من اجله من اسلحتها وأموالها اكثر كثيرا من تقديراتها الاولية. ولاشك ان صدمة النظام المصري في حالة ما اذا انتصرت سوريا علي المتدخلين ضدها ستكون في قوتها وحدتها اضعاف صدمات النظم الاخري المناهضة لسوريا. فالنظام المصري يعتبر نفسه في موقع الاب لتنظيمات الاخوان المسلمين العربية والاسلامية. وفضلا عن هذا فان النظام المصري يعتبر ان تأييده ودعمه لدور الولاياتالمتحدة واسرائيل في المنطقة العربية ثمن باهظ للغاية. ولابد انه كان ينتظر ان تتولي الولاياتالمتحدة واسرائيل نصرة تنظيمات الاخوان المسلمين والتنظيمات الاسلامية المتطرفة الاخري في سوريا حتي تحقق الوصول الي السلطة فيها لتصبح نظاما مواليا لتنظيم الاخوان المسلمين الاقدم والاكبر وهو التنظيم المصري. ولعلنا نتساءل عند هذه النقطة اذا ما كان حكم الاخوان المسلمين في مصر سيغير مواقفه اذا تحقق ما هو متوقع من انتصار سوريا؟ والرد علي هذا السؤال يتلخص ويتركز في حقيقة ان تنظيم الاخوان المسلمين في مصر لا يملك بدائل لسياساته يستطيع ان يتحول اليها اذا اراد. ولهذا ليس غريبا ان تبدو علامات الارتباك علي حكم الاخوان المصري في الفترة الاخيرة. الامر الذي يتضح في ادانته العلنية لغارات اسرائيل الصاروخية ضد سوريا وفي الوقت نفسه احجامه التام عن اظهار اي استعداد للرد علي هذا التدخل الاسرائيلي. وهذا التردد بحد ذاته يزيد من ازمة النظام الاخواني الحاكم في مصر مع المؤسسة العسكرية المصرية التي يجدها هذا النظام في نداءات شعبية مصرية متوالية بمثابة البديل الاوحد عن حكم الاخوان. وهو فضلا عن ذلك تردد يزيد من حرج المؤسسة العسكرية المصرية ازاء هذه التطورات المتعلقة اصلا بسوريا. ويعمد النظام الاخواني المصري الان الي التظاهر باتخاذ موقف "حيادي" ازاء الازمة السورية. ومما لاشك فيه ان هذه الحيادية – علي الرغم من زيفها – تبدو مربكة لتنظيمات الاخوان المسلمين التي تحارب النظام السوري. بل انها تبدو ذات تأثير من شانه اضعاف هذه التنظيمات أكثر وأكثر. الإبقاء علي الحرب انقضي الوقت الذي كان يقال فيه ان بقاء النظام السوري بعد ان طال الصراع الي هذا الحد هو انتصار بحد ذاته. الان يعيش العالم مع الصراع الدائر في سوريا حقبة توقع قوي بان النظام السوري سينتصر .. بان سوريا ستنتصر. ولكن هذا ينبغي ان لا يمحو من امامنا التقدير بان هدف اعداء سوريا الكثيرين هو ابقاؤها في حالة حرب داخلية. فان هذه الحرب تشغل ايران وتشغل حزب الله اللبناني الذي دخل كطرف قادر علي الاسهام بحسم هذه الحرب لمصلحة سوريا. مع ذلك لابد من التأكيد بان القوي التي تحارب النظام السوري الان ليست تملك من القوة ما يمكنها من الاستمرار لشهور او لسنوات أخري، خاصة وهي تفقد يوميا المزيد من مساندة الجماهير العربية التي بدأت تتخلص من الخديعة الغربية عن ثورات "الربيع العربي".