حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 20 نوفمبر 2025    أخبار فاتتك وأنت نائم| حادث انقلاب أتوبيس.. حريق مصنع إطارات.. المرحلة الثانية لانتخابات النواب    أوكسفام: أرباح مليارديرات مجموعة العشرين في عام واحد تكفي لانتشال جميع فقراء العالم من براثن الفقر    زكريا أبوحرام يكتب: هل يمكن التطوير بلجنة؟    انتهاء الدعاية واستعدادات مكثفة بالمحافظات.. معركة نارية في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    تحريات لكشف ملابسات سقوط سيدة من عقار فى الهرم    زوار يعبثون والشارع يغضب.. المتحف الكبير يواجه فوضى «الترندات»    دعاء الفجر| اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله    بيان سعودي حول زيارة محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة    ترامب يعلن عن لقاء مع رئيس بلدية نيويورك المنتخب في البيت الأبيض    مستشار ترامب للشئون الأفريقية: أمريكا ملتزمة بإنهاء الصراع في السودان    سفير فلسطين: الموقف الجزائري من القضية الفلسطينية ثابت ولا يتغير    أدعية الرزق وأفضل الطرق لطلب البركة والتوفيق من الله    كيفية تدريب الطفل على الاستيقاظ لصلاة الفجر بسهولة ودون معاناة    فلسطين.. تعزيزات إسرائيلية إلى قباطية جنوب جنين بعد تسلل وحدة خاصة    مكايدة في صلاح أم محبة لزميله، تعليق مثير من مبابي عن "ملك إفريقيا" بعد فوز أشرف حكيمي    مصادر تكشف الأسباب الحقيقية لاستقالة محمد سليم من حزب الجبهة الوطنية    تضرب الوجه البحري حتى الصعيد، تحذير هام من ظاهرة تعكر 5 ساعات من صفو طقس اليوم    طريقة عمل البصل البودر في المنزل بخطوات بسيطة    منى أبو النصر: رواية «شغف» تتميّز بثراء نصّها وانفتاحه على قراءات متعددة    ياسر ثابت: واشنطن تلوّح بضغط سريع ضد مادورو... وفنزويلا مرشّحة لساحة صراع بين أمريكا والصين وروسيا    يحيى أبو الفتوح: منافسة بين المؤسسات للاستفادة من الذكاء الاصطناعي    إصابة 15 شخصًا.. قرارات جديدة في حادث انقلاب أتوبيس بأكتوبر    طريقة عمل الكشك المصري في المنزل    أفضل طريقة لعمل العدس الساخن في فصل الشتاء    مروة شتلة تحذر: حرمان الأطفال لاتخاذ قرارات مبكرة يضر شخصيتهم    خبيرة اقتصاد: تركيب «وعاء الضغط» يُترجم الحلم النووي على أرض الواقع    مأساة في عزبة المصاص.. وفاة طفلة نتيجة دخان حريق داخل شقة    تراجع في أسعار اللحوم بأنواعها في الأسواق المصرية اليوم    أسعار الدواجن في الأسواق المصرية.. اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025    وردة «داليا».. همسة صامتة في يوم ميلادي    بنات الباشا.. مرثية سينمائية لنساء لا ينقذهن أحد    خالد أبو بكر: محطة الضبعة النووية إنجاز تاريخي لمصر.. فيديو    إعلام سوري: اشتباكات الرقة إثر هجوم لقوات سوريا الديمقراطية على مواقع الجيش    إطلاق برامج تدريبية متخصصة لقضاة المحكمة الكنسية اللوثرية بالتعاون مع المعهد القضائي الفلسطيني    بوتين: يجب أن نعتمد على التقنيات التكنولوجية الخاصة بنا في مجالات حوكمة الدولة    تأجيل محاكمة المطربة بوسي في اتهامها بالتهرب الضريبي ل3 ديسمبر    ضبط صانعة محتوى بتهمة نشر مقاطع فيديو خادشة للحياء ببولاق الدكرور    مهرجان القاهرة السينمائي.. المخرج مهدي هميلي: «اغتراب» حاول التعبير عن أزمة وجودية بين الإنسان والآلة    خالد الغندور: أفشة ينتظر تحديد مستقبله مع الأهلي    دوري أبطال أفريقيا.. بعثة ريفرز النيجيري تصل القاهرة لمواجهة بيراميدز| صور    تقرير: بسبب مدربه الجديد.. برشلونة يفكر في قطع إعارة فاتي    ديلي ميل: أرسنال يراقب "مايكل إيسيان" الجديد    بالأسماء| إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم ميكروباص وملاكي بأسيوط    فتح باب حجز تذاكر مباراة الأهلي وشبيبة القبائل بدورى أبطال أفريقيا    أرسنال يكبد ريال مدريد أول خسارة في دوري أبطال أوروبا للسيدات    "مفتاح" لا يقدر بثمن، مفاجآت بشأن هدية ترامب لكريستيانو رونالدو (صور)    ضمن مبادرة"صَحِّح مفاهيمك".. أوقاف الفيوم تنظم قوافل دعوية حول حُسن الجوار    لربات البيوت.. يجب ارتداء جوانتى أثناء غسل الصحون لتجنب الفطريات    عصام صاصا عن طليقته: مشوفتش منها غير كل خير    تصل إلى 100 ألف جنيه، عقوبة خرق الصمت الانتخابي في انتخابات مجلس النواب    أمريكا: المدعون الفيدراليون يتهمون رجلا بإشعال النار في امرأة بقطار    ماييلي: جائزة أفضل لاعب فخر لى ورسالة للشباب لمواصلة العمل الدؤوب    علي الغمراوي: نعمل لضمان وصول دواء آمن وفعال للمواطنين    قليوب والقناطر تنتفض وسط حشد غير مسبوق في المؤتمر الانتخابي للمهندس محمود مرسي.. فيديو    خالد الجندي: الكفر 3 أنواع.. وصاحب الجنتين وقع في الشرك رغم عناده    أهم أحكام الصلاة على الكرسي في المسجد    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تميم البرغوثى يقترح حلًا مصريًا للأزمة السورية
قوة سلام مصرية إيرانية تحت مظلة منظمة التعاون الإسلامى
نشر في الشروق الجديد يوم 09 - 05 - 2013

انتشار مصرى فى المناطق السنية وإيرانى فى الشيعية لجمع السلاح والإشراف على انتخابات رئاسية مبكرة

لمصر صفات استراتيجية تؤهلها لحل المعضلة السورية فجيشها يعتبر إسرائيل عدوا والقاهرة فى مرمى النووى وهى أكبر بلد عربى سنى

إذا ضيع الإخوان هذه الفرصة كما الكثير قبلها فسيضرون بمصر وسوريا ثم بأنفسهم

لا منتصر فى سوريا طالما بقى نفط وسلاح عند السعودية وقطر وإيران وروسيا

قطر تدعم الإخوان وتخاف السلفيين.. والسعودية تدعم السلفيين وتخاف الإخوان والقاعدة.. وتركيا تخاف الأكراد
قصفت إسرائيل دمشق مرتين فى أقل من ثلاثة أيام، ولم يستطع أحد فى سوريا أن يرد. فى المرة الأولى قصفت إسرائيل أسلحة متطورة متجهة من سوريا إلى حزب الله، وفى المرة الثانية قصفت مركزا للمعلومات ومستودعات صواريخ ومعسكرات للجيش السورى النظامى على جبل قاسيون فى دمشق وفى جمرايا القريبة منها. ولمن لا يعرف فإن جبل قاسيون من دمشق كجبل المقطم من القاهرة. وقد سقط فى الغارة الإسرائيلية الثانية وحدها حوالى الثلاثمائة نفس بين قتيل وجريح جلهم من الجيش النظامى. لقد شغلت الحرب الأهلية فى سوريا كل الأطراف المشاركة فيها عن ممارسة واجبهم الوطنى فى الدفاع عن عاصمتهم ضد العدوان الإسرائيلى، وهو واجب يشترك فيه الموالى والمعارض، والحاكم والمحكوم، والإحساس بالإهانة حين يقصف وسط دمشق بهذه الطريقة ثم لا يكون رد، يصيبنا جميعا.

لقد أصبحنا فى سوريا بين خيارين صعبين: نظام تقصف إسرائيل عاصمته فلا يرد سلاح طيرانه إلا بقصف مواطنيه فى حمص، ومعارضة تجد نفسها، أرادت أم لم ترد، تطلق النار على ذات الجيش الذى تطلق إسرائيل النار عليه.

ولا تقف الأخبار هنا، تبحثُ بين وسائل الإعلام، فتخبرُكَ النيويورك تايمز بأن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية تنسق جسرا جويا لتقديم الدعم اللوجستى للمعارضة السورية من تركيا، وتنسق مع الأردن برامج تدريب عسكرى لهم. وتقرأ فى صنداى تايمز البريطانية عن ترتيب دفاعى جديد بين إسرائيل والسعودية والإمارات والأردن ضد إيران، تنشر بمقتضاه الولايات المتحدة الأمريكية شبكة دفاع صاروخية فى هذه البلدان لمنع وصول الصواريخ الإيرانية إلى أهدافها فى إسرائيل فى حال الحرب. ثم تفاجئك وكالة رويترز للأنباء بتصريحات أطباء من الأمم المتحدة يتهمون فيها المعارضة، لا النظام، باستخدام السلاح الكيماوى فى سوريا وتنفيذ هجوم بغاز السارين على الناس، فتسأل من أعطى المعارضة سلاحا كيماويا؟ ثم أى نوع من الثورات هذا الذى يستخدم السلاح الكيماوى ضد أهله؟.



وفى الجانب الآخر، يعلن حزب الله وإيران أنهما لن يتركا دمشق تسقط فى يد المعارضة. وينخرطان فى حرب يخسران منها أكثر مما يكسبان. إيران تعلم أنه لو قام فى الشام نظام معاد لها، فسيرعى التمرد السنى ضدها فى العراق. فإن تغير النظام فى العراق وقام فيه نظام معاد لها، فسيرعى هذا تمردا ضدها فى عربستان والأحواز، ويصبح سندا إقليميا لمعارضتها المحلية. وقطع الاتصال البرى بين طهران وحزب الله يفقدها منصة تستطيع بها محاربة إسرائيل برا إذا هاجمتها إسرائيل جوا. فإذا وضعنا فى الاعتبار ما ذكرناه أعلاه من نشر شبكة دفاع صاروخية فى الإمارات والأردن والسعودية وإسرائيل لتحصين هذه الأخيرة من القدرات الصاروخية الإيرانية، تبين مدى تمسك طهران بدمشق خطَّ دفاع أول.

أما حزب الله فقد تعرضت منطقة البقاع والهرمل فى شرق لبنان للقصف من قبل جبهة النصرة السورية، وهذه المنطقة هى التى يسميها اللبنانيون «خزان المقاومة» حيث يبقى حزب الله فيها أسلحته وصواريخه ومعسكرات تدريبه. والقرى الحدودية الواقعة على الجانبين اللبنانى والسورى هى طريق مرور السلاح من سوريا إلى حزب الله، كما هى طريق مرور السلاح فى الجهة المعاكسة من خصوم حزب الله فى لبنان إلى المعارضة السورية. فالحرب على الحدود هى حرب على خطوط الإمداد. والحزب يعلم أن سقوط النظام يعنى أن تمتد هذه الحرب من الحدود اللبنانية إلى قلب بيروت ويصبح الحزب بين شقى الرحى، يواجه حربا فى الشمال بالإضافة لحربه التقليدية فى الجنوب.

إلا أن انخراط حزب الله وإيران فى الحرب داخل سوريا يزيد من خصومهما فى الإقليم بدلا من تقليلهم، فهى حرب لن تبقى المقاومة مقاومة ولن تبقى الثورة ثورة، المهزوم فيها مهزوم والمنتصر فيها مهزوم أيضا. وإسرائيل تتمنى لو استمرت هذه الحرب للأبد. غير أن استمرارها وتدخل إسرائيل أو أى من حلفائها فيها ينذر بتحولها لمواجهة كبرى تحرق الإقليم كله، وكما سأبين فى آخر هذا المقال، لن تسلم مصر من شررها.


لا بد إذن أن تنتهى هذه الحرب السورية قبل أن تأكل ما تبقى من البلد والإقليم. وواضح أن النظام وحلفاءه غير قادرين على إنهائها طالما بقى عند السعودية وقطر نفط وسلاح ترسلانه إلى المعارضة. وخيارالنظام الحربى لم يحسم الأمر أمس ولن يحسمه غدا. والمعارضة أيضا لن تستطيع إنهاء الحرب طالما بقى عند إيران وروسيا نفط وسلاح ترسلانه إلى النظام. وما لم يستطع النظام أن يسيطر على كل شبر من حدوده البرية فإن تسليح المعارضة لن ينقطع، وما لم تستطع المعارضة أن تسيطر على كل الموانئ والمطارات السورية، بما فيها القاعدة الروسية فى طرطوس، فإن مدد النظام من السلاح لن ينقطع هو الآخر.

ثم إننا إذا افترضنا جدلا أن المعارضة استطاعت السيطرة على دمشق صباح الغد فإن الحرب لن تنتهى بل ستزداد ضراوة بسبب التركيبة الطائفية للبلاد. ففى غياب الجيش النظامى والقيادة المركزية لن يكون لدى المعارضة قدرة على جمع السلاح من أنصارها فضلا عن خصومها. إن العلويين يشكلون 12 % من سكان سوريا ويشكل المسيحيون 12% أخرى، فإذا أضفت الشيعة الإمامية والإسماعيلية والدروز والأقليات الأخرى، وصلت نسبة المجموع ما بين 25% و36% من الشعب السورى. ومعظم هذه الأقليات مؤيد للنظام وكلها مسلح، وهى لن تسلم سلاحها للمعارضة السنية إذا انتصرت إلا بحرب. وحتى بين المسلمين السنة أنفسهم، هناك ما يقرب من مائتى بؤرة تسليح مستقلة، منها ما هو تابع للإخوان المسلمين وما هو تابع للسلفيين. وبين السلفيين، هناك جبهة النصرة التى تعادى السعودية، وهناك السلفيون الذين يوالون المملكة. ولكل من الجماعات الإسلامية المعارضة فى سوريا طرف إقليمى يدعمه. لذلك فإنك ترى انقساما سياسيا مزمنا بين فصائل المعارضة السورية، هو ترجمة لخلاف القوى الإقليمية التى تدعمها. قطر تدعم الإخوان وتخاف السلفيين، والسعودية تدعم السلفيين وتخاف الإخوان والقاعدة، وتركيا تخاف الأكراد، والأردن يخاف الجميع. وهذا الانقسام بين القوى الإقليمية مرشح للازدياد فى حال افترضنا سقوط النظام لاختفاء العدو المشترك واحتدام الصراع على النفوذ فى سوريا الجديدة. إن انتصار المعارضة السورية، فى هذه الظروف، لن يختلف كثيرا عن الهزيمة لأنه يعنى حربا بين الأقلية والأغلبية، وبين الأغلبية ونفسها. وإذا دخلت البلاد فى طور انتقام متبادل بين الطوائف، فإننا قد نجد أنفسنا أمام مأساة إفريقية الأبعاد رُوَاْنْدِيَّةِ الملامح، لن تنتهى إلا بتدخل خارجى بعد أن تمر سنوات مُرة تفنى فيها كل طائفة أختها. وحتى التقسيم حينئذ لن يكون حلا، لأن البنية التحتية للبلاد أنشئت لدولة واحدة لا اثنتين، فسيتقاتل الناس على السيطرة على محطات المياه والكهرباء والطرق والموانئ وغيرها.

الحل

ما الحل إذن. إن الحسم العسكرى مستبعد، وانتشار السلاح وتفتت المعارضة وعمق الجروح بين الطرفين يجعل أى حوار داخلى بين المعارضة والحكومة غير ذى معنى، وحتى إذا توصل الإئتلاف السورى والنظام إلى اتفاق فإن أيا منهما لن يقدر أن ينفذه على الأرض ويجمع السلاح من الناس. أما التدخل الدولى، فسيتحول إلى حرب إقليمية تحرق غرب آسيا كله لأنه يعنى اشتباكا بين الغرب وإيران، تستهدف فيه القواعد الأمريكية فى الخليج. لذلك لم يبق إلا حل إقليمى أزعم أن مصر دون غيرها هى المؤهلة لأن تقدمه.

إن أى حل للمعضلة السورية، يجب أن يضمن أولا وقف القتل، وعودة اللاجئين والإفراج عن المعتقلين، ومنع التقسيم، وإقامة نظام ديمقراطى منتخب يحترم حقوق الإنسان، وبقاء سوريا فى حلف معاد لإسرائيل. وإن لمصر صفات استراتيجية قد تؤهلها لتحقيق ذلك، فهى الوحيدة من بين دول الإقليم الكبرى التى لم تنخرط تماما فى الصراع السورى، بإرسال مال وأسلحة ومقاتلين، إلا فى الحد الأدنى. ومصر تقع إلى الجنوب الغربى من إسرائيل، وما تزال العقيدة العسكرية لجيشها والإحساس العام لدى شعبها أن إسرائيل هى عدوها الاستراتيجى والتهديد الوجودى لها، خاصة وأن القاهرة ذات العشرين مليون نفس تقع فى مرمى القوة النووية الإسرائيلية. إن هذا يجعل قوة حزب الله وإيران مصلحة قومية أساسية لمصر لأنهما يشكلان إشغالا لإسرائيل على الجبهة الشمالية. ويشترك فى هذا التقدير معظم القوى السياسية فى البلاد، من كان منها معاديا لحلف مصر مع واشنطن يرى أن إضعاف إسرائيل واجب، ومن كان منها محبذا لهذا الحلف مع واشنطن يرى أن إضعاف حلفاء واشنطن الآخرين فى المنطقة يزيد من قيمة مصر الاستراتيجية لديها من باب المنافسة، فكلما قل الحلفاء كلما زاد احتياج واشنطن لهم. وإن إيران وحزب الله يعلمان أن قوتهما مصلحة مصرية، وأنه لا يمكن لعاقل أن يعود بمصر إلى سياسة مبارك الخارجية التى هونت قدره حتى عند الأمريكيين فتخلوا عنه. وعليه فإن وضع مصر الجغرافى هذا يشكل ضمانة لإيران وحزب الله وحلفائهما، لأن سعى مصر لأمنها القومى يقتضى الحفاظ عليهما وعلى قوتهما وعلى اتصال أحدهما بالآخر.

ومن الناحية الأخرى فإن مصر هى أكبر بلد عربى سنى من حيث عدد السكان، وحكامها هم من الإخوان المسلمين، والعاطفة العارمة بين الناس فيها هى الوقوف إلى جانب الأكثرية السنية من الشعب السورى، والذى يرى فيه أكثر المصريين صورتهم، ويعلم السنة فى سوريا وفى لبنان ذلك، وعليه فإن وضع مصر الديمغرافى يشكل ضمانة لقواعد المعارضة السورية على الأرض ولكثير من التنظيمات الإسلامية المقاتلة فيها.

وقد تشكلت لجنة رباعية من مصر وإيران وتركيا والسعودية فى إطار منظمة التعاون الإسلامى لمتابعة الأزمة السورية، غير أن السعودية توقفت عن حضور اجتماعات هذه اللجنة وانسحبت عمليا منها. والرأى عندى هو أن تدعو مصر إلى قمة مصرية تركية إيرانية فى القاهرة، يحضرها ممثلون عن النظام السورى والمعارضة، وأن تقترح مصر فيها تشكيل قوة حفظ سلام مشتركة مصرية إيرانية، تابعة لمنظمة التعاون الإسلامى، توقف القتال فى سوريا وتشرف على انتخابات رئاسية مبكرة فيها. إن الغرض من مشاركة إيران هو أن تقتنع دمشق بالسماح لهذه القوة بالدخول إلى سوريا، وأن تأمن أنها لم تأت للحرب، بل لإنهاء الحرب، والإشراف على الانتخابات. وإن وافقت إيران على هذه الاقتراح فليس من المستبعد أن تقتنع به دمشق. فإذا اقتنعت، دعت دمشق قوة حفظ السلام تلك فينتشرالإيرانيون منها فى المناطق الشيعية والعلوية فى الساحل السورى وفى القرى الشيعية على حدود لبنان، فيكونون فى بيئة غير معادية لهم ويضنون تأمين خطوط الإمداد والاتصال بينهم وبين حزب الله.، ثم تنتشر القوة المصرية فى المناطق السنية فى الداخل السورى كله، وينسحب الجيش السورى النظامى إلى ثكناته حول دمشق.

تقوم قوة حفظ السلام المشتركة تلك بتثبيت وقف إطلاق النار، وجمع السلاح من المتقاتلين، والإشراف على عودة المهجرين إلى ديارهم، بينما تقوم الحكومة السورية بالإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين، ثم تشرف هذه القوة المشتركة على انتخابات رئاسية تعددية مبكرة، بمراقبة دولية. فإن بقيت المعارضة على تفتتها ولم يتغير النظام بالانتخابات، وهو احتمال غريب ولكنه قائم، فإن وجود هذه القوة يضمن أن لا يبطش النظام بمعارضيه، وأن يكون مثل نظام أمين جميل فى لبنان الثمانينيات حين كانت السلطة الحقيقية فى يد قوات الردع العربية. وتضمن القوة المصرية فى المناطق السنية للناس استمرار سعيهم لتغيير النظام سلميا. كذلك إذا أتت الانتخابات الرئاسية المبكرة برئيس جديد لسوريا من المعارضة فإن وجود هذه القوة يضمن القدرة على جمع السلاح من المتقاتلين وأن لا تتم عمليات تطهير عرقى متبادلة بين الأغلبية والأقليات. وفى نفس الوقت يضمن وجود هذه القوة المشتركة بقاء سوريا فى حلفها الإقليمى، وعدم قيام نظام موال للولايات المتحدة فيها.

يضاف إلى ما سبق، أن وجود هذه القوة المشتركة يحفظ لسوريا قدراتها الاستراتيجية، فلا يستنزف الجيشان الحر والنظامى فى قتال أحدهما ضد الآخر، خاصة وأننا نعرف أن إسرائيل ستقاتل المنتصر منهما أيا كان بعد أن تتأكد من تمام استنزافه.إلى ذلك، فإن وجود القوات المصرية والإيرانية فى سوريا يشكل رادعا أمام أى محاولة للتدخل العسكرى الإسرائيلى. إن استمرار الحرب قد يعنى ضربات إسرائيلية ثم تدخلا إيرانيا ثم احتكاكا بين الاثنين ينتهى بحرب إقليمية. ولكن إذا كانت القوات المصرية متمركزة فى سوريا فإن أى عدوان إسرائيلى عليها سيكون مهددا لاتفاقية السلام مع مصر، وهو أمر لا تسمح واشنطن لإسرائيل بفعله. لذلك فإن وضع قوات مصرية إيرانية مشتركة يقلل من احتمالات تجرؤ إسرائيل على كل من سوريا ولبنان، ويزيد من القيمة الاستراتيجية لمصر فى الإقليم بما لا يقاس، بدون أن يعرض الجيشين المصرى والإيرانى لكبير خطر. وجدير بالذكر أن نشر قوات مصرية فى سوريا لا يشكل أى خرق لاتفاقية السلام مع إسرائيل ولا للقانون الدولى، ولكنه يشكل حماية استراتيجية لسيناء العزلاء، فالقوات المصرية ستكون أقرب للمراكز الحضرية الإسرائيلية فى الساحل الفلسطينى، وتل أبيب من بينها، منها فى غرب قناة السويس.

إن شروط نجاح هذا الحل يعتمد على قرار مصرى واع ونهائى بإعادة تموقع مصر استراتيجيا فتخرج من الحلف الإستراتيجى الأمريكى إلى حلف إقليمى مثلث، تكون فيه وسطا بين إيران وتركيا. وإن هذا الحل يقع فى مصلحة مصر وإيران لإنه يحفظ لكليهما مصالحهما، ويعطى النظام السورى والمعارضة فرصة لأن يخوضا صراعهما سياسيا دون أن يدمر البلد بينهما فيخسر الطرفان لصالح إسرائيل. أما تركيا فإن حلا كهذا يريحها من مشكلة اللاجئين ومن مشكلة الأكراد، ويعفيها من احتمال أن تنخرط فى حرب تضر بنموها الاقتصادى وأمنها واستقرارها، ولتركيا مصالح مع مصر وإيران تضمن أن لا يتصرف البلدان بطريقة تؤذى مصالح أنقرة.

أما السعودية فتكاد تكون الدولة الكبرى الوحيدة فى الإقليم التى ترى فى استمرار الحرب الأهلية السورية، وحتى فى انتشارها إلى كل من العراق ولبنان، مصلحة لها. فالسعودية مملكة حليفة للولايات المتحدة ما تنفك تقترح مشاريع سلام بين العرب وإسرائيل. وقد كانت العداوة ضد الشيوعية وسيلة للتغطية على التحالف السعودى الأمريكى أيام الحرب الباردة، حيث تم تصوير الشيوعيين على أنهم أكثر خطرا من الصهاينة. واليوم تحاول الرياض أن تذكى عداوة مع طهران تغطى بها على نفس الحلف القديم بينها وبين واشنطن، وتصور الشيعة على أنهم أكثر خطرا من أمريكا وإسرائيل. على ذلك، فإن السعودية لن تستطيع أن تعارض اتفاقا يتوصل إليه الإيرانيون والأتراك والمصريون معا، وإن الجماعات الإسلامية التى تدعمها الرياض فى سوريا سيكون من الصعب عليها أن تقنع قواعدها بإطلاق النار على قوة مصرية تحمى الناس وتعيدهم إلى بيوتهم. لن يسلم الأمر من بعض العمليات هنا أو هناك، ولكن لن تستطيع هذه الجماعات أن تخوض حرب عصابات ضد قوة حفظ السلام المصرية لأن حرب العصابات تحتاج احتضانا شعبيا، ولا توجد عداوة بين مصر وبين السنة السوريين الذين ستنتشر القوات المصرية فى مناطقهم.

أما الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل فستخسران من هذا الحل. تراهن واشنطن على استمرار القتال السورى إلى أن يسقط النظام، وهى تعلم أنه لو سقط فلن يقوم فى سوريا نظام بديل، وتعلم أن القتل سيستمر فترة طويلة من الزمن، ربما لعدة سنوات كما كان الحال فى أفغانستان. وتراهن كذلك على أنها فى هذه الفترة تكون قد تعافت من أزمتها الاقتصادية، وتكون قد استنزفت القدرات القتالية للجميع فى سوريا، سواء للإيرانيين وحزب والله أو للجماعات السنية المعارضة لهما، إخوانا وسلفيين وقاعدة، فتتدخل هى وحلفاؤها بعد ذلك، بغطاء من الأمم المتحدة كقوة حفظ سلام وتبنى نظاما مواليا لها وتنجح فى سوريا فيما فشلت فيه فى العراق. إن إرسال قوة سلام مصرية إيرانية مشتركة إلى سوريا، قبل أن تتعافى أمريكا من الأزمة المالية، يفوت على الأمريكيين إمكانية التدخل، ويحفظ سوريا بلدا واحدا متماسكا، ويمنع إسرائيل من التمدد فيها والاعتداء عليها، ولن يكون للأمريكيين المأزومين ماليا القدرة على منع تنفيذ هذه الخطة.

بقى أن نؤكد على أن طرح هذا الحل المصرى لا يعنى أن لى ثقة فى أن القيادة الحالية لجماعة الإخوان المسلمين ستنفذه، أو أنها لن تغدر بشركائها فيه إذا نفذته. إنما أشير إلى أن وضع مصر الاستراتيجى يجعل تعاونها مع إيران فى حل الأزمة السورية ضرورة، ويتيح لها فرصة لحل الأزمة على هذا الأساس. أما إذا ضيع الإخوان المسلمون الفرصة كما ضيعوا الكثير من قبلها فإنهم سيلحقون الضرر بمصر وبسوريا ثم بأنفسهم فى نهاية المطاف. وإن على قيادة الإخوان المسملين أن تختار عدوها، وقد اختارت العدو الخطأ والمعركة الخطأ طوال السنتين الماضيتين. وإذا قررت حكومة الإخوان المسلمين فى مصر أن لا تفعل شيئا أو أن تحاول إطالة أمد الحرب فى آملة فى أن يحقق الإخوان المسلمون السوريون مكاسب تفاوضية مع النظام السورى فإنها ستخسر. لقد بينا أعلاه أن استمرار الحرب يعنى أنها ستتحول عاجلا أم آجلا إلى حرب دولية وهى إذا تحولت تدخلت فيها إسرائيل واشتعل المشرق كله.

فإذا قامت الحرب واختارت هذه الحكومة أن تقف فى صف إسرائيل، كما كان مبارك يفعل وكما يطلب منها الأمريكيون والسعودية، فإنها ستواجه حالة غضب من الشارع، من إسلامييه وعلمانييه، بل ومن بعض قطاعات الجيش التى ما تزال ترى فى إسرائيل تهديدا لها. وليس لدى هذه الحكومة من السيطرة على الجهاز الأمنى العسكرى ما يسمح لها أن تخون وتقمع معا كما كان مبارك يفعل.. وأما إذا قررت أن تقف ضد إسرائيل، فمن الحصافة أن توطد علاقتها بإيران وأن يكون لها قوة فى سوريا على حدود إسرائيل الشمالية وقريبة من العمق الإسرائيلى فتقيد العدو عن التمدد فى سيناء. خاصة إن كان هذا ممكنا دون أن يكون خطوة فى اتجاه دعم النظام الحالى فى سوريا، بل هو خطوة نحو تغييره بنظام منتخب.

ثم إن إسرائيل تعلم هشاشة الحكم فى مصر، وأنه حتى إذا حالفها فى حال وقوع الحرب الإقليمية، قد يطاح به شعبيا فتحتاج أن تحمى نفسها من بديله. لذلك فإن هناك احتمالا، إذا نشبت الحرب الإقليمية الكبرى تلك، ان تجتاح إسرائيل سيناء اجتياحا وقائيا مهما كان موقف الحكومة المصرية منها، بل قبل أن تشكل هذه الحكومة موقفها من الحرب. وعليه فإنه يحسن بالحكومة المصرية، حماية لسيناء، وحماية لاستقرار مصر سياسيا، وحماية لنفسها قبل كل شيء، أن تعمل على الوقف الفورى لهذه الحرب الأهلية فى سوريا وتستبق العدوان الإسرائيلى بنشر القوة المشتركة فى سوريا بلا تأخير.

وأخيرا، إذا لم تقم مصر بهذه الخطة، فإن إيران ستتدخل فى سوريا على كل حال، وسنجد أنفسنا فى اشتباك بين إيران وإسرائيل، فإن انهزمت إسرائيل فسينهزم مؤيدوها العرب معها، وإذا انتصرت إسرائيل لا قدر الله فستنقلب هى على مؤيديها. ولنتذكر أن من قاتل روسيا لصالح أمريكا فى أفغانستان قتلته أمريكا، ومن قاتل إيران لصالح أمريكا فى العراق، قتلته أمريكا، ومن خاصم المقاومة الفلسطينية وعقد سلاما مع إسرائيل فى الضفة الغربية قتلته إسرائيل. وأن من اختار أن يحارب إسرائيل منذ ثلاثين سنة انتصر عليها، ومن اختار أن يحارب غيرها، فى أى اتجاه، لم تأت حربه إلا بالخسارة له ولخصمه على حد سواء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.