بناء علي دعوة من رئيس الجمهورية – رئيس السلطة التنفيذية – توجه رؤساء الهيئات القضائية «أعضاء مجلس القضاء الأعلي باستثناء النائب العام المستشار طلعت إبراهيم» وهم «المستشار محمد ممتاز متولي» رئيس محكمة النقض ورئيس مجلس القضاء الأعلي و«المستشار ماهر البحيري» رئيس المحكمة الدستورية العليا و«المستشار سمير أبوالمعاطي» رئيس محكمة استئناف القاهرة و«المستشار غبريال عبدالملاك» رئيس مجلس الدولة «والمستشار عناني عبدالعزيز» رئيس هيئة النيابة الإدارية و«المستشار محمد عبدالعظيم الشيخ» رئيس هيئة قضايا الدولة و«اللواء مدحت غزي» رئيس هيئة القضاء العسكري إلي قصر الاتحادية – مقر رئيس الجمهورية – للقاء الرئيس. وطبقا لما أذاعته مصادر رسمية برئاسة الجمهورية وما صرح به المستشار محمد ممتاز متولي، فقد طالب رؤساء الهيئات القضائية في لقائهم برئيس الجمهورية بسحب قانون السلطة القضائية المقدم من حزب الوسط إلي مجلس الشوري والذي ينتهك استقلال السلطة القضائية ويؤدي حال صدوره إلي عزل 3500 قاض بمن فيهم 9 من 11 من قضاة المحكمة الدستورية وكل قضاة محكمة النقض تقريبا وشيوخ القضاة في كل الهيئات القضائية، وذلك لإزالة فتيل الأزمة بين القضاة الذين رفضوا من خلال الجمعية العمومية ومجلس إدارة نادي القضاة هذا المشروع، والسلطتين التنفيذية والتشريعية «مجلس الشوري».. إلا أن رئيس الجمهورية رد علي هذا الطلب قائلا إنه «لن يسحب مشروع القانون المقدم من حزب الوسط إلي مجلس الشوري، لأن هذا ليس من اختصاصه ويرفض الاعتداء علي السلطة التشريعية». وأكد عصام سلطان نائب رئيس حزب الوسط تعليقا علي طلب رؤساء الهيئات القضائية سحب مشروع القانون الذي تقدم به الحزب وبدعم من حزب الحرية والعدالة أن «حزب الوسط لن يسحب مشروعه ولن يسمح لرئيس الجمهورية بالتعدي علي السلطة التشريعية ولا بتوجيه الحزب». وطرح رؤساء الهيئات القضائية علي رئيس الجمهورية عقد المؤتمر الثاني للعدالة لمناقشة ما يقدمه القضاة من مقترحات لإعداد مشروعات قوانين تخص القضاء ومن بينها قانون السلطة القضائية، وأن يعقد مؤتمر العدالة بمقر الرئاسة حتي يكون تحت سمع وبصر جميع طوائف المجتمع ويحضره القضاة «وذلك حتي يحدث تفاهم بين القضاة والسلطتين التشريعية والتنفيذية، ويقوم رئيس الجمهورية بتقديم هذا القانون إلي مجلس الشوري القائم بأعمال السلطة التشريعية لمناقشته وإقراره»، وطبقا لتصريحات رئيس مجلس القضاء الأعلي فقد استحسن الرئيس مشروع مؤتمر العدالة المقدم من الهيئات القضائية له ووافق علي عقده بمقر رئاسة الجمهورية ابتداء من يوم الثلاثاء 30 أبريل وأن اللجنة التحضيرية للمؤتمر ستشرع فورا خلال هذه الاجتماعات في الإعداد لمؤتمر العدالة المتوقع عقده خلال شهر. وأعلن مصدر رئاسي أنه يجري تجهيز «قصر القبة» لعقد مؤتمر العدالة، ويبدو أن رؤساء الهيئات القضائية فاتهم أن توصيات المؤتمر الأول للعدالة عام 1986 والذي حضر جلسته الافتتاحية رئيس جمهورية ذلك الزمان «محمد حسني مبارك» ووعد بوضع توصياته موضع التنفيذ لم ينفذ منها أي شيء، وأن المستشار أحمد مكي أعلن في أول تصريح له عقب قبوله منصب وزير العدل أن برنامجه بخصوص القضاء ووزارة العدل يتلخص في تنفيذ توصيات مؤتمر العدالة الأول (1986) وأهمها نقل التفتيش القضائي من يد وزير العدل إلي مجلس القضاء الأعلي، ولم يستطع مكي تنفيذ وعده حتي الآن. وسواء كان هدف مؤتمر العدالة المقترح هو إزالة الاحتقان بين القضاة والسلطتين التشريعية والتنفيذية اللتين يهيمن عليهما جماعة الإخوان وحلفاؤهم، وإعداد مشروع أو «مشاريع» قانون يحظي بموافقة الهيئات القضائية ويتبناه رئيس الجمهورية، كما أعلن المستشار محمد ممتاز متولي، وكما رآه د. محمد أبوالغار رئيس الحزب المصري الديمقراطي والقيادي بجبهة الإنقاذ الوطني الذي قال إن قرار مؤسسة الرئاسة بعقد مؤتمر لحل أزمة القضاء «خطوة جيدة للغاية».. أم أن الهدف الحقيقي هو المناورة وكسب الوقت لتمرير قانون حزبي الوسط والعدالة المرفوض من القضاة والقوي الديمقراطية في المجتمع كما تخوف أعضاء «لجنة شباب القضاة وأعضاء النيابة العامة الذي تساءلوا في استنكار عقد مؤتمر العدالة الثاني في رئاسة الجمهورية».. يحضره القضاة الموالون للحزب الحاكم مع السادة رؤساء الهيئات القضائية لتجميل الشكل العام.. وما علاقة القصر الجمهوري بالقضاء ومؤتمر العدالة؟!.. وهل هناك علاقة بما يثار من أن الغرض من مؤتمر العدالة أن يتقدم رؤساء الهيئات القضائية بمشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون السلطة القضائية يرسل إلي مجلس الشوري فيعتبر بمثابة اعتراف ضمني من الهيئات القضائية بمشروعية عمل هذا المجلس، ومن ثم يحق للمجلس المضي قدما نحو إقرار التعديلات المقدمة من الحزب الحاكم والأحزاب الموالية له، ولن يمرر في النهاية غير المشروعات المتفق عليها سلفا والتي اعترض عليها القضاة»، وكذلك ما قاله سيد عبدالعال رئيس حزب التجمع والقيادي أيضا بجبهة الإنقاذ الذي قال بحسم «إن موافقة د. محمد مرسي علي عقد مؤتمر العدالة لبحث قانون السلطة القضائية وعرضه علي مجلس الشوري، يكمن وراءه هدف واحد هو تمرير مشروع السلطة القضائية الإخواني.. إن مجلس الشوري ليس المكان الملائم لعرض مشاريع قوانين، لأنه فاقد لشرعيته السياسية بسبب تمثيله لفصيل سياسي واحد هو الإخوان والأحزاب «الإسلامية» المؤيدة لسياستهم، والتي تهدف إلي تقويض القضاء وأخونته» مطالبا بالانتظار لحين انتخاب مجلس النواب.. بصرف النظر عن صحة أي من الرأيين المتناقضين.. فهناك حقيقتان ساطعتان لا يستطيع أحد تجاهلهما أو إنكارهما. الحقيقة الأولي أن غياب نادي القضاة وتجاهله واستبعاده في كل هذه اللقاءات والمباحثات المتعلقة بقانون السلطة القضائية وبالاقتراح الخاص بعقد مؤتمر العدالة الثاني، يقطع بأن الأزمة مستمرة وربما تتصاعد، لأن نادي القضاة هو الممثل الشرعي والوحيد لجموع القضاة، ومن خلاله مارس القضاة نضالهم الطويل والمتواصل لتحقيق استقلال القضاء والتصدي لكل محاولات انتهاك هذا الاستقلال طوال ما يزيد علي نصف قرن. وكان المستشار أحمد الزند رئيس نادي القضاة واضحا وحاسما عندما قال «إن مؤتمر العدالة الذي دعا له الرئيس محمد مرسي خلال لقائه برؤساء الهيئات القضائية، ليس لنادي القضاة شأن فيه، ولن يشارك نادي القضاة في هذا المؤتمر لأن النادي لم يدع له، والمؤتمر لن ينعقد في مقر النادي، وأن مناقشة مشروع قانون السلطة القضائية لا يحتاج لعقد مؤتمر للعدالة». وأضاف المستشار عبدالله فتحي وكيل أول نادي قضاة مصر «إن أي لقاء لرئيس الجمهورية لا يضم ممثلين عن القضاة لاسيما مجلس إدارة نادي القضاة المنتخب لن يكون مجديا ولن ينهي الأزمة تماما، ولابد أن يشارك في اللقاء نادي القضاة الممثل الشرعي المنتخب لقضاة مصر، حتي يتمكنوا من عرض كل عناصر الأزمة وبنودها وكل ما يحدث من اعتداءات وتجاوزات في حق القضاء، ليكون هناك حل جذري وليس مجرد مسكنات ومهدئات تتكرر بعدها كل الاعتداءات ويعود الوضع إلي أسوأ مما كان عليه. الحقيقة الثانية هي إصرار الرئاسة علي استدعاء شيوخ القضاء إلي مقر رئيس الجمهورية بدلا من أن يذهب رئيس الجمهورية إليهم في مقرهم بدار القضاء العالي أو في ناديهم، وهو الأمر الذي رفضه نادي القضاة، فالقضاة «يرفضون عقد مؤتمر العدالة الذي اتفق عليه الرئيس محمد مرسي مع رؤساء الهيئات القضائية في قصر الرئاسة». وقد يبرر البعض هذا الموقف بأنه ليس تعاليا من رئيس السلطة التنفيذية علي السلطة القضائية، ولكنه أمر متعلق بالأمن، وهو عذر أقبح من ذنب، فإذا كان أول رئيس جمهورية منتخب يخشي الخروج من قصر الرئاسة والذهاب إلي قضاة مصر الأجلاء سواء في ناديهم أو في دار القضاء العالي، ويشعر أن حياته مهددة إذا ترك مقره الحصين وانتقل إليهم كما كان يفعل رؤساء الجمهورية السابقون، فأولي به أن يترك منصبه ويرحل عن رئاسة الجمهورية، فيستحيل أن يكون الرئيس علي يقين أن شعبه لا يريده ويتربص به ليرديه قتيلا.. ثم يتشبث بمنصبه حتي لو كان قد وصل إليه عبر «الصندوق» كما يقولون ليل نهار.