رؤية نقدية يكتبها: عبد الناصر قنديل - أمين الشئون البرلمانية بحزب التجمع يعد مشروع ( قانون مباشرة الحقوق السياسية ) أحد أبرز مشروعات القوانين التي انتهي (مجلس الشوري) من إقراره وفق اختصاصه المسند إليه بممارسة مهام التشريع لحين الانتهاء من تشكيل ( مجلس النواب ) القادم وذلك وفق نص الدستور المصري الجديد وتعود أسباب الأهمية المضاعفة لهذا النص للعديد من الأسباب ربما كان أبرزها ما يلي : أولا : أن هذا القانون ( قانون مباشرة الحقوق السياسية ) هو أحد أهم القوانين التي ترسم المستقبل السياسي والشعبي لهذا الوطن لما له من تأثير بالغ علي قدرة المصريين علي ممارسة حقهم في اختيار من يفوضونه عبر المجالس الشعبية المنتخبة لادارة شئون البلاد بداية من شخص رئيس الدولة وانتهاء بالمجالس الشعبية المحلية المنتخبة ومرورا بمجلس النواب ومجلس الشوري . ثانيا : أن هذا القانون هو أحد قوانين الرقابة السابقة التي منحها المشرع في الدستور وضعية خاصة لاقرارها والطعن عليها وضمان مدي دستوريتها قبل ( وليس بعد ) اقرارها . ثالثا : أن مشروع القانون الحالي ليس هو التجربة الأولي التي يتصدي فيها مجلس الشوري لقانون مباشرة الحقوق السياسية بل سبقته تجربة ( ربما كانت شديدة الألم ) حيث أدخل الشوري منذ أسابيع عدد من التعديلات علي قانون ( 73 ) لسنة 1956 بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية والقانون 38 ) لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب وتم ارسالهما للمحكمة الدستورية العليا لممارسة الرقابة السابقة عليهما وهو ما ردت عليه المحكمة وقتها باثبات عوار شديد في عدد ( 11 ) مادة من مجموع ( 22 ) مادة تم ارسالهم اليها وبدلا من اعادة النظر فيما عقبت به المحكمة الدستورية العليا علي المواد وجدنا مجلس الشوري يعمل البعض ويتجاهل البعض من تلك الملاحظات بل ويرسل القانون لرئيس الدولة ليصدره دون اعادته للمحكمة الدستورية لتري كيف تم التعامل مع ملاحظاتها ليفعلها الحاكم ويصدر النص الذي جاءه من مجلس الشوري باعتباره ( القانون رقم 2 لسنة 2013 ) لتأتي من بعده محكمة القضاء الاداري وتوقف اجراءات الدعوة للانتخابات وتحيل القانون للمحكمة الدستورية العليا للنظر فيه . لكل هذه الأسباب ولغيرها يمثل مشروع القانون الذي تحصل علي موافقة مبدئية منذ أيام وتجري الموافقة عليه بصورة نهائية اليوم موضوع مجتمعي شديد الأهمية ويستحق اعادة النظر في نصوصه لضمان حياديتها وقدرتها علي تفعيل قواعد العدالة والمساواة بين مختلف القوي السياسية. أسباب العوار المبدئي لقانون مباشرة الحقوق السياسية. تركيبة المجلس يغلب عليها ضعف وانعدام الخبرة بفلسفة ومهارات العمل التشريعي لوجود ( 167 ) نائباً بالمجلس لم يسبق لأي منهم ممارسة العمل النيابي والتشريعي بأي صورة من صوره خلال تاريخ مشاركتهم في العمل العام قبل وصولهم للمجلس ليتبقي فقط ( 10 ) نواب لديهم سابق تجربة بمجلس الشعب و ( 3 ) نواب فقط لديهم سابق تجربة بمجلس الشوري وهو ما لا يؤهل المجلس للقيام بالعمل المنوط به أو حتي قدرته علي الاجادة فيه. القانون وعلي الرغم من أهميته وضرورات اصداره صدر ب ( ليل ) ولم يعرض للحوار المجتمعي بأي شكل من الأشكال فرغم عدم وجود تمثيل حقيقي للقوي السياسية الفاعلة بالمجلس يمكن لها أن تبدي رأيها داخل مجلس الشوري من خلالهم وكبديل عن الارادات الشعبية المباشرة تتم مناقشة وإصدار التشريع دون عرضه علي المجتمع بأي صورة من الصور ( بل ولا توجد نسخة واحدة من أي قانون صدر أو مازال يناقش بالمجلس علي الموقع الالكتروني لمجلس الشوري ) . التركيبة الداخلية لعضوية المجلس من ناحية التمثيل العددي لممثلي القوي والأحزاب السياسية لا تحمل علامات لإمكانية التشريع المتجرد من الهوي السياسي حيث يهيمن حزب الحرية والعدالة بصورة مطلقة تماما علي مقاليد الأمور بالمجلس نظرا لامتلاكه لعدد ( 101 ) من النواب المنتخبين والذين يبلغ اجمالي عددهم وفق نص القانون ( 180 ) نائبا في حين يملك حزب النور ( 47 ) نائبا والباقون وعددهم ( 32 ) نائبا موزعين علي باقي القوي السياسية وهي تركيبة مختلة بشدة يصعب معها النقاش والحوار حول النصوص المقترحة بعيدا عن عقلية القطيع والحشد المقابل. المعينون بقرار من رئيس الدولة وفق الصلاحية الواردة في الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس 2011 وتمنح الرئيس الحق في تعيين ( 90 ) نائبا بالمجلس والتي مارسها الرئيس قبيل ساعات من اقرار دستور يقلص هذا العدد حيث يغلب علي هؤلاء المعينين الانحياز والتوجه المطلق للتيار الديني فجاء ( 17 ) معيناً ينتمون لحزب الحرية والعدالة و( 21 ) معيناً من أعضاء ما سمي بالجمعية التأسيسية لوضع الدستور و( 14 ) معيناً من حزب الوسط وهو ما يضع التشريع بصورة مطلقة وفق أو رهن إرادة حزب الحرية والعدالة وجماعته وبما يغل يد باقي القوي السياسية عن التأثير علي المواد المقترحة للتشريعات ( اشتكي حزب النور من تلك الهيمنة أثناء مناقشة وإقرار قانون الصكوك ) . إسناد سلطة التشريع لهيئة ( انتخبت ) قبل وضع الدستور الذي يفوضها بصلاحيات لم تكن له أمر لا أخلاقي بل ويظهر نوع من الانحياز والقصدية لصالح رؤية وتيار معين يملك الأغلبية فيها خاصة أن تلك ( الهيئة ) التي منحت هذا الاختصاص مصابة بعوار واضح وهناك طعون بشأنها منظورة أمام القضاء . قانون مباشرة الحقوق السياسية سبق لمجلس الشوري نظره واعتماده وعددت المحكمة الدستورية أوجه العوار فيه ومازال ( القانون الذي أصدره رئيس الدولة به ) منظوراً في صورة قضايا أمام المحكمة الدستورية العليا لإصدار الرئيس له برقم ( 2 ) لسنة 2013 وكان من الضروري بل ومن الواجب انتظار حكم المحكمة النهائي وليس استباقه بمشروع قانون جديد قبل الفصل في سابقة في سابقة غير موجودة بتاريخ التشريع المصري. أسباب العوار في مواد القانون تعديل ( المادة العاشرة ) من نص القانون ونص المادة ( 61 ) حيث تم حذف ( حظر استخدام الشعارات أو الرموز ذات الطابع الديني من القواعد المنظمة للدعاية ) التي تضعها اللجنة العليا واكتفي بأن تكون القواعد هي حظر القيام بأنشطة للدعاية الانتخابية علي أساس التفرقة بسبب الجنس أو الأصل (لدرجة أن صبحي صالح أحد قيادات الحرية والعدالة عقب علي الرافضين لهذا التلاعب بالنص بأنه ( عند وضع النصوص لا يخضع للابتزاز مشيرا إلي أن هذا نص تجريمي وبالتالي إذا اعتبرنا أن الشعارات الدينية محظورة فمعني ذلك أن الشعارات الليبرالية والماركسية ستكون مباحة فتجريم الشعارات الدينية دون غيره يعد حظراً لهذا النوع دون غيره وبالتالي فمعناه أن الدعوة إلي الإلحاد جائزة والدعوة إلي الدين غير جائزة). ( كما قال عصام العريان رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الحرية والعدالة ( إن هناك حالة تربص موجودة ومن الممكن أن يضع أحد علي صفحتي شعارا دينيا ويبلغ عني مطالباً بحذف المادة كلها أو إلغاء كل الشعارات الأيديولوجية مشيراً إلي أنه لو طبقنا حظر الشعارات الدينية سيتعرض للعقوبة من يرفع ( الله محبة ) و( افعلوا الخير ) و( كونوا مع الصابرين ) مضيفاً : ( لو عايزين تحجروا احجروا علي كل الشعارات الدينية ويطلع كل حزب يقول أعمل أيه في الضرائب والعيش والأسعار بدون شعارات أيديولوجية ) وعندما ثار النواب عليه قال ( مفيش حد هيفرض رأي علي حد ولا حد هيأمر أحدا بأن يصوت لصالح شيء غصب عنه ). وقد كان نص المادة كما وردت من الحكومة هو (تحظر الدعاية الانتخابية القائمة علي استخدام الشعارات الدينية أو علي أساس التفرقة بسبب الجنس أو الأصل ويعاقب كل من يقوم بمخالفة هذا الحظر بالحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه). فيما كان نص المادة كما ورد من لجنة الشئون الدستورية والتشريعية واستجابة لتعديلات الحرية والعدالة هو ( تحظر الدعاية الانتخابية القائمة علي التفرقة بين المصريين بسبب الدين أو الجنس ويعاقب كل من يقوم بمخالفة هذا الحظر بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه ) . رفع الحظر المفروض علي الحاصلين علي أحكام من محكمة القيم بمصادرة أموالهم من مباشرة الحقوق السياسية وقد كانت هناك محاولات حثيثة لرفع الحظر لمن حصل علي عفو رئاسي وذلك بإضافة مادة إلي القانون تسمح لمن حصل علي عفو رئاسي بمباشرة حقوقه السياسية دون الاحتكام إلي المحكمة أو حصوله علي رد اعتبار من القضاء الأمر الذي رفضه كثير من الأعضاء كما رفضته اللجنة التشريعية في المجلس والحكومة لعدم قانونيته لما يعنيه ذلك من إعطاء رئيس الدولة ( ممثل الجهة التنفيذية ) صلاحيات قضائية تضاعف من أزمة الرئاسة مع القضاء . حددت المادة (16) ( واصلها مادة 3 مكررة ) طريقة تصويت المصريين بالخارج علي أن يكون بالبريد المسجل فقط وإلغاء التصويت الالكتروني رغم ما صاحب استخدام البريد من اتهامات بالتلاعب (خلال الانتخابات الرئاسية والاستفتاء علي الدستور في عدد من الدول مثل السعودية والكويت وجنوب افريقيا ) وذلك تحت زعم أن التصويت الالكتروني قابل للاختراق وبالرغم من أن المادة ( 4 ) من ذات مشروع القانون تقول بأنه فيما يتعلق بالتصويت الشعبي داخل مصر ( يجوز الانتقال إلي التصويت الآلي أو الالكتروني مرحلياً ) فكيف يتوافق هذا النص مع المبررات السابقة عليه . توسع المشروع بشكل كبير في تحديد الفئات المعفاة من ممارسة حقوقها السياسية حيث ضم لها رجال المخابرات وأعضاء هيئة الرقابة الإدارية وطلبة المدارس ومعاهد التدريب المهني والمعاهد والكليات العسكرية) . الإصرار في مشروع القانون علي استمرار اللجنة العليا للانتخابات وإشرافها علي الانتخابات القادمة علي الرغم من كم الانتقادات الهائل الذي وجه لها ( خلال العمليات الانتخابية السابقة ) لعدم قدرتها علي السيطرة علي مجمل العملية الانتخابية ووجود أجزاء رئيسية منها تخضع لإشراف وزارات خارج سيطرتها مثل ( وزارة العدل ووزارة الداخلية ووزارة الإدارة المحلية ) ورغم أن الدستور الجديد قد تحدث عن (المفوضية العليا للانتخابات) وإشرافها علي العمليات الانتخابية حيث ( كان النص الانتقالي بإشراف اللجنة العليا علي الانتخابات مجلس النواب مرهون بإجراء تلك الانتخابات خلال (60) يوماً من إقرار الدستور وهو ما لم يتم ). عدم اهتمام المشرع في نص المادة ( 4 ) الخاصة بالتصويت الالكتروني علي أن يضع جدولا زمنيا للانتقال للتصويت الالكتروني رغم أهميته لمعالجة الفساد الحالي في العملية الانتخابية وهو اجراء شديد الأهمية لضمان تفعيل المادة وعدم تجاهل تطبيقه علي غرار ما كان يحدث سابقا . المادة ( 10 ) الخاصة بتحديد اختصاصات اللجنة العليا للانتخابات جعلت اختصاص اللجنة في الفقرة الثانية وهو الإشراف ( فقط ) علي إعداد قاعدة بيانات الناخبين من واقع بيانات الرقم القومي ومحتوياتها وطريقة مراجعتها وتنقيتها وتحديتها والإشراف علي القيد بها وتصحيحها ( هناك دعوة قضائية ينظرها القضاء تطعن في القاعدة وتكشف عن فسادها) . كما أن المادة ( 18 ) تجعل من قاعدة بيانات الناخبين خاضعة مباشرة لسلطة مصلحة الأحوال المدنية التابعة لوزارة الداخلية مما يضعف سيطرة وقدرة اللجنة العليا للانتخابات علي الاشراف الكامل علي العملية الانتخابية . تحدثت الفقرة العاشرة من المادة (10) عن دور اللجنة العليا للانتخابات في ( إبداء الرأي في مشروعات القوانين المتعلقة بالانتخابات ) وهو ما لم يحدث أثناء مناقشة مشروع هذا القانون سواء حاليا أو في التجربة السابقة ورغم وجود تشكيل دائم للجنة . استمرار المشروع في استخدام لغة غير كريمة وتوجيه السباب لبعض فئات المجتمع عند الحديث عنها في القانون حيث يتحدث وفق نص المادة ( 38 ) عن حق ( المكفوفين وغيرهم من ذوي العاهات ) في الحصول علي مساعدة الإدلاء بأصواتهم علي الرغم من أن مثل هذا اللفظ ( ذوي العاهات ) مجرم قانوناً ومخالف لنص الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي وقعت عليها مصر عام ( 2007 ).