تنشغل الدوائر الحزبية والسياسية في الوقت الحاضر بالاحتفالات المختلفة لانتقال السلطة في مصر بعد الرئيس حسني مبارك، بالرغم من أن انتخابات الرئاسة مازال أمامها ما يزيد علي 15 شهرا حيث يحل موعدها في أكتوبر 2011، وأن الرئيس مبارك أعلن أنه سيظل في منصبه «مادام في الصدر قلب ينبض» وتراجعت المخاوف المتعلقة بصحة الرئيس وقدرته علي الحكم التي فجرتها الحالة المرضية للرئيس في مطلع هذا العام والعملية الجراحية التي أجريت له في ألمانيا أخيرا، وظهوره في الأسابيع الأخيرة في حالة ممتازة وتحركاته في الداخل والخارج. وتُرجع الدوائر السياسية والحزبية هذا الاهتمام بانتقال السلطة في مصر بعد مبارك، إلي طبيعة النظام المصري الذي مازال قائما علي احتكار حزب واحد وفرد واحد للسلطة رغم التعددية الحزبية «المقيدة» القائمة منذ عام 1976 - أي منذ 34 عاما - ووجود انتخابات رئاسية تعددية منذ عام 2005، فتزوير الانتخابات العامة في مصر والتعديلات الدستورية التي جرت عامي 2005 و2007 والقوانين التي تنظم الانتخابات العامة وانتخابات رئاسة الجمهورية تحصر منصب رئيس الجمهورية في التحالف الطبقي الحاكم وحزب الرئيس. وإذا كان انتقال السلطة من جمال عبدالناصر إلي السادات ومن السادات إلي مبارك تم في سلاسة نتيجة وجود نائب للرئيس في المرحلتين تولي السلطة بعد رحيل الرئيس، فعدم تعيين مبارك نائبا له يفتح الباب، أمام احتمالات عديدة وسيناريوهات مختلفة. السيناريو الأول يقوم علي ترشيح مبارك لنفسه لولاية سادسة في الانتخابات الرئاسية القادمة وهو الأمر المرجح حتي الآن، ومع ذلك فالصراع داخل الحكم بدأ من الآن حول خليفته في ظل احتمال عدوله عن الترشيح لأي سبب أو غيابه المفاجئ في أي لحظة أخذا في الاعتبار أن الرئيس مبارك جاوز الثانية والثمانين من العمر، والاسم الأبرز لخلافة مبارك كان نجله «جمال مبارك» فيما عرف بسيناريو التوريث، وجمال ليس فقط مرشح قصر الرئاسة ولكن يقف وراءه تحالف طبقي من جماعات ما يسمي برجال المال والأعمال «الذين يملكون حوالي 24% من الدخل القومي ولهم ارتباطات بأمريكا وإسرائيل»، ونقطة الضعف الرئيسية هي فشل حملة الترويج له بين المواطنين خلال العامين الماضيين، وعدم وضوح موقف قيادة القوات المسلحة التي تعتبر القوة الأساسية في الحكم منذ ثورة 23 يوليو وخرج منها كل رؤساء الجمهورية في مصر من محمد نجيب إلي حسني مبارك، وما لم يتم انتقال السلطة إلي جمال مبارك في ظل وجود الرئيس حسني مبارك، فهناك شك كبير في أن يقدم الحرس القديم في الحزب الوطني علي ترشيح الحزب له. السيناريو الثاني هو اللجوء لاختيار أحد العسكريين السابقين أو الحاليين يتم التوافق عليه بين القوي الرئيسية في الحكم «الرئاسة - القوات المسلحة - المخابرات - أجهزة الأمن - العناصر المتنفذة في الحزب الوطني» وخوضه الانتخابات الرئاسية. السيناريو الثالث نجاح الأحزاب والقوي والجماعات السياسية في فرض تعديل دستوري لفتح الباب أمام ترشيح قيادات الأحزاب «دون اشتراط مضي 5 سنوات علي تأسيس الحزب وعضوية المرشح في هيئته العليا لمدة سنة علي الأقل» وغير المنضمين للأحزاب «دون شروط معجزة طبقا للمادة 76 من الدستور حاليا»، وهو ما يتطلب حدوث تغيير في تركيب مجلس الشعب القادم وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية حرة ونزيهة طبقا للمعايير الدولية، وهو الأمر المستبعد ما لم تنجح الأحزاب في خرق الحصار المفروض عليها والنزول إلي الشارع وتنظيم الجماهير، وفي حالة تحقق «المعجزة» وتعديل الدستور، فستدور معركة الرئاسة بين قيادات أحزاب المعارضة التي قاطعت انتخابات الرئاسة الماضية «حزب التجمع والحزب الناصري» أو التي لم يمض علي تأسيسها خمس سنوات «حزب الجبهة» وقادة حزبي الوفد والغد «شاركا في انتخابات 2005» وشخصيات غير حزبية أبرزها د. محمد البرادعي.