النزاع العرقي في قيرجيزيا رسالة قوية لدول مجاورة ما يحدث في قيرجيزيا ليس بعيداً عن صراع قوي كبري للسيطرة علي منطقة وسط آسيا الغنية بالثروات، و رغم أن قيرجيزيا لا يمكن بأي حال تصنيفها بأنها دولة غنية بالثروات ، فإنها الحلقة الأضعف في سلسلة دول وسط آسيا السوفيتية السابقة و بالتالي من سيسيطر عليها سيضمن موطئ قدم في وسط آسيا . كانت قيرجيزيا البالغ عدد سكانها نحو ستة ملايين من أكثر الجمهوريات السوفيتية السابقة هدوءاً ، و من أكثرها تعايشاً بين القوميا و العرقيات المختلفة ، لكن قبل ثلاث سنوات شهدت ثورة مثل تلك التي حدثت في أوكرانيا و سميت ثورة التولبان علي غرار ثورة الورود في جورجيا و البرتقالي في أوكرانيا، و قد انهار نظام البرتقالي في أول انتخابات رئاسية و عادت أوكرانيا إلي الحظيرة الروسية فيما تقاوم جورجيا حتي الآن و لكنها خسرت مقاطعتين من مقاطعاتها هما أوسيتيا الجنوبية و أبخازيا و مآل ثورة الورود و نظامها إلي التلاشي. لم يصمد النظام الجديد والذي قام علي أنقاض نظام الرئيس عسكر أكييف و بدعم غربي أمام التحديات التي تواجهه بسبب قلة الموارد و الفساد بالإضافة إلي محاولته إرضاء جميع الأطراف بما في ذلك الولاياتالمتحدة التي تمتلك قاعدة عسكرية ، ثم في محاولة لإرضاء روسيا و قد منحتها قيرجيزيا قاعدة عسكرية ، و أخيراً يأتي الدور الاقتصادي المهم في حياة قيرجيزيا وهو للتنين الصيني المتعطش للسيطرة علي الجمهوريات السوفيتية المسلمة لخلق نوع من التوازن و التواصل مع الجمهوريات الإسلامية تهدئ من النزعات الدينية لديه. لكن يبدو أن أنظمة الألوان ليس لديها قدرة علي الصمود فقد قامت ثورة عشوائية أطاحت بنظام الرئيس باكييف ، لكن الأوضاع لم تستقر بسبب النظام العشائري حيث وقفت مدن أوش التي لجأ إليها باكييف و جلال أباد مسقط رأسه في وجه رئيسة الوزراء روزا أوتنايفا التي أصبحت فيما بعد قائمة بأعمال رئيس الدولة ، لكن وجب التنويه إلي أن الثورة العشوائية كانت تحمل بعداً عرقياً في طياتها ،ففي البداية كانت المواجهات بين المواطنين الروس و القيرجيز ، و لكن سرعان ما هدأت ، أما و قد بدأت الاضطرابات بين القيرجيز و الأوزبك فإنه يمكن القول بأنها ستمتد لفترة طويلة و عدد القتلي الحالي أبعد ما يكون عن الرقم النهائي . أساس الصراع في هذه المنطقة كان و لا يزال علي وادي فرجاني والذي يقع جزء صغير منه في قيرجيزيا التي تعتبر معظم أراضيها جبلية، فهناك خلاف بين قيرجيزيا و أوزبيكستان علي خلفية تنازع علي وادي فرجان و نفس الشئ ينطبق علي طاجيكستان ، و منذ فترة ليست بالبعيد حدث تلاسن علي خلفية بناء الأخيرة سد لتوليد الكهرباء ، مما أغضب أوزبيكستان التي اتهمت روسيا بتأييد طاجيكستان علي حساب العلاقة بين البلدين و هو الأمر الذي أدي لتراجع روسيا عن بناء السد. أما إذا كان لدولة مصلحة في تأجيج الصراعات في منطقة وسط آسيا فهي بالدرجة الأولي روسيا و التي ربما أرادت توجيه رسالة لدولة مثل كازاخستان تتميز بأنها مكونة من فسيفساء عرقية يمثل الكازاخ أكثر قليلاً من 40% فقط من تعداد السكان ، خاصة أن هذه الدولة بدأت في الفترة الأخيرة عزفاً منفرداً في اتجاه الصين ، و الصراع في منطقة وسط آسيا ليس بعيداً كذلك عن الصراع علي النفوذ بين الصين و روسيا في هذه المنطقة التي تعتبرها الصين حديقة خلفية لها. ومع بداية الحرب في أفغانستان و تدخل الولاياتالمتحدة علي الخط اكتسبت هذه المنطقة أهمية خاصة بعد أحداث سبتمبر حين جري قصف برجي مركز التجارة في نيويورك لكن الأهم من التواجد العسكري في منطقة وسط آسيا للبقاء بالقرب من القوات الأمريكية في أفغانستان هو أن تبقي الولاياتالمتحدة بجوار مصدر طاقة واعد في بحر قزوين تراهن عليه هي وحلفاؤها الأوروبيون الأوروبيين للتخلص من احتكار روسيا لمكان مصدر الطاقة الأهم لأوروبا ، من هنا لا تريد روسيا أن يستتب الأمر للأمريكيين كما تريد أن تشعرهم أنها تحمل مفاتيح المنطقة و ذات التأثير الأكبر بحكم 70 عاماَ من السيطرة ناهيك عن التأثير الثقافي لروسيا في هذه المناطق حيث تنتشر اللغة والثقافة الروسية فيها لدرجة أنه من الممكن اعتبارها منافسا قويا للثقافة المحلية. أما رفض روسيا التدخل في قيرجيزيا في الوقت الراهن بناء علي طلب القائم بأعمال رئيس الدولة القيرجيز ية هو نوع من المناورة سياسية الهدف منها إبقاء الثمرة علي الشجرة حتي تنضج تماماً ثم تقع في السلة الروسية ، ناهيك عن أن لروسيا في قيرجيزيا مواطنين تريد الحفاظ علي مصالحهم و أرواحهم ولا بد لها أن تتدخل و بذلك تكون روسيا قد سيطرت علي دولة تجاور كازاخستان وهي الدولة الأهم لروسيا في وسط آسيا و التي من الممكن أن تتعرض لنفس الموقف القيرجيزي مما يهدد مصالح روسيا كما أن الأمر لا يخلو من عمل وقائي إذا ما حاولت كازاخستان الغنية بالنفط و الغاز و الموارد الطبيعية الأخري أن تتجه ناحية التنين الصيني ، وصلت إذن رسالة قيرجيزيا إلي كازاخستان ، كما أن موسكو توجه رسالة شديدة اللهجة للصين مفادها أن روسيا هي التي تملك مفاتيح هذه المنطقة.