شهدت أفغانستان خلال الأيام القليلة الماضية ارتفاعا ملحوظا في وتيرة هجمات طالبان, التي تجاوزت محاولة إثبات الوجود إلي فرض أمر واقع . وذلك من أجل إجبار الجميع على التعامل مع الحركة بوصفها لاعبا رئيسيا في مستقبل البلاد.ولم تكن الأحداث السياسية علي الساحة الأفغانية في الفترة نفسها أقل سخونة من التفجيرات, حيث تجلت رغبة عدد من الدول الكبري والقوي الإقليمية, بل وإصرارها علي التواجد بأي شكل في أفغانستان, التي طالما كانت ساحة لتصفية حسابات الكبار. هذه الحسابات دفعت الرئيس الأفغاني حامد كرزاي خلال زيارته الأخيرة لباكستان إلي التأكيد علي أن بلاده لا تريد حربا بالوكالة علي أراضيها, لا تريد حربا بالوكالة بين الهند وباكستان في أفغانستان, ولا تريد حربا بالوكالة بين إيرانوالولاياتالمتحدة في أفغانستان, وأنها لا تريد أن تستخدم أي دولة أفغانستان ضد دولة أخري. وقد جاءت تصريحات كرزاي عقب التراشق الذي حدث بين كل من وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد خلال زيارة كل منهما لأفغانستان, حيث قال نجاد في مؤتمر صحفي مع الرئيس الأفغاني إن القوات الأمريكية والأوروبية لن تتمكن من هزيمة الإرهاب عن طريق شن حرب في أفغانستان, وتحدث نجاد كأنه يوجه سؤالا إلي وزير الدفاع الأمريكي:' ما الذي تفعلونه في هذه المنطقة؟. إنكم تقيمون حتي في بلد يقع علي مسافة عشرة آلاف كيلومتر وعلي الجانب الآخر من العالم, فماذا تفعلون هنا؟'. وكان روبرت جيتس, الذي غادر كابول بعد فترة وجيزة من هبوط طائرة نجاد بها, قد اتهم إيران خلال وجوده في أفغانستان بأنها تلعب دورا مزدوجا هناك, حيث انها' تتعامل بود مع الحكومة وتسعي لتقويض دور الولاياتالمتحدة في الوقت ذاته', وعلق جيتس علي توقيت زيارة الرئيس الإيرانيلأفغانستان بأنه' يغذي أفكار أصحاب نظريات المؤامرة'. ربما تكون تصفية الحسابات بين الولاياتالمتحدةالأمريكيةوإيران علي الساحة الأفغانية هي الأكثر وضوحا لأي متابع, نظرا للملفات الكثيرة العالقة بين الدولتين, وعلي رأسها العراق والبرنامج النووي الإيراني ومحاولات الطرفين السيطرة علي الخليج العربي, لكن الصراعات الدولية في الساحة الأفغانية لا تقتصر عليهما فقط, فهناك صراع هندي باكستاني لا يقل ضراوة, حيث تتنافس الدولتان النوويتان علي النفوذ في أفغانستان, وبينما تتهم الهند باكستان بدعم ميليشيات تهاجم المصالح الهندية في أفغانستان فإن إسلام آباد تتهم الهند باستخدام بعثاتها الدبلوماسية في أفغانستان لمساعدة ميليشيات انفصالية في إقليم بلوخستان الواقع جنوب غرب باكستان. الصراعات بين القوي الكبري علي الأرض الأفغانية ليس ظاهرة جديدة, فقد كانت أفغانستان عبر التاريخ حلبة لتصفية الحسابات نظرا لموقعها الجغرافي, ففي القرن التاسع عشر شهدت آسيا الوسطي بما فيها أفغانستان صراعا علي النفوذ بين الإمبراطوريتين البريطانية والروسية عرف آنذاك باللعبة الكبري, وقد عادت اللعبة في القرن العشرين في أثناء الحرب الباردة بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي, وتجلت بدخول القوات السوفيتية إلي الأراضي الأفغانية في ديسمبر1979, حيث فعلت الولاياتالمتحدة كل شيء لتخرج القوات السوفيتية منهزمة من أفغانستان, وهي الهزيمة التي يعتبر كثير من المحللين أنها كانت بداية النهاية للاتحاد السوفيتي. وخلال الفترة الأخيرة بدا أن الساحة الأفغانية تكتظ بلاعبين جدد, يحاولون جميعا تصفية حساباتهم مع الآخرين, قبل الفوز بالنفوذ والتحكم في مصير المنطقة وثرواتها, حيث من المحتمل عودة روسيا إلي الساحة, في وقت تحاول فيه تركيا إثبات وجودها كقوة إقليمية, أما الصين فلها من المصالح ما يجعلها تحاول اقتحام الساحة الأفغانية, خصوصا في ظل التوجه الصيني نحوالغرب, عبر مد خطوط أنابيب الطاقة من آسيا الوسطي لتلبية العطش الصيني للطاقة, في ظل معدلات نموعالية, وبناء موان استراتيجية علي الأراضي الباكستانية, ورغم أن الصين تفضل دائما فتح طريقها عبر استثماراتها الاقتصادية الكبيرة في مجال التعدين ومشاريع بناء الطرق, إلا أنها وعبر منظمة شنغهاي الاقتصادية الأمنية, التي تضم روسيا ودول آسيا الوسطي, طالبت أكثر من مرة بانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان, وشككت في نوايا هذا التواجد العسكري الذي قد يتجاوز ما رواء أفغانستان. ومن المنتظر أن تكشف السنوات القادمة عن لاعبين جدد يدخلون إلي الساحة الأفغانية, لتصفية حسابات خاصة بهم, تجعل من أفغانستان كما كانت دائما حلبة صراع بين الكبار, وتبعدها أكثر عن أية احتمالات لقيام دولة مستقرة خالية من التواجد العسكري الأجنبي.