ارتفاع أسعار الذهب عالميًا اليوم الخميس 14-8-2025    أسعار الأسماك والخضراوات والدواجن اليوم 14 أغسطس    تحرك الدفعة ال 15 من شاحنات المساعدات المصرية لغزة عبر معبر كرم أبو سالم    شكك في أسس الدين الإسلامي، السجن 5 سنوات لزعيم الطائفة البهائية في قطر    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 14 أغسطس 2025    500 مليون جنيه لتمويل المشروعات متناهية الصغر بالمحافظات    التايمز: بريطانيا تتخلى عن فكرة نشر قوات عسكرية فى أوكرانيا    بسبب انتشار حرائق اليونان.. اشتعال مئات المركبات    شقيقة زعيم كوريا الشمالية تنفي إزالة مكبرات الصوت على الحدود وتنتقد آمال سيول باستئناف الحوار    سموتريتش يعطى الضوء الأخضر لبناء 3400 وحدة استيطانية    تفاصيل القبض على «أم ملك وأحمد» صانعة المحتوى    ياسين السقا يروي كواليس لقائه الأول مع محمد صلاح وأول تواصل بينهم    أدعية مستجابة للأحبة وقت الفجر    طريقة عمل مكرونة بالبشاميل، لسفرة غداء مميزة    أروى جودة تطلب الدعاء لابن شقيقتها بعد تعرضه لحادث سير خطير    موعد مباراة بيراميدز والإسماعيلي اليوم والقنوات الناقلة في الدوري المصري    الأحزاب السياسية تواصل استعداداتها لانتخابات «النواب» خلال أسابيع    درجة الحرارة تصل ل49.. حالة الطقس اليوم وغدًا وموعد انتهاء الموجة الحارة    أزمة نفسية تدفع فتاة لإنهاء حياتها بحبة الغلة في العياط    الاَن.. رابط تقليل الاغتراب 2025 لطلاب تنسيق المرحلة الأولى والثانية (الشروط وطرق التحويل بين الكليات)    باريس سان جيرمان بطلًا ل كأس السوبر الأوروبي على حساب توتنهام بركلات الترجيح    بعد إحالة بدرية طلبة للتحقيق.. ماجدة موريس تطالب بلجنة قانونية داخل «المهن التمثيلية» لضبط الفن المصري    موعد مباراة مصر والسنغال والقنوات الناقلة مباشر في بطولة أفريقيا لكرة السلة    في ميزان حسنات الدكتور علي المصيلحي    «زيزو اللي بدأ.. وجمهور الزمالك مخرجش عن النص».. تعليق ناري من جمال عبد الحميد على الهتافات ضد نجم الأهلي    الصين تفتتح أول مستشفى بالذكاء الاصطناعي.. هل سينتهي دور الأطباء؟ (جمال شعبان يجيب)    العدوى قد تبدأ بحُمى وصداع.. أسباب وأعراض «الليستيريا» بعد وفاة شخصين وإصابة 21 في فرنسا    توب وشنطة يد ب"نص مليون جنيه"، سعر إطلالة إليسا الخيالية بمطار القاهرة قبل حفل الساحل (صور)    أصيب بغيبوبة سكر.. وفاة شخص أثناء رقصه داخل حفل زفاف عروسين في قنا    كمال درويش: لست الرئيس الأفضل في تاريخ الزمالك.. وكنت أول متخصص يقود النادي    لحق بوالده، وفاة نجل مدير مكتب الأمن الصناعي بالعدوة في حادث صحراوي المنيا    بالقليوبية| سقوط المعلمة «صباح» في فخ «الآيس»    بأكياس الدقيق، إسرائيليون يقتحمون مطار بن جوريون لوقف حرب غزة (فيديو)    "سيدير مباراة فاركو".. أرقام الأهلي في حضور الصافرة التحكيمية لمحمد معروف    كواليس تواصل جهاز منتخب مصر الفني مع إمام عاشور    انطلاق بطولتي العالم للشباب والعربية الأولى للخماسي الحديث من الإسكندرية    تفاصيل استقبال وكيل صحة الدقهلية لأعضاء وحدة الحد من القيصريات    وداعًا لرسوم ال 1%.. «فودافون كاش» تخفض وتثبت رسوم السحب النقدي    بدائل الإيجار القديم.. فرصة ذهبية قبل الطرد و90 يومًا فاصلة أمام المستأجرين    سعد لمجرد يحيي حفلًا ضخمًا في عمان بعد غياب 10 سنوات    تحذير بسبب إهمال صحتك.. حظ برج الدلو اليوم 14 أغسطس    محافظ قنا ووزير البترول يبحثان فرص الاستثمار التعديني بالمحافظة    محافظ الغربية يعلن حصول مركز طب أسرة شوبر على شهادة «جهار»    الجامعة البريطانية في مصر تستقبل الملحق الثقافي والأكاديمي بالسفارة الليبية لتعزيز التعاون المشترك    رئيس الأركان الإسرائيلي: اغتلنا 240 من عناصر حزب الله منذ وقف إطلاق النار مع لبنان    شيخ الأزهر يدعو لوضع استراتيجية تعليمية لرفع وعي الشعوب بالقضية الفلسطينية    المركز الإفريقي لخدمات صحة المرأة يحتفل باليوم العالمي للعمل الإنساني تحت شعار "صوت الإنسانية"    البحيرة: ضبط المتهمين بقتل شخصين أخذا بالثأر في الدلنجات    تحديد هوية المتهمين بمضايقة فتاة على طريق الواحات.. ومأمورية خاصة لضبطهم (تفاصيل)    انتهاء تصوير «السادة الأفاضل» تمهيدًا لطرحه في دور العرض    في ذكراها ال12 .. "الإخوان": أصحاب رابعة العزة، "قدّموا التضحيات رخيصة؛ حسبةً لله وابتغاء مرضاته وحفاظًا على أوطانهم    تداول طلب منسوب ل برلمانية بقنا بترخيص ملهى ليلي.. والنائبة تنفي    حنان شومان: "كتالوج تناول نادر لفقد الزوج زوجته.. وأجاد في التعبير عن مشاعر دقيقة"    أحمد صبور: تحديات متعددة تواجه السوق العقارية.. ومصر قادرة على جذب الاستثمارات الأجنبية    ما قبل مجازر (الفض).. شهادات لأحياء عن "مبادرة" محمد حسان والمصالحة مع "الإخوان"    ما حكم من يحث غيره على الصلاة ولا يصلي؟.. أمين الفتوى يجيب    خالد الجندي يوضح أنواع الغيب    خالد الجندي ل المشايخ والدعاة: لا تعقِّدوا الناس من الدين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



احتلال أفغانستان : بداية ثمنه أفغانيا،ونهايته باكستانيا
نشر في المصريون يوم 01 - 12 - 2009

الاحتلالان السوفياتي لأفغانستان في الثمانينيات من القرن الماضي والغربي وتحديدا الأميركي في القرن الحالي أثبتا حقيقة واضحة لا لُبس فيها وذلك في البدايات والنهايات ، وهي أن بداية ضحية أي احتلال أجنبي لأفغانستان يكون بلاد الأفغان من حيث يصبحوا ساحة للمعركة .. أما نهايته فتكون الضحية الجارة باكستان، تلك حقيقة جغرااستراتيجية ناصعة، ربما ستدرس لاحقا في كليات العلوم السياسية والاقتصادية والعسكرية، فالتداخل الجيوستراتيجي بين البلدين عميقا وواسعا، ليصدق هنا قول الشاعر الإسلامي محمد إقبال " إن آسيا جسد من طين وماء، و أفغانستان قلبه، وبصلاح القلب، تصلح آسيا كلها، وبفساده، فساد آسيا كلها .." ...
في عز تعامل الرئيس الباكستاني الأسبق الجنرال ضياء الحق مع الأميركيين والغربيين مع المجاهدين الأفغان إبان حرب السوفييت كان يكرر على مسامع من يلتقيه المثل الباكستاني المعروف:" إن تعاملنا مع الأميركيين في أفغانستان كتاجر الفحم فهو لا ينال من تجارته إلاّ سواد الوجه واليدين .."
يوم وطأت سنابك الاحتلال السوفياتي أفغانستان، كانت باكستان على موعد مع القدر الذي رفع شأنها على الساحة العالمية من خلال بروزها كقوة مؤثرة في أهم حدث عالمي صنع عالم ما بعد الحرب الباردة، وكذلك صنعها ووضعها على الساحة العربية والإسلامية بوقوفها إلى جانب شعب أفغاني مظلوم أُعتدي عليه من قبل قوة شيوعية ملحدة، وبالتالي فالكثير من العرب والمسلمين سمعوا بباكستان وعرفوا مدنها وقراها وشعبها وتاريخها من خلال البوابة الأفغانية ...
دعم الباكستانيون الحرب الأفغانية وفتحوا أبوابهم وبيوتهم للشعب الأفغاني المهاجر، فكانت أكبر هجرة في تاريخ الهجرات العالمية بالعصر الحديث، ولم يُحرم المهاجرون الأفغان من أي عمل أو وظيفة كما حصل لأقرانهم في إيران، وإنما فُتحت لهم كل الأبواب، أما على الصعيد العسكري والسياسي فقد قدمت باكستان كل أنواع وأشكال الدعم، وكان طموح الرئيس الباكستاني الأسبق الجنرال ضياء الحق هو كونفدرالية أفغانية باكستانية لمواجهة الهند والبروز كقوة اقليمية كبرى في المنطقة، لكن عاجله القدر قبل أن يكحل عيناه بالانسحاب السوفياتي لأفغانستان ثم اقتتال فصائل المجاهدين الأفغان فيما بينهم ...
ما إن أحس الأميركيون بدنو أجل الرحيل السوفياتي من أفغانستان حتى استعدوا هم للتخلي عن المنطقة والتخلي عن باكستان أيضا، وبالفعل وقعت واقعة تفجير مخزن أوجري للسلاح الذي كان مرصودا لحرب المجاهدين الأفغان ضد السوفييت والشيوعيين في راولبندي قرب إسلام آباد بشكل غامض وهو ما أشار بأصابع الاتهام إلى الأميركيين كونهم يريدون خنق الخيار العسكري لدى المجاهدين وفرض الخيار السلمي التفاوضي في جنيف عليهم حتى لا يستفرد المجاهدون الرافضين للخيار التفاوضي السلمي يستفردوا بالنصر لوحدهم ، وإنما يرغموا على حكومة ذات قاعدة عريضة يشترك فيها الجميع ويستطيعون من خلال عناصرها التأثير على قراراتها ...
كان موقف الجنرال ضياء الحق واضحا إذ رفض اتفاقيات جنيف وأقال رئيس وزرائه آنئذ محمد خان جونيجو المقرب من الأميركيين والذي خالفه ووقع الاتفاقية رغما عنه، واصل المجاهدون الأفغان حربهم بظهر مكشوف من أميركا والغرب، وبضغوط الأخيرين على ضياء الحق، ليُقتل بعدها في تحطم طائرته العسكرية وفي ظروف غامضة مع عدد من كبار ضباطه، وبالتالي تكون باكستان قد بدأت تتلقى سندان الضربات الأميركية على غرار جزاء سنمار المعروف..
على الفور بدأت الولايات المتحدة الأميركية بالتضييق على باكستان من خلال العقوبات العسكرية على الجيش أو ما عُرف بقانون " بريسلر" الذي وضعه هذا المشرع الأميركي المحسوب على اللوبي الهندي في واشنطن ، بمعنى تم توقيف التدريبات المشتركة وبيع قطع غيار للجيش الباكستاني علما أن معظم السلاح الباكستاني أميركي ، وتم توقيف صفقة طائرات إف 16 الأميركية التي دفعت باكستان ثمنها، وبالتالي لم تُعدْ أميركا الأموال الباكستانية ولا هي سلمتها الطائرات ...
دفعت باكستان ثمنا باهظا بالتخلي الأميركي عنها وهي التي لم تبن علاقات دولية حقيقي مع غيرها ، وهي التي تتسلم مساعداتها من خلال البوابة الأميركية، لكن بالمقابل كانت تلك سنوات مهمة لباكستان ظهرت قيمتها لاحقا إن كان على صعيد تمتين العلاقات مع الجارة الصين وبرز ذلك من خلال تصنيع طائرات مشتركة وأسلحة ثقيلة للتعويض عن الأميركية، أو على صعيد البحث عن بدائل غير أميركية، أو على مستوى بروز جيل عسكري من الضباط الباكستانيين الذين لم يحتكوا مع نظرائهم الأميركيين بخلاف سلفهم الضباط السابقين الذين تقاعدوا وهو ما خلق لدى الجيل الجديد نقمة غير عادية وشعورا بالإحباط لا يمكن تجاوزه تجاه أميركا وسياساتها،ويعتقد الكثيرون أنه لولا تلك القطيعة بين الطرفين لما تجرأت ربما باكستان على تفجيراتها النووية عام 1998 التي جاءت ردا على التفجيرات النووية الهندية ...
نأتي إلى ما يحصل اليوم في الملف الأفغاني والحرب الأجنبية الثانية في غضون عقود على الأرض الأفغانية بقيادة حلفاء الأمس للأفغان وهم الغربيون والأميركيون تحديدا ضد أبناء حلفاء الأمس من الأفغان والمقصود بهم بعض فصائل المجاهدين الذين حاربوا السوفييت بالأمس و يصطفون اليوم إلى جانب أميركا ضد أبنائهم الطالبان وعلى رأسهم جماعة برهان الدين رباني وعبد رب الرسول سياف وجماعة أحمد شاه مسعود وغيرهم، نأتي إلى هذه الحرب لنجد أن البداية بالفعل كان مسرحها أفغانستان وقدمت أكثر من مائة ألف قتيل مدني وخراب ودمار لم تشهده ولكن حين نصل إلى المآل نرى أن باكستان دفعت وستدفع الثمن الباهظ بوقوفها مع أميركا والغرب في هذه الحرب مصداقا لقول الرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكون من الخطير أن تكون عدوا لأميركا لكن الأخطر أن تكون صديقا لها وهو ما ينطبق تمام على الحالة الباكستانية، ونسعى هنا حصر أوجه الثمن الذي دفعته وتدفعه باكستان منذ تحالفها مع الأميركيين في الحرب على أفغانستان :
1. على مستوى المؤسسة العسكرية والأمنية الباكستانية كانت نظرة الشعب الباكستاني بكافة أطيافه تقريبا نظرة احترام وثقة بها على أنها الضامن الوحيد لبقاء ووحدة باكستان، لكن مع حصول التحالف الأميركي في الحرب على القاعدة وطالبان، والاعتداء على المسجد الأحمر حصل شرخ وانشقاق خطير بين هذه المؤسسة والمؤسسة الدينية الحنفية الديوبندية التي تشكل الحمض النووي الباكستاني والمتحالفة مع المؤسسة العسكرية منذ الاستقلال، وبالتالي ظهرت الجماعات المسلحة المستعدة لقتال الجيش الباكستاني بعد أن دخل المحرم القبائلي الذي حرّمه عليه حتى مؤسس باكستان محمد علي جناح لإداركه حساسية القبائل إزاء الوجود الأجنبي حتى ولو كان باكستانيا...فظهرت العمليات الانتحارية وتم توريط الجيش والمؤسسة الأمنية في حروب لا نهاية لها وغرقت في وحول حرب أهلية وحرب عصابات لا نهاية لها في الأفق على ما يبدو بعد أن خرجت جماعات مسلحة ليس على مستوى مناطق القبائل والبشتون فقط وإنما جماعات مسلحة عنيفة في اقليم البنجاب قلب باكستان ومعقل المؤسسة العسكرية الذي يفرز أكثر من سبعين بالمئة من موارده البشرية لها ...
2. على المستوى الاقتصادي غدا اقتصاد باكستان " اقتصاد إرهاب" فربط تماما بالحرب على ما يوصف بالإرهاب، ولم يعد هناك اقتصاد حقيقي مبني على واقع استثماري وواقع تجاري وبكافة المناحي وإنما بقدر ما تقتل من شعبك بقتل ما تقبض، ولذا أتذكر تماما ما قاله وزير مالي باكستاني سابق حين قال لي إننا تلقينا ستة مليارات دولار حتى ذلك الحين من أميركا بينما خسارتنا تتعدى التسعة مليارات دولار، في حين دولة مثل تركيا رفضت تأجير قاعدة أنجليرك لضرب العراق مقابل 26 مليار دولار أيام الحرب الأميركية الأخيرة على العراق، بينما يمنن الأميركيون الباكستانيين ببضع مليارات دولار وهم الذين استأجروا بلدا بسمائه وأرضه وبعض أجهزته الأمنية بما يصفه البعض بحبات فستق كما كان يقول الرئيس الباكستاني آنئذ ضياء الحق على مساعدات ريغان لباكستان كون الأخير كان تاجر فستق ، ولتبديد المخاوف الباكستانية سعت الإدارة الأميركية إلى تقديم مساعدات مالية تقدر بمليار ونصف المليار دولا سنويا وعلى مدى خمس سنوات كالتزام بعيد المدى، لكن هذا الدعم أثار قلق وشك الباكستانيين أكثر من السابق إذ تم ربطه بشروط تمس الأمن القومي الباكستاني وهو ما أثار حفيظة المؤسستين الأمنية والعسكرية هنا تجاه قانون ما عُرف ب " كيري لوجر بيل" نسبة إلى المشرعين الأميركيين الذين اجترحاه ومرة أخرى وعلى غرار ما حصل لقانون بريسلر بعد الانسحاب السوفياتي من أفغانستان يُتهم اللوبي الهندي بالوقوف خلف القانون الجديد ..
3. الرصيد النووي الباكستاني كما يُعرف هنا، أو المنشآت النووية الباكستانية كما ينعته الباكستانيون أصبحت تحت تهديد شركات البلاك ووتر وشركات الحماية الدولية ويتصاعد الخوف من سيطرة هذه الشركات عليها بعد زرع الفوضى في البلاد، فقد وصل الأمر إلى بحثه في البرلمان الباكستاني وصرح رئيس لجنة حقوق الانسان في البرلمان الباكستاني جاويد هاشمي أن شركات الحماية الدولية ومنها البلاك ووتر اشترت أراض شاسعة حول إسلام آباد لمحاصرة المنشآت النووية، وهو ما يتقاطع برأي الخبراء الباكستانيين مع استئجار الأميركيين لمئات البيوت في إسلام آباد وذلك من أجل الانقضاض على كل ما يتصل بالمفاعل النووي في حال حصول فوضى أمنية في البلد، هذه الفوضى التي بدأت ملامحها باستهدافات أسواق مدنية ترفض طالبان والقاعدة مسؤوليتها عنها ..
4. الفوضى الأمنية المقصود بها هي التي تكون عاقبتها الاستيلاء على السلاح النووي في حال رحيل القوات الغربية عن أفغانستان وبالتالي تحييده في المواجهة الهندية الباكستانية المقبلة وهو ما يقلق الهند، وعلى ذكر الفوضى الأمنية فإن التفجيرات التي استهدفت مدنيين في الجامعة الإسلامية وأسواقا في بيشاور وفي تشارصده قرب بيشاور كلها حين تلتقي بالناس العاديين في الشوارع لا يترددون في اتهام شركات البلاك ووتر في الوقوف خلفها سيما مع نفي حركة طالبان الباكستانية أي مسؤولية لها عن هذه الهجمات وحملت بالمقابل شركات البلاك ووتر الأميركية مسؤولية قتل الأبرياء بهدف خلق فوضى تتيح وتبرر لهم السيطرة على المنشآت النووية، بالإضافة إلى الهدف الثاني وهو تشويه سمعة حركة طالبان في أعين الناس ، وكان مسؤول تنظيم القاعدة في أفغانستان مصطفى أبو اليزيد أصدر شريطا اتهم فيه شركات البلاك ووتر بالوقوف خلف هذه الهجمات التي تستهدف المدنيين، خصوصا مع نشر صحف باكستانية عن وجود أجانب مشبوهين بعد تفجيرات بيشاور تم نقلهم بسيارة تحمل لوحة الأمم المتحدة إلى القنصلية الأميركية ببيشاور..
5. من أكثر التداعيات الخطيرة على الحرب الأميركية والغربية على أفغانستان والتحالف الباكستاني هو التغير الواقعي الذي حصل على العقيدة العسكرية الباكستانية بنقلها من كون الهند عدوا تاريخيا وتقليديا بالنسبة للمؤسسة العسكرية إلى مقاتلة الجيش للمسلحين في وزيرستان والمتمردين في بلوشستان وبالتالي حصول انقسام أو تحول في العقيدة العسكرية سُيضعف الموقف الباكستاني في أي مواجهة مع الهند سيما في ظل عدم تسوية الخلاف التاريخي في كشمير، وقد عزز ذلك تصريحات وتأكيدات المسؤولين السياسيين والعسكريين من أن الخطر الداخلي والتهديد الذاتي الداخلي القادم من المسلحين أشد وأكثر تهديدا من التهديد الخارجي الهندي، فاستفاقت بالتالي باكستان على عدد من القنصليات الهندية على حدودها والتي باتت تتهمها بتجنيد العملاء الناشطين في إضعاف باكستان، وهو بنظر الكثير من المحللين الباكستانيين وحتى المسؤولين ما كان له أن يحصل لولا التنسيق والحماية الأميركية والغربية للهند..
6. تعزيز الوجود الأميركي في باكستان من خلال شركات الحماية الدولية وتوسيع السفارة الأميركية التي تقدر التوسعة ب 1.5 مليار دولار يعني أن باكستان في دائرة الخطر وربما هذا سيقلق دولا مجاورة لباكستان عن إمكانية أن تلعب هذه السفارة دورا أكبر من مستوى إدارتها لباكستان، فقد تعلمنا أنه حين تتدهور الأوضاع الأمنية في أي دولة تسحب الدول سفاراتها وتقلص العاملين فيها لكن في باكستان حصل العكس، ولنتخيل لو أن باكستان نشرت عشرات إن لم نقل آلاف من عناصر أمنها وحراسة شركاتها الأمنية في واشنطن كيف سيكون عليه الرد الأميركي ..وتزداد الشقة واللاثقة الأميركية الباكستانية مع سحب أميركا لنقاط حمايتها العسكرية على الحدود الباكستانية الأفغانية مع بدء عمليات الجيش على وزيرستان، فالاميركيون يريدون الباكستانيين ان يلعبوا دور السندان حين تبدأ مطرقتهم العسكرية داخل أفغانستان، لكن لا يريدون أن يكون سندان مطرقة الباكستانيين في وزيرستان، وذلك في مخطط عسكري واضح على ما يبدو يهدف إلى تصدير العمليات المسلحة إلى الداخل الباكستان والتخلص من المواجهات التي يخوضونها ضد مقاتلي طالبان والقاعدة في شرق أفغانستان ..
7. الحديث الأميركي غير المباشر عن تقسيم باكستان من خلال ما طرح في الأسواق عن خريطة نشرت في أميركا تقضم بموجبها الاقليم الشمالي الغربي وعاصمته بيشاور أفغانستان، على أن تقضم اقليم بلوشستان إيران، وبالتالي تنكمش فيه باكستان إلى اقليمي السند والبنجاب، ويأتي الإصرار الأميركي على توسيع الهجمات إلى بلوشستان واتهامات أميركية عن وجود قيادات حركة طالبان ومجلس شوراها في مدينة كويتا عاصمة بلوشستان وهو ما يعني زعزعة الوضع هناك سيما مع تردد وجود قيادات متمردة بلوشية إما في أفغانستان الواقعة تحت النفوذ الأميركي حيث توفر القوات الأميركية الحماية لهذه القيادات البلوشية المتمردة، أو قيادات سياسية موجودة في لندن وواشنطن وهو ما يقلق الباكستانيين عن مصير بلدهم كل ذلك يأتي مكافأة لهم على وقوفهم إلى جانب واشنطن في حربها على القاعدة وطالبان..
8. التخبط الأميركي في أفغانستان يقابله قلق وحذر ومخاوف باكستانية خصوصا مع التلميحات الأميركية عن رغبة العسكريين الأميركيين بزيادة عدد القوات في أفغانستان وهو ما سينعكس سلبا على الأمن القومي الباكستاني فقد أثار هذا القلق المسؤولين من ارتفاع وتيرة العنف في افغانستان ليمتد عبر الحدود غير المحددة بوضوح الى باكستان حيث يقاتل جيشها حركة طالبان، وقال مسؤول حكومي باكستاني بارز ل رويترز ان هذه المخاوف أثيرت مؤخرا خلال محادثات جرت في اسلام اباد مع مستشار الامن القومي الامريكي الجنرال جيمس جونز اثناء زيارة قام بها الى هناك وأضاف المسؤول الذي يشارك في وضع السياسة تجاه افغانستان //لدينا مخاوف من أن طالبان ربما تحاول العبور الى باكستان اذا ازداد العنف بعد الانتشار الجديد||
ولا تزال ذاكرة الباكستانيين طرية تجاه الانسحاب والتخلي الأميركي عن المنطقة بعد الانسحاب السوفياتي عام 1989 وهو ما جعل البلاد في فوضى انعكست سلبا على باكستان، وتولت هي تنظيف ما فعله الأميركيون وغيرهم في المنطقة ...
لكن تظل باكستان رغم قطع كثير من علاقاتها وصلاتها مع حركة طالبان الأفغانية تحت الضغط الأميركي، تظل هي القناة الأساسية و الرئيسية لجمع الأميركيين والطالبانيين وإن كان الأخيرون يريدون التزاما واضحا من قبل واشنطن بالانسحاب من بلدهم وهو ما سيضعف على الفور الحكومة الأفغانية الهشة التي تفتقر إلى المصداقية الشعبية فضلا عن الدعم والالتزام الدوليين كما كانت تتمتع به عقب سقوط حركة طالبان الأفغانية.. غير أن الباكستانيين بالتأكيد يرغبون بثمن مقابل هذه المفاوضات والثمن على ما يبدو يتعلق بكشمير أو في أسوء الأحوال فإن مجرد الوساطة الباكستانية بين واشنطن والملا محمد عمر ستقرع الأجراس في نيودلهي حليفة واشنطن، وستعيد باكستان لاعبا مهما لكن هذه المرة سياسيا وليس أمنيا أو عسكريا في القتال وإنما لاعبا سياسيا ووسيطا ليس على مستوى المنطقة وإنما على مستوى العالم ..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.