أصدرت الجبهة الوطنية لنساء مصر، بيانا تحذر فيه مما يدور داخل الجمعية التأسيسية ومحاولات حثيثة للإجهاز علي مكتسبات المرأة المصرية، جاء في البيان: نعلن نحن أعضاء الجبهة الوطنية لنساء مصر عن صدمتنا البالغة فيما يدور في الجمعية التأسيسية لكتابة مشروع الدستور فيما يخص الحقوق والحريات بشكلٍ عام وحقوق المرأة بشكلٍ خاص. ونعلن رفضَنَا التامَ لما يدورُ في هذه الجمعيةِ من إهدارٍ لحقوقِ المرأةِ التي اكتسبتها عبر نضالاتٍ استمرت علي مدار عشرات السنين لتعود بها ألفاً وأربعمائة عامٍ إلي الوراء. إن تشكيلَ الجمعيةِ التأسيسية غيرِ المتوازن وغير الممثلِ لجميع أطياف المجتمع المصري والذي تُمَثلُ فيه المرأةُ بسبع عضواتٍ فقط من جملة مائة عضو، منهم خمس عضوات من تيار الإسلام السياسي، وعضوتان فقط من التيار المدني، فضلاً عن التشكيل الكلي نفسه للجمعية والذي يعطي الغلبة لتيار الإسلام السياسي لهو تشكيلٌ مخلٌ يضرب أسسَ الديمقراطية المتعارف عليها في مقتل، وينبئ بدستور تغلب عليه صبغةٌ واحدةٌ هي صبغةُ تيارِ الإسلامِ السياسي. وليت الأمرَ قد وقفَ عندَ غلبةِ تيارِ الإسلامِ السياسي في الجمعية التأسيسية، ولكن تجاوزه لمناقشات ونوايا رجعيةٍ متخلفةٍ لهذا التيار فيما يخص حقوقَ المرأةِ من مثل الاتجار بالنساء والاتجار بالبشر ومدي تماشي ذلك مع الشريعةِ من عدمه. فهل هناك عاقل في هذا الكون مازال يناقش إن كان الاتجارُ بالبشر أو الاتجارُ بالنساءِ والأطفالِ مباحاً أم لا باسم الشريعة؟!! وإن كانت هذه هي شريعتهم فماذا هم فاعلون بالمرأة وحقوقها عندما قيدوا نصَ حقوقِ المرأةِ في الدستور بأحكامِ الشريعةِ الإسلامية؟ إن عقولاً مثل هذه العقول لن نتعجب مطلقا من أنها ستحلل وتبيح إقامةَ سوقٍ للرقيقِ والجواري باسم “الشريعة الإسلامية” والإسلامُ منهم براءٌ، فلقد أثبتت كل فتاويهم وأحاديثهم سواءً في مجلسِ الشعبِ السابقِ أو في تأسيسيةِ الدستور أو في وسائلِ الإعلام قراءَتَهم المتخلفةَ للشريعةِ الإسلاميةِ وهيمنةِ الأفكارِ الجنسيةِ الصرفةِ علي أحكامهم وفتاويهم الخاصة بالمرأة. كما لن نتعجب مطلقا من صدورِ فتوي تقضي بتحريم عملِ المرأةٍ نظراً لمخالطتها للرجال في العمل، حيث تم أيضا إلغاءُ النصِ المقترح في مادة الحقِ في العمل والتي تقضي بعدم التمييز في العمل علي أسسٍ عديدة منها علي أساس الجنس. بل وصل الأمر لاعتراض العضواتِ المحترمات من تيار الإسلام السياسي علي إحدي العباراتِ المقترحةِ في نص حقوقِ المرأة والتي تنص علي القضاء علي كل أشكال العنف ضد المرأة علي اعتبار أن العنفَ الأسري لا يعد من أشكال العنف ضد المرأة وقد تم إلغاءُ هذه العبارة بالفعل من النص المقترح. كذلك فإن مكتسبات المرأة في مجال الحقوق السياسية والتي اكتسبتها عبر نضالات عشرات السنين قد ضُرِبَت في مقتلٍ بإلغاءِ النص الدستوري (المادة 62 من دستور 1971 المعدل) الذي يجيز للقانون أن يشترطَ عدداً معيناً من المقاعدِ للمرأةِ في المجلسين (الشعب والشوري)، وكان هذا الإلغاءُ بناءً علي رغبةِ تيارِ الإسلامِ السياسي وخاصةً النساء منهم تحت دعوي أنه لن يكون هناك تمييزٌ إيجابي لأي فئة من الفئات في الدستور. والحقيقة أن ذلك ينم عن جهلٍ عميقٍ لأعضاءِ الجمعيةِ التأسيسيةِ فيما يتناقشون حوله. فلا تُعدّ من باب الإجراءات التمييزية كل التدابير التشريعية والتنفيذية وغيرها من الوسائل التي تُتْخَذ بشكلٍ مؤقتٍ لتدعيمِ وحمايةِ حقوقِ الفئاتِ المهمشة بشكلٍ عام، بل يضمن ذلك تحقيق المساواة الفعلية الكاملة وكفالة إدماج كل إنسانٍ في المجتمع دون إقصاءٍ أو تهميش. وفضلاً عن ذلك فإن الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور قد تجاهلت كل مقترحات المنظمات النسوية ومقترحات المجلس القومي لحقوق المرأة ومقترحات الأحزاب السياسية والقوي الثورية. بل لم تشارك أي من ممثلاتِ هذه المنظمات ولا المجلسُ القومي للمرأة ولا أي من الخبراءِ في مجالِ حقوقِ الإنسانِ في عملِ اللجانِ النوعيةِ “كخبراء” للنقاش حول المواد التي يطرحونها أو المواد محل الاهتمام – فيما عدا لجنة الحوارات والتي ليس دور في النقاش بل تقوم فقط بالاستماع. الأمرُ الأكثرُ فداحةً أن هناك عضواتٍ من تيارِ الإسلامِ السياسي في التأسيسيةِ قد عبرن عن النية في تغيير كافة قوانين الأحوال الشخصية ليقمن أيضاً بنزعِ الحقوقِ التي اكتسبتها المرأةُ في هذه القوانين. بل إنهن لا يعترفن بالمواثيقِ الدوليةِ لحقوقِ الإنسانِ وخاصةً الاتفاقياتِ الخاصةَ بحقوقِ المرأةِ وعلي رأسها اتفاقية السيداو والتي يرون أنها تؤدي إلي تفككِ الأسرةِ المصرية وأنها ضد الشريعة الإسلامية. وما حدث في مجلس حقوق الإنسان سيتكرر أيضا في الفترة القادمة في مجلس حقوق المرأة من حله وإعادة تشكيله من جديد، لنجد أن من يؤمن بالاتجار بالنساء وبالعنف ضد المرأة عضوات في هذا المجلس. والجبهةُ الوطنيةُ للمرأةِ المصريةِ تتساءل عن الكيفيةٍ والمعايير التي تم بها اختيارُ مثل هؤلاء الأعضاء وخاصة عضوات تيار الإسلام السياسي ليكونوا من ضمن من يكتبون دستور مصر ما بعد الثورة واللائي لا يعبرن عن حقوق المرأة بل هم يقفون ضد حقوق المرأة. إن كل ما سبق يدل بلا أدني شكٍ أن هؤلاء الأعضاء والعضوات غير مؤهلين بالمرة لأن يكونوا أعضاءً في الجمعية التأسيسية للدستور ولا في أي شيء أخر له علاقة بالحقوق والحريات. بل إن تصريحات ومناقشات بعضهم في هذه الجمعية وغيرها مثل مناقشتهم حول شرعية أم عدم شرعية تجريم الرق والعبودية في القرن الحادي والعشرين لهو كفيلٌ بتقديمهم للمحاكمة وليس فقط لعدم أهليتهم لكتابة دستور دولة مصر العظيمة. وبناءً علي ما سبق، فإن الجبهة الوطنية لنساء مصر تعلن رفضها التام لمشروع المادة التي تم النص عليها والخاصة بحقوق المرأة في لجنة الحقوق والحريات، ورفضها لإلغاء النص الذي يجيز للقانون اشتراط عددٍ من المقاعد للمرأة في المجالس التشريعية، وتؤكد أن اعتراض أعضاءِ تيار الإسلام السياسي علي مادة تجريم الرق والعبودية والاتجار بالبشر والنساء والأطفال لهو جُرمٌ في حق الإنسانية ووصمةُ عارٍ في جبين هذه الجمعية وفي جبين مصر. . ولذلك، فإن الجبهةَ الوطنيةَ لنساءِ مصر تطالب بحل الجمعية التأسيسية للدستور وإعادة تشكيلها لكي تكون الجمعيةُ الجديدةُ معبرةً عن كل فئاتِ المجتمعِ المصري، وأن يكون أعضاؤها مؤهلين علمياً وثقافياً لكتابةِ الدستور. وتعلن الجبهة عن أنه إذا لم تتم الاستجابةُ لمطلبها فإنها ستقوم بشنِ حملةٍ واسعةٍ ضدَ الجمعيةِ التأسيسيةِ وموادها الرجعية المتخلفة التي تعيد مصر 1400 عام للوراء وذلك علي المستوي المحلي والدولي.