يكرس للتفرقة بين التلاميذ ويضرب فكرة المواطنة في مقتل أجمع خبراء واختصاصيون في مجال التربية والفكر الديني أن مناهج التعليم الإسلامي والمسيحي تحتاج إلي تجديد لأنها في وضعها الحالي تكرس لحالة من التفرقة بين التلاميذ في المدارس بما يضرب فكرة المواطنة من أساسها. وقال المفكر جمال البنا: إن التعليم الأزهري يستلزم أراء السلف التي وضعوها منذ مئات السنين في وقت لم يكن العالم الإسلامي في حاجة إلي المواطنة بقدر ما كان يردد كلمات دار الحرب ودار السلام والإسلام والكفر وبالتالي لم تكن كلمة المواطنة توضع من الأساس في الحسبان، ولهذا فأفكار السلف هذه تعتمد بالدرجة الأولي علي أوضاع انتهت لا تناسب حياتنا اليوم، وتتنافي مع فكرة المواطنة، وذكر البنا أن التعليم الأزهري يحتاج إلي تجديد ما يقدمه من فكر ديني حتي لا يستمر سوء فهم الدين الذي يؤدي إلي ما نراه الآن من فرقة في المجتمع المصري، وأشار البنا إلي أن الأزهر يعجز عن القيام بذلك لأنه رمز للفكر السلفي. الحدود بين الأديان من جهته يري الدكتور نبيل عبدالفتاح رئيس تحرير تقرير الحالة الدينية في مصر أن التعليم الديني دائما يميل إلي إعادة إنتاج الحدود بين دين ما وقيمه وأصوله وعقائده وغيره من الأديان الأخري، وبالتالي يكرس إعادة إنتاج «الحدود» بين الأديان، هذه الحدود تميز قيمه وعقائده عن غيرها في الأديان الأخري وهو ما ينعكس بالسلب علي المجتمع وذكر أن مشكلة المناهج الدينية في مصر أنها لا تعتمد علي الاجتهاد أو التجديد سواء حول فكرة المواطنة أو المساواة وحرية العقيدة، فالإسلام لا يقف في مواجهة الدولة الحديثة ولا يتناقض مع حرية المواطنة ولكن بعض الغلاة من رجال الدين قد يتخذون مواقف متشددة مثلا انطلاقا من نموذج «عقد الذمة التاريخي» وهذا الفهم الفقهي الوضعي أصبح لا يتناسب مع مفهوم «المواطنة المعاصرة» لذا دعا نبيل إلي نقده من قبل علماء الأزهر واستبعاده من مناهج التعليم الأزهري وشدد عبدالفتاح علي ضرورة تحديث التعليم الديني في مصر ليكون أداة من أدوات التغيير في مواجهة التشدد الوهابي. التعليم الأزهري حسب عبدالفتاح يخلق فجوات يتسلل منها المتشددون والمتعصبون دينيا بما يحمله من مناهج تلقينية ينتج ذهنية قائمة علي الحفظ والتكرار ولا تؤمن باختلاف وتعدد المناهج. أما المواطنة فهي جزء من بنية الدولة الحديثة وعلي الدولة وأجهزتها التغيير في بناء تعليمها لتحافظ علي المواطنة خاصة أن استبعاد المكون الديني من حياة المصريين يستحيل لهذا فعلي الأقل يتم تطويره. المذهب الأشعري ويري د. محمود إسماعيل - أستاذ الدراسات الإسلامية - أن مهمة الأزهر تدريس العلوم الدينية في المقام الأول وقد اختلف الموقف فيه منذ إدخال العلوم الدنيوية وحذر إسماعيل من المذهب السني الأشعري والذي يؤخذ به في التعليم الأزهري لأنه سياسي سلطوي يبرر الحكم للطغاة ويحد من استخدام العقل ويميل للدعوة السلفية وبالتالي يبتعد عن طرح فكرة المواطنة علي الطلاب، ويضيف إسماعيل أن فكرة شيخ الأزهر أحمد الطيب في طرح «الإسلام الوسطي» هي أيضا فكرة غير عملية لأن الوسطية بها جزء أيضا من المذهب الأشعري، والذي يؤمن بالعقل ويفتقد الاجتهاد كلية فمثلا يحرم الدخان وزيارة الأولياء ويهتم بتفاهات الأشياء لا تمس العقيدة في شيء. وطالب إسماعيل باللجوء إلي المذهب العقلاني الذي اعتمد عليه الإمام محمد عبده، أما عن المواطنة فلا جدال أن التعليم الأزهري لا يبثها ولا يهتم بها فليس هناك علم يتحدث عن المواطنة فقط حديث عن أن الإسلام دار إيمان يتميز عن دار «الكفر» وذكر أن الأزهر تحول لمؤسسة كهنوتية هدفها الأول تطويع رقاب الشعب لخدمة الحكام. الإعداد للمواطنة هدف التعليم وقال الدكتور كمال مغيث - الأستاذ بمركز البحوث التربوية: إن المواطنة مشكوك فيها في مدارس التعليم الحكومي نتيجة هيمنة وسيطرة تيار ديني متطرف علي التعليم كما أنها تغيب عن نظام التعليم الأزهري الذي تعود مفاهيم كتب الفقه فيه إلي مئات السنين قبل ظهور الفكر المدني من الأصل، فضلا عن أن التوجه الإسلامي لا يولي أي أهمية لبعد المواطنة للطلاب من ناحية أخري، ويضيف د. كمال أن فكرة قصر التعليم الأزهري علي المسلمين خلال مراحل التعليم المختلفة وحتي الجامعة دون رؤية طالب قبطي واحد يعتبر فكرة سيئة وتنعكس بطريقة سلبية علي المواطن. وخاصة أن كل نظم التعليم في العالم استقرت علي أن الإعداد للمواطنة في مقدمة أهداف ووظائف المدرسة الوطنية لأن كل الوظائف الأخري من الممكن أن تؤديها مؤسسات أخري فالتثقيف قد يمكن أن تؤديه الأسرة والمشاركة تؤديها الأحزاب أما المواطنة فالتعليم هو المسئول الأول عن زرعها في النفوس. وذكر مغيث أن الدول الكبري وصلت إلي أن تجعل التلميذ يحصل علي مواد تؤهله لأن يكون مواطنا صالحا في بلده يحمل هويتها سواء كانت أمريكية أو إنجليزية أو يابانية وهنا يجتمع الأمريكي وصاحب الأصول الزنجية والشرقية علي منهج واحد لهدف واحد. أما عن مصر فيشير مغيث إلي أن الأنساق التعليمية مختلفة في الأساس ولا يربطها أي رابط فهناك نسق أزهري وآخر حكومي وثالث أجنبي وكل نوع أو نسق له أهدافه ومثله العليا وتوجهاته وقيمه المختلفة عن الآخر مما يعد نماذج بشرية مختلفة تؤثر بالسلب علي المجتمع المصري وتشوهه. التيار الوهابي في الأزهر ويقول د. محمد سكران - أستاذ أصول التربية بجامعة الفيوم ورئيس رابطة التربية الحديثة: إنه من المستقر تاريخيا أن التعليم الأزهري هدفه الأساسي هو الحفاظ علي الثقافة العربية والإسلامية بل التخصص فيها بحيث يتوفر في خريجيه التمكن من العلوم العربية والإسلامية إلي جانب العلوم الحديثة التي تم إدخالها له في أوائل الستينيات، وكانت السمة الأساسية له تعليما يتسم بالوسطية والاعتدال ماعدا في فترات اتسم فيها بالجمود وابتداء من عقد السبعينيات القرن الماضي وما حدث من الهجرة الكبري لدول الخليج والإقبال الشديد من قبل مدرسي الأزهر للعمل في هذه الدول حيث التعايش مع هذه الحياة بكل تقاليدها وجمودها الفكري والتشبه بهم في المأكل والمشرب والعادات واعتناق أفكار وأصول المذهب الوهابي المتشدد وكل الفتاوي المبكية والمضحكة أثر علي نسق التعليم والفكر المطروح في المجتمع، فقام هؤلاء بنشر أفكارهم وتدريس مؤلفاتهم في الأزهر. وقال الدكتور محمد منير مجاهد لابد من وقف عملية ضد حشو المناهج الدراسية بنصوص دينية إسلامية، فالنصوص الدينية (إسلامية أو غيرها) يجب أن يكون مكانها حصة الدين فقط، يكون هدفها تعريف الطالب بدينه وأحكامه ومناسكه، أما تسربها إلي المناهج الأخري فلا يفيد العملية التعليمية بل يعطي إشارات بدونية المعتقدات الأخري، حيث يختلف تأثير المواد الدينية الواردة في الصحافة عن تلك الواردة في المقررات الدراسية الموجهة لعموم الطلاب، فيمكن لقارئ الصحيفة ألا يقرأ الموضوع، أو أن يرسل احتجاجاً للقائمين عليه، أما في حالة المقررات الدراسية فالأمر مختلف لوجود عنصر الإجبار حيث يعتمد نظام التعليم المصري علي التلقين ويرفض أسلوب المناقشة والجدل والرأي المختلف والتقييم الموضوعي. وذكر «مجاهد» أن حفظ النصوص الدينية لا يمثل مشكلة إذا ما تم بشكل اختياري، ويستطيع أي مصري أيا كانت ديانته أو معتقداته الدينية أن يشتري كتباً دينية إسلامية - بما في ذلك القرآن الكريم، ولكن عنصر الإجبار يمثل نوعاً من القهر يسبب ضررا لكل من الطالب المسلم والطالب المسيحي، الأول يشب وقد تيقن عقله بأنه صاحب هذه البلاد وما عداه من كائنات بشرية فبلا حقوق إذا عامَلها بالحسني فهذا من فضله وكرم أخلاقه! وأنه ينتمي لخير أمة أنزلت للعالمين وإن هذا يعطيه حقا إلهيا بالتسيد علي باقي خلق الله، ومن ثم فلا عجب أن نجد الأجيال الجديدة من المسلمين أكثر تعصبا وتطرفا من آبائهم.. أما بالنسبة للطالب المسيحي فإنه يري أن تدريس دينٍ معين خارج المقررات والحصص الخاصة بذاك الدين هو في حد ذاته إجبارٌ كريه أضف لذلك الأسلوب المتعالي المتعجرف الذي لا يري في غير الإسلام مرجعية، وبالتالي يوجه رسالة مباشرة لا لبس فيها بدونية المعتقدات الأخري وهيمنة الإسلام، والنتيجة هي تنامي عزلة شباب الأقباط. وشدد مجاهد علي أن ذلك يعتبر تمييزا ضد الأقباط وضد مبدأ المواطنة بلا جدال، وتخيل نفسك كمسلم وقد أجبر ابنك أو بنتك علي دراسة نصوص دينية مسيحية في المدرسة وعليهم حفظها عن ظهر قلب وإلا رسبوا في الامتحان، هل تقبل هذا؟ أنا شخصيا لا أقبله، وما لا أقبله لنفسي لا أقبله لغيري، فالمواطنة ببساطة تعني المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، وأي تفرقة في التعامل بسبب الدين أو الجنس أو العنصر أو غيرها هي أمر ضد مبدأ المواطنة وهو ما يجعل التعليم تربة خصبة لزرع بذور الفتنة والتطرف الديني، فقد أثبتت الدراسات المقدمة من قبل مجموعة "مصريون ضد التمييز الديني" في مؤتمرها الثاني - الذي استضافه حزب التجمع في إبريل 2009 - تحت عنوان "التعليم والمواطنة" أن نظام التعليم المصري قد أصبح منتجا للتمييز الديني والفرز الطائفي، وقد قدم المؤتمر رؤية للأسباب التي أدت لتغلغل التعصب الديني إلي منظومة التعليم، ولآليات إنتاج التمييز الديني، ومظاهر التمييز الديني في مناهج التعليم، ومناخ التمييز الديني في مؤسسات التعليم. تأسيس للفتنة والتطرف واستشهد مجاهد ببعض النوصوص الدينية التي إحتوتها مناهج التعليم الحكومي مؤكداً أن كل نص ديني يستخدم في غير مكانه يؤسس للفتنة والتطرف وقد وقع في يده مصادفة كتاب "أنت والعلوم" للفصل الدراسي الثاني لتلاميذ الصف الثاني الإعدادي للعام الدراسي 2007/2008، وفي الدرس الأول بعنوان "الفضاء الكوني القريب والبعيد" نجد المؤلفين (ليس بينهم مسيحي واحد) يحشرون دون أي مبرر الآية 16 من سورة الحجر "وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَينَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ" قَدَّرْنَاهُ مَنَ شخصيا علاقتها بالدرس وهي الآيات 7-9 من سورة القيامة "فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ(7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ(8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ(9)"، وهكذا يجري خلط الدين بالعلم دون أي مبرر اللهم إلا قهر غير المسلمين. ويقول مجاهد إن كتاب التربية الدينية الإسلامية للفصل الدراسي الثاني لعام 2008/2009 يتضمن أربع وحدات هي: "عقائد" و"جند الله" و"مهد الإسلام" و"المحافظة علي البيئة"، ولننظر معا في الوحدة الثانية "جند الله" الذين نكتشف دون عناء أنهم الجنود المصريين في حرب 1973 وبالطبع فلا اعتراض علي أن يعرف التلاميذ تاريخهم في مواجهة أطماع الصهيونية ودور هذه الحركة العنصرية في إعاقة تطور أمتنا، ولكن لماذا لا تدرس هذه الوحدة في "التربية الوطنية" أو حتي في اللغة العربية ففي النهاية هذا الصراع حكم مسيرة شعبنا لمدة تزيد علي ستين عاما، ولكن بالطبع لم يتم تناول الأمر بهذه الطريقة فقد لجأ المؤلفون إلي وضع الأمر بشكل ديني فجنودنا هم "جند الله"، والصهاينة هم اليهود، ومن ثم يكون أحد أهداف الدرس الأول كما كتبها المؤلفون هو أنه "يحذر من اليهود وغدرهم". وفي متن الدرس نجد "ولقد نصرنا الله علي اليهود كما نصر الرسول - صلي الله عليه وسلم - عليهم في المدينة"، ويأتي علي لسان الأب "نتعلم منها أن اليهود لا عهد لهم فقد خانوا الله ورسوله"، وتحت عنوان "معلومات وأنشطة إثرائية" توجيه لمدرس الدين "أطلب من تلاميذك استخدام الحاسب الآلي في تجميع الآيات التي تتحدث عن خيانة اليهود"، وفي الدرس الثاني المعنون "الله ينصر المؤمنين" الذي تزور فيه العائلة بقايا مستعمرة ياميت التي دمرتها إسرائيل قبل انسحابها منها ويعلق علي هذا الأب قائلا: "هذا ما يفعله اليهود في كل مكان يتركونه حتي لا يستفيد أهله به تماما كما فعلوا في بيوتهم التي تركها بنو النضير في المدينة" وتحت عنوان "معلومات وأنشطة إثرائية" توجيه لمدرس الدين "كلف بعض تلاميذك بإعداد كلمة للإذاعة المدرسية بعنوان يهود الأمس هم يهود اليوم"، ومنه يتضح أن الأهداف الحقيقية لهذه "الدروس" هي تحويل الصراع العربي الإسرائيلي من صراع بين قوي الاستعمار والصهيونية من ناحية والشعوب العربية وقوي التحرر الوطني من ناحية أخري، إلي صراع مستمر بين المسلمين واليهود منذ أيام الرسول، وهي نفس نظرة بن لادن ومن لف لفه بأن صراعنا حاليا هو مع اليهود والصليبيين. من جهتها قالت الشاعرة «فاطمة ناعوت» إن اعتماد كتب اللغة العربية علي نصوص من القرآن الكريم يعني اعترافاً رسمياً من الحكومة المصرية متمثلة في وزارة التعليم بأن لاثمة دين سوي الإسلام في أرض مصر التي تتعدد فيها الديانات ويمثل فيها المسيحيون 15% من قوام مواطني مصر. ودعت نعوت إلي تدشين مادة الأخلاق كمادة أساسية _ نجاح ورسوب_ علي جميع الطلاب في جميع مراحل التعليم، وتدريس مادة الدين في فصل واحد يشترك فيه المسيحيون والمسلمون في الحضور ليعرف كل منهم دين الآخر فينشأ بشخصية تحترم الدين وتحترم فكرة اختلاف العقائد.