أثار لجوء الدكتور أحمد زكي بدر وزير التربية والتعليم إلي فضيلة مفتي الجمهورية، وبابا الكنيسة الأرثوذكسية، لمراجعة مناهج التربية الدينية الإسلامية والمسيحية الكثير من الجدل، حول مناهج التربية الدينية ومن يحق له اقتراح هذه المناهج أو مراجعتها، هل خبراء التربية أم دار الإفتاء أم مجمع البحوث الإسلامية وكشف هذا عن الخلل في التفكير التربوي حول مستقبل التعليم في مصر، ولماذا تتنازل مؤسسات الدولة في مصر عن اختصاصاتها طواعية للمؤسسة الدينية؟! الأستاذ صلاح عيسي المؤرخ ورئيس تحرير جريدة القاهرة يري أن الأصل في التعليم العام أن يكون تعليماً موحداً لكل الطلبة، ابتداء من الحضانة وحتي الحصول علي شهادة الثانوية العامة، لأن فلسفة التعليم أن يضع ما نسميه وجدان الأمة، بهدف خلق إنتماء وطني عام وتأسيس ثقافة وطنية، ولكن أن يكون هناك في التعليم ما نسميه تعليما مدنيا وتعليما دينيا، وفي التعليم المدني نفسه ازدواجية خطيرة بين التعليم باللغة العربية والتعليم باللغات الأجنبية، وهذا يعد خروجاً علي فلسفة التعليم، ويؤدي إلي أن تنشأ الجماعة الوطنية مفتتة وليس هناك نسق فكري واحد بل تتكون عقليات مختلفة، فالطالب الذي يتلقي تعليماً مدنياً باللغة العربية يختف عن الذي يتلقي تعليماً باللغات، وعن الطالب الذي يتلقي تعليمًآ دينياً ، ويشير صلاح عيسي إلي ضرورة توحيد نظم التعليم في مرحلة النشأة والتكوين ، لأن هذه المرحلة تخلق للمجتمع وشائجه الوطنية والقومية، وتخلق لغة مشتركة لدي جميع أفراد الوطن الواحد. إقحام للأزهر ويؤكد صلاح عيسي أن قرار وزير التعليم قرار خاطئ، فهو تنازل عن اختصاصات وزارته وأقحم الأزهر والبابا في هذا الشأن، وأن الأصل في وضع المناهج يعود للجان المختصة في وزارته، ويجوز له عند الضرورة الاستعانة في هذا الشأن ببعض الأساتذة المتخصصين يجمعون بين الدراسات التربوية والمعرفة الدينية، موضحا أن هذا القرار الخاطئ من الوزير أدي إلي وجود خلاف بين الأزهر ودار الافتاء، ووصل الأمر بالبعض إلي أن طالب بأن يكون مجمع البحوث الإسلامية هو المختص بتعديل المناهج وليس دار الافتاء، مع أنه لا يوجد في قانون الأزهر ما يعطي لمجمع البحوث الإسلامية أي سلطة تتعلق بمناهج التعليم العام، أو حتي بمناهج التعليم في المعاهد الأزهرية نفسها، وأن كل ما يختص به في هذا الشأن هو أن يعاون الأزهر في توجيه الدراسات العليا لدرجتي التخصص والعالمية والإشراف عليها، مشيراً إلي أنه كان هناك صراع بين وزارة التربية والتعليم والأزهر بالنسبة لمدرسي اللغة العربية لأن وزارة التعليم كانت ترفض خريجي اللغة العربية الأزهرية بسبب عدم حصولهم علي مؤهل تربوي، وأن الهدف من التوسع في جامعة الأزهر أساسا كانت فكرة سياسية ولم تكن بهدف التوسع في التعليم الديني، وكانت هذه الفكرة تهدف في الأساس إلي تخرج أطباء ومهندسين إلخ ملمين بعلوم الدين والشريعة بهدف ارسالهم إلي كل الدول الإسلامية للعمل بها، وكذلك اقتحام افريقيا، ولم يكن الهدف هو نشر الإسلام منها فقط، بل كان هدفا سياسيا، لأن المبشرين المسيحيين الذين يبشرون بالمسيحية في الدول الافريقية التي ليس بها ديانات سماوية كانو سباقين إلي هذه الدول، وكانت الدولة تريد التواصل مع الدول الافريقية وبرغم ذلك لم يؤد هذا التوسع إلي الغرض الذي أنشئ من أجله، بل كانت هناك اشكالية أخري وهي مدي تحمل الطالب للعلوم المدنية العلمية بجانب علوم الشريعة والفقه، مما أدي إلي انخفاض مستوي تعليمهم سواء العلمي أو الديني. تعليم يؤسس للمواطنة ويقول صلاح عيسي لقد آن الأوان لتوحيد كل نظم التعليم بحيث يكون تعليما مدنيا يؤسس للمواطنة، وأن يكون الأزهر لعلوم الدين كالشريعة والفقه وأصول الدين واللغة العربية، وأن تكون الكنيسة لعلوم الدين فقط، والمفروض في مدارس التعليم العام أن يحصل كل المواطنين علي المعارف الدينية العامة، وبغيرها من الأديان، بحيث يكون لدي الطالب معرفة بدينه وبأديان الآخرين، فعندنا لا يعرف الطالب المسلم دين زميله المسيحي ولا كيف يصوم ولا معني أعيادهم ولا طقوس زواجهم، ونفس الأمر بالنسبة للطالب المسيحي لا يعرف دين زميله المسلم، ومن الممكن أن يكون هناك دراسات مقارنة للأديان، مضيفاً أن إقحام الأزهر في التعليم أدي إلي إفساد التعليم وعدم تحقيق الجودة حتي في المناهج الدينية. ويقول عيسي للأسف في مصر تتخلي كل مؤسسات الدولة عن سلطاتها طواعية للمؤسسة الدينية، أي تتنازل الدولة المدنية عن دورها وسلطاتها بسبب الديماجوجيا السياسية، أو الرغبة في إضفاء نوع من الشرعية علي الدولة. ويضيف لابد من وقفة لكي يكون التعليم في مصر تعليما مدنيا وأن يكون الأزهر للعلوم الشرعية والفقهية حتي يظل منارة للعالم الإسلامي، وأن تكون للمدرسة مهمة أساسية في نشر الثقافة المدنية تكمل دور الأسرة ليتشرب منها الطالب الثقافة الوطنية والمدنية لكي يكون هناك نسق واحد للتعليم يخلق مواطنا مؤسسيا علي وحدة معرفية وثقافية وخلق لغة مشتركة بين جميع أبناء الوطن الواحد. قرار غريب وخاطئ الدكتور كمال نجيب أستاذ المناهج وطرق التدريس جامعة الإسكندرية يري أن موقف وزير التربية والتعليم موقف غريب، وينم عن عدم فهم التوجه العام للدولة في الفصل بين الدين والمؤسسات المدنية، ثم يأتي وزير التعليم الذي يحارب النقاب والأصولية الدينية داخل المؤسسة التعليمية، فيناقض نفسه ويلجأ إلي المؤسسات الدينية لمعاونته علي وضع مناهج التربية الدينية، وهذا يعبر عن فشله في إدارة تخطيط ووضع المناهج التعليمية، وهذا الأمر لا يجوز في أي دولة وأي نوع من الأنظمة، لأن المنوط بها تطوير المناهج هي وزارة التربية والتعليم، حيث بها خبراء واخصائيو تخطيط المناهج وفي أصول تصميمها كما يمكنها الاستعانة بالخبراء من أساتذة الجامعات كما تفعل مع جميع المناهج التعليمية الأخري كالفيزياء والرياضة إلخ. ويضيف د. كمال نجيب أن التربية الدينية فهي إحدي المؤشرات التي تؤسس للفتنة الطائفية والتميز الديني لدي الأطفال منذ نعومة أظفارهم علي الجانبين الإسلامي والمسيحي، لأن كل كتاب منهم يحاول طرح الأفكار الدينية لطائفته، ويكرس الجهل الكامل بعقائد وأديان الآخر، فيتخرج الشاب المسلم أو المسيحي ولا يعلم شيئاً عن عقيدة زميله أو جاره أو صديقه، وفصل الأولاد أثناء حصة الدين يكرس الفرقة، ويزرع في أذهان التلاميذ فكرة الاختلاف. والتباين وربما التميز علي الآخر، فنحن نعلمهم من المدرسة الأقلية والأغلبية، فينشأون علي عدم التآلف والتواد، وفضلا عن أن مدرسي التربية الدينية ليسوا متخصصين فأغلبهم من قسم اللغة العربية، وقد نجد منهم المتعصبين، نتيجة القيم الرجعية والسلفية المنتشرة في المجتمع والتي تتسلل إلي المدرسة عبر المعلمين الذين يجهلون أصول تعليم التربية الدينية، والتربية الدينية بوصفها الحالي في المدرسة تؤدي إلي نقيض الأهداف المبتغاة منها، وبما أنها مادة لا تضاف إلي المجموع الكلي للطالب، كما أنها تدرس بطريقة الحفظ والتلقين، والدين عمل وممارسة وكثيراً ما يتم تعويض النقص في ساعات تدريس المواد الأساسية، بالاستيلاء علي حصص الدين والتربية القومية والأنشطة، والخلاصة أنها لا تؤدي بجدية داخل المدرسة. تربية المتطرفين دينيا وتضيف أن الأصل في تعليم الدين يعود للأسرة وأماكن العبادة ولذلك أنا مع إلغاء مادة التربية الدينية في المدارس، لأن التربية الدينية بوصفها الحالي في المدرسة، تؤدي إلي نقيض الأهداف المبتغاة منها، والمجتمع كله يشارك في تربية المتطرفين دينيا وكذلك المسجد والكنيسة والمدرسة.، ولم يعد هناك وعي كاف بالأزمة المنتظرة للمجتمع المصري في السنوات القادمة، وتجاهل الدولة أجراس الإنذار التي تهدد المجتمع المصري بما لا تحمد عقباه. فالمواطنة في الدستور مجرد شعار ليس أكثر، وهو لا يمت للواقع بأي صلة ، فهناك تميز ديني في الوظائف العليا وفي التعليم بدليل أن هناك فئة من المجتمع لا تستطيع الالتحاق بجامعة الأزهر ، بالإضافة إلي أن التعليم يعاني من ازدواجية خطيرة بين تعليم مدني عام وخاص وتعليم ديني وتعليم أجنبي، وهذا يؤدي علي المدي البعيد إلي تشرذم الثقافة، ويصعب تحقيق الوحدة الوطنية بين خريجي أنواع مختلفة من انماط التعليم، وعدم وجود ثوابت ثقافية، وأصبح المجتمع وكأنه منقسم علي ذاته. الأزهر جامعة متخصصة ويشير د. نجيب إلي أن الأزهر لابد أن يتحول إلي جامعة متخصصة في علوم الفقه والشريعة والعقيدة فقط، أما الحاق التعليم المدني بالأزهر فقد كان علي حساب التعليم الديني ومكانة الأزهر كمنارة ومرجعية دينية للعالم الإسلامي، ولقد حدث تراجع في تجديد الخطاب الديني نتيجة التوسع في الأزهر كمؤسسة تعليمية وعدم التركيز علي العلوم الأساسية، وعلي حسب كمال نجيب فإن الدولة مصرة علي الابقاء علي الملف الطائفي بأحواله الراهنة كورقة سياسية تلاعب بها الإسلاميون من ناحية والمسيحيون وقوي المعارضة من ناحية أخري حتي يشعروا دائما أنهم بحاجة إلي الحكومة. ويشير كمال نجيب إلي أن التعليم ومؤسساته يجب أن تعمل علي تحقيق التجانس الفكري بين أبناء الوطن الواحد، وأن المواطنة يجب أن تتغلغل في كل مناهج التعليم.