ليلى المطوع عرفته للمرة الأولى حين نصحنى أحد أصدقائى أن اقرأ له «وردة»، لأتعرف على الأنماط الأدبية السردية، كان هذا منذ أكثر من 15 عامًا، ثم توالت القراءات له، من المؤسف أنى لم أعرف من هى وردة، رغم صغر مساحة هذه الجزيرة، إلا أنه من السهل أن يطوينا النسيان، ولكن وردة العصية على النسيان لدى الروائى، الذى ربما التقاها فى بيروت وهى الشخصية الحقيقية التى عرفت فيما بعد أو كما يشاع إنها ليلى فخرو، المرأة التى تركت الثراء، والرفاهية واتجهت إلى ظفار لتعلم الاطفال القراءة والكتابة، يقال إن منها استلهم شخصية هدى، الفتاة التى تهرب من القاهرة أثناء دراستها وهى فتاة عمانية فى الرواية لتشارك فى الحرب هذه الرواية دفعتنى لسنوات وأشعلت فى فضول التعرف أكثر على ليلى فخرو، التى فى نهاية العمل تُترك فى الصحراء، ما بين السراب والسراب تختفى وهى على ظهر الجمل. رغم قراءتى لهذا العمل فى 2010 إلا أن التفاصيل الصغيرة رسخت فى ذاكرتى، ربما ما يميز أسلوب هذا الكاتب المختلف، والساخر فى أحيان كثيرة، خاصة فى حواراته التى استمتعت بمشاهدتها، اهتمامه ببناء الرواية من خلال الجمع ما بين السرد التاريخى المتخيل، والسرد التوثيقى المستند على بعض الأحداث الحقيقة. أرى أن ما يميزه هو أسلوبه الذى يوثق الحالة المجتمعية فى كل المراحل التاريخية الكبرى التى أثرت علينا فى المنطقة، فتجد تعدد الأصوات واللغة ما بين السرد والتقارير وجمع الأخبار كل هذا ليقدم عملا يحاول من خلاله سرد الذاكرة الجمعية لحدث تاريخى. فى أعمال صنع الله إبراهيم نرى السرد التوثيقى الخيالى، فمن خلال أحداث واقعية ينطلق خياله ليؤسس لعالم يبنيه بتفاصيل صغيرة، من خلال تقنيات سرديه، يدون يومياته، يجمع الأخبار، يصغى إلى الإذاعة، ويعيد سرد التاريخ من خلال أشخاص على الهامش كما يبدون فى الحياة الواقعية، ولكن الأحداث التى جرت فى مناطقهم أثرت على مجرى حياتهم. فى الأخير ما هو التاريخ؟ غير خيال يعاد سرده من قبل رواة على اختلاف خلفياتهم الثقافية والمعرفية قرأت له «بيروت بيروت» وتتقاطع الرواية مع حياته حين يذهب إلى بيروت للبحث عن ناشر، يبدو العمل بسيطًا فى البداية، ولكن هكذا يؤسس صنع الله رواياته، فأثناء بحث الكاتب عن ناشر بعد أن تم نسف مقر الدار وسفر مالكها إلى الخارج تاركا زوجته العابثة كما هو واضح جدا فى الرواية، يتفق هذا الكاتب مع ممثلة ومخرجة لفيلم على أن يكتب بعض النصوص ومن هنا يتفرع النهر لمجرى جديد تسيل منه أحداث أخرى وتنتقل الصورة إلى الحرب الأهلية والكثير من مشاهد الدمار والحزن تجعل القارئ يدهش من أهوال الحروب وما تفعله من دمار فى النفس البشرية. من قرأ لصنع الله سيدرك فورًا سخريته، وسوداويته حتى فى السجون ستجده يبحث عن الطبقية واختلاف القضايا، هذا الروائى المهووس بالنبش فى ما وراء أفعال البشر، يحاول أن يقرأ ما بين سطور الذاكرة التى تؤرخ فى كتب التاريخ، ليكتب بطريقته الخاصة، وبكل أدواته السردية حكاية لمن ألتهمهم الزمن، رغم أنهم جزء منه. إن البشر مجرد تفاصيل فى ذاكرة الشعوب، ما يهمه هنا هو الفرد، الفرد الذى كون هذه القضية، واجتمع مع مكونات أخرى حتى تلاشى، ولكن صنع الله إبراهيم يرفض ذلك فيبحث عن شخوص عادية، سمعته فى لقاء له يتحدث عن بطلة رواية «ذات»، «ست مصرية عادية، تتجوز، عايزة بيت، وثلاجة، وبوتاجاز، وغيرها من الأشياء المعتادة»، ولكن هذه المرأة المصرية تصنع الحكاية بكل ما فيها من روتين عادى وحياة عادية حتى يخلقها روائى مثله. أحببت صنع الله إبراهيم، نصير المرأة المدافع عنها، الساخر من كل شيء حوله، الذى يعيش على القليل وبكل بساطة، وثابت على مبادئه مهما مر الزمن. اليسارى، صاحب المواقف والقضايا. وقررت بعد سماعى لأغلب حواراته ونقاشاته أن أعيد قراءة كل أعماله، لأفهمه وأفهم أسلوبه، وتذكرت ضحكته الساخرة وهو يقول للمذيعة التى قالت له إنها قرأت كل أعماله بالفرنسية وستعود لقراءتها بالعربية: «حتضيعى وقتك»، وأبتسم لا اردايًا، ولكنه لا يعلم أن القراءة له ثروة لكل روائى يبحث عن أسلوبه الخاص، ويحاول فهم العالم من خلال تفاصيل صنع الله إبراهيم، القراءة له لن تكون فى يوم مضيعة للوقت.