لا يكتمل الحديث عن المناهج الدراسية وتأثيرها علي العقول دون التعرف علي آراء المفكرين, والقراء, ثم طرح البدائل والتجارب الناجحة. وقد أدركت أعداد كبيرة من أصحاب الفكر الوطني أن المناهج الدراسية التي تقود إلي الدولة الدينية وتؤدي إلي التفرقة بين المواطنين ليست مسألة دينية إنما قضية وطنية تتعلق بالأمن القومي واستقرار مصر لذلك دعونا نتعرف علي آرائهم. * يري أ/جمال الغيطاني أن الجماعات المتطرفة التي تستهدف إقامة الدولة الدينية اخترقت التعليم خاصة الابتدائي, فانتشرت ثقافة التطرف وشبت أجيال كاملة تعتبر الأقباط كفارا رغم أن هذا المفهوم يخالف الإسلام. مما يدعو الي ضرورة تجنب الخطر المحدق الذي يهدد بانقسام المجتمع. * تعالج المستشارة تهاني الجبالي القضية في بحث قيم حول التدين في مجتمع متعدد الأديان فتقول: إن المضامين المتعلقة بالتربية في مجتمع متعدد الأديان وسيلة أساسية تؤدي إما الي تعايش ديني حقيقي, أو إلي رفض التعايش وتزكية النزوع للتعصب والطائفية, ولا أمل في تحسين الأوضاع القائمة إلا بمواجهة صريحة لإزالة مظالم بالية. ويشير د.رفعت السعيد الي ظاهرة مؤسفة انتشرت في المدارس والجامعات أسمها(CH) أي مسيحي,, تشير الي ركن منزو ومعزول يتجمع فيه الطلاب المسيحون فيما بين الحصص والمحاضرات أو أوقات الفسحة في المدارس الثانوية, وهناك فقط يشعرون بالانتماء والطمأنينة وتبادل المودة. * وتنتقد المهندسة فاطمة ناعوت بشدة إجبار الطلبة المسيحيين علي حفظ الآيات القرآنية, وان بعض المدارس استبدلت النشيد القومي بآيات قرآنية. * وفي بحثه المستفيض عن واقع النظام التعليمي في مصر ينبه د. نور فرحات إلي انهيار التجانس الاجتماعي وإعلاء التشرذم الديني.. وأن الرابطة التي تحقق التجانس ليست رابطة تعليمية ثقافية إنما رابطة دينية فلا يجمع بين افراد المجتمع إلا الرابطة الدينية المتعصبة! * ويحذر الكثيرون من الدولة الدينية التي تروج لها المناهج لها, في مقدمتهم د.جابر عصفور الذي يعالج ويعمق في كتابه مقالات غاضبة مشكلات وأخطار الدولة الدينية ومنها غياب مؤسسات متمايزة مستقلة مما يتيح المجال واسعا لاستبداد الحاكم وإلغاء الديمقراطية بلوازمها من دستور وقوانين أو وضعها في آخر الاهتمام وتكون كلها علي أساس من مرجعية دينية. * يؤكد د. محمد منير مجاهد انتشار ثقافة وممارسات التمييز الديني المرتبطة بالمشروع السياسي لجماعات الاسلام التي تري من التمييز والاستعلاء بالدين والتدين أحد أهم آليات بناء سطوتها الفكرية لإقامة دولة دينية, وأن التعليم أصبح يقود اليها. ويتساءل: ماذا نستشعر نحن المسلمين لو فرض علي أبنائنا حفظ آيات الإنجيل؟ * وفي كتابه التعليم والمواطنة وحقوق الإنسان يؤكد د. شبل بدران أن المدرسة بدلا من أن تكون أداة لتغيير المجتمع إلي الأفضل فإنها أداة لتكريس الوضع القائم بكل ما يحمله من جمود بيروقراطي سياسي, وأصبحت المؤسسة التعليمية ساحة لحرب استنزاف بين الدولة وقوي الإسلام السياسي, و بدلا من أن تؤدي دورا طبيعيا تنويريا باعتبارها أول مؤسسة مجتمعية حقيقية يتصل بها الفرد تحولت الي مؤسسة تكرس الفرز الطائفي والشمولية في الفكر والعمل. * ويعالج د./محمد سكران قضية التربية والمواطنة في عالم متغير ويطالب بتأكيد الهوية الوطنية والثقافة المصرية, محذرا من تغلغل الخرافات والخزعبلات المروجة للفكر الوهابي وغيره, بالاضافة إلي أنه يثبت عدم وجود ترابط بين الكتب الإرشادية والكتب المدرسية. * وبينما يؤكد د.جهاد عودة إن الحزب الوطني الديمقراطي يضع خطة للقيم العامة المشتركة تطبق في أنحاء المجتمع والدولة لقيام دولة اعتمادها الاساسي علي مواطن حر متفاعل في إطار قيم العصر والعلم. * يؤكد د.إيهاب الخولي أن التعليم يرتبط ببناء العقل النقدي الذي يجب أن يتيح قبول الآخر ومواجهة التطرف وإلغاء مظاهر التمييز الموجودة في المجتمع ووجود أجيال تدرك قيمة التفوق علي قاعدة العدالة والمساواة. * أما سعد هجرس فإنه يري أن الوضع المخيف اصبح يهدد بتزايد الاحتقان الموجود في المجتمع المصري وانتشار الاضطرابات في منطقتنا بشكل خاص ويجعلنا نتوقع أن تستفحل مسألة التمييز في المستقبل؟ ......... * ولم يكن تأثير التعليم علي تماسك المجتمع أمرا غائبا عن د./طه حسين حيث نجده في كتابه مستقبل الثقافة في مصر يوضح أن التعليم الديني بحكم طبيعته وبيئته ومحافظة القائمين عليه وخضوعهم بحكم هذه المحافظة لكثير من أثقال القرون الوسطي وكثير من أوضاعها يصوغ الطلاب صيغة خاصة مخالفة للصيغة التي ينتجها التعليم المدني, بحيث يعرض الأمر من الأمور أو الواقعة من الوقائع, فإذا الأزهري يتصوره علي نحو وإذا الشاب المدني يتصوره علي نحو آخر, وإذا هذا وذاك لا يتفقان في التفكير والتقدير ولا يتفقان في الحكم والرأي ولا يتفقان في السيرة والعمل, ثم يؤكد أنه إذا كان من أول واجبات الدولة أن تحمي بعض المصريين من بعض وأن تكفي بعضهم شر بعض وأن تكف بأس بعضهم عن بعض وأن تقر فيهم العدل والأمن وتحقق لهم المساواة وتكفل لهم الحرية, إذا كان هذا كله من أول واجبات الدولة وأهم أعمالها فإن الوسيلة الي هذا كله من أول واجبات الدولة وأهم أعمالها, وأي وسيلة إلي تثبيت الديمقراطية تعدل هذه الوسيلة الأساسية؟ هذه الوسيلة الأولي والأخيرة هي تنشئة الطفل المصري والفتي المصري علي أن يحب مواطنيه ويؤثرهم بالخير ويضحي بنفسه في سبيل حمايتهم من الشر وحياطتهم من الظلم ويشعر بأن عليه واجبات قبل أن تكون له حقوق, وما أظن أن الأفراد والجماعات إذا خلي بينهم وبين التعليم يستطيعون في الظروف الحاضرة التي تحيط بمصر أن يحققوا هذا البرنامج الخطير الذي يقوم علي تنشئة الوطنية الحديثة في قلوب الاجيال المقبلة من شباب المصريين. صدق عميد الأدب العربي. هذا قليل من كثير يؤكد أن القضية ليست موقفا فرديا أو مسألة عقيدة دينية, ويثبت أن مصر ثرية برجال ونساء يريدون لها الافضل دائما ويؤرقهم علي اختلاف اتجاهاتهم ما يهدد المجتمع من عوامل التفكك بأنواعه.. ويدعون الي سد منابعه... حفظ الله مصر.