الجيش الأمريكي: جماعة الحوثي أطلقت صواريخ على سفينتين في البحر الأحمر    الشرطة الألمانية تفض بالقوة اعتصاما داعما لفلسطين في برلين    "كنت ببعتله تحياتي".. كولر يكشف سر الورقة التي أعطاها ل رامي ربيعة أثناء مباراة مازيمبي    حكم الشرع في الإسراع أثناء أداء الصلاة.. دار الإفتاء تجيب    مجلس جامعة كولومبيا يصوت على قرار للتحقيق مع الإدارة بعد استدعاء الشرطة لطلبة متضامنين مع غزة    4 أيام متواصلة.. تعرف على عطلة شم النسيم وعيد العمال والإجازات الرسمية حتى نهاية 2024    اليوم.. جلسة محاكمة مرتضى منصور بتهمة سب وقذف عمرو أديب    للحماية من حرارة الصيف.. 5 نصائح مهمة من وزارة الصحة    تحذير دولي من خطورة الإصابة بالملاريا.. بلغت أعلى مستوياتها    نتيجة انتخابات نادي القضاة بالمنيا.. عبد الجابر رئيسًا    "اتهاجمت أكثر مما أخفى الكرات ضد الزمالك".. خالد بيبو يرد على الانتقادات    د. محمد كمال الجيزاوى يكتب: الطلاب الوافدون وأبناؤنا فى الخارج    د. هشام عبدالحكم يكتب: جامعة وصحة ومحليات    «المركزية الأمريكية»: الحوثيون أطلقوا 3 صواريخ باليستية على سفينتين في البحر الأحمر    واشنطن تعلن عن مساعدات عسكرية لأوكرانيا بقيمة 6 مليارات دولار    استشهاد شابين فلسطينيين في اشتباكات مع الاحتلال بمحيط حاجز سالم قرب جنين    لدورة جديدة.. فوز الدكتور أحمد فاضل نقيبًا لأطباء الأسنان بكفر الشيخ    حقيقة انفصال أحمد السقا ومها الصغير.. بوست على الفيسبوك أثار الجدل    3 وظائف شاغرة.. القومي للمرأة يعلن عن فرص عمل جديدة    الدكتور أحمد نبيل نقيبا لأطباء الأسنان ببني سويف    عاد لينتقم، خالد بيبو: أنا جامد يا كابتن سيد واحنا بنكسب في الملعب مش بنخبي كور    وزير الرياضة يُهنئ الأهلي لصعوده لنهائي دوري أبطال أفريقيا للمرة ال17 في تاريخه    قبل مواجهة دريمز.. إداراة الزمالك تطمئن على اللاعبين في غانا    رسميًا.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 27 إبريل بعد الانخفاض الآخير بالبنوك    والد ضحية شبرا يروي تفاصيل مرعبة عن الج ريمة البشعة    رسالة هامة من الداخلية لأصحاب السيارات المتروكة في الشوارع    بعد حادث طفل شبرا الخيمة.. ما الفرق بين الدارك ويب والديب ويب؟    2.4 مليار دولار.. صندوق النقد الدولي: شرائح قرض مصر في هذه المواعيد    عمل نفتخر به.. حسن الرداد يكشف تفاصيل مسلسل «محارب»    دينا فؤاد: الفنان نور الشريف تابعني كمذيعة على "الحرة" وقال "وشها حلو"    حضور جماهيري كامل العدد فى أولي أيام مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير .. صور    محمد هلب: السيارات الكهربائية بمثابة مشروع قومى لمصر    شعبة البن تفجر مفاجأة مدوية عن أسعاره المثيرة للجدل    أستاذ علاقات دولية: الجهد المصري خلق مساحة مشتركة بين حماس وإسرائيل.. فيديو    تنفع غدا أو عشا .. طريقة عمل كفتة البطاطس    حريق يلتهم شقة بالإسكندرية وإصابة سكانها بحالة اختناق (صور)    الأمن العام يضبط المتهم بقتل مزارع في أسيوط    العراق.. تفاصيل مقتل تيك توكر شهيرة بالرصاص أمام منزلها    عاصفة ترابية وأمطار رعدية.. بيان مهم بشأن الطقس اليوم السبت: «توخوا الحذر»    "أسوشيتدبرس": أبرز الجامعات الأمريكية المشاركة في الاحتجاجات ضد حرب غزة    الترجي يحجز المقعد الأخير من أفريقيا.. الفرق المتأهلة إلى كأس العالم للأندية 2025    أرقام مميزة للأهلي بعد تأهله لنهائي دوري أبطال أفريقيا    وسام أبو علي يدخل تاريخ الأهلي الأفريقي في ليلة التأهل للنهائي    في سهرة كاملة العدد.. الأوبرا تحتفل بعيد تحرير سيناء (صور)    علي الطيب: مسلسل مليحة أحدث حالة من القلق في إسرائيل    محمد جبران رئيسا للمجلس المركزي للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب    سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن ببداية التعاملات السبت 27 إبريل 2024    رغم قرارات حكومة الانقلاب.. أسعار السلع تواصل ارتفاعها في الأسواق    مقتل 4 عمّال يمنيين بقصف على حقل للغاز في كردستان العراق    استئصال ورم سرطاني لمصابين من غزة بمستشفى سيدي غازي بكفر الشيخ    تهاني شم النسيم 2024: إبداع في التعبير عن المحبة والفرح    قلاش عن ورقة الدكتور غنيم: خلاصة فكره وحرية الرأي والتعبير هي درة العقد    حظك اليوم برج العقرب السبت 27-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    أعراض وعلامات ارتجاج المخ، ومتى يجب زيارة الطبيب؟    "ذكرها صراحة أكثر من 30 مرة".. المفتي يتحدث عن تشريف مصر في القرآن (فيديو)    «أرض الفيروز» تستقبل قافلة دعوية مشتركة من «الأزهر والأوقاف والإفتاء»    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    تعرف على فوائد أدعية الرزق في حياة المسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التاريخ فى المناهج الدراسية... بناء هوية أم تشويه وطن؟ (1 2)
نشر في الشروق الجديد يوم 30 - 10 - 2009

كتب عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين فى خمسينيات القرن الماضى مقدمة لمنهج تاريخ الثانوية العامة قال فيها: «يعرض عليك أستاذك فى درس التاريخ حادثة من حوادث الماضى القريب أو البعيد، فتستقر من هذه الحادثة صورة فى نفسك تألفها وتطمئن إليها، ثم تقرأ كتابا من كتب التاريخ فترى صورة لهذه الحادثة نفسها مخالفة للصورة التى عرضها عليك الأستاذ،
فيأخذك شىء من الحيرة بين ما سمعت وما قرأت، لهذا الاختلاف بين صورتين لحادثة واحدة معينة. وقد تقرأ كتابا آخر فترى فيه للحادثة نفسها صورة ثالثة تخالف مخالفة قليلة أو كثيرة للصورتين التى سمعت إحداهما وقرأت الأخرى فى ذلك الكتاب. فتشتد حيرتك وتوشك أن تدفع إلى الشك فى قيمة التاريخ نفسه وأن تسأل نفسك كيف السبيل إلى تعرف الحق الواضح».
ويبدو أن تلك المقدمة من طه حسين هى ما جعلت الدكتور خالد فهمى أستاذ التاريخ بجامعة نيويورك متحسرا على حال المناهج التاريخية فى المدارس قائلا: هل رأيت ما كتبه طه حسين وزير المعارف عام 1952، لم يكتب ذلك للأجانب وإنما كتبه للطلاب المصريين، أى أن هذا الكلام كان ضمن مناهج التعليم المصرية، وأشار إلى أنها مقدمة ثورية من الصعب أن نطالب بتطبيقها الآن فى القرن الواحد والعشرين، وهذا أمر عجيب.
ونخرج من هذه المقدمة وذلك التحسر بعدة أسئلة عن مناهج التاريخ التى تقدم الآن فى المدارس المصرية، وما التغيير الذى حدث فى صياغة المناهج الدراسية ما بين عام 1952والوقت الراهن.
معروف أن التاريخ يحمل إشكاليات عديدة وجدلا واسعا، فالحادثة الواحدة تحتمل أكثر من قراءة مما أوجد اختلافات فى سرد الأحداث التاريخية التى تشكل الأساس لأى مجتمع فلا يمكن أن ننكر أهمية التاريخ فى رسم حاضرنا ومستقبلنا. ولنا أن نعرف أن علم المستقبليات لا يستطيع الوقوف دون دراسة التاريخ،
فسيناريوهات المستقبل التى يضعها العلماء لابد أن تقرأ التاريخ وتهضمه وتضعه فى مقارنة مع الحاضر حتى تخرج لتشكل صورة المستقبل وتنبؤاته.
وبالطبع لا تكتمل الأجوبة على أسئلة هذا التحقيق والتى تتمثل فى الكشف عن خلل مناهج التاريخ الدراسية إلا بالحديث عن المنظومة التعليمية نفسها التى أفقدت الطالب الحث النقدى والتفكير الإبداعى فلا يهم الطالب إلا الحفظ والاستذكار، وهذه قضية أخرى مهمة لا تقل أهمية عن موضوع تحقيقنا ولكن لها موضع آخر، فلا تكفى هذه السطور لمناقشة كل مشاكل التعليم فهى تحتاج إلى صفحات كثيرة،
ولكننا نركز هنا جهودنا فى نقطة واحدة هى التاريخ أو مادة الدراسات الاجتماعية فى المناهج الدراسية فى مراحل التعليم المختلفة من الابتدائية إلى الإعدادية وصولا إلى الثانوية، والتى للحقيقة تتطور عاما بعد عام فتختفى الأخطاء البسيطة، ولكن تبقى الرؤية واحدة لا تتغير.
ولكن السؤال الذى يطرح نفسه لماذا نهتم بالتاريخ الذى يُقدم فى المناهج الدراسية؟
الإجابة حسب رأى الدكتور شريف يونس تكمن فى أن التاريخ هو المقرر الدراسى المختص أكثر من غيره ببناء هوية مشتركة معينة لمواطنى الدولة، باعتباره جزءا من رؤية النظام الحاكم لكيفية صياغة هوية مواطنيه؛ لأنه بطريقة غير مباشرة يضع الفرد داخل انتماء معين ويحدد له «إحداثيات» موقعه فى مسار ما للتاريخ، وبالتالى يمنحه اتجاها ورؤية.
كوارث ومافيا
الدكتورة لطيفة محمد سالم أستاذة التاريخ بجامعة الزقازيق أكدت أن المناهج الدراسية كارثة حقيقية. وذكرت أنها أثناء إعدادها تقريرا عن مناهج التاريخ، اكتشفت كوارث، فمعظمها يحتوى على أخطاء فادحة، وتعمل على «تطفيش» الطلاب، فضلا عن وجود «مافيا» من التربويين تسيطر على الكتاب المدرسى، ولا تسمح بالتدخل لإصلاح المناهج الدراسية، وإضافة إلى ذلك أنهم جعلوا التاريخ مادة اختيارية يكرهها التلاميذ؛ لأنها مملة وثقيلة فى الوقت نفسه.
ورأت لطيفة سالم أن مشكلة مناهج التاريخ لا تكمن فى المعلومات الخاطئة فقط بل فى إغفال حقبة مهمة من حقب التاريخ المصرى، وهى حقبة التاريخ القبطى فضلا عن وصف مصر كثيرا أنها كانت بيزنطية وهذا غير صحيح؛ لأنها كانت تحت الحكم البيزنطى لا بيزنطية، وكذلك ما تقوله المناهج إن مصر عثمانية رغم أنها كانت تحت الحكم العثمانى لا عثمانية.
وتعانى المناهج أيضا من التركيز على تاريخ السلطة متجاهلة تاريخ البشر أنفسهم، ولذلك أكدت سالم أن المناهج لم تذكر عيوب الحكام أو محاباة بعضهم لطبقة عن طبقة أخرى، فضلا عن افتقاد المناهج لميزة طرح الأسئلة فى موضوعات جدلية وكأن الهدف من التاريخ هو حفظ التواريخ وأسباب الأحداث فقط لا التفكير فيها ومن ثم لا يخرج الطالب من ذلك بدروس مستفادة لحاضره ومستقبله.
أما المدارس الأجنبية فى مصر من وجهة نظر سالم فهى تدّرس معلومات خاطئة عن تاريخ مصر فضلا عن أن تلك المدارس تركز كل طاقتها فى دراسة تاريخ الشعوب الأخرى وتهمل تاريخ مصر. وترجع سالم السبب فى ذلك إلى أن واضعى المناهج لا يعرفون ماذا يريدون فلا خطة ولا استراتيجية واضحة فى صياغة وترتيب المناهج.
أين الاستراتيجية؟!
نفس الرأى أكده الدكتور محمد عفيفى رئيس قسم التاريخ بجامعة القاهرة حيث رأى أن من ينظر إلى المناهج الدراسية يجدها عشوائية غير محددة الهدف، فلا توجد استراتيجية واضحة للمناهج. ورأى عفيفى أن تلك المناهج كارثية، مضيفا أنه نال أسوأ الدرجات فى مادة التاريخ فى المرحلة الثانوية العامة وهو الآن أستاذا للتاريخ، ويرجع ذلك لأن ما يقدم فى مناهج التاريخ ممل ويكّره الطالب فيما يدرسه.
وأضاف عفيفى أن المناهج التاريخية مليئة بالمعلومات الخاطئة والمشوهة، ففى كتاب التاريخ للمرحلة الابتدائية يقصد منهج مادة الدراسات الاجتماعية للصف الخامس الابتدائى والذى تغير هذا العام وتم حذف هذه الأخطاء منه وجد صورة لأحمد مظهر على أنه «صلاح الدين الأيوبى»، أى أن كاتب المنهج اعتمد على الفيلم لا على الكتابات التاريخية. ورأى عفيفى أن المناهج تصور مثلا التاريخ الإسلامى وكأنه فقط هو الحروب والسيوف و«الوشوش المكشرة» بالإضافة إلى الحشو الزائد على الحد وكأن الهدف من دراسة التاريخ حفظ التواريخ فقط لا معرفة مغزى دراسة التاريخ.
مقدمة ثورية
أما الدكتور خالد فهمى فرأى أن مقدمة طه حسين المذكورة سابقا تجىء من أستاذ أدب لا مؤرخ، وهى مقدمة ثورية كأنه ينبهنا إلى السؤال البديهى: ما مدى جدوى التخصص فى كتابة التاريخ؟ موضحا أنه كان يريد تحطيم الحدود بين التخصصات وأن جزءا من التاريخ هو سرد أدبى. وتوقف كثيرا خالد فهمى أمام مقدمة طه حسين والتى رأها فهمى بداية لحث الطلاب على التفكير النقدى أى إعمال لعقل فى كيفية الكتابة التاريخية مما يعنى تشكيل تيار بالغ الخطورة على النظام السياسى؛ لأنه ببساطة يرى أن النصوص التاريخية غير مقدسة وبالتالى فأية رواية تعرض عليه معرضة للتفكير والشك فيها.
وشدد خالد فهمى أن الكتابة التاريخية فى العالم كله تعانى من المحافظة الشديدة وهذا راجع لعدة أسباب أهمها أن التاريخ هو الذى يشكل هوية المجتمعات ويحفاظ على توازنها لذلك يجب أن يحيط بالتاريخ تيارات المحافظين، وهذا فى العالم كله لا مصر فقط، ولكن الأمل يجىء أن مقدمة طه حسين تم تدريسها فى مصر عام 1952 أى من الممكن تدريسها مرة أخرى، ولكنه تحدٍ كبير.
وتساءل فهمى لماذا نصف مقدمة طه حسين بالثورية؟ فأجاب لأنها تحث الطلاب على التشكيك فى الأحداث التاريخية؛ لأن من يكتب التاريخ هو إنسان لا يملك الحقيقة المطلقة كما أنه يميل بدون قصد إلى روايات ويتحمس لها ويترك أخرى فهو فى النهاية بشر أما الفيصل فى القراءة فهو القارئ نفسه أى الطالب. وأكد فهمى أن التعليم بهذا الأسلوب هو بداية ممارسة الديمقراطية، لأن وقتها سيكون الطالب قادرا على طرح الأسئلة والتشكيك فى الروايات المقدمة له وإعمال عقله ومن ثم سيطرح أسئلة عميقة ترتبط بشكل من الأشكال بالسياسة التى من شأنها زعزعة الأنظمة السياسية.
المشكلة فى الذهنية
«المشكلة ليست فى المعلومات بل فى ذهنية واضعى المناهج التى تعمل على تشويه الإنسان وهويته».. هكذا لخص الدكتور شريف يونس أستاذ التاريخ بجامعة حلوان المشكلة قائلا: «إن النظام الحاكم هو الذى يضع مناهج التاريخ ويشرف على تدريسها. وبالتالى لا تعكس هذه المناهج بالضرورة الرؤى الاجتماعية السائدة، خاصة فى مسألة الهوية، بقدر ما تعكس استراتيجية نظام الحكم إزاءها.
والدولة الحديثة بصفة عامة، فى مصر وفى غير مصر، حريصة دائما على تدعيم هوية موحدة لسكانها بأدوات عديدة، على رأسها التعليم العام، ولكنها تشمل أيضا التجنيد والتحكم الإدارى المركزى وإدماج الثقافات الفرعية (توطين البدو، و«تمدين» الفلاحين).
وكان قد كتب د.شريف دارسة تحت عنوان «رؤية التاريخ وتحديات المستقبل دراسة فى قضية الهوية فى مناهج التاريخ المصرية وأبعادها»، قال فيها إنه بالنسبة للتاريخ القديم، تتناول المرحلة الإعدادية التاريخ الفرعونى أساسا، وما يمكن أن نسميه تذييلا أو ملحقا للعصرين البطلمى والرومانى، ويأتى تناول المرحلة القبطية ضمن هذا التاريخ الأخير. وفى المرحلة الثانوية يتسع النطاق قليلا ليشمل حضارات الشام والعراق القديمة، بحجم أقل. أما التاريخ الحديث فيتركز، سواء فى المرحلة الإعدادية أو الثانوية، على دراسة مصر، ثم العالم العربى والقضايا العربية، خصوصا قضية فلسطين.
على هذا النحو تستبعد المناهج أصلا تاريخ آسيا وأفريقيا وأوروبا والأمريكتين، سواء فى العصر القديم أو الوسيط أو الحديث (باستثناء فصل عن انتشار الإسلام فى مناطق أخرى فى منهج الثانوية العامة). ولم تستبق من الحضارات الأخرى سوى تناول سريع للحضارتين الإغريقية والرومانية فى دروس تسبق مباشرة دراسة تاريخ مصر فى العصرين البطلمى والرومانى، أى كنوع من التمهيد لتاريخ مصر فى حقبة معينة.
وهذا يعنى، فى وجهة نظر د. شريف يونس الذى رجع فى ورقته الدراسية إلى كتب وزارة التربية والتعليم لمادة «الدراسات الاجتماعية» لعام 2008 2009، للصفوف الإعدادية، بواقع كتابين لكل صف دراسى (للفصل الدراسى الأول والفصل الدراسى الثانى)، عدا الصف الثانى الإعدادى، حيث توفرت له طبعة 2007 2008. ومن هذه الكتب: «مصر وحضارات العالم القديم» للصف الأول الثانوى، و«الحضارة الإسلامية وتاريخ العرب الحديث» للثانوية العامة أن هذا التاريخ المطروح للحفظ على التلاميذ ليست له أية رؤية، سلبية أو إيجابية، أية رؤية من أى نوع، فقيرة أو غنية.
وأشار يونس إلى أنه بالنسبة لتاريخ العالم، فالمنهج متقوقع بالكامل على الذات، قرر بنفسه أن يفقأ عينيه وعيون ضحاياه من التلاميذ، مضيفا أن هذا الطابع المحلى الضيق لا نستطيع أن نفهم مغزاه بغير ملاحظة ما يرافقه من فخر متواصل بالذات وإدانة موازية للغير. فالغرض كما تشير معظم دروس التاريخ فى المرحلة الإعدادية هو الاعتزاز بتاريخ مصر.
وفى هذا الصدد يقرر مؤلفو كتاب الصف الأول الثانوى عن مصر وحضارات العالم القديم أن الهدف منه أن يلمس الطالب: «مدى عظمة أجدادك المصريين القدماء»، وتذكيره بأنه «مسئول عن مواصلة أعمال أجدادك العظيمة حتى تكون جديرا بالانتساب إليهم». وعليه أيضا أن يحافظ على تراثهم فى انعزال كامل عن العالم ومؤثراته على مدى القرون.
وأكد يونس أنه أول ما يتبدى فى كتب التاريخ إلغاء تاريخ أوروبا الحديث من المناهج، ولو كمدخل إلى دراسة التاريخ المصرى والعربى الحديث، أسوة بالنبذتين عن التاريخ الرومانى والإغريقى (قبل تاريخ مصر فى عصر البطالمة ومصر فى العصر الرومانى)، على الأقل باعتبار ما للاستعمار من تأثير كبير على مجريات هذا التاريخ، وما للحداثة التى نشأت فى أوروبا من تأثير متشعب ومستمر عليه حتى وقتنا هذا.
وذكر شريف أنه كان قد درس هذا التاريخ حين كان تلميذا، بما يدل على أن تصور التاريخ الذى تقدمه المناهج يميل إلى مزيد من التقوقع على الذات، ودفن الرءوس فى الرمال.
ولكن المناهج الحديثة لا تستبعد فقط تاريخ الحداثة الأوروبية والأمريكية واليابانية المتقدمة حاليا، كما أكد يونس وإنما تستبعد تاريخ الشعوب المستعمرة الأخرى، وذلك للتركيز فقط على الذات الجريحة كما كانت منفردة فى عظمتها أيضا من قبل.
ولاحظ يونس أن مناهج التاريخ تحتفى بفتوحات «الذات» المقدسة المحلية، حيث يفتخر كتاب الثانوية العامة بأحدث إمبراطورية مصرية، تلك التى بُنيت فى السودان فى عهد محمد على وإسماعيل، ويبررها بمنطق استعمارى معروف، هو، بنص كتاب الثانوية: «المجال الحيوى» لمصر، حيث تقوم سياسة مصر فى عهد محمد على وبعده على «الموقع والمجال الحيوى والرابطة العربية فى مواجهة الرابطة العثمانية» وتتعلق أهداف التوسع فى السودان «جميعا بفكرة المجال الحيوى لمصر والامتداد الطبيعى لها من ناحية الجنوب».
وأكد يونس أن المناهج تقرر أن مصر لها «حقوق» فى السودان، تبيح لها التوسع، أما بريطانيا فلا. ولا يذكر الكتاب شيئا عن معاناة السودانيين تحت الحكم المصرى، ولا بالطبع ثورة المهدى ضد الحكم المصرى فى السودان فى 1881. وغنى عن البيان أن الشام، حين احتلها محمد على كانت فى رأى المقرر «تمثل بدورها المجال الحيوى الشمالى، فقام محمد على بالإجراءات المناسبة لتوطيد الأمن وفرض النظام وإقرار سلطة الحكومة المركزية فى مصر (على الشام) وإخضاع الأمراء الإقطاعيين ونزع السلاح منهم، وتنشيط التجارة والزراعة وفرض نظام التجنيد»، وهو ما لا يختلف كثيرا عما ذكره اللورد كرومر فى كتابه مصر الحديثة مشيدا بأيادى الاستعمار البريطانى البيضاء على مصر، بل أسوأ فى الواقع.
وعن مجمل المناهج الدراسية قال يونس إنها مناهج جبانة، تحرص أولا وأخيرا على عدم إثارة أية قضايا، وتجنب كل المشكلات التاريخية والصراعات والمنعطفات. ولعل الأكثر طرافة، أو مأسوية، فى هذا الصدد هو ما يقدمه منهج ثانوية عامة عن ثورة يوليو وما بعدها: فهو يذكر تمصير الشركات والمصالح الأجنبية باعتباره عملا وطنيا، ولكن لا ترد به كلمة واحدة عن التأميمات أو الميثاق أو شعار الاشتراكية. وبالمثل يتم اختصار عصر السادات فى إصدار الدستور الدائم وحرب أكتوبر، بغير أية إشارة إلى «ثورة التصحيح» فى 1971، ولا الانفتاح، ولا اغتيال السادات.
ورأى يونس أن السكوت عن هذه المسائل، الذى يرقى إلى مرتبة التزوير، يهدف إلى تقديم تاريخ ما يُعرف بثورة يوليو كتاريخ «هادئ»، لطيف، يخلو من الصراع والمنعطفات، أو بعبارة أخرى، تسويته ب»وابور زلط» ثقيل. والتتمة المنطقية بالطبع هى تقديم عهد مبارك ك»امتداد طبيعى لعصر ثورة يوليو فلقد تم تبنى مبادئ الثورة الستة وتحقيقها بأكملها فى عهده» كتتويج لتاريخ مسطح أبكم مقطوع اللسان والحنجرة لتربية تلميذ أو طالب مقطوع الأذن منزوع العقل.
وبنفس منهج دفن رءوس التلاميذ فى الرمال يستبعد التاريخ الحديث جميع الخلافات العربية، ولا يأتى على ذكر، مجرد ذكر، أى من التيارات السياسية العربية الأساسية، الوهابية أو حتى البعثية، برغم أنه يحتفى ب«القومية العربية». وبالطبع لا توجد أية إشارة إلى الصراعات العربية المريرة فى الخمسينيات والستينيات التى اصطلح المؤرخون على تسميتها «الحرب العربية الباردة». وهكذا يقدم المنهج عروبة صافية نقية من الصراعات ومصفَّاة من أى تاريخ حقيقى، لا سند لها سوى الجهل ولا هدف سوى التجهيل، بما يحرم الطلاب من أى فهم لطبيعة المنطقة، سواء اعتبرناها انتماء أو اعتبرناها «مجالا حيويا» على الطريقة الاستعمارية.
تاريخ رسمى فقط
د.ناصر على محمد خبير مناهج الحاصل على دكتوراه مناهج وطرق تدريس التاريخ أكد أنه لاحظ أن مناهج التاريخ تقدم التاريخ الرسمى فضلا عن أنه تاريخ أحادى لا يقدم كل وجهات النظر المختلفة، ورأى أن الاختلاف يجىء من أن واضعى المناهج يعتمدون على كتابات المؤرخين ومن ثم يختارون الحادثة التاريخية الأقرب للصحة وهذا عيب لا ميزة إذ لابد أن يتم عرض كل وجهات النظر وعلى الطالب أن يجتهد ليأخذ بالواقعة الأقرب إلى عقله.
وأشار ناصر إلى أن ذلك صعب تنفيذه فى ظل المنظومة التعليمية الحالية التى لا تجعل الطالب يفكر أو يبدع بل عليه أن يحفظ فقط، خاصة وأن السؤال عن الدروس المستفادة أو إبداء رأى الطالب فقد اختفى من أسئلة الامتحانات فى كل المراحل التعليمية ولا نجدها إلا فيما ندر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.