يعد الراحل د. ثروت عكاشة أول وزير ثقافة مصري، بعد إنشاء الوزارة عام 1958، وهو أحد ضباط ثورة يوليو الذي آمنوا بفكرة «الديمقراطية» والتعدد السياسي، وقد وصفه الناقد الكبير الراحل رجاء النقاش قائلا: «في وسط لوحة يوليو العظيمة يقف رجل نادر يحمل في يده سيفا وفي قلبه نوتة موسيقية وفي صدره لوحة، وفي رأسه كتابا بالغ الجمال، وهو فوق ذلك كله صاحب رؤية وصاحب إرادة، ذلك هو ثروت عكاشة، أما السيف الذي كان يحمله ثروت عكاشة فهو سيف الوطنية الصادقة الأصيلة التي جعلت منه واحدا من رجال الصف الأول عند الإعداد الملئ بالشجاعة والمغامرة لثورة يوليو». هذه الأوصاف التي يشير إليها «النقاش» كانت هي جوهر شخصية ثروت عكاشة فهو بطل ثورة يوليو الثقافية ومحركها الثقافي الأول، فبجهده ونشاطه أسس حركة ثقافية مازالت أصداؤها قائمة حتي الآن بإنشائه العديد من المؤسسات الثقافية المهمة التي أسهمت في تشكيل الوعي المصري خلال الستين عاما الماضية مثل أكاديمية الفنون بمعاهدها المختلفة كمعهد السينما والمسرح والتذوق الفني ومعهد الباليه وإدخال فنون لم تكن معروفة – من قبل في مصر – درست في معهد الكونسرفتوار. فما تركه «عكاشة» كوزير جعل من فترة الستينيات تمثل «العقد الذهبي» في الثقافة المصرية، هذا المنصب الذي استحدثه «عبدالناصر» في الحكومة التي تشكلت في أكتوبر 1958، ولم يكن في ذهن «عكاشة» أن يصبح وزيرا خاصة أنه أعلن – قبل ذلك بسنوات زهده في السياسة – بعد أن عرض عليه «جمال عبدالناصر» أن يكون عضوا في مجلس قيادة الثورة بعد تشكيله بعد نجاح الثورة مباشرة. وفي ذلك يقول «عكاشة» في مذكراته «حين انضممت إلي الضباط الأحرار كنت أحمل بين جوانحي شعورا ذاتيا بوجوب المشاركة في تحرير الوطن وخدمة الشعب دون تفكير في أن أزج بنفسي في غمرة السياسة، ولهذا وبعد نجاح الثورة تنازلت طواعية عن مكاني الذي عرضه علي جمال عبدالناصر في مجلس قيادة الثورة لزميل فاضل مبتعدا بنفسي عن تيارات السياسة واضعا نصب عيني أن أقدم لوطني ما تسمح به إمكاناتي، وكان تعطشي إلي المعرفة يجعل الكتاب أقرب لي كما كان ولعي بالموسيقي يشدني إلي مواطن النغم». وربما هذا الاهتمام بالمعرفة هو ما جعل «عكاشة» يوافق علي تولي المنصب بل ويعمل علي تطوير الفكرة – خاصة أنه كان يرفضها – لكن بعد أن أقنعه «عبدالناصر» بها سعي جاهدا لتحقيق مبادئ الثورة من خلال العمل الثقافي بإنشاء بنية تحتية تساعد علي النهوض بالعمل الإبداعي في مختلف المجالات، وهذا ربما ما صرح له به عبدالناصر حين قال له: «أصارحك بأني لم أدعك تشغل وظيفة شرفية، بل إنني أعرف أنك ستحمل عبئا لا يجرؤ علي التصدي لحمله إلا قلة من الذين حملوا في قلوبهم وهج الثورة حتي أشعلوها، وأنت تعرف أن مصر الآن كالحقل البكر، وعلينا أن نعزق تربتها ونقلبها ونسويها ونغرس فيها بذورا جديدة لتنبت لنا أجيالا تؤمن بحقها في الحياة والحرية والمساواة». وقد كانت لهذه الكلمات أثر كبير في نفس «عكاشة» وكانت كبيان أولي وخريطة عمل سار عليها ووضع خططها فأنشأ قصورا للثقافة في المحافظات المختلفة لتكون مراكز إشعاع ثقافي في تلك المناطق، كما عمل علي إنشاء مسارح شعبية في الأقاليم فأرسل بخريجي المسرح إلي الأقاليم المختلفة. بالإضافة إلي إنشائه عددا من المسارح وتطوير العمل بالمسرح القومي وأعطي فرصا كبيرة للمبدعين كان ليتألقوا فظهر جيل مسرحي لن يتكرر من الكتاب أمثال محمود دياب وألفريد فرج وميخائيل رومان ومن المخرجين سعد أردش وكرم مطاوع وعبدالرحيم الزرقاني وحسن عبدالسلام، وغيرهم.