د. نبيل رشوان منذ شهر مضى وبالتحديد فى ليلة الرابع والعشرين من شهر فبراير الماضى حدث منعطف خطير فى تاريخ البشرية، فقد بدأت روسيا عمليتها العسكرية الخاصة على الأراضى الأوكرانية، لتكون أول عملية بهذا الحجم بعد الحرب العالمية الثانية. أى تكتيك استخدمه الجيش الروسى، وأى من أنواع الأسلحة كان لها القاسم الأكبر فى هذه العملية وفى حركة القوات، وكيف ستتطور الأمور فى المستقبل المتوسط والقريب على الأقل. الآن وبعد مرور أكثر من شهر على العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا، ورغم عدم حدوث تقدم كبير على الأرض تحدث بعض الخبراء عن أن روسيا سوف تبدأ مرحلة جديدة من العملية العسكرية، فكل الدلائل فى الوقت الحالى تشير إلى أن القوات الروسية تقوم بعملية إعادة تجميع للقوات فى جميع الاتجاهات. المرحلة الأولى الجميع فى روسيا يتحدث عن أن المرحلة الأولى من العملية العسكرية انتهت بنجاح، ووفق الرئيس بوتين" كل شيء يسير وفق ما هو مخطط له"، وتشير القيادة الروسية إلى أن القوات الروسية فى المرحلة الأولى أظهرت قوتها وديناميكيتها، وسيطرت على سماء المعركة رغم أن قوات الدفاع الجوى الأوكرانية التى يتم قيادتها من خلال التنسيق مع حلف الناتو فى بولندا، ورغم ذلك تم تنفيذ كل المهام الموكلة لها ما سرّع من حركة القوات فأنجزت مهامها قبل موعدها، وهى الآن فى وقفة تعبوية، لبدء المرحلة التالية. تحدث بعض الخبراء عن استخدام روسيا لأسلحة شديدة الدقة بعيدة المدى، وعلى وجه الخصوص صواريخ من نوع "كاليبر" والتي أصبحت القوة الضاربة الأساسية فى العملية العسكرية، خاصة أن القوات المسلحة الروسية تمتلك الآلاف من ذلك النوع من الصواريخ، وكما يقول خبراء عسكريون روس أنه لولا استخدام هذا النوع من الصورايخ لكانت نتائج العملية متواضعة جداً. صواريخ كينجال والأهم أنه لأول مرة فى تاريخ الحروب يتم استخدام صواريخ "كينجال" الفائقة السرعة، واستخدامها كان رسالة مهمة للغرب، بسبب قوة ودقة هذه الصواريخ، وعدم قدرة الدفاعات الجوية على اعتراضها، وأشارت بعض وسائل الإعلام لقول الرئيس بايدن الذى قال إنه من غير الممكن اعتراض هذا النوع من الصواريخ. كما وجدت الطائرات المسيرة فى هذه العملية استخدام أمثل لها، ويعترف الخبراء، انه نشأ مبدأ جديد فى العمليات العسكرية تلعب فيه الطائرات المسيرة دورا مهما، خاصة إذا استخدمت بأعداد كبيرة. من البداية كانت خطة العمليات العسكرية موجهة لحصار مجموعات القوات الأوكرانية الكبيرة وحصار المدن، وهو ما حدث بالفعل سواء فى ماريوبل، لكن أثناء سير العمليات اضطرت القوات لتغيير التكتيك بل وأحياناً الإستراتيجية فى بعض أجزاء الجبهة وهو ما أطلق عليه العسكريون "التعلم أثناء سير العمليات"، على أى حال التعديلات كانت تمليها الظروف السياسية، لكن فى الغالب كانت وليدة الظروف العسكرية. لوجانسك الشعبية من نتائج العملية العسكرية حتى الآن كان تحرير ما يسمى بجمهورية لوجانسك الشعبية تقريباً، لكن الموقف معقد بعض الشئ فى ما يسمى جمهورية دنيتسك الشعبية لكن تم تحرير جزء كبير منها، رغم أن عدد القوات الأوكرانية والقوميين المساندين لها من القوميين يبلغ 120 ألف مقاتل. وكما يقول عسكريون روس إن القوات الأوكرانية والتابعين لها من القوميين شيدوا هذه الحصون على مدى أكثر من سبع سنوات وكان قوات جمهوريتى الدونباس ترفض اقتحام هذه التحصينات بشكل مباشر لكن مع اندلاع العملية العسكرية الروسية عجلت عملية الاقتحام، التى تهدف لتحرير دنيتسك بالكامل. حصار ماريوبل فيما يتعلق بمنطقة ماريوبل، تتحدث وسائل الإعلام عن أن اقتحام المدينة مسألة وقت ليس إلا، وتحدثوا عن أن حصار المدينة تم مع بداية العمليات، وكان على الجيش الروسى اجتياز تحصينات الجيش الأوكرانى فى فولنوفاخا، للوصول إلى تخوم ماريوبل، ويقول المحللون العسكريون إن هذا الجزء كان مهما وصعبا فى نفس الوقت للجيش الروسى، وأن حصار المدينة هو الحل الوحيد، بسبب كثافة المدنيين الموجودين فيها، والمقاومة العنيفة التى قد تؤدى لخسائر فى الأفراد لا يرغب فيها القادة العسكريون الروس. ومشكلة ماريوبل ليست فقط فى مساحتها الكبيرة نسبياً ولكن فى أن مصنع الحديد "أزوف ستال" فقط مساحته 11 كيلو متر مربع، بالإضافة إلى الكثافة السكانية، هذا بالطبع بالإضافة إلى رمزية المدينة، حيث أن دخول القوات الروسية للمدينة سيعنى فتح طريق بين الدونباس والقرم. وهذا ما أشرت إليه فى السابق من أن الهدف من العملية العسكرية الروسية التكتيكى النهائى هو السيطرة على طريق من الدونباس مروراً بساحل البحر الأسود والآزوف وصولاً إلى شبه جزيرة القرم بطريق برى، ومن ثم تؤمن روسيا لنفسها منفذ واسع على البحر الأسود، ويصبح بحر الآزوف بحيرة روسية خالصة. هناك أيضاً اتجاه لأن تبدأ القوات الروسية الهجوم فى اتجاه الشمال انطلاقاً من خيرسون التى سيطرت عليها القوات الروسية بالفعل، وهى تنتظر فقط وصول الإمدادات للقيام بالاتجاه شمالاً إلى زوبورجيا، لكن الخوف من القتال العنيف فى تلك المنطقة بسبب وجود أكبر محطة نووية لتوليد الطاقة الكهربية فى أوروبا، بالإضافة لوجود أعداد كبيرة من اللاجئين الذين اختاروا زوبوروجيا كمقر لهم إثر اندلاع العمليات العسكرية. الدفع بالروبل على الصعيد السياسى كان قرار الرئيس بوتين فى إطار رد روسيا على العقوبات الغربية والذى ألزم فيه شركة غازبروم المختصة بتوريد الغاز لأوروبا بتحصيل ثمن الغاز، بالعملة الروسية المحلية "الروبل"، وهو الأمر الذى جعل سعر الدولار ينخفض بدرجة كبيرة فى موسكو لأول مرة منذ بدء العمليات العسكرية، بالطبع هذا القرار كان تعجيزياً لعدد كبير من الدول الأوروبية التى أعلنت عن عدم قدرتها على السداد "بالروبل"، وعلى رأس هذه الدول بولندا وهولندا وبلجيكا، بينما بقى العقد مع صربيا كما هو، أما بلغاريا فقد أعلنت أنها تستطيع فعل ذلك، وتمسكت الدول الأوروبية بشروط العقود الموقعة وهى أن يكون السداد باليورو، من ناحية أخرى لم يذكر الرئيس بوتين فى تكليفه لشركة جازبروم بتحصيل ثمن الغاز المصدر من شركة "نوفاتيك" وهى شركة غاز تابعة لجازبروم، ما يعنى كما قال السكرتير الصحفى للرئيس بوتين دميترى بيسكوف، إن الأمر لا ينطبق عليها فهل تتعاقد الشركات الأوروبية معها من جديد بأسعار غاز أكثر ارتفاعاً وهنا ستكسب روسيا فى نهاية المطاف، أم أن الرئيس بوتين أراد بقراره إجبار الغرب على التواصل والمباحثات من جديد مع روسيا؟ لا أحد يدرى لكن على أى حال القرار وضع الغرب فى مأزق، رغم سعى اليابان لصرف جزء من مخزونها لأوروبا وكذلك الصين، التى ستسعى بعد توجه الغاز الروسى إليها بكميات كبيرة لتعويض السوق الأوروبى لأن ترفع السعر لتحقيق هامش ربح وقد يحدث جدل مع روسيا للشراء بسعر منخفض لتحقيق ذلك، وهناك خط الأنابيب "توركيش ستريم" ومن خلاله تستطيع تركيا تصدير الغاز الروسى إلى اوروبا كأنه من تركيا، مقابل الحصول على عمولة نسبة معينة من غازبروم، كانت روسيا قد تحدثت معها من قبل إلا أنها اشترطت أن تبدى تركيا نشاطاً فى هذا الاتجاه مشيرة إلى أن النسبة ستعتمد على كميات الغاز المباعة للأوروبيين. درس قاس فى كل الأحوال أوروبا تلقت درساً قاسياً وسواء قريباً أو فيما بعد ستسعى أوروبا للاستغناء عن الغاز والنفط الروسيين بأى ثمن، وأتصور أن الحراك الخاص بسرعة الانتهاء من الاتفاق النووى مع إيران يهدف إلى منح الأخيرة فرصة هى فى أشد الحاجة إليها لتصدير الغاز والنفط الإيرانيين مع ارتفاع الأسعار الحالى لتعويض سنوات العقوبات القاسية، وهنا حل آخر قد تلجأ إليه الدول الأوروبية وهى إحياء خطين للغاز والنفط من منطقة بحر قزوين وهما "أوديسا برودى" القادم من بحر قزوين وكان مشروعا أوكرانيا وفشل، وهنا خط "نابوكو" ويهدف إلى نقل غاز تركمنستان وأذربيجان عبر جورجياوتركيا إلى أوروبا ولم يتم تفعيله، لأن الغاز التركمنستانى تشتريه روسيا نظراً لعدم وجود طريق مباشر لتصدير الغاز إلى أوروبا ومن ثم كانت روسيا تشترى الغاز وتقوم هى ببيعه عن طريقها إلى أوروبا وتنقلة من خلال خط الأنابيب الروسى المار عبر أراضيها، نفس المشكلة تواجه أذربيجان، وهو ما أفشل خط أوديسا برودى ونابوكو، وكما نشاهد الآن روسيا لا تخوض عملية عسكرية فقط، ولكنها تقوم بحرب اقتصادية من المتوقع أن تحشد فيها أوروبا والناتو كل أسلحتهم وكل حلفائهم، والأهم هو أن الغاز الأمريكى رغم تكلفته المرتفعة وجد سوقاً فى أوروبا، كما أن الغاز القطرى الذى كان جل تركيزه على جنوب شرق آسيا سيجد طريقا إلى أوروبا، كما أن خط الغاز الإيرانى "الخط الفارسى" قد يستخدم بعد رفع العقوبات، هذا بخلاف أكثر من 3 ملايين برميل نفط إيرانى قد تنزل الأسواق، وبالطبع هناك ليبيا التى من الممكن إغراءها بالهدوء للاستفادة من أسعار النفط والغاز المرتفعين فى المرحلة الحالية فى إعادة البناء وهذا دور أمريكى وأوروبى وعلى وجه الخصوص إيطالى.