عدم عدالة توزيع الأعباء والمصروفات.. وتراجع العدالة الاجتماعية غياب التمكين الاقتصادي الأداة الأساسية لكسر توريث الفقر *بقلم :د هدي أبورميلة أستاذ اقتصاد بجامعة روما تري سابقا وكيل كلية إدارة الأعمال جامعة الأهرام الكندية تعد قضية الفقر والعدالة الاجتماعية من أهم عقبات الاستقرار السياسي والاجتماعي في مصر ومن أهم أسباب الإرهاب والفساد والاتجار في البشر والجريمة، لذلك مثل حجر الأساس في خطة الدولة 2030، حيث استهدفت خفض معدلات الفقر بشكل ملموس لتصل بحلول 2030 إلى 10 ملايين مواطن علي خط الفقر، ورفع معدلات العدالة الاجتماعية من خلال توجيه الانفاق لصالح نمو اقتصادي شمولي يستهدف الارتقاء بجودة حياة المواطن وتحسين مستوى المعيشة وتعزيز الاستثمار في البشر. كما أن استراتيجية الوزارة المالية أحد أهم بنودها مساندة النشاط لتحقيق نمو اقتصادي مستدام من خلال التحفيز المالى للقطاعات الإنتاجية. تعكس وثيقة الموازنة العامة للدول مدى مصداقية الحكومة في تنفيذ آليات محددة عبر الوزارات المعنية للوصول إلى ما هو مخطط من خلال تحليل جانبي الإيرادات والمصروفات الحكومية ومصادر تمويل العجز الحكومي. قد قدم وزير المالىة يوم 25 إبريل مشروع الموازنة إلى البرلمان، والتي استهلها بالآية القرآنية الكريمة " أنما أربد إلا إصلاحا ما استطعت " والإصلاح المقصود بالتأكيد هو ما يصب في مصلحة الطبقات الاجتماعية الدنيا والمتوسطة، محققا بذلك تعهدات خطة الدولة فيما رفع معدلات العدالة الاجتماعية وخفض معنوي لمعدلات الفقر. لكن بتحليل بنود توزيع المصروفات والإيرادات، نجد سياسة مالية موجهة تستدعي زيادة مخاطر بقاء معدلات الفقر علي ما هي عليه، بل وقوع الطبقة المتوسطة حول خط الفقر وعدم عدالة توزيع الأعباء والمصروفات بشكل يعزز من انخفاض معامل العدالة الاجتماعية. جدير بالذكر أن منهجية تناول مشكلة الفقر تتضمن عدة تقسيمات أهمها التقسيم ما بين الفقر النقدي والفقر المتعدد الأبعاد (غير النقدي)، ومنهجية العلاج تستلزم الأخذ في الاعتبار كلا النوعين. الفقر النقدي فيما يخص الفقر النقدي فإنه يقسم ما بين الفقر المدقع والفقر، ويتضمن الجانب الدخلي أو الاتفاقي للأسر والذي حدد الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عند مستوى 8827 جنيها للفرد سنويا اي ما يعادل 735 للفرد شهريا كحد أدنى الحصول على الاحتياجات الغذائية الدنيا للبقاء علي قيد الحياة. الفقر المدقع أما الفقر المدقع الذي يقع فيه الأفراد تحت إمكانية سداد الاحتياجات الغذائية الدنيا البقاء على قيد الحياة حددها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء بما يعادل 5890 جنيها للفرد سنويا أي ما يعادل 490 جنيها للفرد شهريا. وتظهر البيانات أن معدلات الفقر تمثل 29 ٪ من عدد السكان والفقر المدقع 6٪ متوسط علي مستوى الجمهورية وتصل النسبة إلى أضعاف ذلك في محافظات الوجه القبلي وبين الأميين والمرأة والأطفال. الفقر المتعدد الأبعاد أما فيما يخص الفقر المتعدد الأبعاد الذي يتضمن ثلاثة أبعاد رئيسية من التعليم والصحة ومستوى المعيشة (سكن طرق مياه نظيفة) وتتضمن عشرة مؤشرات مختلفة للتقييم والتي لا تتضمن فقط حجم الإنفاق وتسخير الإمكانيات، بل تهيئة البنية التحتية لتسهيل العملية التنموية والتي تسمح بالتوظيف الدقيق للموارد والامكانيات بشكل انتقائي موجه طبقا للشرائح الدخلية والمستوى التعليمي والموقع الجغرافي وحجم وتوزيع الفجوات في الخدمات الاجتماعية طبقا للفئات الأكثر هشاشة. الموازنة والخطة تحليل بنود مشروع الموازنة التي تم تقديمها يلاحظ عدم الاتساق التام مع ما هو مخطط في خطة الدولة 2030. بل نجد الموازنة العامة تضر بالفقراء ومتوسطي الدخل، أولا كمحدودي ومعدومي الدخل، ثانيا كمستهلكين للسلع والخدمات الرئيسية، وثالثا كمستفيدين من خدمات الحكومة المدعومة بما فيها التعليم والصحة. وعلي وجه العموم اتسم مشروع الموازنة الحالية بملامح عامة عكست آثارا سلبية علي كل من معدات الفقر والعدالة. الاجتماعية تمثلت في زيادة معدلات التضخم عن معدلات الزيادة في الأجور العامة، وانخفاض مخصصات الدعم عن الموازنة السابقة، توزيع غير عادل الأعباء والمصروفات لصالح الخمس الأعلى للشرائح الأعلى، وضآلة نسبة المخصص لإجمإلى الدعم والمنح والمزايا ككل، توزيع أعباء سداد الديون الخارجية تجاه الفئات الدخلية الدنيا، وتثبيط مالى للقطاعات الإنتاجية المساهمة في رفع معدلات النمو الاقتصادي المستدام. أثر الموازنة وفي هذا الصدد سنحاول تقسيم آثار بنود مشروع الموازنة علي كل من معدلات الفقر والعدالة الاجتماعية بشكل منفصل، نظرا لاختلاف الشقين من حيث الأولوية والتوابع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. أولا البنود المناقضة لمنهجية معالجة معدلات الفقر: الخلل في جانب المصروفات: تمثل إجمالى المصروفات بمشروع الموازنة حوالى تريليون و 800 مليون جنيه، البند الأكثر ارتباطا بالتأثير في معدلات الفقر بند إجمالى الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية والذي يمثل 17٪ من إجمإلى المصروفات بما يعادل 321 مليار جنيه موزعة بين دعم المواد الغذائية 27٪ ودعم مواد بترولية دعم سلعي 34٪ دعم أدوية وألبان 0.8٪ و دعم مزارعين 0.2٪ بإجمالى 108 مليارات. بينما شق دعم الخدمات الاجتماعية يمثل 56٪ بإجمإلى 281 مليار جنيه موزعة 42٪ صندوق معاشات 3,5 منح و مزايا اجتماعية في واضحة بينما 2,5 ٪ دعم صحي ومعاش الضمان الاجتماعي تكافل وكرامة بما يعادل 19 مليار جنيه. بينما البند الثالث المعتقل في دعم مجالات التنمية بإجمإلى 8,3 مليار ليمثل 2,6 ٪ من بند الدعم والمنح يوزع الجزء الأكبر منه دعم إسكان اجتماعي 7,7 مليار دولار بينما يخصص لدعم الصعيد 250 مليون جنيه ودعم فوائد و قروض كبيرة 280 مليون بما يعادل 0.2٪ من إجمالى بند الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية. والبند الخير هو دعم الأنشطة الاقتصادية ب 12 مليار جنيه بنسبة 3,8٪ من إجمإلى البند موزعة بين تنشيط صادرات وتوصيل غاز طبيعي. إجمالى الدعم الموجه لمحاربة الفقر المدقع والفقر، 87 مليار دعم مواد غذائية + 665 مليون دعم مزارعين+ 19 مليار معاش تكافل وكرامة + 280 فوائد وقروض ميسرة = 107 مليارات تقريبا. بينما المخصصات لخدمة الفقر المتعدد الأبعاد 250 مليون دعم تانية الصعيد + مليار 8,2 دعم صحي =8,45 مليار. إجمالى المخصصات لمواجهة الفقر المدقع و الفقر والفقر المتعدد الأبعاد يعادل 115,5 مليار بما يعادل، 36٪ من بند الدعم والمنح و 6,38 ٪ من إجمالى مصروفات الموازنة. هذا باستثناء بند المخصصات الموجهة لقطاع التعليم. وهي تعادل 172 مليار جنيه بنسبة 9,3 من إجمالى المصروفات ولكنها غير موجهة طبقا للشرائح الدخلية وغير موضح التوزيع طبقا للموقع الجغرافي، وهنا يجب الإشارة إلى دور الانفاق التعليم في خفض الفقر حيث يرتبط ارتباطا وثيق بتوريث الفقر حيث احتمال تعرض اطفال يترأس أسرتهم أمي الفقر المدقع لما يعادل ضعفين نظيره في حالة أن يترأس الأسرة فرد حصل على التعليم الابتدائي. وإذا تم إضافه مخصصات التعليم إلى بند محاربة الفقر المتعدد الابعاد يصبح الإجمالى 287 مليار جنيه بما يعادل فقط 16٪ فقط من إجمالى المصروفات. التمكين الاقتصادي التمكين الاقتصادي الموجه الطبقات التي تقع في دائرة الفقر المدقع والفقر هو الأداة الأساسية لكسر توريث الفقر وخروج تلك الفئات من برامج الحماية الاجتماعية. من خلال بنود الموازنة ينصح أن اجمالى الدعم الموجه لتحفيز الأنشطة الإنتاجية لتحفيز نمو شمولي هي 280 مليون جنيه دعم فوائد و قروض ميسرة المشروعات الصغيرة. + 665 مليون دعم مزارعين بإجمإلى 945 مليون جنيه بما يعادل 0,052 ٪ من إجمالى المصروفات العامة. هنا يجب الإشارة إلى أثر الموقع الجغرافي في توريث الفقر، حيث تعرض توريث الفقر لأطفال المناطق الريفية 3,6 أضعاف المناطق الحضرية. ثانيا البنود المناقضة لخفض معدلات العدالة الاجتماعية: خلل جانب الإيرادات: حيث إجمالى إيرادات الموازنة العامة تريليون و365 مليار تمول العوائد الضريبية 72٪ منها .وتنقسم تللك العوائد الضريبية إلى شقين رئيسين كلاهما يؤثر بشكل عالى علي معدلات العدالة الاجتماعية شق الضريبة العامة الذي بمثل 50٪ و شق القيمة المضافة الذي يمثل 38٪ وينصح ذلك التأثير فيما يلي: أولا شق الضريبة العامة يتحمل أدنى خمسي الشرائح الدخلية العبء الأعظم كالتالى ضريبة الأشخاص الطبيعية التي تشمل مرتبات ونشاطا تجاريا و مهنيا تمثل 37 ٪ من الضرائب العامة وحصيلة ضرائب المرتبات والأجور تمثل 61٪ منها بينما الباقي من أصحاب النشاط التجاري والمهن، وبالتإلى يتحمل أصحاب الدخول الدنيا والمتوسطة. (تشمل كبار موظفي الدولة) العبء الأعظم. ويجب إعادة النظر في هذا البند جملة وتفصيلا كالاتي: حد الإعفاء الضريبي الحالى 15 ألف جنيه سنويا ما يعادل 1025 شهريا للأسرة ، متوسط عدد أفراد الأسرة 4 يكون نصيب الفرد النقدي من هذه الفئة الداخلية 256 شهريا وهو ما يعادل خط الفقر المدقع. النظام الضريبي التصاعدي الحالى لا يعمل في اتجاه رفع معدلات العدالة الاجتماعية حيث نوزع العبء الضريبي تتحمله نقديا وغير نقدي الطبقة الدنيا وتحت المتوسطة والمتوسطة كالتالى : -إخضاع الشرائح الدخلية المستحقة للدعم الاجتماعي وحتي 30 ألف إلى تطبيق قيمة ضريبية 2,5٪ و هي نفسها الشريحة التي تقع تحت خط الفقر حيث متوسط دخل الفرد الشهري 625 جنيها. -إخضاع الشرائح الدخلية الواقعة علي أو قرب خط الفقر لضريبة 10٪ وهي الشريحة الدخلية حتي 45 ألف جنيه بما يعادل 3850 جنيها للأسرة، 937 للفرد ( خط الفقر طبقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء 745 للفرد شهريا). -إخضاع الشرائح الدخلية العليا التي تمثل الخمس الدخلي الأعلي إلى 22 – 25٪ وهي الشريحة. حتي 400 ألف سنويا أو ما فوق 400 ألف سنويا. أي أن العبء الضريبي لأعلي خمس دخلي يزيد ب 20 عن أقل خمس دخلي في حين أن الفارق الدخلي بين 30 ألف جنيه سنويا وما فوق 400 ألف سنويا . الضريبة المضافة -المسؤولة عن تمويل حوالي 38٪ من الضريبة العامة والتي تضيف عبئا ضريبيا غير مباشر علي الشرائح الدخلية الدنيا، حيث أن 53٪ يطبق علي السلع المحلية والتي تتسبب في رفع الأسعار على السلع الغذائية الأساسية التي تمثل المصدر الغذائي الأساسي لتلك الشريحة .