كان بسط الحريات الدينية سبباً رئيسياً لوضع السودان في قائمة الإرهاب لمدة 27 عاما، وقائمة الدول ذات القلق" في الحرية الدينية لمدة 23 عاما، لذا كان لا بد من إيجاد مخرج لتلك الدائرة السياسية المُحبطة، فالسودان فى ثوبه الجديد يبحث عن التخلص من قيود قيدته على مدار عقود من الزمن، أبرزها ملف الحريات الدينية والمواطنة، ويتطلع لمواكبة التطور الإقليمى من حوله. وحول ما يثار بشأن مسألة فصل الدين عن الدولة، اعتبر وزير الأوقاف السودانى " نصر الدين مفرح" أن القضية المطروحة الآن في السودان هي "إيجاد مشروع وطني واحد يجمع كل السودانيين، لا يقوم على أساس ديني أو أساس إثنى أو قبلى، بل على أساس المواطنة والحقوق والواجبات. فالوثيقة الدستورية ووثيقة سلام جوبا كانتا واضحتين تماماً فى مبادئهما، بأنه يحظر قيام حزب سياسي على أسس دينية، فقانون الأحزاب الذي قد يجاز في الفترة المقبلة "سينص على ذلك، أما عن إلغاء حد الردة، فهو من الأحكام المختلف حولها في المذاهب الإسلامية، ولذا "تم إرجاؤه حتى قيام المؤتمر الدستوري الجامع للبت فيه. كما تم إثارة قضية إباحة شرب الخمور لغير المسلمين، حيث إن حكم شرب الخمر يختلف باختلاف الأديان والمذاهب، ولذا لن تطبق العقوبة على غير المسلمين. على الحانب الآخر، شَنّ نائب رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية "محمد الأمين إسماعيل"، هجوماً على الاتفاق الإطاري الذي وقّعه رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق "عبدالفتاح البرهان"، ورئيس الحركة الشعبية شمال "عبدالعزيز الحلو" في جوبا، ونص على فصل الدين عن الدولة، وأضاف مهدداً والله لن يفصل الدين عن الدولة إلا إذا فُصلت رؤوسنا. هذا بالإضافة إلى المقالات الهجومية للكاتب الإسلامى "الطيب مصطفى"، والذى هاجم بدوره هو أيضاً مجلس السيادة والبرهان شخصاً. أما عن جنوب السودان الذى يلتقي بإخوته في الخرطوم (الصحة – التعليم – التعليم العالي – العمل – الخدمة المدنية) لتعزيز الخبرات والتدريب بين الدولتين، لحل المشاكل الموجودة في تلك القطاعات وذلك في إطار تفعيل (الحريات الأربع) وهو ما سيعطي المواطن أيضاً حق التنقل والإمتيازات الأخرى، لكن اتفاق الحريات الأربع كان منذ عام 2012م مع النظام السابق، وجميع المسؤولين منذ ذلك الوقت يسعون لحل القضايا العالقة، لكن لم تتمكن من إجراء اختراق فيها. ويرى العديد من المراقبين أن فصل الدين عن الدولة، فى دولة متعددة الأعراق والإثنيات والديانات كدولة السودان، حل جذرى للعديد من المشكلات، أبرزها وضع حد لحمل السلاح والحروب الأهلية والعرقية، واستتباب الأمن، وسيطرة الدولة أمنياً داخلياً على الحفاظ عليه. لكن فى المقابل، يلوح فى الأفق أن بقايا جماعة الإخوان وكتائبها الإليكترونية، بجانب الحركات الإسلامية والجهادية السودانية، ستعمل على تأجيج صراع لا جدوى منه، وبدلاً من أن يلتفت السودان لحل مشكلاته الاقتصادية والسياسية ووضع خريطة انتخابية تشريعية ورئاسية، وحل مشكلة الحدود مع إثيوبيا، ناهيك عن مشكلة سد النهضة الأزلية، والتى يبدو أن مداها الزمنى سيطول، وعواقبها الاجتماعية والسياسية والعسكرية ستتفاقم تلقائياً خلال هذا العام. وفى أثناء هذا الحدث، هناك مناورات جوية مصرية سودانية يتم إجراؤها فى قاعدة مروى العسكرية، وهناك حملات عسكرية لنزع السلاح فى دارفور، وهناك اشتباكات عسكريك سودانية إثيوبية على الحدود السودانية، لذا يتساءل البعض هل تم إساءة اختيار التوقيت أم أنه توقيت مناسب للإعلان عن مثل هذه الخطوة؟! اتفاق السلام فى جوبا ومسار الشرق فى السودان، الذى اقترح المستشار توت قلواك وآخرون يعملون في هذا المحور، أن لدى السودان تحديات، ويجب تكوين لجنة المتابعة بعضوية كل من مصر وقطر ودول أخرى، ضامنة للإتفاقية لمتابعتها بالإضافة، لإقامة لجنة وطنية لمتابعة تنفيذ الإتفاقية. ولم يتم تشكيل تلك اللجان بعد، بالإضافة إلى تشكيل لجان أمنية للتنفيذ وهو مرتبط بمجلس السيادة لأن هذه اللجان سوف تسهل عملية تنفيذ إتفاق جوبا في معالجة ما تبقى للإتفاق ، لذا على رئيس مجلس السيادة الفريق"البرهان" والأطراف الأخرى، تشكيل لجنة الترتيبات الأمنية لأنها ضرورة. ولكن فى كل الأحوال، إن تطور الفكر السياسي الإسلامي المعاصر يضع التيار الإسلامي الوطني العريض في السودان أمام تحدي ضرورة اجتراح فكر وممارسة سياسية جديدة، تكون الأولوية فيه مركزة على قضايا وقف الحرب وبناء ثقافة السلام وسط المجتمع، وتعزيز قيم التماسك الاجتماعي والوحدة الوطنية، والتراضي والتوافق مع كل القوى السياسية الوطنية لبناء دولة العدالة والقانون والديمقراطية والتي تسع الجميع بتنوعهم الديني والايديولوجي، والاثني والهوياتي، تكريساً لقيمة التداول السلمي في الحكم وتحقيقاً لمشروع التنمية الوطنية السودانية المستدامة، وهذه قيم أزلية وثابتة في كل الديانات والشرائع السماوية والوضعية.