تتفاقم أزمة نقص الحضانات يوم بعد يوم، لعدم توفرها فى المستشفيات الحكومية بشكل كبير لحديثي الولادة، وارتفاع تكلفتها الباهظة فى المستشفيات والمراكز الخاصة، حيث وصل سعرها فى المتوسط 2500 جنيه فى اليوم الواحد وحسب حالة الطفل، فالحضانات تحولت من أداة لإنقاذ العديد من أرواح أطفالنا الأبرياء إلى تجارة وسمسرة لجني الكثير والكثير من الأموال. فمشاكل الحضانات للأطفال حديثي الولادة، ترجع إما للعجز الضخم فى فريق التمريض المدرب، أو عدم توافر سرير الحضانة من الأساس، الذي يحتاجه الطفل، مما خلق سوقا موازيا من الحضانات فى القطاع الخاص ولكن بأسعار أضعاف مضاعفة. تجولت "الأهالي" داخل مستشفى "أبو الريش" لرصد معاناة العديد من الأسر فى الحصول على سرير داخل حضانة الأطفال، ولكن كانت الصدمة الكبرى، بوجود حالات فى الانتظار على سلالم المستشفى، أكثر من عدد الأسرة الموجودة فى قسم حضانات الأطفال ولم يكن أمامهم غير حلين أما الانتظار بتحسن إحدى الحالات وإخراجها أو البحث خارج المستشفى عن سرير بديل. قالت سناء يحيى، إن تكلفة الحضانة داخل المستشفى الخاص 2300 جنيه لليوم الواحد، وأن طفلها موجود داخل الحضانة بالمستشفى منذ 10أيام وتقوم بدفع الحساب يوميا لإدارة المستشفي، حتى لا يقوموا بإخراج الطفل ويتعرض للخطر، مؤكدة أن الطفل مصاب بنقص فى تكوين الرئة والمخ ويجب أن يتواجد داخل حضانة مجهزة، حتى يكتمل نموهم، وأن تكلفة الحضانة تزيد فى بعض الأحيان وترتفع إلى 2700 جنيه بسبب الأدوية التي يتناولها الطفل عن طريق الأجهزة. لم تكن حالة سناء الوحيدة، التي تعاني من أسعار الحضانات داخل القطاع الخاص، فقالت أسماء محمود، التي التقينا بها فى مستشفى أبو الريش، إنها منذ يومين تبحث عن حضانة لطفلتها الرضيعة، ولكنها بعد الكثير من البحث، أدركت أنها لا تستطيع إدخال ابنتها " حضانة خاصة " سوى ليوم واحدة، بسبب ارتفاع تكلفتها، لذلك تنتظر على سلالم مستشفى " أبو الريش " حتى تحسن صحة طفل من الحضانة وإخراجه، ووضع ابنتها. وأضافت أن الدولة يجب أن توفر حضانات لمحدودي الدخل، الذين لا يقدرون على دفع أسعار المستشفيات والمراكز الخاصة، قائلة : " أنا جوزي ارزقي، يوم فيه فلوس ويوم لا، اعمل أيه، اسيب بنتي تموت، ارحمونا وارحموا أولادنا اللي بيموتوا كل يوم من المرض ". العجز أما محمد جمعة، فقال أنه عايش الكثير من الآلام، بسبب هذه المشكلة، حيث أنه منذ 4 سنوات، فقد ابنته، بعد رحلة كبيرة من البحث عن حضانة فى المستشفيات الحكومية، لعدم قدرته على دفع تكلفة المستشفى الخاصة، موضحا أنه بعد مرور 24 ساعة على ابنته فى مستشفى أم المصريين دون حضانة، توفت. وأضاف أنه أثناء ولادة زوجته، هرع بها إلى مستشفى أم المصريين، لقربها من منزله، ولكن الأطباء رفضوا استقبالها، لعدم توافر حضانات، مما دفعه للبحث هو وعائلته فى أماكن مختلفة، للعثور على سرير حضانة فارغة، ولكن دون جدوى. وقال الدكتور أحمد عبدالفتاح، أستاذ طب الأطفال بمستشفى أبو الريش، إن تكلفة الحضانة بمستلزماتها ومنها جهاز التنفس الصناعي والمتابعة والسرنجات الكهربائية، وجهاز الأشعة يتجاوز ربع مليون جنيه، كما أن تكلفتها شهريا تتراوح ما بين 9 إلى 12 ألف جنيه. وأضاف أن السبب الرئيسي فى أزمة الحضانات، هو العجز الضخم فى فريق التمريض المدرب، فلابد من وجود ممرضة لكل حضانة، ولكن الواقع عكس ذلك، لافتا إلى أن هناك عدة أماكن ومستشفيات بها حضانات لا تعمل، بسبب عدم وجود تمريض وعدم وجود عائد مادي مجز مقابل عملهم. وشدد على ضرورة مضاعفة عدد الحضانات الحالية، فالمستشفيات الحكومية تحتاج إلى 500 ألف حضانة، لتغطية الأطفال المبتسرين سنويا، مبينا أن هناك 2 مليون مولود سنويا، يمثل 10% من هؤلاء المواليد، أطفال مبتسرون أي ما يعادل حوالي 200 ألف طفل، لديهم مشكلات فى التنفس أو عيوب خلقية ونصف هؤلاء المبتسرين يحتاجون إلى الدخول لحضانة. وأشار إلى أن الحضانات لها 3 مستويات، الأول بسيط لطفل مصاب بصفراء، ويحتاج لعلاج بالضوء أو أم لديها السكر، أما المستوى الثاني هى الأمراض الأكثر شدة، كما أن المستوى الثالث هم الأطفال المحتاجون إلى جراحة ولديهم مشكلات كبيرة فى عملية التنفس أو القلب، وتكون مكلفة وتسمى حضانة رعاية مركزة. وأكد أن الحل يكمن فى زيادة أعداد التمريض وزيادة الأطباء فى تخصصات جراحات القلب والأطفال والوراثة خاصة، لأن أمراض التمثيل الغذائي تمثل أزمة للأطفال المبتسرين، لافتا إلى أن نسب الإشغال فى الحضانات بالمستشفيات الحكومية تتراوح من 60 إلى 70%، كما أن نسب العجز أيضا بسبب قلة الحضانات فى المستوى الثالث المختص بالحالات الحرجة، ويحتاج الطفل إلى أن يظل فيها فترة طويلة تصل إلى 3 شهور على عكس الحضانات فى المستويات الأولى والثانية، التي لا تخدم الحالات الحرجة. ارتفاع التكلفة كما قال الدكتور محمد عبد الفتاح، استشاري طب الأطفال، إن أزمة الحضانات متفاقمة، وستظل مستمرة رغم أن الحلول معروفة، ولكن لن تحل الأزمة نهائيا، لعدم تأثير مصالح أصحاب الحضانات فى القطاع الخاص، مؤكدا أن متوسط تكلفة حضانة العناية المركزة بالمستشفيات الخاصة تجاوزت 3000 فى اليوم فى المستوى الثالث للحالات الأكثر خطورة. وأضاف أن المستوى الثاني للحالات الأقل خطورة تبلغ التكلفة من 1500 إلى 2000 جنيه، بينما فى المستوى الأول تبلغ التكلفة فى المتوسط 1000 جنيه، بالإضافة إلى التكلفة الحقيقية التي تتحملها المستشفي، ونسبة الربح الذي تحصل عليه حسب أسعار المستلزمات التي تدفعها المستشفي، ويرجع كل منهم لضمير صاحب المركز أو المستشفى،بالإضافة إلى غياب الرقابة على أسعار الحضانات فى المستشفيات الخاصة، فكل مستشفى يقوم بتسعيرة مختلفة عن المستشفيات الأخرى. وأشار إلى أن من ضمن أسباب الأزمة عدم وجود نظام إحالة بين الحضانات، فمثلا طفل دخل حضانة الرعاية المركزة استمر فيها عده أيام، ويحتاج إلى أن ينتقل إلى حضانة أقل فى المستوى الثاني بعد تحسنه، لكي يتم توفير مكان فى الحضانات ذات المستوى الثالث لطفل آخر حالته خطيرة، ولكن هذا لا يحدث مما يسبب أزمة بسبب سوء التوزيع وعدم الإحالة. وأكد أن الأسباب تشمل أيضا الانتقاء فى المستشفيات الحكومية، واختيار الحالات الأسهل لعلاجها، وترك الحالات الأصعب بحجة عدم وجود مكان، موضحا أن هناك 25000 مولود مصاب بتشوهات خلقية فى القلب يحتاجون لحضانات من المستوى الثالث للحالات الأكثر خطورة. وأوضح أن نسبة الأطفال بوزن 1500 جرام أو أقل عند الولادة تمثل من 15% إلى 35% من مجموع الدخول للحضانات، بينما تمثل نسبة الوفيات فى الأطفال بوزن 1500 جرام أو أقل 50 % إلى 55%، بالرغم من وصولهم إلى مكان العلاج، وهذا يدل على أن عددا كبيرا لا يصل إلى مكان تلقى الخدمة فى الوقت المناسب، بالإضافة إلى عدم المساواة عند قبول الحالات. أما الدكتور علاء غنام، عضو لجنة قانون التأمين الصحي الشامل، فأكد أن منظمة الصحة العالمية قسمت الدول إلى 3 شرائح فيما يخص نسبة الأطفال المبتسرين الذين يحتاجون إلى حضانات، ففى الدول عالية الدخل لا تزيد النسبة على 1% من إجمالي المواليد، أما الدول شديدة الفقر فتصل النسبة إلى25%، وفى الدول متوسطة الدخل ومنها مصر لا تقل النسبة عن 10%. وأضاف أن عدد الحضانات التابعة لمستشفيات وزارة الصحة والجامعية والخاصة يوجد بها عجز حوالي 5000 حضانة وفقا لعدد المواليد، مبينا أنه فى حالة استبعاد المستشفيات الخاصة، سيصل العجز إلى 9000 حضانة.