بعد وفاة 3 مرضى مصابين بالفشل الكلوي وإصابة 13 آخرين بمستشفى ديرب نجم المركزي بمحافظة الشرقية، بغيبوبة أثناء تلقيهم جلسات الغسيل الكلوي، أثر عطل مفاجئ فى الأجهزة، لذلك تفتح " الأهالي " ملف وحدات الغسيل الكلوي الحكومية والخاصة وإجمالي ما يتحمله المواطن والدولة، وسط تزايد معدلات الوفيات بين مرضى الفشل الكلوي بالمقارنة بالمعدلات العالمية. حسب آخر إحصاء صادر عن الجمعية المصرية لأمراض وزراعة الكلى، يبلغ عدد مرضى الغسيل الكلوي نحو 60 ألف مريض يحتاج كل مريض لعدد 13 جلسة شهريا على أقل التقديرات بواقع 3 جلسات أسبوعية وغالبية المرضى دون سن الخمسين من إجمالي أعمار المرضى. ووفقا لمركز مكافحة الأمراض واتقائها، يحتل مرض الفشل الكلوي المركز السابع فى القائمة التي تضم أكثر عشرة أمراض أخرى مزمنة، قد تؤدى إلى الوفاة فى مصر، وذلك بعد أمراض القلب والسكتة الدماغية والسرطان، وتقدر معدلات الإصابة بالمرض ب 74 شخصا لكل مليون نسمة، والعدد الكلى للمرضى الذين يخضعون للغسيل الكلوي هو 264 شخصا لكل مليون نسمة، حسب إحصاءات صادرة عن منظمة الصحة العالمية، ولا يزال معدل انتشار هذا المرض فى ارتفاع فى معظم دول العالم مثل اليابان والولايات المتحدةالأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي. وفى بعض الحالات يصاب المريض بالفشل الكلوي، بفيروس الالتهاب الكبدي الوبائي" فيرس سي"، بسبب عدم الفصل بين أجهزة الفشل الكلوي وباقي اﻷجهزة، وتعد مأساة حقيقية للمرضى أن تحدث لهم مضاعفات أخرى، بالإضافة إلى مرضهم بالفشل الكلوي. كما تزداد معدلات الإصابة بالمراحل المتأخرة من الفشل الكلوي بمناطق مختلفة فى كل أنحاء الجمهورية، وذلك مع مرور الوقت، وبالرغم من أن المعدلات المذكورة فى السجلات الرسمية أقل بكثير من المعدلات الحقيقية الموجودة على أرض الواقع إلا أنها فى كلا الحالتين معدلات مرتفعة نسبيا، فالعلاج بالغسيل الكلوي متوفر الآن فى أغلب المستشفيات والمراكز الصحية المتخصصة، ولكن ما زالت تكاليف الغسيل الكلوي أو زراعة الكلى، عائقا أمام أغلب مرضى المراحل المتأخرة من الفشل الكلوي، وبالتالي أصبح من الضروري تحويل إدارة الطب العلاجي إلى طب وقائي، تقليلا للتكاليف الخاصة بالعلاج، حيث تخطط وزارة الصحة حاليا لفكرة إنشاء برنامج للكشف المبكر عن مرض الفشل الكلوي المزمن والوقاية منه. تكلفة العلاج تبلغ تكلفة علاج المريض الواحد بالفشل الكلوي التي تتحملها الدولة حوالي 40 ألف جنيه، وخصصت وزارة الصحة نحو 5.4 مليار جنيه للعلاج على نفقة الدولة هذا العام، خاصة أن أكبر مستهلك للعلاج على نفقة الدولة هم مرضى الغسيل الكلوي، بواقع 25% أي ما يوازى مليارا و200 مليون جنيه سنويا. وكانت الجلسة الواحدة للكلى تكلف المريض 140 جنيها زادت إلى 200 جنيه، مما يؤدى إلى ارتفاع ميزانية الدولة 600 مليون جنيه، ثم زادت قبل شهور إلى 400 جنيه، نتيجة تزايد أسعار المستلزمات الطبية والفلاتر الخاصة بعمليات الغسيل الكلوي، والتي تتحملها الدولة كاملة وتسددها لأصحاب المراكز الخاصة بالغسيل الكلوي فى المستشفيات الحكومية. حادث ديرب نجم الإهمال الطبي وغياب الرقابة، مشهد يتكرر بين الحين والآخر،ويعرض حياة مئات المرضى للخطر يوميا بالمستشفيات الحكومية والخاصة، دون رقابة حقيقية من جانب الأطراف المعنية، إلا بعد حدوث كوارث ووفاة العديد من المرضى، فيعتبر حادث ديرب نجم، هو الأعنف فى تاريخ مرضى الغسيل الكلوي حتى الآن، بعد 4 أشهر من افتتاح وحدة الغسيل الكلوي بالمستشفى، والذي كانت بمثابة طوق النجاة، لأغلب أهالي المناطق المجاورة، ممن يتكبدون عناء ومشقة السفر لخارج المحافظة، وتضم الوحدة 46 ماكينة غسيل، يتردد عليها 157 مريضا. أقصى عقوبة ومن جانبها قالت الدكتورة هالة زايد، وزيرة الصحة والسكان، إن هذه الواقعة لن تمر مرور الكرام، بل سيتم توقيع أقصى عقوبة على كل المتسببين فى هذا الحادث الأليم، مؤكدة أنه لا تهاون فى حياة المرضى، حيث تم إحالة مدير مستشفى ديرب نجم ومدير وحدة الغسيل الكلوي بالمستشفى للتحقيق. وأعلنت تشكيل لجنة عليا لفحص جميع الأجهزة من مصاعد ورعايات مركزة وغرف أشعة وماكينات الغسيل الكلوي فى جميع محافظات الجمهورية، للتأكد من سلامتها، وبالتنسيق مع المحافظين خلال جدول زمني محدد. وأوضحت أن المحاليل والمستلزمات الطبية، والماكينات المستخدمة فى جلسات الغسيل الكلوي آمنة تماما، حيث تم اخذ عينات من كل المستشفيات بمحافظات الجمهورية وتشكيل فرق مرورية، للتأكد من سلامة المحاليل وماكينات الغسيل الكلوي على مستوي مديريات الشئون الصحية. وقامت » زايد » بتشكيل لجنة لمتابعة تداعيات هذا الحادث مشكلة من 2 من أساتذة جامعة الزقازيق، و2 من الاستشاريين بمستشفى الأحرار، برئاسة أستاذ سموم من جامعة السويس، موضحة أنه تم سحب عينات من مياه وحدة الغسيل الكلوي بعد المعالجة و التي يتلقاها المريض مباشرة. وأضافت أنه تم أيضا اخذ عينات من محطات مياه ديرب الرئيسية، بالإضافة إلى محطة ديرب السوق، لافتة إلى أن هاتين المحطتين هما المغذيتان لمدينة ديرب والمستشفى، كما تم اخذ عينه من صنابير المياه بالمستشفى وعينة أخرى من »معصرة زمزم" المتواجدة بجوار المستشفى وعينة من المركز الطبي، وإرسالهم للتحليل بالمعامل المركزية بوزارة الصحة. ضغوط للاستقالة ومن جانبه أكد الدكتور فريد حافظ، مدير مستشفى ديرب نجم السابق، أن وكيل وزارة الصحة بالشرقية قام باستدعائه، ومارس عليه ضغوطا ليقدم استقالته يوم الأربعاء الماضي، قبل وقوع حادث الغسيل الكلوي. وأضاف فى تصريحات صحفية، أن آخر يوم فى منصبه كمدير للمستشفى كان يوم الأربعاء الماضي، مضيفا :" المرضى غسلوا وكانوا زى الفل، حتى استقالتي وبدأت المشكلات من أول يوم السبت، وطلبت من وكيل وزير الصحة من قبل بتغيير الفلاتر ولكن لم نجد أي استجابة، وكانت النتيجة تقديم استقالتي قبل خروجي على المعاش بشهر ». كما أكد محمود فؤاد، مدير المركز المصري للحق فى الدواء، أن كارثة وفيات مستشفى ديرب نجم، هي الأعنف فى تاريخ مرضي الغسيل الكلوي، مبينا أن زيادة عدد الوفيات والإصابات كانت بسبب شكوى دائمة لمرضي الغسيل الكلوي وهي نفس الشكوى، التي امتدت إلى مستشفيات أخري منذ سنه خاصة بعد تحرير سعر الصرف والتي بسببها ارتفعت تكاليف الصيانة والفلاتر للماكينات. وتابع أنه من خلال شهود من المستشفى وأهالي المرضي، تأكد أن الوحدة الخاصة بالغسيل الكلوي كانت تحت الصيانة، قبل الحاث بيوم ليلا، لمعالجة المياه المخصصة التي تنفذها الشركة المصرية الدولية الهندسية، التي تعاقد معها مديرية الصحة بالشرقية، وتم تسليم الوحدة استعدادا للعمل، ومن ثم كان من المفترض أن يجرى لها عمليات تجريب قبل الاستخدام، للتأكد من سلامته، ولكن تم تشغيلها فى الصباح بشكل طبيعى وأثناء جلسات الغسيل، التي تتم للمريض ثلاث مرات أسبوعيا، والجلسة تمتد إلى ساعتين، حدث تعطل للأجهزة لم يعرف سببه حتى الآن. وأشار إلى أن عددا كبيرا من وحدات الغسيل بالمستشفيات، تعاني من عدم وجود صيانة مستمرة أو تغيير الفلاتر أو المرشحات والمحاليل، حيث يتم الغسل ل حوالي 25 ألف مريض، وينتظر الدور حوالي 25 آخرين. مخاطر الغسيل تكمن مخاطر الغسيل الكلوي فى أن أغلب المراكز الخاصة والحكومية تستخدم محلول » الأسيتيت » فى جلسات الغسيل لمعالجة الفشل الكلوي، فى حين أن عدد المراكز التي تستخدم » البى كربونايت » قليل للغاية، بالرغم من أن الدراسات أكدت أن » الأسيتيت » منع استخدامه فى العديد من بلدان العالم لأضراره، حيث يؤدى إلى هبوط عضلة القلب، وهبوط فى ضغط الدم، وتستخدمه مراكز غسيل الكلى سواء الحكومية أو الخاصة لانخفاض تكلفته، دون وضع اعتبار لمدى خطورة ذلك. والأخطر أن باقي مستلزمات الغسيل خاصة » المرشح » لا تصلح، حيث تستخدم الفلاتر أكثر من مرة فى جلسات الغسيل دون تعقيم، ما يعرض حياة المريض للخطر، والأخطر من ذلك أن الكثير من الذين يقومون بالغسيل الكلوي أصيبوا بفيروس » سي »، وأن معدلات الإصابة بالعدوى تنخفض فى المراكز الحكومية، بسبب تجميع المرضى حسب حالتهم المرضية، بينما ترتفع فى الخاصة لقلة عدد أجهزة غسيل الكلى فيها، وقبولها المرضى المصابين بفيروس » سي،و بى » وأصبح الغسيل الكلوي المصدر الأول فى الإصابة بالالتهاب الكبدي الوبائي. وقال محمد السيد، أحد المرضى بمستشفى التأمين بالفيوم، إنه يقوم بغسيل الكلى منذ 9 سنوات، قائلا : » نعاني من عدم وجود أطباء فى النوباتجيات بمستشفى التأمين الصحي ودائماً ما يعاني قسم الغسيل من عدم وجود أي رعاية صحية أو أطباء ولو حدث أي ظرف لأي مريض لا يجد من ينقذه، فلا يجد أمامه سوي أن ينقل إلى العناية المركزة أو يموت ». وأضاف أنه يوجد نقص شديد فى ماكينات الغسيل الكلوي بمستشفى التأمين الصحي بالفيوم، بالإضافة إلى تهالك بعض الأدوات المستخدمة فى جلسات الغسيل الكلوي وأنهم يقضون ساعات طويلة فى انتظار عمل الجلسات، بجانب تعطيل المصاعد شبه الدائم، وذلك يزيد من آلام المرضي حيث يحتاجون إلى كثير من الراحة. أما محمود، أحد المرضي والذي يقوم بالغسيل فى مستشفى التأمين الصحي بالفيوم من حوالي 15 سنة، فأكد على أن أطباء القسم يقومون باستغلال المرضي والمتاجرة بهم لتحقيق مكاسب مادية لهم، لافتا إلى أن القسم كان يسعر » قسطرة المريض" كل جلسة ب 200 جنيه فى حين أنها فى أي مكان خارجي سعرها 150 جنيها فقط، بخلاف سعر الجلسة 160 جنيها عن كل جلسة غسيل. وأضاف أن أحد الأطباء قام برفع العلاج الذي يصرف لمرضي القسم وفلاتر الفسفور لحسابه الخاص ليقوم كل مريض بشرائها من الخارج، قائلا : » أنا عندي نسبة الفسفور مرتفعة وأحتاج إلى هذه الفلاتر ولا يمكنني تحمل كل هذه الأعباء المادية لكل جلسة »، مبينا أن الجلسة الواحدة تتكلف أكثر من 600 جنيه فى حين أنه من المفترض أنها 140 فقط ولكن الاستغلال وتجارة أطباء القسم لا ترحم المرضي. الإصابة ومن جانبه قال محمود فؤاد، مدير المركز المصري للحق فى الدواء، إن هناك حالات اكتشفت التهابات وبائية وفيروس » سي » والإيدز، ناتجة عن ملوثات تعرض لها المرضى بعد عمليات الغسيل الكلوي، لافتا إلى وجود أكثر من 60 ألف مريض يقوم بالغسيل الكلوي، ويعانون الأمرين بسبب بعد المسافات، والنقص الهائل فى المحاليل والمرشحات والفلاتر، بالإضافة إلى الإصابة بأمراض خطيرة منها فيروس » سي، بى ». وأضاف أن الحكومة فى الفترة الأخيرة رفعت سعر الجلسة إلى 400 جنيه، دون النظر إلى الأعباء المستمرة على المريض، حيث إن حالات الغسيل، تعتمد على نفقة الدولة والتأمين الصحي لسعرها المرتفع، ويحتاج المريض إلى 3 أو 4 مرات فى الأسبوع الواحد، أي ما يعادل 1200 فى الأسبوع، موضحا أنه لا يوجد شخص يستطيع دفع تلك المبالغ فى الأسبوع الواحد. جلسة طارئة أما النائب مصطفى أبو زيد، وكيل لجنة الصحة بمجلس النواب، فقال إن ما حدث كارثة كبرى، ولا بد من معاقبة كل من تسبب فى هذه الكارثة، حتى يكون عبرة لكل شخص مقصر فى أداء عمله، مؤكدا على أن الطب الشرعي سيحدد من المسئول عن تلك الواقعة، سواء بسبب الأجهزة المستخدمة أو أي شيء آخر. وطالب باتخاذ كل الإجراءات القانونية لكل من تسبب فى هذا القصور، سواء كان هذا القصور نابعا من وكيل وزارة الصحة بالشرقية، أو مدير المستشفى، أو رئيس وحدة الغسيل الكلوي، أو عمال الصيانة، مؤكدا على أنه طلب من الدكتور على عبد العال، رئيس مجلس النواب، عقد جلسة قبل دور الانعقاد مع الدكتورة هالة زايد، وزير الصحة والسكان، لبحث واقعة »ديرب نجم"، للوقوف على الأسباب ومحاسبة المقصرين، حتى لا يحدث مثل هذه الواقعة فى باقي المستشفيات. وأضاف أن هناك انعداما رقابيا من جانب وكيل وزارة الصحة بعمل متابعات دورية للمستشفيات بالمحافظة، قائلًا: »يجب على كل وكيل فى الوزارة القيام بدوره بالمحافظات وعمل متابعات دورية للمستشفيات التابعة له وللتعرف على مشكلات المستشفى، وتجميع تقرير يومي عما يحدث بالمستشفيات ووحدات الغسيل الكلوي وأسباب العطل، ودا عمل سهل لكل وكيل وزارة فى كل محافظة إنه يقوم بالواجب ده".