تحقيق: سماح عثمان يفصلها عن قلب القاهرة كوبري عندما تمر من عليه للجانب الاخر تجد نفسك فى عالم اخر لايشبه ماكنت به منذ دقيقة واحدة، إنها أشهر منطقة شعبية فى مصر "بولاق الدكرور" ومنها تسير فى شارع ناهيا تأخذك الشوارع والحارات وكل مقومات المنطقة الشعبية والعشوائية وهي الزحام الشديد مع تداخل اتجاهات السير مع الأدخنة المتصاعدة باستمرار والمقاهي التي تتوسط الشوارع، حتي تصل لكوبري أبو عميرة وعلي ترعة الزمر انتظرتنا فتاة فى العشرين من عمرها تحمل زجاجات مياه فارغة قطعت طريقا طويلا لملأها من "الكولدير" الموجود فى أول الطريق قابلتنا واصطحبتنا وهي تحمل ابنها الرضيع قالت :لانجد مياها للشرب ولانجد مياها للاستحمام لهذا الطفل لاأجد المياه لنظافته وحمايته من الأمراض والأوبئة.. وهذا هو حال المنطقة بالكامل، فتخيلوا ليس منزل أو شارع بل هي "عزبة العسيلي" محرومة من المياه، بل وزادت الكارثة بمرور أسلاك الضغط العالي فوق المنازل والواقف على الأسطح يمكن أن يصعق ويموت وإذا اندلع حريق لانجد المياه التي تطفئه فالمأساة متكاملة الأركان والجريمة التي ارتكبت فى حق السكان على أعين الجميع. المجاري "لو كنت أعرف أنكم جايين لخزنت مياه عشان تشوفوا لونها وتشموا ريحتها" بتلك الكلمات قابلتنا سيدة تطلق على نفسها أم عبد الرحمن بعزبة العسيلي التابعة لمركز ناهيا بكرداسة، فالمياه عندما تأتي تكون مخلوطة بالمجاري ورائحتها سيئة للغاية فنذهب لمنطقة بعيدة لكي نملأ المياه التي نحتاجها. وأضافت، المياه أصبحت مطلبا بعيد المنال فقد قمت بتركيب "طلمبة" ب 3 الاف جنيه وتخرج لنا مياها مالحة نستخدمها فى الغسيل والاستحمام فقط وأطفالي يمرضون بسبب تلوث المياه إن جاءت فاضطر لإرسال ابني ليملأ مياها للشرب من منطقة بعيدة.وكان مجموعة من المواطنين متجمعين لتوصيل استغاثتهم ويجدون بصيصا من الأمل ليحصلوا على أقل حق لهم وهو مياه الشرب، بدأ "محمد السيد" بالحديث نحن نعاني منذ أكثر من 4 أعوام بسبب نقص حاد بمياه الشرب حيث لانراها إلا ساعة أسبوعيا، وعندما تأتي تكون محملة بالرمال الصفراء، فقمت بإبلاغ محافظة الجيزة ولكن دون أي استجابة فقالوا لي إن المنطقة ستدخل فى حيز التطوير وهذا الكلام تكرر منذ عامين. الضغط العالي وتطرق لمشكلة أخري وهي أسلاك الضغط العالي حيث تمر الكهرباء أعلي المنازل وليست كابلات داخلية فترتفع مترين فقط عن الأرض وبمجرد دخول الشتاء تحدث صواعق كهربائية وتصيب جدران المنازل ومن يتواجد أعلي الأسطح تطوله الكهرباء ويمكن أن تؤدي لوفاته. وردا على الادعاءات بأننا مبان حديثة وتعديات فى فترة الانفلات الأمني التي عقبت ثورة 25 يناير فإننا لدينا عقود أراضي قبل 2001 وتراخيص بناء وعدادات كهرباء ومياه ومسجلة بالشهر العقاري. وتحدث "عبد النبي السيد" رجل ستيني من أقدم سكان عزبة العسيلي، أنا هنا منذ 15 عاما أي أن المنطقة ليست حديثة ونعاني من كهرباء الضغط العالي وتتلامس مع المنازل مما يؤدي لإتلاف الأجهزة الكهربائية. وطوال فترة معيشتي لم يطل علينا أي مسئول ولا عضو مجلس نواب ولا تعتب أرجلهم لكوبري أبو عميرة ببداية ناهيا، فهم يهتمون فقط بالمناطق المجاورة وتركيب الكابلات الأرضية وحمايتهم من الصواعق ويتركونا كالأموات ليس لنا حسبان. الفرج قريب! مواطن اخر فى الأربعين من عمره ولكن يبدو عليه تجاوزه للستين وتجاعيد الزمن على وجهه، يحمل ابنه مع همومه ويجلس منتظرا أن يصل بصوته للمسئولين عبر مجموعة كلمات تتجسد فى أسطر الجريدة لعل الفرج قريب، اتجه إلينا بالحديث بتعريف نفسه "أبو زياد" أعمل بائع "ايس كريم" فى الصيف وفى الشتاء أجوب لأبحث عن عمل باليومية أو حارس لعقار فمنزلي عبارة عن دور واحد دون سقف وعند هطول الأمطار تغرقني واولادي وزوجتي وتتسلل مياه المجاري بين الحوائط لتغرقنا وتبعث برائحة كريهة وتجمع علينا الحشرات بجانب عدم وجود سقف يحمينا من العقارب والثعابين التي تعيش معنا وتهدد حياتنا وننتظر مياه الشرب النظيفة لتأتي مرة فى الأسبوع لكي ننظف المنزل من رائحة الصرف الصحي ولايوجد أحد يسأل علينا، فلو أتت المياه تكون مصفرة اللون حاملة للرمال فنتركها لتصفى ونضطر للشرب منها. الحاج كارم محمود بدأ حديثه بأنه يسكن بهذه المنطقة منذ 4 أعوام، يقول أننا لم نر المياه وهي تتساقط من الحنفية لأكثر من ساعتين فى الأسبوع، ولو حدث حريق فكيف سنقوم بإطفائه؟. وأسلاك الضغط العالي يمكن لأي سيارة تحمل أثاثا ملامسته وإسقاطه على طفل أو أي شخص يسير بالصدفة فيموت فورا ومات حيوانات كان تحت مياه الأمطار الشتاء الماضي، كما له تأثير على المخ والجهاز العصبي للإنسان ومعظم أجهزتنا الكهربائية تلفت بالفعل بسبب الضغط العالي والحكومة لم تستجب لنا نهائيا فخاطبت المنظمات الحقوقية أيضا وأرسلت تلغرافات لمحافظ الجيزة "حصلنا على صورة منها" منذ 3 أشهر ولم يستجب لنا أي أحد. شكاوي! أما "أم محمود" إمرأة عشرينية متزوجة حديثا وانتقلت للسكن بالمنطقة تقول، لدي طفل عمره عام ونصف العام ولاتوجد مياه لتنظيف ملابسه أو تنظيف جسده ونصل كثيرا لعدم وجود مياه للشرب، فقمت بإرسال شكاوي للنيابة الادارية ومحافظة الجيزة ومجلس النواب واتصلنا عدة مرات بشركة المياه ولم يستجيبوا لنا، أما أعضاء مجلس النواب فذهبنا لمكتب النائب سعيد حساسين ولم نجده وقابلنا مدير مكتبه فقط وذهبنا لمكتب النائب علاء والي ولم يستجب لنا. أما شركة المياه فهي على مسافة قريبة ولكن خدماتها بعيدة، وعندما ذهبنا لها قالوا نغلقها خوفا من إنفجار مواسير الصرف الصحي ونحن لاتوجد لدينا محطات رفع ونصلح المجاري بالمجهود الذاتي، اما أصحاب الأبراج فلهم كل الحقوق لأنهم يدفعون مبالغ كبيرة لتوصيل الخدمات أما الغلابة فلامياه ولاحياة. "زكريا عبد العال" مدرس لغة إنجليزية أسكن هنا منذ 7 أعوام تأتي المياه ساعتين أسبوعيا كما تم تركيب مواسير المياه بداخل مسار الصرف الصحي فاختلطا فنضطر لغلي المياه وتخزينها لنشربها وفى النهاية اشتريت فلتر ب 3 الاف جنيه،وذهبنا لمكتب النائب علاء والي وقابلنا الموظف الذي يعمل هناك واستلم الشكوي ولم يستجب، وذهبنا للنائب سعيد حساسين بمكتبه بشارع ناهيا واتصلنا به على برنامجه ولم نستطع التواصل معه وكلما ذهبنا لمسئول يقول لنا "روحوا لعضو المجلس الخاص بكم" فنحن نعيش فى معاناة. أما " مها السيد" صاحبة مكتبة أدوات مدرسية كانت تجلس معها مجموعة من السيدات تحدثت، أسكن بكوبري أبو عميرة بناهيا وجاءتني باحثة من مستشفى 57357 وأخذت عينة من المياه التي نشربها ووجدت أنها مخلوطة بمياه الصرف الصحي ونسبة الميكروبات 245 ونسبة الصديد عالية وكل ذلك يسبب أمراضا خطيرة وفشلا كلوي وكبديا وأصيبت ابنتي بقرحة فى المعدة بسبب ماتحتويه المياه على نسبة كلور عالية مخلوطة بالصرف الصحي تكوي جدار المعدة، وقالت لنا الباحثة أن المياه لاتصلح للإستخدام الادمي. الكهرباء المشكلة الأخري وهي الكهرباء فأجهزة الكمبيوتر لاتعمل منذ 3 أعوام، وعندما استغثنا بالمسئولين قالوا لنا أن الدور لم يأت لتوصيل كل المرافق ونحن هنا منذ 7 أعوام وأعضاء مجلس النواب لانراهم ولم يعرفونا. المرافق والخدمات صفر هذا ماقالته لنا "أم خالد" فالمدارس على مسافة بعيدة للغاية ولايوجد أي مجال للتعليم لدينا، كما لاتوجد مستشفيات وعندما ذهبنا لأقرب مستشفى ببولاق أي على بُعد كيلومترات لم نجد طبيب استقبال ولا حتي تمريض ولا دواء، ولا احنا عشان غلابة مش من حقنا نعيش !!. متهالكة من جانبنا قمنا بالاتصال بالنائب سعيد حساسين عن الدائرة، قال إن مشكلة مياه الشرب نعمل على إصلاح الشبكة وتحدثت مع مسئول الشركة الأسبوع الماضي فهذه الشبكات متهالكة منذ 30 عاما، وبالفعل قمنا بالعمل ومتبقي 20 % فقط من الإصلاحات.وأكد "حساسين"، أننا قدمنا طلبات إحاطة ومذكرات لمجلس النواب من أجل هذه المشكلة، وأعد أهالي المنطقة بتوصيل المياه خلال شهرين. كارثة منذ أكثر من ثلاثين عاما ومصر تواجه مشكلات الصرف، التى تفوقت على أي مشكلة أخرى،حيث أدى اهمال الحكومات لها فى كل المراحل السابقة إلى الوصول بالأمر لكارثة تهدد كل كائن حى فقد اختلطت بمياه الشرب وتسببت فى تفشي الأمراض كالفشل الكلوى الذى تعد نسبته فى مصر من أعلى النسب على مستوى العالم كما أن هناك أمراضا كثيرة بسبب تلك الكارثة، كما وصل تأثيرها على المحاصيل الزراعية بسبب اختلاطها بمياه الري مما تسبب فى اصابة الثروة الحيوانية والسمكية، فقد أصبح خطرا يهدد كل كائن حى ومع ذلك هناك تجاهل من الحكومة حتى الآن، كانت "الأهالي" فى جولة أخري بمنطقة المنيب بمحافظة الجيزة… فتحدث إلينا المواطن "محمد السيد" الذى قال إن خط الصرف الصحى العمومى لديهم مغلق منذ أكثر من عامين وأن خطوط الصرف تم بناؤه بجهود سكان المنطقة الذاتية حيث تم توصيلها بترعة الري الزراعية والتى يتم ري الاراضى منها مما يسبب خطورة على المحاصيل الزراعية. وذكر "السيد" أنه جلس مع محافظ الجيزة السابق الدكتور "على عبد الرحمن" ووعد أنه سيكلف المسئولين بإصلاح خطوط الصرف العمومية، لكن لم يأت أحد، وقال إن معظم منازل المنطقه عائمة على مياه الصرف. وأضاف أن مياه الشرب مختلطة مع مياه الصرف وهناك بعض المسئولين أخذوا عينة من المياه وثبت أنها ملوثة، كما أنه تقدم بعدة شكاوى لرئيس قطاع مياه الشرب فى ساقية مكى لكن دون جدوه، وذكر أن فواتير تحصيل رسوم المياه يأتى عليها ثلاثون جنيها رسوم صيانة صرف صحى، كما ذهبت أيضا لرئيس حى جنوبالجيزة،وقد أتى إلى المنطقة بنفسه وقال إنها غير تابعة للحى، وعند سؤاله عن الحى التابع له المنطقة قال لهم لا أعلم، بينما أكد السيد على أن المنطقة تابعة لحى جنوبالجيزة لأن إيصالات المياه يذكر فيها ذلك. عشوائية وأوضح السيد أنه حينما تنقطع المياه من المواسير نجد تسرب مياه الصرف الصحى إليها التى تكون "طافحة" وأضاف أن هناك عربة فنطاص"خزان" تأتى من الحى تحمل مياها نظيفة ويقوم على ذلك عامل المسجد بالمناداة فى المنطقة ليعلن قدوم العربية ليسرع سكان المنطقة ليأخذ كل فرد نصيبه منها،وأكد أن هذه العربة تأتى بعد عدة اتصالات وقت انقطاع المياه،كما أن هناك موظفا بالصرف الصحى يقول إن هذه المساكن بنايات عشوائية غير تابعة للحى ولم تبن بتراخيص. وأضاف أن صرف المجزر الآلى يقوم بصرف مخلفاته العضوية ومياه الصرف الصحى على الترعة التى يقوم المزارعون برى أراضيهم منها،وأكد أن رئيس الحى لايتواجب معنا وقال لنا لاتوجد صناديق للقمامة لخروج المنطقة من حسابات الحى كما لاتوجد شركة خاصة،لذا يلجأ الناس لالقاء القمامة فى الطرقات وعلى جوانب المنازل مما يجمع لنا الأمراض والحشرات والروائح الكريهة مما يضطرنا لحرقها للتخلص من روائحها وقال أيضا إن بلاعات المجارى بدون غطاء فى وسط الشوارع مما يسبب لهم خوفا شديدا على أطفالهم كما أن هناك إحدى البلاعات أمام مدرسة إبتدائي بدون غطاء وهى مليئة بمياه الصرف، وطلب من المسئولين أن ينظروا إليهم كما يأتوا من أجل تحصيل مستحقات الدولة من عوائد ومياه وكهرباء، يأتو ليحلوا مشاكل المنطقة. ومن جهة أخرى قالت أم إبراهيم إن مياه الشرب مثل مياه المجارى لا يتم تفرقتها،فعندما تقوم بفتح الحنفية لا نستطيع تحمل رائحة المياه ودائما مايكون لونها أسود وبها الكثير من الرواسب، وأنها تنتظر حتى تأتى المياة نظيفه لتستطيع تخزينها لتستخدمها فى غسيل الملابس وطهى الطعام وبالنسبة للشرب فتقوم بشراء مياه معدنية لها ولأبنائها، وقالت أنها أصيبت بفيروس فى الكبد بسبب مياه الشرب الملوثة،بينما تخشى على أبنائها من الإصابة بالأمراض.