تتزايد معدلات الأمراض المزمنة في مصر سنويا، كنتيجة طبيعية للتلوث الذي يتسرب إلي المواطنين في المأكل والمشرب.. فمصر التي كانت «هبة النيل» باتت تعاني بسبب تلوث مياه النيل بمخلفات الصرف الصحي والصناعي واتسعت مشاكل مصر في قضية المياه من منابع النيل مع تشييد أثيوبيا لسد النهضة الذي يحرم مصر من مليارات الأمتار المكعبة من المياه، إلي أصغر طلمبة مياه في الدلتا. «آخر ساعة» تفتح ملف المياه في هذا العدد وتضعه أمام المسئولين وأمام أعين كل المرشحين المحتملين لرئاسة الجمهورية لعلهم يقدمون حلولا لأزمة المياه في برامجهم الانتخابية. السطور التالية ترصد تلوث مياه الشرب واختلاطها بمياه الصرف الصحي والصناعي في مناطق مختلفة من ربوع مصر التي تحلم باستعادة مجدها.. ونيلها. 17 ألف مواطن يستغيثون بالحكومة.. ولا حياة لمن تنادي «الزرابي».. قرية مهددة بالغرق في مياه الصرف الصحي أحمد الجمال خطر الموت صعقاً بسبب أبراج الضغط العالي، أو الإصابة بالعديد من الأمراض المزمنة بسبب انتشار مياه الصرف الصحي، هو المصير الذي ينتظر سكان قرية «الزرابي» التابعة لمحافظة أسيوط في صعيد مصر، والذين يقدر عددهم حسب آخر إحصاء أجري في العام 2006 بنحو 17 ألف مواطن. التفاصيل ترصدها «آخر ساعة» بالصور والمستندات، من داخل القرية الغارقة في التلوث البيئي، في سياق التحقيق التالي. مشهد مريع. لا يمكن أن يتخيل أحد أن هناك قرية في القرن الحادي والعشرين بكل هذا الكم من الإهمال، والمشاكل البيئية التي تهدد سكانها. لكنها الحقيقة بكل أسف، التي يعيشها الآلاف من سكان قرية «الزرابي» التابعة لمركز «أبوتيج» بمحافظة أسيوط، حيث يعاني أهالي القرية من أخطر المشاكل المزمنة التي تبلغ حد المأساة، بل ربما تتجاوزها بكثير، وأبرزها مشروع الصرف الصحي في القرية، الذي بات خطراً يهدد حياة المواطنين هناك، حيث بدأ مشروع محطة الصرف بسوء في التخطيط الإداري والتنفيذي وعدم اختيار المكان المناسب، وذلك منذ سنوات عديدة، وظهر هذا جلياً في العديد من الأخطاء الفادحة. أبرز هذه الأخطاء التي رصدتها «آخر ساعة» وتحدث عنها سكان القرية، هي عدم وجود وسيلة لاستخراج الحمأة (فضلات الصرف الصحي)، من الأحواض كما لا توجد أحواض لتجفيف هذه الحمأة، وكذا تلف معظم المحابس والهدارات الداخلة إلي الأحواض والخارجة منها، كما أن محابس الشبكة تالفة، والأحواض والأرضيات تعاني من وجود شروخ، ما أدي إلي تسرب المياه منها، وبذلك أصبح الأهالي مهددين بين لحظة وأخري بانهيار منازلهم تحت طوفان الصرف المحتمل أن ينطلق من أحواض مشروع الصرف التالفة، وبخاصة أن القرية أصبحت عائمة فوق بحيرة من مياه الصرف، وقد تحدث الكارثة في أي لحظة. وتبدو المشكلة أكثر صعوبة وفداحة حين نعلم أنه لا يوجد خط سير نهائي للمياه الخارجة من المحطة بعد المعالجة (حوالي 4500 لتر مكعب - يوم)، حيث إن المزرعة المفترض زراعتها بالأخشاب لهذا الغرض اختزلت من مساحة 750 فداناً إلي مساحة صغيرة جداً تقدر بنحو 180 فداناً فقط، والتي ألغيت فيما بعد، وبذلك لا يوجد ما يستوعب كل هذه الكمية من المياه الواردة، علماً بأن قرية «الزرابي» تمر بها خطوط الصرف، لكنها لا تشترك فيه ! خطر الموت صعقاً بالكهرباء، يشكل قلقاً شديداً يساور سكان القرية، كون موقع المحطة غير مناسب، حيث يقع تحت أبراج الضغط العالي (11 ألف فولت)، ما أثر سلباً علي هذه الأبراج نتيجة تسرب مياه الصرف أسفلها، وهو ما ظهر خلال السنوات الأخيرة في شكل ميول أصابت هذه الأبراج، ويرجع السبب أيضاً في تجمع مياه الصرف أسفل أبراج الضغط العالي إلي إلغاء المزرعة التي كان من المفترض زراعتها لاستيعاب المياه الخارجة من المحطة. أما خط الصرف الصحي الذي تستقبله المحطة، فيلقي يومياً حوالي 4500 طن مخلفات، بينما المساحة الخالية، وفق تقديرات الخبراء المختصين لا تتحمل أكثر من 1000طن فقط، وهو الأمر الذي شكل عائقاً أمام مسئولي المحطة لتصريف تلك الكميات الهائلة من المياه باستثناء الجهة الغربية لقرية «الزرابي»، ونظراً إلي أن المحطة تقع في المنطقة الغربية للقرية ووجود مساكن أهالي القرية في المنطقة الشرقية ذات المنسوب المنخفض، أدي ذلك إلي تسرُب المياه في اتجاهها وارتفاع منسوب المياه الجوفية هناك، ما يهدد بوقوع كارثة إنسانية بانهيار منازل القرية، فضلاً عن ارتفاع معدل الملوحة في الأراضي الزراعية، وهو أمر خطير قد يؤثر بطبيعة الحال علي المحاصيل الزراعية هناك، والتي يمكن أن تنقل الأمراض إلي سكان القرية. صرخات الأهالي وعبر العديد من أهالي القرية عن مأساتهم التي يعيشون فيها يومياً، حيث يقول علي حازم (مزارع): «من ساعة تشغيل الصرف الصحي ونحن نعاني من انتشار الناموس والحشرات والروائح الكريهة، وأصبحت حياتنا وحياة أبنائنا مهددة». في حين يقول أيمن حسين حامد (مدرس ثانوي): «وجود الصرف الصحي أثر في حالة طلاب المدرسة التي تقع بالقرب منه بسبب الأوبئة والحشرات، وانتشار الروائح الكريهة في الأجواء، ولابد من إنهاء هذه المشكلة من خلال تدخل المسئولين فوراً، وإلا ستقع كارثة كبري، خصوصاً مع تسرب المياه إلي أسفل منازل السكان وبالتالي قد تنهار في أي لحظة». الأمر ذاته أكد عليه سامح مفيد (مدرس) بقوله «إن تشغيل الصرف الصحي في القرية جعلها مُعرضة للأخطار من انتشار أمراض وارتفاع معدلات الملوحة في الأراضي، والخطر الأكبر هو احتمال غرق القرية كاملة في مياه الصرف الصحي». في السياق يقول علي فرغلي (موظف): أرسلت العديد من الشكاوي للحكومة السابقة، والمجلس المحلي وديوان عام محافظة أسيوط، بعد ما قمت بعمل دراسة توضح مخاطر هذا المشروع علي قرية الزرابي، وأكدت الجهات المختصة مدي الخطر الذي يمثله هذا المشروع علي الأهالي، لكن للأسف لم يتم تقديم أي حل للمشكلة ولم تتخذ الحكومة أي خطوة في سبيل إنهاء معاناة الآلاف من سكان القرية. في السياق، لجأ مجموعة من شباب القرية إلي وسيلة عصرية لتوصيل مشكلة قريتهم إلي المسؤولين وتحويلها إلي قضية رأي عام، بسبب عدم استجابة المسؤولين لهم، حيث دشنوا أخيراً صفحة علي موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» باسم «أبناء قرية الزرابي - الرأي والرأي الآخر»، وكتب مؤسسوها في تعريف الصفحة: « هذا منتدي افتراضي نحاول من خلاله جاهدين بكل السبل التوصل إلي حلول لمشاكل مجتمع قريتنا دون استبداد بالرأي أو اختزال لرؤي ووجهات نظر الآخرين». صفحات أخري دُشنت للسبب ذاته، وبعضها تم تأسيسه في شكل صفحات تعارف بين شباب القرية الكبيرة، لكنها في المجمل لا تخلو من نقاشات تدور بين الحين والآخر حول مشاكل القرية، وأوضاعها التي أضحت في تدهور مستمر وسط تراخي الأداء الحكومي، وعدم استجابة المسئولين في محافظة أسيوط لاستغاثات الأهالي. يقول أحد سكان القرية المنضمين لإحدي الصفحات علي الموقع الإلكتروني: لا أعرف لماذا تتجاهل الحكومة مشاكلنا، مصر مرت بثورتين في 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013 ولا نجد علي أرض الواقع أي تغيير في قرية يسكنها حوالي 17 ألف مواطن، لقد بدأت أبراج الضغط العالي الكهربائية في التمايل وربما تسقط علي المواطنين في أي لحظة، وربما يموت المئات صعقاً بالكهرباء، بينما المسئولون يتابعون المشهد الكارثي بكل برود. يجب أن تتدخل الحكومة الحالية لإنهاء هذه المشاكل سريعاً قبل أن تقع كارثة كبري لا يحمد عقباها. إدانة حقوقية وعلي مدار عدة سنوات وحتي الآن يطلق أهالي قرية «الزرابي» صرخاتهم لمطالبة المسئولين بوضع حل لهذه المشكلة قبل أن تقع الكارثة، ولكن لا حياة لمن تنادي، إلي أن جاءت منظمة «الباب المفتوح للتنمية وحقوق الإنسان» أخيراً وفتحت الحديث في القضية مجدداً، بعد تزايد شكاوي سكان القرية، وعدم الاستجابة لاستغاثاتهم، وأصدرت المنظمة بياناً رسمياً أدانت فيه مشروع الصرف الصحي بالقرية، وطالبت الجهات الرسمية في الدولة بإنهاء هذه الكارثة، وحذرت من تفشي الأمراض والحشرات ووصول مياه الصرف للأهالي. من جانبه يقول مدير منظمة الباب المفتوح للتنمية وحقوق الإنسان بطرس هلال إن المنظمة قامت بناءً علي تفويض حصلت عليه من أكثر من 800 شخص من أهالي القرية بإرسال شكوي إلي المجلس المحلي للقرية، لكن هذه الرسالة قوبلت بسخرية، ما أدي إلي تصعيد الأمر إلي المجلس المحلي لمركز «أبوتيج» من خلال التواصل مع رئيس المجلس المهندس محيي أبوجبل، وكذلك قامت المنظمة بإرسال شكوي إلي محافظ أسيوط اللواء إبراهيم حمَّاد برقم 28612022502191 840 والذي لم يحرك ساكناً تجاه الموضوع، فقمنا بإرسال شكوي أخري إلي الدكتورة ليلي إسكندر وزيرة البيئة تحمل رقم 28612022502191 839 وشكوي إلي رئيس الوزراء الدكتور حازم الببلاوي برقم 28612022502191 841 وعلي الرغم من كل تلك الشكاوي، لم يحرك أحد ساكناً، ولم نتلق أي رد بخصوص هذه الكارثة، وأخيراً تقدمت المنظمة ببلاغ إلي النائب العام المستشار هشام بركات برقم 28612022502191 842. ويشير بطرس هلال في تصرحات ل»آخر ساعة» إلي خطورة بقاء الوضع كما هو عليه في قرية الزرابي، مؤكداً أن كل يوم يمر، يضاعف من حجم الكارثة، ويضع أرواح الآلاف في خطر، سواء من خلال الأمراض الناجمة عن التلوث البيئي بسبب انتشار مياه الصرف الصحي أو تعرض منازل الأهالي للانهيار والغرق، أو من انهيار أبراج الضغط العالي التي قد تتهاوي في أي لحظة بعد تعرضها لميل واضح نظراً لتأثر التربة بمياه الصرف، لذا نرجو من الجهات الحكومية المختصة التعاون معنا للقضاء علي هذه الكارثة حفاظاً علي آلاف الأرواح في القرية، وتجنبا لانتشار الأمراض والأوبئة الناتجة عن هذه المخلفات. «أبو النمرس».. غلبت العفريت! إسراء النمر ربما تنخدع للوهلة الأولي في أناس تسترهم أربع حوائط ومهنة تسد احتياجاتهم، لكن بمجرد تعمقك في دواخلهم وبيوتهم تجد أمراضاً وهموماً لا تحصي كحال أهالي مدينة «أبو النمرس» التابعة لمحافظة الجيزة تلك المدينة التي غلبت العفريت، إذ تحكي الأساطير أن أحد العفاريت ظهر للجد الأكبر النمرسي، وقال له: «افتل لي التراب» أي اصنع لي من التراب حبلا مفتولا، فقال النمرسي: «نسّر لي وأنا أفتل» أي اقطعه وبالغ في تقطيعه حتي يصير جاهزا للفتل، فبهت العفريت ورجع بالخيبة وعرف أن العفريت هو النمرسي لا غيره. لكن في أيام تشبه أيامنا غلب المدينة الإهمال حيث تعاني منذ سنوات من مشاكل في الصرف الصحي خصوصاً الأهالي الذين يقطنون «نزلة الأشطر»، إذ تم إهدار حوالي 50 مليون جنيه والتي تم تخصيصها لاستكمال مشروع الصرف بالقرية بحلول عام 2010؟ لكن توقف المشروع وخيم الصمت علي المسئولين بمحافظة الجيزة ولم تتم الاستجابة حتي الآن إلي صراخهم؛ فلم يتدهور الأمر بالأهالي إلي غرق بيوتهم واختلاط مياه الشرب بالصرف بل إلي إصابتهم بالأمراض المميتة والمعدية. عندما تتجاوز مدخل مركز أبو النمرس، التي يحدها من الشرق نهر النيل ومن الغرب مصرف سلطان وجبل بني يوسف في شبرامنت، ومن الجنوب مدينة الحوامدية، ومن الشمال حي جنوبالجيزة وحي الهرم وحي غرب الجيزة، تستقبلك مزارع النخيل التي تخبرك بألا تتفاءل كثيراً فسوف تمر بترعة المنصورية التي تكدست علي حافتيها أكوام القمامة والمخلفات الزراعية، وبتدقيق النظر فيها تكتشف مزارع سمكية تقع بالتحديد أمام أكاديمية طيبة للعلوم والفنون، ماجعلنا نتساءل: لماذا تقام مزارع في مسطحات مائية ملوثة؟، قال الأهالي القريبون منها «إن تلك المزارع يملكها رئيس الأكاديمية الدكتور صديق عفيفي، والذي أقامها كمشروع تجاري وما يتردد حولها أن السمك المنتج منها مسمم ويباع إلي الناس!». تلك المعلومة كانت بمثابة صدمة خصوصاً أننا في الحال حصلنا منهم علي رقم «عفيفي» وفي اتصال به امتنع عن توضيح أي شيء. لا بأس في النهاية سنعرف ماهية تلك المزارع، الأهم الآن قرية «نزلة الأشطر».. الرائحة الكريهة وحدها التي تسوقك إلي هنا، حيث بيوت مكدسة تشقها ترعة ميت قادوس وبرك من الصرف الصحي تحيطها من كل الجوانب، وقبل أن ندخل إلي أحد تلك البيوت استقبلتنا الحاجة شرهات علوي، قائلة: «إحنا عايشين هنا في الأوبئة، بيوتنا غرقت ومهددة بالانهيار، نفسنا نشرب مية حلوة، لكن ظروفنا تعبانة لا قادرين علي العلاج ولا نشتري مية، حتي العيال جالهم المرض، وكل يوم طفل يغرق في مياه الصرف ونلحقه بالعافية». ورغم إدراك الأهالي حجم المأساة التي يعيشونها إلا أنهم مازالوا يلقون بمخلفاتهم وحيواناتهم النافقة في الترعة، مما يزيد من انتشار الأمراض، فيقول عيد رزق من كبار عائلة أبو عثمان، إن أغلب الأهالي يعانون من الفشل الكلوي وأمراض الكبد، وإن الأطفال يصابون باستمرار بنزلات البرد والحساسية، موضحا أن الأزمة بدأت عندما قررت المحافظة إنشاء محطة الصرف الصحي منذ 10 سنوات والتي لم تكتمل، ولأن مواسير مياه الشرب قديمة فقد أصابتها بعض الكسور التي أدت إلي اختلاط المياه بالصرف الصحي. واصطحبناً جمعة سيد محمد شيخ البلد في جولة بالقرية وشاهدنا حوائط البيوت الخلفية التي ترتشح بالمياه، والذي أوضح: « نقوم بنزح الصرف كل ثلاثة أيام، ويكلفنا في كل مرة حوالي 30 جنيهاً إذا كانت السيارة تابعة لمجلس المدينة، أما إذا كانت خاصة تكلفنا حوالي 50 جنيهاً». لم يختلف أهالي القرية علي مشكلة الصرف التي تعد بمثابة «عفريت» يطاردهم كل لحظة، خصوصاً أنه ألحق الأذي بمياه الشرب، لكنهم لم يستسلموا كثيراً إذ لجأوا إلي إنشاء محطات لتحلية المياه في كل قري «أبو النمرس» فعلي سبيل المثال تضم قرية شبرامنت 20 محطة مياه أما قرية نزلة الأشطر بها ثلاث محطات. ويؤكد سامح محمد، صاحب محطة شرب بنزلة الأشطر، أن جميع الأهالي يشترون مياها لاستخدامها في الطهي والشرب، ويكلفهم ذلك 60 جنيهاً في الشهر حيث تشتري كل أسرة بمعدل «جركنين» في اليوم تكلفة الواحد منهما جنيه واحد. وعن إجراءات إنشاء المحطة استكمل: «إذا رغب أحد الأهالي في إنشاء محطة تحلية للمياه يتقدم بطلب لإحدي الشركات الخاصة المنفذة لها، والتي بدورها تقوم بمعاينة القرية لتحدد المكان الذي يحتوي علي آبار ومن ثم تصلح لإقامة محطة فوقها، وقد كلفتني المحطة منذ عام ونصف حوالي 50 ألف جنيه، أما الآن فتصل التكلفة إلي 75 ألف جنيه، بالإضافة إلي أنها تحتاج إلي صيانة مرتين في الأسبوع بتكلفة 400 جنيه، لكنه أكد في الوقت ذاته أن إقبال الناس علي شراء المياه يعوضه عن كل الأموال التي أنفقها فقد كانوا يشترون المياه قبل ذلك من شبرامنت». ورغم محاولة الأهالي حل مشاكلهم إلا أن أنور عبد الجواد عثمان، عضو المجلس المحلي السابق لمدينة أبو النمرس، يحارب من أجل الإهمال الجسيم الذي طال «نزلة الأشطر» علي وجه التحديد، حيث تقدم بشكوي إلي محافظة الجيزة - حصلت آخر ساعة علي نسخة منها - تطالبها بإحالة المسئولين عن توقف مشروع الصرف الصحي في القرية المنصرف له 50 مليون جنيه والذي كان من المقرر انتهاء العمل به في يناير 2010؟ حيث تم شراء قطعة أرض من المواطن محمود عبد الحليم البطران بمبلغ مليوني جنيه لإقامة محطة رفع عليها لكن المشروع لم ينفذ منه سوي 45% وقام الأهالي بالاعتداء علي الأرض، أما بالنسبة لباقي قري أبو النمرس فأوضح المستند أن كلا من قريتي طموة ومنيل شيحة تعاني من نفس المشكلة إذ لم ينجز من مشروع الصرف سوي 10% والمنصرف له 82 مليون جنيه وكان من المفترض الانتهاء منه في يوليو 2010 ونفس الأمر في قريتي المنوات وبني يوسف، أما قريتا شبرامنت والحرانية فتم إنجاز مشروع الصرف بهما. ولأن عضو المجلس المحلي السابق المذكور أعلاه من سكان «نزلة الأشطر» فقد اهتم أيضا بتغطية الترع التي تسببت في إصابة الأهالي بجميع الأمراض المعدية، موضحاً أن كل الترع بمركز أبو النمرس عدا ترعة ميت قادوس فرع 8 بنزلة الأشطر، والتي تقع وسط الكتلة السكانية إذا لم يتم تغطيتها حتي الآن وقد تم تخصيص أموال لها بشأن ذلك في الخطة العاجلة 2006/ 2007 بمبلغ 75 ألف جنيه لها وأيضاً في خطة 2010/ 2011 بمبلغ 40 ألف جنيه، مما يعد إهداراً للمال العام حسب وصفه، مطالباً بتحويل الشكوي الذي تقدم بخصوصها للنيابة للبت فيها. ورداً علي ذلك أوضح عبد العزيز طلبة، رئيس مدينة أبو النمرس، أنهم المسئولون عن حل مشاكل الأهالي القاطنين بكل القري التابعة للمدينة سواء بطريقة مباشرة (كتوليهم إصلاح الإنارة ورفع المخلفات وأزمات المباني) أو بطريقة غير مباشرة (عبر التواصل مع الجهات المعنية كشركات المياه والكهرباء والصرف الصحي)، مفنداً معاناة قرية نزلة الأشطر بقوله: «بالنسبة لتلوث مياه الشرب فلم تأت شكوي واحدة من الأهالي تعلن ذلك خصوصاً أننا نعلم أن المياه تصل لجميع البيوت وكل سكان المدينة يشربون من محطة مياه أبو النمرس، لكن ربما التلوث نتج من اختلاط مياه الشرب بمياه الصرف الصحي؛ لأن مشروع الصرف في نزلة الأشطر لم يكتمل بسبب نقص الاعتمادات المالية، وقد تم مخاطبة الجهاز التنفيذي لمشروع الصرف علي مستوي القاهرة الكبري، وقد أكد لنا وزير مرافق مياه الشرب والصرف الصحي الدكتور عبد القوي خليفة أن مشاكل الصرف علي مستوي مصر تحتاج إلي 80 مليار جنيه لعلاجها، ومدينة أبو النمرس وحدها تحتاج إلي 50 مليون جنيه علي الأقل وهناك خطة لاستكمال تنفيذ المشروع خلال العام الجاري. ونفس الأمر بالنسبة لمشروع تغطية الترع والذي نسعي إليه بكل طاقتنا لعدم نشر الأوبئة أكثر من ذلك؛ لأن الأهالي يقومون بإلقاء مخلفاتهم فيها، وكل قرية بها علي الأقل حوالي 30 ترعة». أما بخصوص المزرعة السمكية بترعة المنصورية، نفي «طلبة» ما أشيع بين الأهالي أن السمك الذي ينتج من الترع ملوث، متابعاً: «الدكتور صديق عفيفي مالك المزرعة لديه تصريح من وزارة الري لإنشائها، كما أنها تعتمد علي أسماك المبروك والتي تتميز بأنها أسماك رمية (تأكل كل شيء) وبالتالي يتم استخدامها كوسيلة بيولوجية لمكافحة الحشائش والأعشاب المائية في المجاري والترع، وأيضاً للقضاء علي الطحالب». قري الفيوم غارقة في دوامة المشاكل تلوث مياه الشرب.. ارتفاع معدل البطالة .. أنابيب البوتاجاز آية فؤاد عندما نتحدث عن الفيوم يقفز إلي أذهاننا علي الفور تلك المحافظة بمعالمها الجميلة من وادي الريان والسبع سواقي والمناظر الطبيعية الخلابة التي تستقطب الكثيرين لزيارتها ولكن خلف كل هذه الأشياء تمتد يد الإهمال وتزيد معدلات الفقر والبطالة وتتدني الخدمات العامة بقري الفيوم، نقص المستشفيات والمدارس وانحدار مستوي التعليم وانتشار أمراض الكبد وفيرس سي نتيجة لتلوث المياه وغرق المنازل بمياه الصرف الصحي.. هذا هو المشهد المسيطر علي قري محافظة الفيوم.. «آخر ساعة» قامت بجولة بقري الفيوم التي باتت ملجأ للفقر وعنوانا عريضا للمهمشين. ما إن تدخل إلي محافظة الفيوم تجد أنك محاط بمعالم الفقر والإهمال، فعلي الرغم من شهرة محافظة الفيوم بالزراعة إلا أن الأراضي الزراعية مهملة وبشكل كبير فعلي جانبي الطريق فوجئنا بمشهد هزلي فالأراضي الزراعية تحولت إلي أراضي مبان بالزحف علي الأراضي الزراعية بالمباني المخالفة، وبدخولنا إلي قرية رحيم بدأت تظهر مظاهر الفقر والمعاناة في أوضح أشكالها، فالضجر والعبوس والبؤس المرسوم علي وجه سكانها يوضح مدي الفقر والإهمال اللذين يعانون منهما، حال البيوت البسيطة والمصنوعة من الطوب الأحمر والأسقف المغطاة بالقش، والصرف الصحي الذي يحاصر البيوت ما هي إلا انعكاس لمدي الإهمال الذي تعاني منه القرية . أثناء سيرنا بالقرية قابلنا أحد سكانها وكأنه كالغريق الذي يتعلق بقشة فأخذ يحكي لنا مدي معاناته هو وأسرته من سوء الحال بالقرية وغلاء المعيشة رغم بساطة حال السكان بها، فهناك أزمة بالكهرباء التي في انقطاع مستمر وأزمة أنابيب الغاز التي وصلت أسعارها إلي 65 و70 جنيها. وداخل منزله حكي لنا محمد أحمد 38 سنة سمكري سيارات ما يعانيه هو وأسرته فطفلاه وهو مرضي بفيرس سي نتيجة لتلوث مياه الشرب التي تكون أحيانا محملة بالشوائب بالإضافة إلي نقص الخدمات الصحية بالقرية. قائلا: «إحنا هنا ماحدش حاسس بينا ومدفونين بالحيا لا حد بيسأل ولا بيقول الناس دول محتاجين إيه ولا ناقصهم إيه، وأنا وولادي من كتر ما احنا مش لاقيين مستشفي نروحها وكتر المصاريف مش عارفين نتعالج» أخذ محمد بأيدينا حيث وجدنا موقدا قديما من الخشب يستعينون به لخبز العيش وتجهيز طعامهم مضيفا «ده الحاجة الوحيدة إلي ممكن تغنينا عن غلاء أنابيب البوتاجاز لأن أنا مش في استطاعتي أجيب أنبوبة وصل سعرها ل70 جنيه وأنا مش معايا حق العلاج والأكل». وتدخلت الام 65 سنة في الكلام قائلة « بقالنا كتير في الهم ده وكل ما ييجي رئيس نقول هيهتم بينا ويعملنا خدمات ونبقي زينا زي باقي الناس وهنقدر نعيش عيشة كويسة لكن الحال لا بيتغير ولا بيتبدل ، انا خايفة علي مستقبل ولادي وولادهم من بعدهم ازاي هيقدروا علي العيشة دي ، إذا كان أبسط حقوقنا مش عارفين نحصل عليه الفقر والجهل هنا هما اللي مسيطرين علي الناس وحياتهم « بساطة المنزل الذي يتكون من دور واحد وسقفه المغطي بالقش ولم تتجاوز أدواته عن مجرد أشياء بسيطة وكأنك في عصر من العصور القديمة التي عفي عليها الزمن تثبت وبصدق مدي الفقر الذي يعانون منه ، والأطفال والزوجة في حالة من الانكار الشديد لما يعانون منه وكأنهم في حالة رفض للواقع الذي يعيشونه يتحداه الأطفال بإبتسامة طفولية بريئة والزوجة بإبتسامة رضا . أما عن الخدمات بالقرية فهي بالفعل شبه معدومة فطوال طريقنا لم نصادف سوي مدرسة واحدة، ولا توجد مستشفيات بالقرية وإذا ما أراد أحدهم العلاج أو عند حدوث أي حالات طارئة عليهم للنزول إلي مستشفي مركز سنورس التي تبعد عن القرية بمسافة طويلة، هذا بخلاف أزمة أفران العيش التي يتزاحمون عليها وفي النهاية يحصلون علي رغيف خبز غير آدمي كما يقول لنا « مصطفي عبدالرازق 27 - سنة - صاحب محل صغير» إحنا حتي رغيف العيش مش واخدين حقنا فيه، فالأفران بالضرب ولو قدرت تجيب مش هتقدر تاخد اكتر من 10 أرغفة ومالهمش بقي دخل بالباقي عدد الأسرة كبير أو صغير مش مشكلتهم، ده غير أنه عيش مايصلحش للبني آدمين فابسط الحقوق مهدرة، ده غير مشكلة الطرق اللي علي طول بيحصل عليها حوادث لأنها مش مرصوفة ولا مهتمين بيها، ويكمل « مشاكل القرية كتير، وإحنا بناشد المسئولين يخدونا في عين الاعتبار ويبوصوا للوضع هنا لأننا بمحافظة من محافظات مصر ولينا حقوق زي أي مواطن في البلد دي « أما في مركز سنورس وعلي الرغم من أنه يعتبر المكان الرئيسي الذي تعتمد عليه القري المجاورة إلا أن حاله لم يختلف كثيرا سوي بمساحته الكبيرة وبسوق الخضار الذي تعتمد عليه القري المجاورة للمركز ، يعد التوك التوك والعربات النقل المقفلة التي تنقل الناس هي وسائل المواصلات الوحيدة بالمركز، وبدخولنا إلي سوق المركز وجدنا أن أسعار السلع لم تتناسب مع فقر المحافظة وكأنهم يقولون في قرارة أنفسهم داوني بالتي كانت هي الداء فالبائعون بالسوق لم تزد أو تنقص لديهم حالة الفقر مثلهم مثل البقية اقتربت من واحدة منهم تبيع الخضر قائلة لها بكام القوطة ياحاجة قالتلي ب 6 جنيه بس أنتي شكلك ضيفة تبقي ليكي ببلاش ، أكملت بس دي مش غالية كده ، ردت «إحنا غلابة وأنا بساعد ابني في الصرف علي ولاده الأربعة هنعمل ايه والعيشة غالية هتيجي علينا احنا نبيع بالرخيص» سألتها والناس بتشتري، ردت « اهو بيشتروا علي قد أكلهم يعني البيعة خسرانة خسرانة، ومش عارفين نهرب من الفقر والعيشة دي». تدخل في الحديث طارق محمد 33 سنة موظف بأحد المصانع بالقرية قائلا عن المعاناة التي تتجلي أيضا في غياب أبسط الحقوق للمواطن هناك، كحقه في كوب ماء نظيف،» مياه الشرب دايما مليانة بالشوائب والديدان، وساعات كمان بتكون مختلطة بمياه الصرف الصحي، ده غير قلة الأجور والمصانع والمدارس، هنعمل إيه بمرتب مابيزيدش عن 500 جنيه بنصرف منه علي عيلة وبيت، ده غير الشباب اللي مش لاقي شغل وفي بطالة ومش بيتحصلوا في يومهم علي جنيه واحد. الأمر ذاته يتكرر في قريتي قوتة ويوسف الصديق فالفقر والعطش وضيق المعيشة ملامح إنسانية هناك. يقول: أشرف جلال 32 سنة إن المسئولين يعطونا وعودا هي في الحقيقة مجرد تسكين للأزمات التي تتفاقم بين الحين والآخر مؤكدا أنه يقوم بشراء زجاجات المياه من التجار حتي لا يشرب وأسرته من مياه قوته لكونها مياه تمتلئ بالشوائب والجراثيم والديدان البيضاء الصغيرة. وعن التعدي علي الأراضي الزراعية يؤكد حسام حتشتي (44 سنة) مدرس، أن الدولة فشلت في التصدي للبناء علي الأراضي الزراعية رغم أن الأراضي الزراعية أصبحت ثروة تم إهدارها والتي تعتبر العمود الفقري في محافظة الفيوم وأضاف أن ما تم البناء عليه من أخصب أراضي مصر، مؤكدا أن الدولة والمحافظة توقفت تماما عن بناء وحدات سكنية متميزة للشباب مما جعلهم يلجأون إلي شراء أراض زراعية ويقومون بالبناء عليها. مشيرا إلي أن محافظ الفيوم يتجاهل تلك الأبنية ويقوم بهدم بيوت المواطنين الغلابة ويتم ترك الأبراج التي بلغت 10 و12 طابقاً وتقع تلك الأبراج بقلب المناطق الزراعية بالفيوم يؤكد خيري جمال (33 سنة) إن المحافظة لم تتغير كثيرا بعد الثورة بل بالعكس احتدت الأزمات وأصبحنا نعاني يوميا خلف رغيف العيش ومياه الشرب والتي أصبحت تباع بسعر 2 جنيه للجركن الواحد كما يحدث بقرية المقطع إحدي قري الوحدة المحلية بجبلة وأكد أن المحافظة أهملت كل شيء حتي البناء علي الأراضي الزراعية فأضاعت رقعة زراعية كبري بلغت 8 آلاف فدان وأصبح المواطنون يقومون ببيع أراضيهم للبناء عليها فأصبح طريق الفيومالقاهرة الزراعي اليوم متحولا إلي أبراج وعمارات سكنية تضم أكثر من عشرة طوابق واصبح لا يتم الزراعة علي تلك الأراضي التي تم تبويرها للبناء. وتضم محافظة الفيوم بحيرتين هما «قارون» التي تشتهر بمياهها المالحة و«وادي الريان» ذات المياه العذبة والتي تتميز بثروة سمكية عن بحيرة قارون، بسبب إهمال إدارة شرطة المسطحات التي فشلت في ضبط صيد الزريعة وتصريف مياه الصرف الصحي في البحيرة ، وإن كان هذا حال الموارد الأساسية التي تعتبر الأساس بمحافظة الفيوم سواء كانت الزراعة أو صيد الأسماك فطبيعي أن يطغي الفقر علي هؤلاء الناس الذين استسلموا إلي الأمر الواقع وراحوا يندبون حالهم بينهم وبين انفسهم. ويعلق علي الموضوع د. أحمد زايد أستاذ علم الاجتماع موضحا أن الفقر ظاهرة اجتماعية متعددة الجوانب، فليس الفقر نقصا في الدخل فحسب، أو حتي ندرة في فرص العمل، ولكنه أيضا تهميش لطبقة من المجتمع، وحرمان للفقراء من المشاركة في صنع القرار، وإبعادهم من الوصول للخدمات الاجتماعية وهو بالضبط ما تعاني منه قري محافظة الفيوم وغيرها الكثير من قري ومحافظات مهمشة محرومة من الخدمات وأبسط الحقوق وكأنها غير موجودة ولا يلقي المسئولون لها بالا. يتابع: ليست هناك حلول جذرية لاستئصال الفقر، وإنما هناك طرق راقية تبعد الفقير عن ذل السؤال، فعدم إراقة ماء الوجه ينبغي أن يكون جزءاً من مشاريع التنمية المستدامة، حتي لا يتحول الفقر إلي أمر شخصي، بدل أن يتم التعامل مع آثاره كمشكلة إنسانية بحاجة إلي تضافر الجهود وتبادل الخبرات للوصول إلي أنسب الوسائل التي تحافظ علي كرامة الإنسان حتي وهو في أشد الحاجة إلي من يأخذ بيده للخروج من معاناته. «صنصفط» كلاكيت تاني مرة: مياه بطعم الكلور وروائح الصرف الصحي مروة أنور تعيش الكثير من القري والعزب والنجوع واقعاً متردياً مع أزمة تلوث المياه وعلي الرغم من وقوع حادث السنة الماضية بمحافظة المنوفية في قرية صنصفط التي تسمم فيها 4500 مواطن وكادت تعصف بحياة الآلاف من المواطنين إلا أن أزمة تلوث مياه الشرب لم تنته بعد فالأهالي بالقرية يشتكون من زيادة نسبة الكلور في المياه ما يؤدي إلي زيادة نسبة المصابين بأمراض الكلي بالإضافة إلي الرائحة الكريهة للمياه. وأرجع بعض الأهالي السبب في ذلك إلي اختلاط مياه الشرب بالصرف الصحي نظراً لعدم توفير شبكات صرف صحي بالقرية ، منشأة يبدو عليها الإهمال الشديد، سورها منخفض ومتهالك، تحوطه المنازل من كل اتجاه، ويسهل الدخول إليها لانخفاضها عن مستوي الأرض، رغم وجود بوابة حديدية متآكلة من الصدأ، إنها محطة مياه «صنصفط»، التي تشير إليها أصابع الاتهام، بأنها وراء إصابة الآلاف من أهالي القرية بالتسمم . آخر ساعة رصدت الوضع من داخل محطة مياه الشرب بالقرية التي صدر الأمر بمنع العمل بها وتحويل المسئولين فيها إلي الجنايات ولكن لم يغير ذلك من الوضع أي شيء فقد تؤدي هذه المحطة إلي وقوع أزمات خطيرة إذا أعيد العمل بها. بمجرد أن تخترق بوابة المحطة تزكم أنفك رائحة كريهة ويقول أحد عمال المحطة المنتدب بعد وقوع التسمم وطلب عدم ذكر اسمه « إن ما حدث العام الماضي في صنصفط لم يغير أي شيء داخل القرية فنسبة التلوث بالمياه مستمرة علي الرغم من توقف هذه المحطة إلا أن أهالي القرية يعتمدون علي المياه القادمة من كفر مشط عبر ترعة النعناعية ثم تختلط هذه المياه بالصرف الصحي نظرا لعدم وجود شبكات صرف صحي بالقرية والتخلص منها بالترع العمومية بالإضافة إلي ري المحاصيل الزراعية من نفس المياه» اصطحبنا العامل في جولة بعدة أجزاء من المحطة التي تقترب مساحتها من 2000 متر، بدأت بعنابر صغيرة لكل منها دور في تنقية مياه الشرب التي تصل لآلاف من المواطنين، العنبر الأول مخصص للكلور ويحتوي علي معدات لمنظومة متكاملة تضخ الكلور في المياه والنسبة المناسبة لتعقيم المياه هي 15 جرام كلور علي المتر المكعب وجهاز الكلور يعمل أتوماتيكيا للقضاء علي البكتريا وإذا نقصت النسبة تستقبلك رائحة كريهة . بجوار غرفة الكلور توجد غرفة صغيرة تحتوي علي عدة طلمبات لسحب المياه من عمق 120مترا تحت الأرض منها ما يتم ضخه علي الشبكة مباشرة ومنها ما يرفع في خزان ضخم أعلي مبني يتوسط المحطة يقع الخزان علي ارتفاع 35 مترا أعلي سطح الأرض ويستلزم الوصول إليه الصعود علي سلم حديدي ملتوٍ وصل بنا إلي أعلي نقطة بالمبني واستقبلنا حين وصلنا إليه باب حديدي أخرجنا إلي مكان الخزان. ورصدت آخر ساعة حالة الخزان فأغطية الخزان مرفوعة ومكشوفة في الهواء ومعرضة للتلوث من أي مصدر كما أن أغطية فوهات الخزان الأربع تنتشر بجانبها قطع الحديد صدئة ومفككة وملقاة بعيدا عن فتحات الخزان، وعلي بعد خطوات من الخزان رصدنا حالة البير الذي يقوم بتزويد المحطة بالمياه ووجدنا أغطية البير مرفوعة ومكشوفة والمياه لونها أسود وبها مخلفات وحيوانات نافقة . وعندما خرجنا من بوابة محطة المياه وجدنا العديد من الأهالي في انتظار عدسة آخر ساعة لسماع شكاواهم من زيادة نسبة الكلور في المياه وخلو القرية من شبكات الصرف الصحي التي تسببت في انبعاث الروائح الكريهة من كل أنحاء القرية ولا أحد يسمعهم . تقول أم محمد التي تسكن أمام محطة المياه، علي الرغم من إغلاق محطة المياه القديمة إلا أن حالة المياه متردية للغاية وملوثة ولا تصلح للاستخدام الآدمي وتنقطع لفترات طويلة ونحن هنا نعيش علي شراء المياه من خلال سيارات ربع نقل تقوم بملء جراكن أو خزانات تحملها وننتظرها هنا في القري ولا تتخيل حجم المعاناة التي يعيشها الغلابة فلا يكفي عدم وجود مياه الري لأراضينا الزراعية وبوارها لدرجة أن كل أسرة لديها شاب أو أكثر يهرب للخارج من أجل البحث عن عمل لمساعدة أسرته من أجل أن تعيش وتواجه أعباء الحياة ومشاكلها الصعبة. نفس الرأي السابق أكدت عليه أم أحمد من نفس القرية وتزيد بأن المعاناة شديدة للغاية هنا في قري ونجوع منوف وتتساءل ألا يكفي شراء كل حاجة من أجل الحياة لنشتري المياه أيضا ولم نترك باب مسئول إلا وطرقناه وذهبنا للمحافظ وطلبنا أن يأتي إلينا لكنه لم يفعل اللهم إلا في مرات قليلة ويترك لنا وعوداً فقط دون حلول لهذه المشكلة التي تواجهنا من سنوات طويلة وأنا أطالب المسئولين بوزارة الصحة من أجل تحليل المياه التي نشربها فسوف يجدون أمراضاً بها قادرة علي قتل الحجر وليس البشر. «العسيلي» تدفع فواتير لشرب مياه المجاري! مروة أنور لم تكن حادثة قرية «صنصفط» التابعة لمركز منوف هي الأخيرة في مسلسل مأساة تلوث مياه الشرب التي يعيشها أهالي قري ونجوع محافظات مصر، يبدو أن عزبة العسيلي التابعة لمركز كرداسة بالجيزة ستكون خليفة «صنصفط» خلال الفترة القادمة. خاصة بعد تصريحات وزير الإسكان ومحافظ الجيزة بإلقاء كل منهما مسئوليته علي الآخر حول أزمة تلوث مياه الشرب داخل القرية، دون النظر لحجم الكارثة التي يعاني منها الأهالي.. وفي هذا التحقيق قامت آخر ساعة بجولة ميدانية للكشف عن معاناة أهالي عزبة العسيلي. الطريق إلي عزبة العسيلي يبدأ من قرية ناهيا. بجوار المستشفي العام، تصطف مجموعة من «التكاتك» أستقل واحدا منها. المسافة لاتتجاوز 10 كيلومترات. أقف علي الجسر المؤدي إلي مدخل العزبة تستقبلني أكوام القمامة العائمة علي سطح المصرف الرئيسي الذي تتخلله مواسير مياه متهالكة. هنا في عزبة العسيلي تحتاج إلي مهارة لاعبي الأكروبات كي تحافظ علي توازنك وأنت تعبر إلي طرقات العزبة التي تطفو علي مياه الصرف الصحي وبحار القمامة التي أصبحت مأوي للفئران في حين تقف معظم البيوت عارية إلا من الطوب الأحمر الذي يكسو واجهاتها. مدخل العزبة يعطيك انطباعاً عن حجم البؤس الذي يعيشه سكانها. داخل عزبة العسيلي تجولنا بين الأهالي الذين أكدوا لنا أن معاناتهم الحقيقية تتمثل في مياه الشرب الملوثة التي تفتك بأجسادهم. وأن حلمهم الحصول علي كأس ماء نظيف. يترك عصام رمضان عربية الفول التي يعمل عليها ويقول لي: يا أستاذة الجحيم الحقيقي داخل البيوت. المجاري هنا لاتغرق العزبة فقط، ولكن نشربها أيضا!. منذ سنوات ونحن نعاني من مياه الشرب الملوثة. المياه في جميع بيوت العزبة تختلط بمياه المجاري. ولم يهتم أحد من المسئولين بالأزمة التي نعيشها إلا الأسبوع الماضي عندما جاء محافظ الجيزة ووزير الإسكان إلي هنا، قابلا أهالي العزبة وشرحنا لهما المشاكل التي نعانيها ووعدنا المحافظ بحل مشكلة مياه الشرب والمجاري التي تغرق العزبة خلال أسبوع، ولكننا فوجئنا بكلام المحافظ في التلفزيون بأن المياه في عزبة العسيلي سليمة 100% ويضيف: كنت عايز أكسر التلفزيون من قهري، المحافظ نفسه رأي الأوضاع غير الإنسانية التي نعيشها. إحنا تعبنا ومحدش حاسس بينا. تلتقط طرف الحديث أم أحمد: لو كانت المياه التي نشربها نظيفة لماذا لم يشرب منها المحافظ عندما جاء إلي هنا؟ الحكومة كلها كاذبة لأننا من سنين نسمع وعوداً من رئيس الحي ومسؤولي شركة المياه بأن الأزمة سوف تحل ولم نر أي شيء. معظم سكان العزبة لديهم مشاكل صحية، أنا عندي حصوة في الكلي وأخبرني الطبيب أن المياه الملوثة هي السبب. لذا نضطر إلي تعبئة جراكن المياه من القري المجاورة عند كوبري أبو عميرة الذي يبعد عن العزبة 5 كيلو مترات. تضيف: ولكن الجراكن لاتكفي إلا للشرب، فأضطر أن أستخدم مياه الحنفية في الطبيخ والغسيل وكل شيء وحتي هذه المياه تقطع 12 ساعة في اليوم وأحياناً أكثر من ذلك. أطلب منها أن تقودني إلي حنفية المياه التي تستخدمها. تسبقني وأنا أسير معها وسط الطرقات الغارقة بمياه المجاري أحاول ألا تغرس قدماي، تبدو لي أم أحمد وقد اعتادت عبور مثل هذه الأوحال الطينية. تعبّئ زجاجةً من مياه الحنفية. أُمسكُ بها رائحتها كريهة وتملؤها رغاوي بيضاء. «هذه أنظف مياه في العزبة!» تقول أم أحمد ساخرة من همها. يقف عدد من الأهالي كل أمام بيته يضربون كفاً بكف. الحاج شوقي يبدأ من جذور المشكلة: أزمة مياه الشرب في العزبة مرتبطة بمشكلة الصرف الصحي التي ظهرت من سنة 2007 حينما بدأت شركة الصرف الصحي تنفيذ مشروع إدخال الصرف الحكومي، قبل ذلك كان الأهالي يعتمدون علي «الطرنشات». وكان مقررا تسليم المشروع سنة 2009 وبالفعل بدأ تنفيذ المشروع في موعده وبعد أن اكتملت شبكة مواسير الصرف الصحي تحت الأرض فوجئنا بأن المشروع توقف لأسباب غير معلومة. يضيف: وبدأ مصطفي سلومة وهو مقاول من الباطن تابع لشركة حسن علام بابتزاز الأهالي وجمع من كل بيت من 700 إلي 1000 جنيه لإدخال وصلات فرعية من البيوت إلي الشبكة الرئيسية وبعد هذه الخطوة لم يتم أي شيء في المشروع، لذلك اضطر الأهالي إلي شراء مكنتي رفع لسحب المجاري من الشبكة إلي المصرف الرئيسي. ولكن رفضت شركة المياه إدارة هذه الماكينات فاضطررنا أيضاً إلي تشغيلها بالجهود الذاتية وبالطبع لا نملك الخبرة الكافية في هذا المجال فأصبحت المجاري تطفح كل يوم، ومن هنا بدأت تختلط بمواسير مياه الشرب المتجهة إلي البيوت ما أدي إلي تلوثها وإصابة أعداد كبيرة من سكان العزبة بالتهاب الكبد والكلي والنزلات المعوية. أما عادل مبارك رئيس جمعية تنمية المجتمع المحلي بمنطقة العسيلي فأكد لنا أنه أسس هذه الجمعية لمحاربة فساد شركة المياه والصرف الصحي الذي عانت منه عزبة العسيلي منذ بدء تنفيذ المشروع وحتي الآن. ويقول: من سنة 2009 وأنا أدور بين المسئولين لأبث شكوي أهالي العزبة من تلوث المياه ومشاكل الصرف الصحي، وكل مسؤول كان يسألني: بتتكلم بصفتك إيه! فأسست هذه الجمعية لأطالب بأبسط حقوقنا في الحصول علي مياه نظيفة. للأسف جشع المسؤولين هو الذي تسبب في كارثة تلوث مياه الشرب التي تنهش أكبادنا. اكتشفنا أن مشروع الصرف الصحي الذي بدأ 2007 حدث به فساد مالي كبير، لأن المواسير التي استخدمت قطرها ضيق وغير مطابقة للمواصفات أدت إلي تسريب مياه الصرف الصحي إلي وصلات مياه الشرب المؤدية إلي البيوت. وعلي إثر ذلك تقدمنا بمذكرة إلي النائب العام ضد شركة حسن علام التي تولت تنفيذ المشروع. ويتابع: رغم عشرات الشكاوي التي قدمناها إلي محافظ القاهرة ورئيس الحي، لم يتحرك أحد من المسؤولين إلا بعد لجوئنا إلي وسائل الإعلام، عندما قام المهندس إبراهيم محلب وزير الإسكان بزيارة إلي العزبة الأسبوع الماضي برفقة الدكتور علي عبدالرحمن محافظ الجيزة. الكارثة الكبري أن محافظ القاهرة بدلاً من أن يعترف بوجود قصور وفساد في رئاسة الحي وشركة المياه، صرح بأن نتائج تحاليل عينات المياه أثبتت سلامة المياه الحكومية 100% وألقي مسؤولية حدوث التلوث علي الأهالي لاستخدامهم مياه الطلمبات الحبشية، وبضرورة التوعية لعدم استخدامها. ويؤكد الدكتور محمد الشافعي أستاذ أمراض الكلي بقصر العيني خطورة تأثير المياه الملوثة علي صحة الإنسان عامة وعلي الكلي والكبد خاصة، ويشير إلي أن اختلاط مياه الشرب بالصرف الصحي يؤدي إلي حدوث تلوث بكتيري آثاره مباشرة وغير مباشرة. الأثر المباشر يتمثل في حدوث حالات تسمم ونزلات معوية حادة يمكن أن تقضي علي الإنسان، كما ينقل الالتهاب الكبدي (أ) عن طريق البكتيريا التي تنتج عن الفضلات، التي تؤثر أيضا علي الكلي فتسبب التهابات قد تؤدي إلي فشل كلوي علي المدي الطويل. يضيف: 40% من حالات الفشل الكلوي يدخل في نطاق مسبباتها شرب المياه الملوثة. ويشير الدكتور طارق الباز رئيس قسم الكلي بجامعة الأزهر إلي أن المياه الملوثة بالصرف الصحي يمكن أن تسبب نزلات معوية حادة وأمراضا بالجهاز الهضمي، بينما المياه الملوثة بمعادن الرصاص أو الزئبق هي التي قد تؤدي إلي حدوث الفشل الكلوي. يضيف: نحتاج إلي أبحاث علمية دقيقة لرصد مسببات الفشل الكلوي لأنه من أكثر الأمراض غموضاً والجدل فيه واسع جداً وحتي الآن لم يثبت بالدليل القاطع ارتباط الفشل الكلوي بالمياه الملوثة.