المتأمل في الاقتصاد الإسلامي وفلسفته ومبادئه يجد فيه الكثير من الأفكار المفيدة في إصلاح العثرات الكثيرة التي يمر بها الاقتصاد المصري حاليا .. ولهذا لابد من وضعها علي مائدة المناقشات في المؤتمر الاقتصادي الذي يبدأ بعد أيام بشرم الشيخ. في البداية يوضح خبراء الاقتصاد الإسلامي أنه مجموعة المبادئ والأصول الاقتصادية التي تحكم النشاط الاقتصادي للدولة الإسلامية التي وردت في نصوص القرآن والسنة النبوية والتي يمكن تطبيقها بما يتلاءم مع ظروف الزمان والمكان حيث تتم معالجة مشكلات المجتمع الاقتصادية وفق المنظور الإسلامي للحياة ومن هذا يتضح أن الأصول ومبادئ الاقتصاد الإسلامية التي وردت في القرآن والسنة هي أصول لا تقبل التعديل لأنها صالحة لكل زمان ومكان بصرف النظر عن تغير الظروف مثل الزكاة. تقوم عقيدة الاقتصاد الإسلامي علي مبدأين أولهما أن المال مال الله والإنسان مستخلَف فيه وبذلك فالإنسان مسئول عن هذا المال كسباً وإنفاقاً أمام الله في الآخرة وأمام الناس في الدنيا وبالتالي لا يجوز أن يكتسب المال من معصية أو ينفقه في حرام ولا فيما يضر الناس . أما دور المال فهو أداة لقياس القيمة ووسيلة للتبادل التجاري وليس سلعة من السلع ومن ثم لا يجوز بيعه وشراؤه وهو ¢ ربا الفضل ¢ ولا تأجيره وهو ما يطلق عليه ¢ ربا النسيئة¢ خصائص متميزة يتميز الاقتصاد الإسلامي بمجموعة من الخصائص حيث يجب توافر شروط في البائع والمشتري والمبيع من خلال تقديم الإسلام نظرة واضحة لموضوع الشروط والقواعد ويمكن الاعتماد علي مجموعة من القواعد الاقتصادية أهمها : المشاركة في المخاطر: وهي أساس الاقتصاد الإسلامي وعماده وهي الصفة المميزة له عن غيره من النظم حيث تكون المشاركة في الربح والخسارة وهذه هي قاعدة توزيع الثروة بين رأس المال والعمل وهي الأساس الذي يحقق العدالة في التوزيع. - موارد الدولة: لا ينفرد هذا النظام عن غيره في هذا الباب إلا في وجود الزكاة كمورد ينفرد به ففي الاقتصاد الإسلامي وهي أشبه شيء بالضرائب لكنها تعطي للفقراء وهي جزء صغير من أموال الأغنياء. - الملكية الخاصة: يحمي النظام الإسلامي الملكية الخاصة لأنه من حق الأفراد تملك الأرض والعقار ووسائل الإنتاج المختلفة مهما كان نوعها وحجمها. بشرط أن لا يؤدي هذا التملك إلي الإضرار بمصالح عامة الناس وأن لا يكون في الأمر احتكاراً لسلعة يحتاجها العامة وهو بذلك يخالف النظام الشيوعي الذي يعتبر أن كل شيء مملوك للشعب علي المشاع. - الملكية العامة: تظل المرافق المهمة لحياة الناس في ملكية الدولة أو تحت إشرافها وسيطرتها من أجل توفير الحاجات الأساسية لحياة الناس ومصالح المجتمع وهو يخالف في ذلك النظام الرأسمالي الذي يبيح تملك كل شيء وأي شيء. - يعمل نظام المواريث علي تفتيت الثروات وعدم تكدسها حيث تقسم الثروات بوفاة صاحبها علي ورثته حسب الأنصبة المذكورة في الشريعة. - الصدقات والأوقاف: تعد الصدقات والأوقاف من خصائص الاقتصاد الإسلامي التي تعمل علي تحقيق التكافل الاجتماعي وتغطية حاجات الفقراء في ظل هذا النظام. - تغليب المنفعة العامة علي المنفعة الخاصة عند التضارب. - مراقبة السوق ولكن دون التدخل في تحديد السعر عن طريق بما يسمي ¢المحتسب ¢. - الشفافية: حض الإسلام علي الشفافية من خلال منع رسول الله صلي الله عليه وسلم التجار من تلقي القوافل القادمة. - تمييز ما يقع ضمن الممتلكات العامة أو الفردية وليس معناه التفرقة بين الممتلكات العامة والخاصة ولكن التمييز يعني تبعا للقاعدة الفقهية دفع الضرر العام بالضرر الخاص. محظورات ومفاسد هناك مجموعة من المحظورات في النظام الاقتصادي الإسلامي يمكن للاقتصاد المصري الاستفادة منها في الخروج من أزمته وأهمها : - تحريم الربا: وهو محرم بنوعيه ربا الفضل وربا النسيئة.قال تعالي :¢... وَأَحَلَّ اللَّهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا...¢ - تحريم الاحتكار: وهو محرم من السنة والأحاديث النبوية لما فيه من الإضرار بمصالح العامة والاستغلال لحاجاتهم وما يتسبب فيه من قهر للمحتاج وربح فاحش للمحتكر. - تحريم الاتجار في القروض لأنها إحدي صور المال فلا يجوز الاتجار به إذ أن المال لا يباع ولا يشتري. - تحريم بيع ما لا يمتلكه الفرد وذلك لمنع المخاطرة أو المقامرة. - بيع الغرر وهو بيع غير المعلوم مثل بيع السمك في الماء أو أنواع المقامرة التي نراها منتشرة في مسابقات الفضائيات وشركات الهواتف مثل اتصل علي رقم كذا لتربح أو أرسل رسالة لتربح وهي كلها من صور المقامرة التي حرمها الله عز وجل. - تحريم الاتجار في المحرمات فلا يجوز التربح من ما حرّم الله عز وجل من التجارة في الخمور أو المخدرات أو الدعارة أو المواد الإباحية المختلفة وغيرها من المحرمات لأنها لا تعتبر مالاً متقوماً في الإسلام. - تحريم بيع العينة:وهو شكل من أشكال التحايل علي الربا. حيث يقوم الفرد بشراء شيء ما من شخص علي أن يتم السداد بعد مدة ثم يقوم ببيعها مرة أخري إلي صاحبها بسعر أقل من الذي اشتراه به فيقبض الثمن ثم يعود بعد المدة المتفق عليها ويقوم بدفع المبلغ الذي يكون أكثر من المبلغ الذي قبضه فيكون هذا ظاهره بيع وباطنه ربا فحرمه الإسلام. أدوات استثمارية عن الأدوات الاستثمارية في النظام الإسلامي يمكن حصرها في العديد من الأدوات أهمها : - المضاربة: وهي أن يدفع صاحب المال مالاً لصاحب العمل أو المؤسسة الاستثمارية من أجل استثماره له علي أن يتم توزيع الأرباح علي أساس نسبة محددة من الربح وليس من أصل المال وهذا يحقق قدرا أكبر من العدالة في التوزيع عما يحقق النظام الربوي ولا يتم توزيع الربح إلا بعد استعادة أصل رأس المال. - المرابحة: هي أقرب شيء للتجارة العادية أن يقوم صاحب المال بشراء سلعة من أجل بيعها بسعر أعلي سواء كان هذا البيع الأخير آجلا أو تقسيطاً أو نقداً. - المشاركة: يكون الأطراف مشاركون بالمال والجهد. أو بأحدهما وتكون ملكية النشاط التجاري مشتركة بينهم ويتشاركون في تحمل الربح والخسارة. - الإجارة: أن يشتري صاحب المال أو المستثمر عقاراً أو معدّات بغرض تأجيرها ويكون هذا الإيجار بعد مصروفات الصيانة هو ربح النشاط التجاري. - السَلَم: هي الصورة العكسية للبيع الآجل ففيها يتم دفع المال مقابل سلعة آجلة علي أن تكون السلعة محددة وموصوفة وصفا يرفع الخلاف. يمكن الاستفادة من نظام الرقابة في الاقتصاد الإسلامي وهي ذاتية قبل أن تكون خارجية وهي بهذا أشد قوة وأكثر فعالية وتحقق جميع الأهداف وتمنع التهرب من أداء الحقوق قال تعالي:¢ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرى ¢ وبالتالي فإن الوازع الداخلي أقوي بكثير من الرادع الخارجي. وكذلك الجمع بين المصلحة بين الفرد والجماعة حيث يتم التوازن بينهما والأخذ بهما وعدم إغفال إحداهما لأن الفرد والجماعة ليسا خصمين وعند تعذر التوفيق بينهما نغلب مصلحة الجماعة. الروح والمادة يتصف الاقتصاد الإسلامي بالتوازن بين الروح والمادة ولهذا حث الإسلام علي التوازن بينهما قال تعالي :¢ وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِين ¢ يتصف الاقتصاد الإسلامي بأنه اقتصاد أخلاقي ولهذا نجد الأمانة شرطا من شروطه ولا يفصل بينهما بخلاف الأنظمة الاقتصادية الأخري فمن أخلاق التاجر المسلم السماحة والصدق والأمانة والنصح والقناعة والتواضع والرحمة والابتسامة وغض البصر وعدم رفع الصوت ولهذا قال النبي صلي الله عليه وسلم:¢ التاجر الصدوق الأمين المسلم مع الشهداء يوم القيامة ¢ ولقد كان للأخلاق التجارية أثر في انتشار الإسلام . كما أن الاقتصاد الإسلامي اقتصاد موضوعي لأن الأمانة والتعاون علي الخير والنصح وتحريم الربا مطبقة علي الجميع سواء كانوا مسلمين وغير مسلمين ولهذا فإن النظام الاقتصادي الإسلامي يهدف إلي إشباع حاجات الإنسان ضمن إطار من القيم والأخلاق الإسلامية التي تحدث نوع من التوازن بين الفرد والمجتمع الذي يحقق الرقي للإنسان والمجتمع في كافة ميادين الحياة . سمات متميزة وعن الفرق بين الاقتصاد الإسلامي والنظم الوضعية فمثلا نجد النظام الرأسمالي يسعي أولا لتحقيق المصلحة الشخصية وعندما يحقق المصلحة الشخصية عندها تحقق المصلحة العامة المشتركة بينه وبين المجتمع ولهذا يقول الاقتصادي آدم سميث: ¢ إننا لا نتوقع أن يتكرم علينا الجزار أو الخباز بطعام العشاء لكننا نتوقعه من اعتبارهما لمصلحتهما الشخصية ونحن لا نخاطب إنسانيتهما لكن نخاطب حبهما لنفسيهما ولا نتحدث عن ضروراتنا لكن عن مكاسبهما ¢ علي عكس النظرة الإسلامية التي تعتبر النشاط الاقتصادي من العبادات لأن العمل والاستثمار والتجارة إحدي الوسائل للتقرب الي الله تعالي ويهتم النظرة الإسلامية إلي الاقتصاد بمصلحة الآخرين والمجتمع قبل المصلحة الشخصية فقال النبي صلي الله عليه وسلم :¢ لا يؤمن أحدكم حتي يحب لأخيه ما يحب لنفسه¢. و يتميز الاقتصاد الإسلامي الجمع بين الغايات والوسائل بوضوح تام وأن غايات الوجود الإنساني تحددها الأُسس الاعتقادية التي يؤمن بها الإنسان الذي كرمه الله القائل :¢ وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون¢ كما انه اقتصاد مختلط تتعايش فيه أشكال الملكية الخاصة والعامة معاً. توفر الأولي وسائل إشباع الحاجات الخاصة. كما تشحذ الحافز الفردي للنشاط الاقتصادي. وتوفر الملكية العامة: صور الاستخلاف الاجتماعي وسائل إشباع الحاجات العامة والشروط المادية اللازمة لإنتاج العرض العام. يؤكد الاقتصاد الإسلامي الوظيفة الاجتماعية للملكية الخاصة فلا اكتناز للنقد ولا احتجاز للأرض ولا احتكار للعروض ولا استئثار بالموارد ولا ضرر ولا ضرار يتأكد كل ذلك من خلال جملة أحكام موضوعية ملزمة ولهذا فإنه اقتصاد تتعايش فيه أُسس حقوقية مختلفة ترعي اعتباري العمارة والعدالة فالعمل والملكية والحاجة كلها أُسس معتمدة في نظام التوزيع الإسلامي وهو اقتصاد يحقق تخصيصا كفوءا للموارد بسبب عدالة نظامه التوزيعي ووظيفية ووسطية نمطه الاستهلاكي. زيادة علي دور الحكومة في تأمين الرفاهية الاجتماعية ومسئوليتها عن العرض العام وتقترن فيه الكفاءة الاقتصادية بالعدل التوزيعي لأنه يحشد جميع موارد المجتمع للفعالية الاقتصادية ولأنه يعتمد نظاماً توزيعياً يؤكد الوظيفة الاجتماعية للموارد ويؤكد اقتران عائدها بالعمل أو المخاطرة.