لايزال الجدل محتدما حول قروض البنوك وهل تعد ربا ام لا، وقبل أن نتناول هذه القضية بالشرح والتحليل نتحدث عن مفهوم الربا وحكمة تحريمه. العلامة الدكتور يوسف القرضاوى رئيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين يقول إن عمدة الفقهاء فى تحديد معنى الربا هو القرآن الكريم نفسه، حيث يقول تعالى: «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين». ثم يقول: «وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون» ،فدلت الآية الكريمة على أن ما زاد على «رأس المال» فهو ربا، قل أو كثر، وكل زيادة مشروطة مقدمة على رأس المال مقابل الأجل وحده فهى ربا. وتحديد الربا الذى حرمه القرآن لا يحتاج إلى شرح أو تطويل، فلا يتصور أن يحرم الله على الناس شيئا، ويتوعدهم بأشد الوعيد على فعله، وهم لا يعلمون ما هو، وقال تعالى: «وأحل الله البيع وحرم الربا» وواضح الدلالة على حرمة الربا كله، ولو كان غامضا لبينه الله، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. ويقول القرضاوى إن الربا أمر معروف تعامل العرب به فى الجاهلية، وتعامل به غيرهم، وعرف به اليهود من زمن بعيد، وسجله عليهم القرآن فى سجلهم (وأخذهم الربا وقد نهوا عنه)، ولو كان هذا الربا الذى حرمه الله عليهم غامضا، لسألوا عنه، حتى يعرفوه، فقد كانوا أحرص الناس على معرفة دينهم. ويفرق بين ربا الفضل وربا النسيئة، ويقول إن الأخير هو الذى تدور حوله المعركة اليوم، وهو الذى تتعامل به البنوك التجارية التقليدية، ويعتبر الكلام عن ربا الفضل فى هذا الوقت تمييعا للقضية، وخروجا عن موضوع النزاع. ومن التبريرات التى جدت على الساحة اليوم: ما يقال من أن الحكمة فى تحريم الربا لم تعد قائمة اليوم، فالحكمة هى منع ظلم الدائن للمدين أو المقرض للمقترض واستغلال حاجته بفرض الزيادة الربوية عليه. ويقول القرضاوى إن الحكمة من تحريم الربا هى أن المال لا يتوالد، لأن المال ينمو بالعمل وبذل الجهد، والإسلام لا يحرم على الناس أن يملكوا المال، ويستكثروا منه، ما دام يؤخذ من حله، وينفق فى حقه، والمال الصالح هو الذى يكتسب من حلال، وينمى بالحلال، أى بالعمل النافع المشروع، إما بنفسه أو بمشاركة غيره. وبهذا شرع الإسلام تعاون رأس المال والعمل لمصلحة الطرفين ومصلحة المجتمع أيضا. ومقتضى هذه المشاركة أن يتحمل الطرفان النتيجة، أيا كانت، ربحا أو خسارة. فإن كان الربح كثيرا، كان بينهما على ما اتفقا عليه، وإن قل الربح قل نصيبهما معا بنفس النسبة،ويضيف القرضاوى: فالحكمة الواضحة فى تحريم الربا هى تحقيق الاشتراك العادل بين المال والعمل، وتحمل المخاطرة ونتائجها بشجاعة ومسئولية. وهذا هو عدل الإسلام. فلم يتحيز إلى العمل ضد رأس المال ولا إلى رأس المال ضد العمل، لأنه يمثل عدل الله الذى لا ينحاز إلى فريق ضد فريق.