تباينت ردود أفعال المسلمين تجاه الإساءة للإسلام ونبيه. ما بين المتشدد الذي يطالب بطرد السفراء والمقاطعة التامة لكل ما هو غربي. وبين المتساهل الذي يري أن الصمت أبلغ أسلوب حتي تتوقف تماما بعد أن يدرك المسيء أن إساءته لم تتسبب في غضب المسلمين.. فكيف يري العلماء السبيل الأمثل لمواجهة تلك الإساءات؟ يوضح الدكتور محمد عبد السلام- الخبير بمركز القاهرة للدراسات السياسية والاستراتيجية- أنه بالفعل لا يستطيع المراقب أن ينكر تصاعد حدة الإساءة للإسلام من قبل العديد من الرموز الغربية الرسمية وغير الرسمية. فإن كل هذه الإساءات العدوانية بينها جميعا قاسم مشترك يصفه البعض علي أنه ظاهرة الخوف المرضي من الإسلام ¢إسلاموفوبيا¢ ولكن الواقع أنه الخوف علي الذات. فالعلمانيون يرون أنهم صانعو الحياة في الغرب ومن هنا يخافون علي علمانيتهم بعد ازدياد انحراف تلك العلمانية وإفلاسها علي صعيد جنس الإنسان وكرامته وحقوقه. وأصحاب العقائد الدينية -كالكنيسة الكاثوليكية- خائفون علي عقائدهم ومؤسساتهم ومواقعهم بعد العزوف واسع النطاق عنها وضمور دورها شعبيا لا سياسيا فقط. والسياسيون وصانعو القرار من ورائهم من مراكز القوي المادية خائفون علي هيمنتهم علي ثروات العالم ومقدرات شعوبه ودوله. والإخفاق المنتظر لهجمتهم الجديدة تحت عناوين العولمة والهيمنة. ومن ثم باتت هجمة هؤلاء الشرسة المعاصرة علي الإسلام أشبه بالهروب إلي الأمام. أو وفق قاعدة الهجوم العسكري الوقائي خير وسائل الدفاع الفكري الحضاري. ولم يفلح الغرب فيما كان الإسلاميون يسمونه الغزو الفكري والثقافي والاجتماعي والأخلاقي الذي امتد أكثر من قرن كامل في منع ظاهرة الصحوة الإسلامية من الولادة قبل أربعة عقود. والتنامي حتي اليوم بغض النظر عن طرح نقاط الضعف ونقاط القوة فيها. ونحن لا نواجه إساءات بين الحين والحين فقط. لتنبني عليها ردود أفعال فقط. إنما نواجه مخططات وتحركات شاملة. وهذا ما يفرض أن يكون الرد قائما علي صيغة شمولية. تنطوي علي عمل دائب لا وقتي. مخطط لا ارتجالي منظم لا عشوائي منضبط بضوابط الإسلام وغاياته الحضارية وفي مقدمتها ¢وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين¢ لا انفعالي وكل ذلك لا يتحقق بأن ننتظر الإساءة التالية كي تنعقد المؤتمرات وتسير المظاهرات. وتلقي الخطب. وتكتب المقالات. ثم تهدأ الأمور شيئا فشيئا. بانتظار الحلقة القادمة! ولتحقيق الهدف بصورة عامة لا نحتاج إلي منظمات وهيئات وقيادات إضافية بل إلي إحياء المنظمات والهيئات القائمة لتكون فعالة علي أرض الواقع لا المواقف فقط. خاصة ما اكتسب منها تدريجيا ثقة جماهيرية واسعة. تؤدي مسئولياتها الكبري في الظروف المعقدة القائمة حاليا. وعلي أكمل صورة ممكنة. وفي مقدمة تلك المسئولية أن ينشأ من ورائها جيل جديد من القيادات الشابة. المقاطعة الاقتصادية ويشير الدكتور حمدي عبد العظيم- رئيس أكاديمية السادات للعلوم الإدارية سابقا- إلي المقاطعة الاقتصادية الشعبية كوسيلة أثبتت نجاحها في رد الإساءة ولو بشكل جزئي حيث يقول: مما لا شك فيه أن سلاح المال والاقتصاد من أشد الأسلحة تأثيراً في هذا العصر فالعامل الاقتصادي هو من بين العوامل المهمة التي تدفع الأمم إلي مكان الصدارة علي الساحة الدولية وجميعنا نتذكر بدون شك نتيجة استخدام سلاح المقاطعة النفطية في وجه أمريكا والدول الغربية المؤيدة لإسرائيل عامي 1967 - 1973م وما ترتب عليه من آثار وتداعيات وهذا في رأيي لا يشكل إلا مثالاً بسيطاً علي أهمية سلاح المقاطعة الاقتصادية وما يمكن أن يوقعه بالأعداء من خسائر لا يستهان بها وهي الخسائر التي ستجعله يعيد النظر حتما في سياساته مع العالم الإسلامي. المطلوب فقط أن يتم تفعيل المقاطعة الاقتصادية ولو علي المستوي الشعبي علي أن يتم تنظيمها من خلال مؤسسات المجتمع المدني حتي تكون مقاطعة فعالة ويجب أن يتوافر الإجماع بهذه المقاطعة حتي تؤتي ثمارها ويجب أن يقوم علماء الشريعة الإسلامية بدورهم في شحذ حماس الجماهير نحو استخدام هذا السلاح لأن صبغ المقاطعة بالصبغة الدينية وإصدار الفتاوي الدينية التي تؤيدها سيمنحها الشرعية والفاعلية دون شك وسيؤدي إلي إقبال المسلمين في كل مكان علي المشاركة في تلك المقاطعة كأسلوب لمواجهة الإساءات ضد الإسلام والمسلمين وبالإضافة إلي دور علماء الدين هناك دور وسائل الإعلام الإسلامية التي يقع عليها عبء تحديد السلع التي يجب علي المستهلك المسلم مقاطعتها لأن تحديد تلك السلع سيسهل من مهمة المسلمين في استخدام هذا السلاح وفي نفس الوقت علي رجال الأعمال المسلمين أن يكونوا عند مستوي المسئولية بحيث يشاركون في المقاطعة بأن يوقفوا كل معاملاتهم المالية مع الشركات التي تنتمي للدول والمجتمعات التي تسيء للإسلام والمسلمين ويأتي في النهاية دور الحكومات الإسلامية التي عليها أن تدعم هذه المقاطعة الشعبية وتعمل علي الاستفادة منها بحيث نتخلص كمسلمين من تبعيتنا الاقتصادية والسياسية للغرب والواقع يؤكد أننا لو أحسنا استخدام سلاح المقاطعة الاقتصادية فسوف ننجح في مقاومة الإساءة وردها ضد أعداء ديننا وأمتنا. وبهذا يعرفون أن المسلمين ما زالوا يشكلون أمة حية لديها استراتيجيتها وآليتها لمواجهة كل من يسيء إليها أو إلي رموزها الدينية. تجريم قانوني الدكتور اسماعيل عبدالرحمن- أستاذ الفقه بجامعة الازهر- يقول: لابد أن نعرف أن الإساءات موجودة منذ ظهور الإسلام حيث اتهم الكفار النبي بأنه شاعر ومجنون وكاهن وكذاب وكان أكثر من يسيء للنبي عمه أبو لهب فالمقصود أن الإساءات موجودة منذ بعث الله النبي ولكن الجديد في الإساءات هو شيوع وسائل الإعلام وبهذا أصبحت الإساءات تبلغنا بل وتحرص العديد من وسائل الإعلام علي تتبعها لدرجة أنها وصلت إلي حيز المناقشات في البرلمانات الاوروبية وحتي الكونجرس الامريكي وباختصار فنحن لابد ألا نتخيل أبدا أن تلك الإساءات ستتوقف مادام هناك صراع بين الحق والباطل والذي نتمناه فقط هو أن نمارس الواجب المنوط بنا ممارسته والدعوة إلي الإسلام والتعريف بالنبي فلابد أن نثق جيدا أن الذين أساءوا للنبي ما أساءوا إليه صلي الله عليه وسلم إلا لجهلهم به وبسيرته العطرة ولو عرفوه حق المعرفة لما امتلكوا إلا أن يحبوه وأن يعظموه بل من عرفه حتي لو لم يسلم أقر بعظمة هذه الشخصية وجلالتها وبأنها شخصية لابد أن تحتل أول مكان في قائمة عظماء الإنسانية. لذلك ينبغي علينا أن نسعي في اتجاهات عديدة. فلماذا لا نحاول أن نعلن غضبنا سياسيا وأن يكون هناك دور للدبلوماسية العربية والإسلامية من أجل إقرار قانون يجرم الإساءة لمقدسات الشعوب الإسلامية؟ ونحن كمسلمين لا نهين حتي مقدسات أصحاب الديانات الموضوعة فقد نهانا الله تعالي عن ذلك حيث قال في كتابه الكريم: ¢ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ¢ فاستصدار هذا القانون أصبح واجباً شرعياً يحثنا عليه القرآن ثم إننا نجد أن اليهود مثلا في قوتهم السياسية والاقتصادية مكثوا سنين طويلة يدافعون عن سياساتهم حتي استطاعوا أن يستصدروا قوانين في مختلف دول العالم وأصبح من يشكك في مذبحة الهولوكوست يتعرض للسجن! فلماذا لا نسعي نحن من اليوم بالفعل ونؤكد للغرب خطورة تعرض رموزنا المقدسة وعلي رأسها النبي صلي الله عليه وسلم للإساءة. ونقول لهم: إذا أردتم أن تستقر أوضاعكم وأن تتوقف العمليات الإرهابية التي تهدد أمنكم وإذا أردتم انتهاء صراع الحضارات فعليكم أن توقفوا الإساءة إلي مقدساتنا. قديمة متجددة وتقول الدكتورة وجيهة مكاوي- الأستاذ بجامعة الازهر-: حملات التشويه ضد الرسول فتنة قائمة في الماضي والحاضر والمستقبل وهي مشكلة قديمة وحديثة ومستمرة وسوف تستمر إلي قيام الساعة. وواجبنا أمام هذه الحملات أن نقوم بالرد المناسب مقابل الحجة بالحجة والعقل بالعقل والمنطق بالمنطق وتكشف عن جمال الإسلام وعن صوره الجمالية في التشريع الإسلامي من تيسير ورحمة وتسامح وتعاطف ومودة ونبين أسرار القرآن الكريم وجوانب الإعجاز التي يستهويها الاخرون ويؤمنون بها من قبل فما بالك لو حدثناهم عن هذه الجوانب من الإعجاز وقد بدأت هذه الأمور بحمد الله وتوفيقه تتكشف وتبدو في الخارج ويقبل الكثير من الغربيين عي الانتماء الي الإسلام وإلي اعتناق الإسلام مما يدل علي أن حملات التشويه وإن كانت موجودة الا أنها في تضاؤل. ولكن هذا لا يعني أن نقف مكتوفي الأيدي أمام تلك الإساءات بل يجب أن نحرص علي رد الإساءة وأهم ما يجب أن نحرص عليه هو التوضيح واستخدام كل وسائل الإعلام للتأكيد علي حقيقة الإسلام ويجب أن نصل بالعقل الغربي إلي مرحلة يفصل فيها بين الإسلام وممارسات بعض المسلمين.