قد يظن البعض أن أوروبا في إساءاتها لمقدساتنا إنما تنطلق من حقد ديني صليبي , والواقع أن أوروبا أعطت ظهرها للمسيحية منذ زمن طويل, وإن كان الإسلام يعاني غربة في الغرب فإن المسيحية تعاني غربة أشد , فقد فقد الأوربيون الثقة فيها ونبذوها وراء ظهورهم بعد أن وقف الباباوات حجر عثرة في وجه التقدم العلمي . إن القوم ليس عندهم مقدس من دين أو أخلاق وهم أقرب إلى ميراث الدولة الرومانية الوثني منهم إلى أي دين و كثير منهم ملحدون ولذلك فهم يتعجبون منا لأننا مازلنا نقدس ديننا ويقع حب رسولنا صلى الله عليه وسلم في السويداء من قلوبنا. يقيني أن أغلبية الأوروبيين يعانون من نظرة شوهاء للإسلام مورست على عقولهم ومنظوماتهم الثقافية والفكرية قرون طويلة من أيام الحروب الصليبية وغذتها أوروبا العلمانية الحديثة لأنها تحقق مصالحها من السيطرة السياسية والاقتصادية , لذا ولكي يكون رد الفعل صحيحا لابد بداية أن يشخص الواقع تشخيصا صحيحا والذي نستطيع من خلاله بناء رد فعل ملائم لما تم من إساءة . الواقع يقول : o أن الأوربيين في غالبيتهم لا يؤمنون بالمسيحية أو أي دين آخر . o أن إحساسهم بأن الدين قيد - منعهم من الانطلاق – يدفعهم هذا الإحساس بتعمد إهانة أي مقدس. o أن غالبيتهم كذلك يجهلون الإسلام ولايعلمون عنه شيئا. o أن واقع المسلمين لايدفع الأوربيين لاعتناق الإسلام بل قد يكون هذا الواقع هو السد المنيع لانتشار الإسلام. بالنظر لما سبق يمكن بناء رد فعل صحيح يناسب جلالة الحدث زمانا ومكانا وشخوصا آخذين في الاعتبار تحقيق أكبر قدر من المكاسب لصالح الإسلام , وإذا لخصنا ردود الأفعال التي تمت في العالم الإسلامي حتى الآن نستطيع أن نحددها في الآتي : o رد فعل أنظمة ديكتاتورية يبدو أنها إن لم تتورط في حرق سفارات الدول المشاركة في الإساءة للنبي فعلا , فإنها على أقل تقدير أعطت الضوء الأخضر للجماهير المكبوتة لكي تنفس عن استيائها مما حدث بالحرق والتخريب مستفيدة هي من الإشارة للغرب أن هذه شعوب همجية لايمكن ضبط فعلها أو رد فعلها إلا من خلال التسلط والاستبداد , كما لفت النظر إلى ذلك التحليل الممتاز الذي نشر "بالمصريون" للأستاذ محمود سلطان. o انظمة أخرى أكثر أو أقل استبدادا قررت المقاطعة الحكومية والشعبية ولكن لما أرادت الجماهير التعبير عن استيائها اعتدت عليها حتى وصل الأمر لمقتل وإصابة العشرات كما حدث في المحلة الكبرى بمصر وما حدث في ليبيا , العجيب أن يصرح العقيد القذافي الخميس 2 مارس 2006 مبررا قتل وإصابة عشرات المتظاهرين بأنهم كانوا " ينوون " هكذا " ينوون " قتل القنصل الإيطالى , لذا كانت أوامر الزعيم الضرب في السويداء عقابا على النوايا . o ليبراليون وعلمانيون ودعاة حقوق إنسان عرب استنكروا رد الفعل الإسلامي تارة لأنه غير مبرر وأخرى استنكارا للتخريب وكأنهم حريصون على صورة الإسلام ان تشوه وهم الذين لايكفون ليل نهار عن تشويه صورة الإسلام في الداخل والخارج وآخرون اعترضوا على سن قوانين تجرم الإساءة للأديان بدعوى أن الغرب سوف يستخدم هذا السلاح ضدنا حينما نسيء إلى أديانهم وكأن عادتنا هي الإساءة للأديان , إن هؤلاء العلمانيون يخشون هذه القوانين لأنهم أول من ستطبق بحقهم , وتارة لأن المظاهرات فعل غير حضاري وأن ميدان رد الفعل هو المحاكم كما صرح بذلك الأديب نجيب محفوظ لمجلة دير شبيجل الألمانية. o جماهير مكبوتة وافرة الإيمان بالله مفعمة بحب رسول الله لكن ليس لها قائد يوجهها فتوجهت برد الفعل حيثما توجه معبرة فقط عن استيائها دون النظر إلى المصالح والمفاسد . o دعاة وعلماء وإسلاميون , وهؤلاء قد تباينت إلى حد بعيد ردود أفعالهم , فمن اعتبار شيخ الأزهر التطاول على الرسول هو تطاول على موتى لايستطيعون الرد إلى داعين للحوار مع الدنماركيين كعمرو خالد إلى طالبين اعتذار وسن قوانين تمنع الإساءة للمقدسات واستعمال المقاطعة الاقتصادية للضغط على حكومة الدنمارك حتى ترضخ , وعليه فإنهم يعتبرون الحوار ضرب من العبث لاطائل من وراءه لدرجة اتهام ممثليه بأنهم وعاظ يرطبون قلوب الناس بأحاديث الترغيب والترهيب وسير الصالحين , كما صرح بذلك فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي في برنامج الشريعة والحياة , إلى ذلك فقد دعت جماعة الإخوان المسلمين لاعتبار يوم الجمعة 3 مارس 2006 يوما عالميا للتعبير عن غضب المسلمين ممن أساء إلى النبي صلى الله عليه وسلم. هكذا ترى أنه حتى رد الفعل الإسلامي يمثل حال المسلمين من الضياع والتشرذم وغياب القائد والممثل , والذي أحب أن أقرره هنا هو لماذا لا يكون رد الفعل خطة ممنهجة محددة المراحل معلومة النتائج مستخدمة كل الوسائل ومستفيدة من كل الطاقات والإمكانيات للضغط في تحقيق مانريد . يمكن أن يكون هدفنا الأساسي من هذه الحملة هو التعريف بالإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم آملين أن يتحول بعدها عدد كبيرمن الشعب الدنماركي للإسلام أو على الأقل يتعرفون عليه وهذا هو المكسب الحقيقي الذي يجب أن يراعى , ولايمنع ذلك من تحقيق أهداف فرعية أخرى كسن قوانين تجرم كل من يسيء للأديان . وفي يقيني أن معظم الوسائل التي عبر بها المسلمون عن غضبهم يمكن أن توظف في تحقيق الأهداف والمقاطعة الاقتصادية في قلب هذه الوسائل . ما يهمني أن أقرره هنا أن المقاطعة لن تكون سببا في إسلام أحد , لكن الحوار الواعي مع كل قطاعات الشعب الدنماركي هي التي ستكون سببا إن شاء الله في إسلام قطاع كبير منه مستخدمة في ذلك كل وسائل الإعلام. أدعو أخيرا إلى تشكيل لجنة إدارة أزمة من الدعاة المخلصين والعلماء والأدباء والسياسيين الغيورين ومن كبار مفكري الحركة الإسلامية وترسم لنفسها خطة محددة ليتناغم رد الفعل الإسلامي في مواجهة تناغم أوربي ملحوظ , واضعين في اعتبارهم مصلحة الإسلام والمسلمين وليس شرطا إرضاء المسلمين وإشباع عواطفهم.