* كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- مثالاً للسياسة النزيهة الرشيدة التي تعمل للحق ولخير المجتمع ونفعه. وكان إذا سن قانوناً أو أصدر أمراً تتبعه وارتقب نتيجته وأثره علي الناس فاذا رأي فيه شدة علي الناس وثقله علي نفوسهم سارع إلي تغييره بما يتفق مع أحوال الناس حتي لا يحملهم ما لا طاقة لهم به.. وكان ذلك من أسرار نجاح القوانين التي وضعها عمر- رضي الله عنه. * قام عمر رضي الله عنه- بالغاء الجزية عن الاناث والأطفال وفرضها علي الذكور البالغين وكان يفرضها حسب يسار الناس وأعمارهم. * وكان عمر- رضي الله عنه- إذا حرم شيئاً علي الناس أو نهاهم عنه يطبقه علي نفسه وأهل بيته قبل الناس وكان يجمع أهله إذا سن قانوناً ويقول لهم: إني نهيت الناس عن كذا وكذا. وانما ينظر الناس إليكم نظر الطير إلي اللحم. فان وقعتم وقع الناس وإن هبتم هاب الناس. و أنه والله لا يقع أحد منكم في شيء نهيت الناس عنه إلا ضعفت له العقوبة لقرابته مني. * قدم المدينة بعض التجار في احدي الأمسيات وخيموا عند مشارفها. فاصطحب أمير المؤمنين عمر- رضي الله عنه- عبدالرحمن بن عوف ليتفقد أمرهم. وإذا هما جالسان سمع عمر- رضي الله عنه- صوت بكاء صبي فقال لأمه: ويحك.. مالصبيك لا يقر له قرار؟ قالت وهي لا تعرف من تخاطب: إني أحمله علي الفطام فيأبي. فسأل عمر: ولم تحملينه علي الفطام؟ قالت: لأن عمر لا يفرض إلا للفطيم. قال وأنفاسه تتواثب: وكم له من العمر؟ قالت: بضعة أشهر. قال: ويحك. لا تعجليه. يقول صاحبه عبدالرحمن بن عوف: فصلي عمر بنا الفجر يومئذ وما يستبين الناس قراءته من غلبة البكاء. فلما سلم قال: يا بؤساً لعمر.. كم قتل من أولاد المسلمين. ثم أمر منادياً ينادي في المدينة: لا تعجلوا صبيانكم علي الفطام فإنا نفرض منبيت المال لكل مولود في الاسلام ثم كتب بهذا إلي جميع ولاته في الامصار. * خطب عمر- رضي الله عنه- فقال: أيها الناس لا تغالوا صداق النساء. فانها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوي عند الله لكان أولاكم وأحقكم بها محمد صلي الله عليه وسلم. ما أصدق امرأة من نسائه ولا أصدق امرأة من بناته أكثر من أربعمائه درهم. وان الرجل ليثقل صدقة امرأته "أي مهرها" حتي يكون لها عداوة في نفسه فاعترضت امرأة فقالت: يا عمر. يعطينا الله وتحرمنا. أليس الله سبحانه وتعالي يقول "وآتيتم. احداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً" "النساء: 20" فقال عمر. رضي الله عنه: أصابت امرأة وأخطأ عمر. وفي رواية: فأطرف عمر ثم قال: اللهم اغفر لي. كل الناس أفقه منك يا عمر. أيها الناس. إني كنت نهيتكم أن تتزوجوا النساء في صدقاتهن في أربعمائه درهم فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب. وطابت نفسه فليفعل. * هذا هو أمير المؤمنين الخليفة العادل الذي قال: مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل هذا هو الحاكم المؤمن الذي إذا ذكر رؤساء الدول والحكومات منذ فجر التاريخ الانساني إلي يوم الناس هذا. كان أعظمهم وأطهرهم وأعدلهم وكان للمتقين إماماً.