ضاعت احتفالية وزارة الثقافة بعميد الادب العربي العملاق الدكتور طه حسين.. وافسدت اجواء ومظاهر الفتنة في المجتمعپ كل شئ حتي المناسبة الثقافية.. ولمپ تتح الفرصة للتعرف علي ماجري وما كان يراد.. وتلاشت رغبات التصحيح وسط الضجيج ولم يتمكن احد من بيان اوجه القضايا المثارة او بيان المحاسن والاضداد ولم نعرف هل انتصرنا لعميد الادب العربي ام اهلنا عليه كومة من تراب تضاف الي ما تبقي من رماد عملية الانتهاك البشعةپ لتمثاله في مدينة المنيا في الاونة الاخيرة..پ لكن لابد من التوقف امام ما قامت به الهيئة العامة للكتاب من اصدارات خاصةپبمناسبة الذكري الاربعين لرحيل الدكتور طه حسينپضمن سلسلة مكتبة الاسرة.. وكان الاختيار موفقا مع التوقيت لاعادة طبع ونشر ما خطه الدكتور طه حسين عن الفتنة الكبري وهو عمل صدر في جزءين او كتابين منفصلين الاولپعثمان.. اي الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه والثاني كتاب علي وبنوه.. اهم ما احب ان الفت النظر اليه هو ذلك المنهج الذي اعتمده واقره وعبر عنه الدكتور طهپ في التعامل مع الفتنة الكبريپ.. حتي لا يخوض مع الخائضين أي يغوص في الوحل ويضرب في الطين علي غير هدي.. فيفتن نفسه ويفتن الناس والمجتمع معه.. پواراه منهجا ملائما لمن يعانون الفتنة ويكتوون. بنارها ليل نهار.. وفي الاوقات التي يختلط فيها الحابل بالنابل.. والحالات التي يتسع فيها دائما الخرق علي الراتق..پ والظروف التي يجد الحليم فيها نفسه حيرانا.. وغير الحليم اكثر هياجا واضطرابا.. ساعة وساعة.. لا الي هؤلاء ولا الي هؤلاء.. مذبذبين بين ذلك لاالي هؤلاء ولاالي هؤلاء.. وايضا اؤلئك الذين يضربون الاخماس في الاسداس.. نحن في زمن پالفتنة وأحسبنا ذاهبون الي الفتنة الكبري.. او المهلكة العظمي.. وكل يوم هناك من يسكب الزيت علي النار ويمد الفتنة بوقود جديد.. ابواق اعلامية تنافس نافخي الكير.. جماعات انتهازية تجيد كل فنون السطو وتعكير كل صفو.. قوي متربصة في الداخل ومتنمرة في الخارج.. لا تفوت اي فرصة بل انها في كثير من الاحيان صانعة الالعاب ورأس الحربة والأفعي مع كل مصيبة حالية ولاحقة.. و يبدو ان توجه العميد في النظر الي الفتنة قد آسرني من السطر الاول هذه المرة لانها ليست الاولي للعيش معه في ظلال الفتنة فقد اصدرت دار المعارف منذ عقود سفر الفتنة هذا وذلك لعدة اسباب: * اننا قد تعبنا وسئمنا من احاديث وتوجهات الفتنة وتصاعد مؤشراتها بصورة حادة حتي سقطنا في بئر الكراهية اللعينة.. ولم يسم علينا احد.. * اننا قد عدمنا بالفعلپ حتي مجرد صوت واحد للحكمة.. وكأنه قد كتب علينا حتي عند الوصول الي حالة الغليان.. الحكماء يمتنعون.. * ان حالة عجيبة من الهوس الفكري والسياسي سيطرت علي معظم الاطراف.. وتريد ان تظل ملتصقة بالنار مع انها تعلم يقينا وصدقا انپ.. من زحزح عن النارپ فقد فاز..پ پطه حسينپ بدأ حديثه من السطر الاول باعلان الاخلاص للحق.. ما وسعه الاخلاص للحق وحده.. وان يتحري الصواب ما استطاع الي ذلك سبيلا.. وان يحمل نفسه علي الانصافپ لايحيد عنه ولا يمالئ فيه حزبا من احزاب المسلمين علي حزب آخر ولا يشايع فيه فريقا من الذين اختصموا في قضية عثمان دون فريق.. طه حسين اثر ان يتبع منهج او مذهب ورؤيةپ سعد بن ابي وقاصپ رضي الله عنه..پ فقد عاش عدد من اصحاب النبي هذه الفتنة وحين اختصم حولها قوم اعنف خصومة عرفها تاريخهم فلم يشاركوا فيهاپ ولم يحتملوا من اعبائها قليلا او كثيرا وانما اعتزلوا المتخاصمين وفروا بدينهم الي الله وقال قائلهم سعد بن ابي وقاص : والله لا اقاتلپ حتي تأتوني بسيف يعقل ويبصر وينطق فيقول : اصاب هذا وأخطأ ذاك پيقول العميد : ¢ اريد ان اذهب مذهب سعد واصحابه رحمهم الله.. لا اجادل عن اولئك ولا هؤلاء وانما احاول ان ابين لنفسي وابين للناس الظروف التي دفعت اولئك وهؤلاء الي الفتنة وما استتبعت من الخصومة العنيفة التي فرقتهم وما زالت تفرقهم حتي الان وستظل تفرقهم اغلب الظن حتي آخر الدهر.. وسيري الذين يقرأون هذا الحديث ان الامر كان اجل من عثمان وعلي ممن شايعهما وقام من دونهما.. وان غير عثمان لو ولي الخلافة للمسلمين في تلك الظروف التي وليها فيها عثمانپ لتعرض لمثل ما تعرض له من ضروب المحن والفتن.. ومن اختصام الناس حوله واقتتالهم بعد ذلك فيه..¢ پو احاديث الفتن لا تكاد تتوقفپ منذ اول لحظة لتولي عثمان رضي الله عنه الخلافة حتي من قبل ان تتم له بيعة.. وايضا بعد مقتل عثمان فيما بعد.. ويرويها العميد باسلوب سهل ممتع ويثير علي جنباتها قضايا بالغة الحساسية والدقة فيما يتعلق بالديموقراطية ونظم الحكم سواء في عهد الصحابة رضوان الله عليهم او النظم الحديثة من ديموقراطية وغيرها.. و كانت القضايا كلها تكاد تكون دينية سياسية. بالغة التعقيد.. ولعل صعوبتها وتعقيدها هو الذي يكشف حقيقة.. عن عظمة الحكمة وبعد النظر الذي يتمتع به الصحابة واخلاصهم لدينهم ولله. وللرسول. دون اي حساسية او حرج من احد.. اول قضية سياسية شائكة استقبلها عثمان رضي الله عنه في اول يومپ هي قضية عبيد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وما فعله من اخذ للثأر بنفسه لمقتل ابيه الخليفة عمر بن الخطاب.. فقد قتل عبيد الله كلا من : الهرمزان وجفينة وبنت ابي لؤلؤة المجوسي..پ وقد اثارت الواقعة جدلا ولغطا. واختلف فيها القوم.. وتعددت الاراء والفتاويپ بين مطالب بقتل عبيد اللهپ قصاصا ولانه تعدي حدود الله.. ومن قائل يقتل عمر بالامس وابنه اليوم.. و هناك رأي آخر وهوپللداهية عمرو بن العاص اذ قال لعثمان : ان الله قد اعفاك من هذه القضية فقد وقعت وليس لك علي المسلمين سلطان.. أزمة كبيرة ومشكلة عويصة..پ دين.. حدود الله.. وسياسة.. خليفة مقتول وابن أخذ القصاص بنفسه وقتل مسلما وذمييين دون ان يخوله السلطان او الحاكم قتلهما..پ و ترجح الاراء ان عثمان قضي قائلا. : انا وليپپ الهرمزان وولي من قتل عبيد الله. وقد عفوت وادفع دية من قتل من مالي الي بيت مال المسلمين.. وهو بذلك كما يقول طه حسين آثر العافية فأدي دية القتل من ماله الخاص الي بيت مال المسلمين.. وحقن دم عبيد الله بن عمر وفي امضائه الحكم علي هذا النحو سياسة رشيدةپ لو نظر الناس الي القضية نظرة سياسية خالصة..پ يكاد العميد د. طه حسين يقرأ واقعنا الآن وو هو يستشرف ما قرره الخليفة عثمان بن عفان عن الائمة الحكام والمواطنين في الدولة.. يقول : وعثمان يقر ان الائمة في صدر هذه الامة كانوا رعاة لا جباةپ.. وهؤلاء الائمة هم النبي وابو بكر وعمر.. وهو يشفق بعد ذلك من ان يصبحپ الائمة جباة لا رعاة.. فينقطع الحياء وتقوم مقامه الوقاحة التي تضيع الحق وتدفع الي الاصرار علي الباطل والاستهتار بالاثم وتنقطع الامانة ويقوم مقامها الغشپ الذي يضيع حقوق الائمة والرعاةپ جميعا ويشكك بعض الناس في بعض.. ويسئ ظنون بعضهم ببعض ويقيم الامر بينهم علي المخادعة والرياء لا علي المصارحة والاخلاص وينقطع الوفاء ويقوم مقامه الغدرالذي يدفع الناس اليپ شر لا آخر له.. والي أثرة منكرة فلا يرعي احد لاحد حرمة ولا يرجو احد لاحد وقارا.. اللهم جنبنا الفتن. ما ظهر منها وما بطن.. ** قال ابن الأَعرابي: الفتنة الاختبار. الفتنة المِحْنة. والفتنة المال. والفتنة الأَوْلادُ. والفتنة الكُفْرُ. والفتنة اختلافُ الناس بالآراء. والفتنة الإِحراق بالنار» وقيل: الفتنة في التأْويل الظُّلْم. يقال: فلان مَفْتُونى بطلب الدنيا قد غَالي في طلبها. ** في خطبة لعمر رضي الله عنه قوله¢ ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم. ولا تجمّروهم فتفتنوهم. ولا تمنعوهم حقوقهم فتُكفِروهم¢. ** قال ابن القيم رحمه الله تعالي: الفتنة نوعان: فتنة الشبهات . وهي أعظم الفتنتين . وفتنة الشهوات.وقد يجتمعان للعبد . وقد ينفرد بإحداهما. ** روي ابن أبي شيبة أن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال لسائل سأله عن الفتنة: ¢لا تضرك الفتنة ما عرفت دينك. إنما الفتنة إذا اشتبه عليك الحق والباطل¢ .