ونتابع تفنيد الاتهامات الموجهة للخليفة عثمان (رض):
3 أنه لم يقتل عبد الله بن عمر قصاصا فى قتله «الهرمزان». أحد أطراف مؤامرة قتل عمر، والهرمزان هو وزير فارسى أسره المسلمون وحضر أمام ابن الخطاب فأعلن إسلامه، فأكرمه عمر وأبقاه بجواره فى المدينة مشيرا ومستشارا، فإذا هو متآمر ضالع. أما حقيقة الاتهام الموجه لعثمان فالحقيقة أن عبيد الله بن عمر سارع بقتل الثلاثة الذين فروا هاربين وهم الهرمزان الفارسى، وجفينة، وبنت أبى لؤلؤة، ولولا أنهم مشتركون ومتهمون ما سارعوا بالفرار، وظن بعض من لا فقه لهم أن الشرع يفرض قتل عبيد الله بن عمر ولكن ولى المقتول مخير بين القصاص والدية، والولى الطبيعى للقتلى الثلاثة هو عثمان لأنهم لا ولى لهم ولا وارث، فاختار عثمان أن يعاقب ابن عمر بالدية لأنه معذور موتور بقتل أبيه، ثم دفع عثمان الدية من ماله الخاص لبيت المال. أليس ذلك فقه رجل الدولة الذى لا يجود الزمان بمثله، حقا لقد أوتى عثمان الحكم والحكمة.
4 أما «حماية الحمى» فهى سياسة نبوية مؤكدة فقد صدر أمر النبى (ص) بحماية (تخصيص) أرض تسمى «النقيع» كمرتع لحيوانات بيت المال حفاظا عليها وهو مصلحة عامة تسمى فى القوانين العصرية «المنفعة العامة» وذلك إما بالتخصيص من أراضى الدولة أو بالشراء أو «نزع الملكية» الخاصة بشرط حسن تقدير قيمتها وذلك للمنفعة العامة، وقد استمر ذلك فى عهد أبى بكر وعمر، ولم يفعل عثمان جديدا سوى أنه زاد مساحة الحمى تناسبا مع زيادة «حيوانات الصدقة». ورعاية مصالح الدولة هو رعاية لمصالح الأمة فكيف يؤاخذ الرجل (رض) على حسن اتباعه للنبى ومن بعده فى الحرص على ممتلكات بيت المال؟ فحماية الحمى والزيادة فيه أحد مفاخر عثمان ولا يمكن أن تحسب من مساوئه، وإذا أفرط البعض واعتبرها سيئة فلا يمكن أن يكون جزاءها العزل أو القتل ؟
والمستوى الثانى مما أتهم الثوار به عثمان: اتهامات لا تفهم إلا أنها دليل على جهل قائلها وجهل من يصدقه، فهى تصرفات طبيعية لا يصح ذكرها كاتهامات ولا حتى يعتذر منها فمن ذلك:
5 عدم حضوره «يوم بدر» وقد تغيب عن بأمر نبوى كريم لرعاية حرمه «رقية بنت رسول الله» (ص)، ولذلك حسبه رسول الله فى البدريين وفرض له نصيبه من الغنائم تأكيدا على عدم تخلفه عن الجهاد، بل أنه التزم تنفيذ عمل داخلى لا يحسن القيام به سوى عثمان. أليس من العيب أن يزايد أحد الناس مزايدة رخيصة لينتقد التزام الرجل بالأمر النبوى؟ ما هذا الإفك المبين؟!
وغيابه ساعة «بيعة الرضوان» فو الله الذى لا إله إلا هو لأن تشرف الصحابة « بحضورهم بيعة الرضوان (لَقَدْ رَضِىَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ (18الفتح )) فإن عثمان وحده يحوز من الشرف أكثر كثيرا من كثير ممن حضروا البيعة، فعثمان وحده كان هو السفير النبوى إلى قريش عند بيعة الرضوان ولما أخرت قريش عثمان ظن المسلمون أن قريشا قتلت عثمان فعقد النبى بيعة الرضوان للثأر لعثمان فهل يصح ادعاء غياب عثمان عن بيعة الرضوان وما دعا رسول الله (ص) لبيعة الرضوان إلا لنجدة عثمان أو للثأر له ممن أعتدى عليه، بل أن الحس النبوى العظيم اقتضى أن يقطع ألسنة المتأولين حيث وضع النبى يده اليمنى على يده اليسرى وسمعه الناس يقول عن يديه كلتيهما: هذه لى وهذه لعثمان لأن عثمان كان وكيلا ونائبا عن الرسول ولولا هذه النيابة ما غاب عثمان عن شهود البيعة، بل ولا كانت الرضوان قد عقدت.