تعيش مصر عصر الشائعات والأكاذيب التي لا حصر .. تنطلق الأكاذيب بسرعة البرق ويتداولها الناس ويروجون لها علي أنها حقائق وأخبار موثوق فيها وقت الأزمات والثورات لإحداث حالة من التوتر وعدم الاستقرار والبلبلة بين الناس للتأثير علي الحالة النفسية وإرباك الناس وتشتيتهم والنيل من سمعة الآخر وإضعاف ثقة الناس بهم . يؤكد الخبراء والمتخصصون أن الكثير من الشائعات يروج له عن قصد وعمد لتحقيق هدف معين والبعض الآخر ينمو في هذه البيئة الغير مستقرة وما أكثر الشائعات التي سمعنا بها في مصر في السنوات الماضية ومازالت حتي اليوم في ظل الأحداث الدامية التي تمر بها البلاد وقد تصدرت مواقع التواصل الإجتماعي وعلي رأسها ¢الفيس بوك¢ الصدارة في الترويج للشائعات وعرضها علي اعتبار أنها حقائق من مصادر مطلعة فمن الشائعات التي ألقت الرعب في نفوس الناس شائعة هروب المساجين من السجون واقتحام منازل الناس ومهاجمتها والاستيلاء علي ما بها وترويع الآمنيين وكان لهذه الاشاعة رد فعل كبير حيث سارع الناس بتشكيل لجان شعبية وحماية منازلهم من أكثر الشائعات التي نالت السلفيين والاخوان طوال العام الماضي مثل تحديد يوم التاسع والعشرين من مارس لمهاجمة السلفيين للمتبرجات في الشوارع والقاء ماء النار علي وجوههنا كذلك اشاعة بيع الأهرامات وقناة السويس ولم تسلم البورصة المصرية من الشائعات التي أدت بدورها إلي تدهور مؤشراتها التي باتت شديدة الحساسية إزاء أي خبر حتي إن ثبت عدم صحته وما زالت الشائعات تتوالي مثل القول بوجود انقسام داخل الجيش المصري عقب احداث 30 يونيه وشدد الخبراء والمتخصصون علي خطورة الشائعة مؤكدين انه يمكنها أن تفعل ما لا تستطيع فعله المواجهات العسكرية مطالبين بضرورة التحقق من الخبر قبل نشره علي الناس وعدم اذاعة خبر غير معروف مصدره حفاظا علي أمن واستقرار البلاد .. استطلعت ¢عقيدتي¢ رأي بعض الخبراء بداية قالت الدكتورة سامية خضر . أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس : معروف أنه قي وقت الأزمات تكثر الشائعات وتزداد الكلمات غير المسئولة والخاطئة وهناك من الشائعات ما يروج لها عن قصد بهدف اشاعة الرهبة والخوف في نفوس الناس مثل القول بأنه سيتم حرق الهيئات والمؤسسات وقتل كل من يعترض علي ذلك فهذه الاشاعة تروج لتخويف الناس وترهيبهم وإضعاف عزيمتهم وعدم المقاومة أما البعض الآخر من الشائعات فلا هدف له إنما ينمو تلقائيا ويزدهر في هذه الظروف الاستثنائية لكنه في ذات الوقت له تأثير سلبي علي الحالة النفسية للناس داخل المجتمع حيث يصيبهم بالتوتر والقلق والخوف من المجهول وأضافت الدكتورة سامية : خبراء النفس والاجتماع يدركون جيدا التأثير النفسي الكبير للشائعات فهي تصيب الحالة النفسية للانسان في مقتل وتربكه وتشل تفكيره و في أحيان كثيرة تكون أقوي من المواجهات المسلحة وهذه الشائعات تتخذ من المجتمعات النامية والفقيرة التي يزداد فيها الجهل وينتشر الفقر واللاوعي أرضا خصبة لها وهنا يبرز دور الاعلام في التصدي لهذه الشائعات وإظهار زيفها وكذبها بعرض الحقائق وتفنيدها ..لكنني أراهن - والكلام علي لسان الدكتورة سامية خضر- علي وعي المجتمع المصري فهو محصن من الانجراف وراء هذه الشائعات ولن يعيرها أدني اهتمام ولن تؤثر فيهأبواق دعائية أكد الدكتور أحمد سمير . أستاذ الإعلام بجامعة الأزهر. أن الوضع تجاوز أي حوار وفاق كل الشائعات والأكاذيب فنحن مقبلين علي حرب أهلية نسأل الله أن يجنبنا إياها ولاشك أن الإعلام المضلل والكاذب شريكا أصيلا فيما يحدث اليوم لأن وظيفة الإعلام الأساسية ليس نقل الخبر أو المعلومة انما الحفاظ في المقام الأول علي التماسك الاجتماعي وهذا ما تعلمناه علي مدي سنوات طويلة لكن ما تقوم به قنوات الإعلام لدينا - سواء الخاصة أو العامة - هو عكس ذلك تماما فهي تعمل جاهدة علي تشتيت المجتمع والتفرقة بين أبنائه وقطع نسيج التواصل الاجتماعي بين أفراده وهذا ما اتفقت عليه جميعا ..فنحن لا نمتلك منابر اعلامية انما لدينا أبواق دعائية تبث سمومها وتنشر الكذب والتضليل لتحقيق اجندتها واهدافها وهي القضاء علي استقرارمصر باشاعة الفوضي بها وأضاف :الأساس في الناس الاختلاف ولكل واحد طباعه وسماته الشخصية فليس الجميع علي قلب رجل واحد ومهمة الاعلام أن تشعر الناس بالانسجام وأنهم كيان واحد لا يستطيع أيا منهم أن يعيش بمفرده لكن الاعلام انحرف عن هذه المهمة وصارت رؤوس الأموال والمصالح هي المحرك الاساسي لكل قناة وأصبحت علي استعداد أن تفعل أي شيء في مقابل عدم المساس بمصالحها وإن كان ذلك علي حساب أمن المجتمع واستقراره بنشر الأكاذيب والأقاويل الغير صحيحة لذا كنا نطالب بتدريس مادة التربية الاعلامية في المدارس ليتمكن الناس بسهولة من التعامل الصحيح مع شتي وسائل الاعلام وعدم تصديق ما تقوله إنما التحقق مما تنشره وتذيعه عن طريق صحافة التحقيق لغياب المهنية والحيادية وتغليب المصالح والأهواء لكننا لم نستطع عمل ذلك مع كل أسف,لأن الإعلام يقوم بدور في منتهي الخطورة وهو الاستقطاب وقد وقع في هذا الفخ أساتذة كبار في مجال الاعلام فما بالنا بالناس البسطاء وما يبث لهم علي مدي ساعات طويلة كل يوم فكارثة الإعلام تبدو جلية عندما يخاطب شعوبا تعاني الجهل والأمية وقلة الثقافة والقدرة علي التمييز فنجد أن أبناء هذه الشعوب تلوك ما يقدم لهم ويسير في وعيهم دون نقاش ويصبح هو واقعهم والمسير لحياتهمنظرية تقليص الشك أشار دكتور أحمد سمير. الي وجود نظرية اعلامية هامة تلخص ما نحن بصدده اليوم وهي نظرية ¢تقليص الشك¢ مفاد هذه النظرية أن الانسان يكون دائما في حالة توتر وقلق وعدم يقين والاتصال هو الذي يساعده علي التخلص من هذه الحالة ليصل الي الاستقرار النفسي ولكي يصل لهذه الحالة من الاستقرار يلقي بنفسه في أحضان أي وسيلة من وسائل الاعلام ولا يسمع ما سواها وهذه هي مشكلتنا الأساسية اليوم فنحن لا نقبل الآخر ونرفضه بشدة خاصة في ظل الحرب الشعواء بين الابواق الاعلامية الموجودة لدينا فهناك حرب شيطانية وتكفير ودعاية سوداء متبادلة بين الطرفين نتج عنها الفرقة ليس في الفكر والتوجهات بل تعدت ذلك الي الفرقة في المشاعر فبات الكثيرون يحملون مشاعر البغض والكراهية تجاه الأخريين الذين كانت تربطهم مشاعر الود وبات آخرون يتحاشون مقابلة ولقاء وبل والحديث مع من يختلفون معهم حتي لا تتطور الأمور بينهم وستظل هذه الحالة من الفوضي طالما أن هناك رؤوس أموال تبث وتبذل كل ما في وسعها لتحقيق ذلكالضوابط الشرعية عن حكم الشرع في قضية الشائعات أكد الدكتور سيد مهران .أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر : قد وضع الاسلام الضوابط الشرعية لنقل المعلومات والأخبار للناس وهذه الضوابط تقيس مدي مناصرة أو معاداة مصدر الخبر لشرع الله فإن كان ممن يناصرون شرع الله فالمعلومة الصادرة عنه تكون موثوق بها وإن كان عكس ذلك فلا يجب اخذ المعلومة منه و لكن يمكننا القياس علي ذلك بمدي موضوعية هذا المصدر من عدمه فقد يكون المصدر غير مسلم لكن مشهود له بالموضوعية والصدق في نقل الاخبار وهنا تحكمنا آيه قرآنية عظيمة " إن السمع و البصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا " . والمسلم مطالب أن يغلق أذنيه ويصم سمعه عن الشائعات وألا يرددها فالكلمة مسئولية حيث يقول تعالي " وما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد " فعظمت كلمة تخرج من أفواه الناس و يترتب عليها مصائب وأضرار لا حصر لها وأضاف الدكتور سيد مهران : إطلاق الشائعات بهدف ترويع الناس وتخويفهم أمر مرفوض شرعا ودينا وعرفا وعلي القاضي العدل الذي يحكم بشرع الله أن يتصدي لهؤلاء ويحكم عليهم بما جاء في الكتاب والسنة ليكونوا عبرة لغيرهم.