لم تعد صفحات التواصل الاجتماعي الفيس بوك وقفا علي التعارف والتواصل بين الناس, وتحولت إلي منابر لا تتوقف عن بث الشائعات وترديد الأكاذيب, وصار كثير من الناس- وخصوصا الشباب- يصدرون الأحكام بناء علي ما يكتب علي الصفحات ومنتديات الانترنت وما تردده برامج التوك شو, أو تنقله رسائل التليفونات المحمولة دون معرفة وتويثق للمعلومات من مصادرها. هي ظاهرة خطيرة حذر منها القرآن الكريم والسنة تلحق الأذي بالفرد والمجتمع وتؤدي في كثير من الأحيان الي إثارة وتضليل الرأي العام وزعزعة الأمن وشق الصف بين مؤيد ومعارض, والتأجيج الطائفي, خاصة ان اغلب هذه الشائعات تتعرض لأفراد معينين وتتهمهم بالخيانة والإسهام في توتر الأوضاع وزعزعة الأمن والاستقرار دون دليل. ونحن بدورنا نتساءل عن موقف الشريعة الإسلامية من ترديد وبث الشائعات والأكاذيب, والأسلوب الأمثل للتعامل مع تلك الظاهرة التي تهدد استقرار المجتمع, وواجب الدولة والمؤسسات والأفراد في التصدي لتلك الظاهرة ؟!. جاء الإسلام بحفظ دماء الناس وأعراضهم, ونهي عن كل ما يسوؤهم أو يسيء إليهم أو ينقص من تلك الحقوق أو يثير الفوضي ويخل بالأمن, بل جعل المؤمن من أمنه الناس, والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. ومن أعظم الطرق المفضية إلي انتشار الفوضي واضطراب الأمور بث الشائعات المختلقة والافتراءات, خاصة في أوقات الأزمات والفتن, حينما تكون الأمة في أمس الحاجة إلي توحيد الكلمة واتحاد الصف وضبط الأمن. وحول موقف الشريعة الإسلامية من بث الشائعات وترديد الأكاذيب يقول الدكتور محمد الشحات الجندي, عضو مجمع البحوث الإسلامية, إن الإسلام حرم الشائعات الكاذبة بكل صورها, وأمر المسلمين بالتبين والتأكد من صحة المعلومات التي ترد إليهم, ودليل ذلك من الكتاب قول الله تبارك وتعالي: يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا علي ما فعلتم نادمين( الحجرات:6), وتشير هذه الآية إلي ضرورة التحقق من صحة المعلومات للاطمئنان من مصداقيتها حتي لا يترتب علي ذلك أضرار كثيرة, والدليل من السنة النبوية الشريفة هو قول الرسول صلي الله عليه وسلم: أربعة يبغضهم الله: البياع الحلاف, والفقير المختال, والشيخ الزان, والإمام الجائر. وأوضح أن التصدي للشائعات الكاذبة المغرضة, من الواجبات الدينية والوطنية, ومن مسئولية كل مواطن للمحافظة علي وطنه, والدليل علي ذلك من القرآن الكريم قول الله تبارك وتعالي: ولتكن منكم أمة يدعون إلي الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون( آل عمران:104), والدليل من السنة قول الرسول صلي الله عليه وسلم: من رأي منكم منكرا فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه, وذلك أضعف الإيمان( رواه النسائي).كما أكد الفقهاء ضرورة التصدي للمنكر, واعتبروا ذلك من الواجبات الشرعية وفقا للقاعدة الشرعية التي تنص علي أنه ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب, والقاعدة الشرعية درء المفاسد مقدم علي جلب المصالح. ويؤكد الدكتور الجندي,أن التصدي للشائعات الكاذبة المغرضة التي تضر بالمتعاملين في الأسواق وبالاقتصاد من مسئولية كل مواطن ومنظمات المجتمع المدني وأجهزة الإعلام المختلفة والتيارات السياسية والأحزاب ومن مسئولية الحكومة, لأنهم مسئولون عن الوطن ومن ركاب سفينته فإذا غرقت غرقوا جميعا, وتقع مسئولية التصدي لها علي ولي الأمر, فإذا نجا الوطن من هذه الشائعات نجا جميع المواطنين. ودليل ذلك حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم: مثل القائم علي حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا علي سفينة, فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها, فكان علي الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا علي من فوقهم, فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا, فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا, وإن أخذوا أيديهم نجوا ونجوا جميعا. ولقد أكد رسول الله صلي الله عليه وسلم علي هذه المسئولية فقال: كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته( مسلم), وتقع المسئولية الكبري علي ولي الأمر لأن بيده السلطة الشرعية والقانونية للتصدي لمن يفسدون في الوطن ولا يصلحون, كما تعتبر أجهزة الإعلام المختلفة التي تنقل المعلومات إلي الناس شريكة في المسئولية. تخريب للاقتصاد وأوضح أن الإسلام حرم الشائعات الكاذبة التي تسبب أضرارا بالمتعاملين وتزعزع الثقة في المعاملات وفي الاقتصاد وبالوطن, مما يترتب علي ذلك أكل أموال الناس بالباطل, واعتبر الإسلام المصداقية والشفافية من مقومات المعاملات العادلة التي تحقق السعر العدل للمتعاملين. وفي السياق نفسه قالت الدكتورة أميرة المراغي, إن أخطر ما يهدد اقتصاد أي دولة هو غياب المعلومات الصادقة الأمينة وانتشار الشائعات الكاذبة المغرضة الممنهجة التي من مآربها أكل أموال الناس بالباطل, وتهديد الدولة بالأزمات, ويترتب علي ذلك هروب الاستثمارات والأموال إلي خارج الدولة, وينتهي الأمر إلي الحياة الضنك للفئة الفقيرة, ويقود ذلك إلي المظاهرات والاعتصام وثورة الجياع, ولا بد من التصدي لهذه الجرائم الاقتصادية, ومنعها وهذا من مسئولية ولي الأمر وأجهزة الإعلام ومنظمات المجتمع المدني والمواطنين باعتبارهم شركاء في الوطن. ولابد من استحضار مراقبة الله تعالي, قال تعالي: ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد( ق:18). قال الله تعالي: ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا سورة الإسراء36. مؤكده ضرورة توافر المعلومات الصادقة عن المعاملات في الأسواق, وكلما كانت هذه المعلومات شاملة وسريعة ودقيقة, استقرت المعاملات في السوق وتحقق السعر العدل, وتحاول الوحدات الاقتصادية الجادة من جهة والأجهزة الحكومية المنضبطة من جهة أخري تزويد المتعاملين في الأسواق وغيرهم بهذه المعلومات بواسطة أجهزة الإعلام الصادقة والأمينة المختلفة. كما طالبت بتوقيع العقوبات الرادعة علي من يشيعون المعلومات الكاذبة, وذلك لحماية المستهلك والمنتج والمجتمع والاقتصاد من سيئات الإعلام المضلل, والذي يبغي الفتنة والفوضي في الوطن. من جانبها حذرت الدكتورة الهام شاهين, أستاذ العقيدة بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر, من الانسياق وراء العواطف والانفعالات التي تسببها هذه الشائعات, والتي يترتب عليها ظلما للآخرين, مصداقا لقول رسول الله صلي الله عليه وسلم من صمت نجا, وتحري دقة وصحة هذه الإشاعات والتثبت من الحقيقة وذلك بالرجوع إلي الجهات الرسمية ومصدر الخبر, والتحقق من كل ما يقال ويتداول لأنه يؤثر علي الوطن والمواطنين, وسن قانون يجرم هذه الشائعات وان تكون العقوبة مغلظة حتي يكونوا عبره لغيرهم وخصوصا أن الوطن يمر بمرحلة فارقة تتطلب أن يتكاتف الجميع ضد هذه الأمور المخربة. وحذر الدكتور محمد إسماعيل البحيري, إمام وخطيب مسجد الزهراء بمدينة نصر, من الكذب بوجه عام وقال انه من صفات الكفر والنفاق وفي الشرع يحرم هذا الفعل بأشد التحريم, فالكذب والبهتان والزور هي من الصفات المذمومة التي نجدها قد انتشرت عبر الكتابة في وسائل الاتصال الاجتماعي مثل الفيس بوك والتويتر والفضائيات. وأوضح أن هذه الشائعات قد كثرت في الآونة الأخيرة عبر وسائل الاتصال الحديثة, حيث مرت مصر بأوقات عصيبة قام خلالها ضعاف النفوس بالترويج لتلك الفتن, ومع الأسف نجد أن هناك من كان يستمع إليها, مضيفا أن من واجب علماء الأمة ومثقفيها أن يقوموا بتوعية مستخدمي وسائل الاتصال الاجتماعي بأهمية نشر الأخبار الموثوقة والتصدي للشائعات والعمل علي إيصال الأخبار الصحيحة إلي المواطن. وأضاف أنها أصبحت من اخطر أنواع الفتن التي تفتك بالمجتمع الواحد ويجب علي المجتمع التمسك بوحدة الوطن والصف الواحد والالتفاف مع القيادة الحكيمة وذلك في ظل القانون وان نحتمي بما يعزز التلاحم والأمن والاستقرار تحت سقف الدولة فبهذه الطريقة يمكن معالجة هذه الشائعات بالإكثار من مراكز الأخبار التي تقوم بنشر الأخبار الصحيحة والموثوق بها لتحد من الأخبار الكاذبة. قيمة الصدق وقال الدكتور مأمون مؤنس رئيس قسم اللغويات بجامعه الأزهر فرع بني سويف إن الصدق من أعظم صفات المسلمين فبقدر ما تكون هذه الصفة متأصلة بالإنسان بقدر ما يرتفع قدره عند الله, وختم بالقول إن من أهم الطرق للقضاء علي هذه الإشاعات إتباع كتاب الله وسنة نبيه وتحري الدليل المادي وعدم السرعة في الاتهام.