لقد حرَّم الإسلام الشائعات الكاذبة بكل صورها. وأمر المسلمين بالتبين والتأكد من صحة المعلومات التي ترد إليهم. ودليل ذلك من الكتاب قول الله تبارك وتعالي: "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا. أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا علي ما فعلتم نادمين" الحجرات: 6. وتشير هذه الآية إلي ضرورة التحقق من صحة المعلومات للاطمئنان من مصداقيتها حتي لا يترتب علي ذلك أضرار كثيرة. والدليل من السنة النبوية الشريفة هو قول الرسول صلي الله عليه وسلم : "أربعة يبغضهم الله: البيَّاع الحلاف. والفقير المختال. والشيخ الزان. والإمام الجائر" النسائي وابن حبان. وفي حديث آخر يقول الرسول صلي الله عليه وسلم : "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: أشيمط زان. وعائل متكبر. ورجل جعل الله بضاعته. لا يبيع إلا بيمينه. ولا يشتري إلا بيمينه" الطبراني. ونهي رسول الله صلي الله عليه وسلم التجار عن الحلف الكذب. فقال: "إن التجار هم الفجار. قالوا: يا رسول الله أليس الله قد أحل البيع؟ قال: بلي. ولكنهم يحلفون فيأثمون ويحدثون فيكذبون" رواه أحمد والحاكم والطبراني. ويؤكد الرسول صلي الله عليه وسلم علي حرمة الحلف الكذب وأن هذا من الكبائر التي نهي الله عنها. فيقول: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم: رجل حلف علي سلعة لقد أعطي بها أكثر مما أخذ. ورجل حلف علي يمين كاذبة بعد العصر ليقطع بها مال امرئ مسلم. ورجل منع فضل ماء. فيقول الله يوم القيامة: "اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك البخاري". ولقد حرم الفقهاء مجموعة من المعاملات المالية لأنها تقوم علي الشائعات الكاذبة والمعلومات المضللة والغرر والجهالة والتدليس وأكل أموال الناس بالباطل من هذه المعاملات علي سبيل المثال: بيع المعدوم. وبيع معجوز التسليم. والبيوع التي تتضمن الغرر الفاحش مثل بيوع الاختيارات في البورصة والبيع علي المكشوف في البورصة وبيع الثمار قبل أن تخلق أو يبدو صلاحها. وبيع المجهول والبيع المعلق علي شرط مضاف إلي المستقبل. وبيع النجش وهو الزيادة المفتعلة في السعر بالتواطؤ مع البائع ونشر معلومات مضللة. وبيع الحاضر للبادي وتلقي الركبان. ومن علل تحريم هذه البيوع والمعاملات أنها تقوم علي معلومات مضللة "شائعات كاذبة" تسبب ضرراً بالمتعاملين والمجتمع وبالدولة وتسبب خللاً وفوضي في المعاملات. ويعتبر التصدي للإشاعات الكاذبة المغرضة من الواجبات الدينية والوطنية ومن مسئولية كل مواطن للمحافظة علي وطنه. والدليل علي ذلك من القرآن الكريم قول الله تبارك وتعالي : "ولتكن منكم أمة يدعون إلي الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون" سورة آل عمران: 104. والدليل من السنة قول الرسول صلي الله عليه وسلم : "من رأي منكم منكراً فليغيره بيده. فإن لم يتسطع فبلسانه. فإن لم يستطع فبقلبه. وذلك أضعف الإيمان" رواه النسائي. كما أكد الفقهاء علي ضرورة التصدي للمنكر واعتبروا ذلك من الواجبات الشرعية وفقاً للقاعدة التي تنص علي "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب". والقاعدة الشرعية" درء المفاسد مقدم علي جلب المصالح". ويعتبر التصدي للشائعات الكاذبة المغرضة التي تضر بالمتعاملين في الأسواق وبالاقتصاد من مسئولية كل مواطن ومنظمات المجتمع المدني وأجهزة الإعلام المختلفة والتيارات السياسية والأحزاب ومن مسئولية الحكومة لأن هؤلاء مسئولين عن الوطن ومن ركاب سفينته فإذا غرقت غرقوا جميعاً. ودليل ذلك حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم : "مثل القائم علي حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا علي سفينة. فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها. وكان علي الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا علي من فوقهم. فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا. فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً. وإن أخذوا علي أيديهم نجوا جميعاً" رواه البخاري. ولقد أكد رسول الله صلي الله عليه وسلم علي هذه المسئولية فقال: كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" مسلم. وتقع المسئولية الكبري علي ولي الأمر لأن بيده السلطة الشرعية والقانونية للتصدي لمن يفسدون في الوطن ولا يصلحون. كما تعتبر أجهزة الإعلام المختلفة التي تنقل المعلومات إلي الناس شريكة في المسئولية. والخلاصة أن الإسلام حرَّم الشائعات الكاذبة التي تسبب أضراراً بالمتعاملين وتزعزع الثقة في العاملات وفي الاقتصاد وبالوطن.. مما يترتب علي ذلك أكل أموال الناس بالباطل. واعتبر الإسلام المصداقية والشفافية من مقومات المعاملات العادلة التي تحقق السعر العدل للمتعاملين بلا وكس ولا شطط وتحقق الاستقرار في الاقتصاد. وبهذا كان التاجر المسلم نموذجاً متميزاً في قيمة وأخلاقه وسلوكه ومعاملاته الاقتصادية. ويعتبر التصدي لهذه الشائعات من الواجبات الدينية. وتقع مسئولية التصدي لها من مسئولية ولي الأمر ومؤسسات ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية وأجهزة الإعلام المختلفة ومن مسئولية كل مواطن يعيش علي أرض الوطن وينعم بخيراته. والحكم الشرعي للتصدي لهذه الشائعات الكاذبة المغرضة الممنهجة من الواجبات الدينية ومن المسئولية الوطنية لكل مواطن. فإذا نجا الوطن من هذه الشائعات نجا جميع المواطنين. "ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون" الحديد: 16. فنحن جميعاً والعالم معنا في حاجة إلي شريعة الإسلام ففيها العلاج الشافي لمشاكلنا المعاصرة. فإلي الإسلام يا من تريدون تطهير المعاملات الاقتصادية من الشائعات الكاذبة التي تضر بالاقتصاد وبالوطن.