* يسأل راضي علي أبومحمود من اسيوط: لو تغيرت احوال الناس وعاداتهم ونمط حياتهم فهل تتغير الاحكام الشرعية لتتطابق مع واقعهم؟ ** يقول الشيخ عثمان عامر من علماء الأزهر: أحكام الشريعة جاءت من أجل مصالح العباد والقيام بأمورهم وإزالة المظالم والمفاسد عنهم. وإشاعة السلام والوئام بينهم. ولاشك أن الشريعة بأصليها: القرآن الكريم. والسنة النبوية المشرفة. صالحة لكل حال وكل زمان ومكان. والسؤال الذي قد يلح علي الخاطر هو. هل تتغير الفتوي بتغير الحال أو الزمان أو المكان؟ والجواب نعم ولكن ليست كل أحكام الشريعة قابلة لهذا التغيير. فهناك من أحكام الشريعة ما هو قطعي الثبوت والدلالة ولا مجال فيه للاجتهاد والاختلاف مهما كان السبب والداعي كتحريم المحرمات ووجوب الواجبات. والحدود المقررة في الشرع علي الجرائم ونحو ذلك من الأحكام. أما أنواع التعزيرات وبعض الفروع. والأمور الخلافية فإن الفتوي فيها تتغير بتغير الحال والزمان والمكان والعرف لأنها موضع اجتهاد من العلماء فحينما كانت المصلحة الشرعية كانت الفتوي. وقد عقد ابن القيم - رحمه الله - فصلا في كتابه: إعلام الموقعين - عن هذا الموضوع عنوانه: "تغير الفتوي واختلافها بحسب تغيير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد" وذكر عدة أمثلة علي ذلك. ومما ذكره: 1- نهي النبي - صلي الله عليه وسلم - أن تقطع الأيدي في الغزو وهو حد من حدود الله تعالي. وذلك خشية أن يترتب عليه ما هو أبغض إلي الله تعالي - من تعطيله أو تأخيره - من لحوق صاحبه بالمشركين حمية وغضبا. 2- أسقط عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حد القطع عن السارق في عام المجاعة. ولم يذكر ابن القيم مثالا من القرآن الكريم مع ذكره لعدة أمثلة من السنة المطهرة إلا أن الشيخ محمد رشيد رضا في تفسير المنار عند تفسيره للآيتين الكريمتين 65.66 من سورة الأنفال. يا أيها النبي حرض المؤمنين علي القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا..". ذكر أن هاتين الآيتين مثال وأصل في تغيير الفتوي بتغير الزمان والمكان والحال. حيث ان الآية الأولي مقيدة بحال القوة والآية الثانية قعيدة بحال الضعف. فالآية الثانية تشرع لحالة معينة غير الحالة التي جاءت لها الحالة الأولي. ورأي الشيخ له وجاهته ويمكن الاستدلال به فيما استدل به وان كان أكثر المفسرين يعدون أن ما في هاتين الآيتين من قبيل النسخ في القرآن وفائدة القاعدة الفقهية الأصولية التي أرساها ابن القيم "تغير الفتوي واختلافها.." فائدتها أنها من قبيل التوسعة أمام المفتي فيما فيه الاجتهاد. ويترتب عليه مصلحة شرعية فعلي سبيل المثال: حينما يأتي المستغني ليسأل: هل يجوز له الزواج ممن رضع من أمها رضعة واحدة. فإن المفتي حينئذ سيفتيه برأي الإمامين: أبي حنيفة ومالك في التحريم برضعة واحدة. وينصحه بعدم الزواج منها. بينما إذا جاء المستفتي ليسأل عن زواجه ممن رضع من أمها رضعة واحدة ودخل بها وأنجب منها أولاداً فإن المفتي حينئذ سيفتيه برأي الإمام الشافعي في التحريم بخمس رضعات مشبعات متفرقات. وذلك حرصا منه علي الأسرة وخطورة التفريق بين الزوجين لما يترتب عليه من ضياع للأولاد وتشريد لهم. فقد تغيرت الفتوي في الحالتين في حكم ليس فيه نص قطعي الدلالة قطعي الثبوت. وفيما فيه مصلحة شرعية.