رئيس الوزراء يتابع جهود منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة خلال مايو 2024    فريد زهران: ثورة 25 يناير كشفت حجم الفراغ السياسي المروع ولم تكن هناك قيادة واضحة للثورة    محافظ الجيزة: حصر الشوارع الجانبية من محور المنصورية الهرم لتطويرها ورصفها    محافظ المنيا: توريد 373 ألف طن قمح حتى الآن    خبير: برنامج تنمية الصعيد في مصر سيكون مثالا يحتذى به في كل دول القارة الإفريقية    جيش الاحتلال: إصابة جندى بجروح خطيرة خلال عملية تحرير الرهائن من النصيرات    الدفاع الروسية: قوات كييف تتكبد خسائر بأكثر من 1600 عسكري وعشرات الطائرات المسيرة    وزارة التعاون الدولي تُعلن تفاصيل الملتقى الأول لبنك التنمية الجديد في مصر    تفاصيل استئناف منتخب مصر تدريباته استعدادًا لمواجهة غينيا بيساو في تصفيات كأس العالم    الأهلي يحسم صفقتين ويستقر على رحيل موديست    «التعدي على قيم الأسرة».. قرار قضائي جديد بحق أسرة اليوتيوبر حمدي ووفاء    نقابة المهندسين تعلن سفر الفوج الثانى من الأعضاء لأداء فريضة الحج    السكة الحديد تعدل تركيب وامتداد مسير بعض القطارات على خط القاهرة / الإسماعيلية    تعذر حضور المتهمة.. تأجيل أولي جلسات محاكمة المتهمين بقتل الطفلة ريتاج في مدينة نصر    كثافات مرورية إثر إنقلاب سيارة نقل بالاوتوستراد    "كفاية بقى" شيرين رضا تعلن اعتزالها عبر حسابها على إنستجرام    80 شهيدا وعشرات الجرحى فى غارات إسرائيلية على مخيم النصيرات ومناطق بغزة    رئيس الهيئة المصرية العامة سابقا: 30 يونيو أرست العدالة الثقافية فى مصر    وزارة الصحة تعلن تطبيق منظومة ميكنة الغسيل الكلوي بمستشفيات محافظة مطروح    تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء.. تحرير 142 مخالفة عدم الالتزام بقرار غلق المحال    راديو جيش الاحتلال: تنفيذ غارات شمال رفح الفلسطينية مع التركيز على محور فيلادلفيا    كاتب صحفي: حجم التبادل التجاري بين مصر وأذربيجان بلغ 26 مليار دولار    روسيا: الغرب يواصل تزويد أوكرانيا بأسلحة تستهدف المدن الروسية وتُستخدم ضد الفلسطينيين    10 توصيات.. ماذا يوصي صندوق النقد الدولي مصر لتجنب التحديات الاقتصادية؟    «ألسن عين شمس» تستقبل وفدا من جامعة ليون الفرنسية    "اهدى علينا".. رسالة من تركي آل الشيخ إلى رضا عبد العال    نيللي كريم بصحبة أحمد عز وترقص في حفل زفاف ابنة محمد السعدي (صور)    وزير الأوقاف: الأدب مع سيدنا رسول الله يقتضي الأدب مع سنته    الإفتاء توضح حكم تجميع جلود الأضاحي ثم بيعها في مزاد علني بمعرفة جمعية خيرية    بحضور ممثل عن الرئيس.. افتتاح المكتب الوطني للوكالة الفرانكفونية بجامعة القاهرة الدولية    7 ساحات لأداء صلاة عيد الأضحى في جنوب سيناء.. والأوقاف تعلن حالة الطوارئ القصوى    في اليوم العالمي لأورام المخ - احذر الأعراض والأسباب    رئيس جامعة المنوفية: فتح باب التقديم في المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية    إصابة 6 أشخاص فى انقلاب ميكروباص على زراعى البحيرة    ضبط طن لحوم ودواجن مجمدة مجهولة المصدر في حملات رقابية بالشرقية    قبل عيد الأضحي.. موعد صرف مرتبات يونيو 2024 بعد تبكيرها (بسبب السنة المالية)    وزيرة خارجية إندونيسيا تستقبل السفير المصري بجاكرتا    ساوثجيت يعلن قائمة انجلترا لخوض يورو 2024    صحة مطروح: قافلة طبية علاجية مجانية بمنطقة جلالة بالضبعة اليوم وغدا    أستاذ علوم سياسية: مصر بذلت جهودًا كبيرة في الملف الفلسطيني    خبيرة فلك تبشر برج السرطان بانفراجه كبيرة    النائب علي مهران: ثورة 30 يونيو بمثابة فجر جديد    أزمة نفسية.. تفاصيل العثور على جثة سيدة مشنوقًا داخل مسكنها في الهرم    نجيب الريحاني وجه باك أضحك الجماهير.. قصة كوميديان انطلق من كازينو بديعة وتحول منزله إلى قصر ثقافة    كريم محمود عبد العزيز يشارك الجمهور فرحته باطلاق اسم والده علي أحد محاور الساحل الشمالي    صور.. بيان عاجل من التعليم بشأن نتيجة مسابقة شغل 11114 وظيفة معلم مساعد فصل    السير على خطى فابريجاس؟ رومانو: ليفركوزن يقترب من ضم مدافع برشلونة    «الإفتاء» توضح فضل صيام عرفة    جولة مفاجئة.. إحالة 7 أطباء في أسيوط للتحقيق- صور    افتتاح المكتب الوطني للوكالة الفرانكفونية بمصر في جامعة القاهرة الدولية ب6 أكتوبر (تفاصيل)    تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري يتصدر المباحثات المصرية الأذربيجية بالقاهرة    ب300 مجزر.. «الزراعة» ترفع درجة الاستعداد القصوى استعدادًا لعيد الأضحى    أزهري: العشر الأوائل من ذي الحجة خير أيام الدنيا ويستحب صيامها    أحمد أبو مسلم: كيف شارك الشناوي مع منتخب مصر؟    إبراهيم حسن يكشف كواليس حديثه مع إمام عاشور بعد لقطته "المثيرة للجدل"    الإفتاء: الحج غير واجب لغير المستطيع ولا يوجب عليه الاستدانة من أجله    منتخب مصر الأولمبي يفوز على كوت ديفوار بهدف ميسي    إزاى محمد منير غنى "ياللى بتسأل عن الحياة" مجانا بفيلم أحلى الأوقات.. اعرف القصة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تجديد الخطاب الديني وفلسفة الفن التشكيلي
نشر في الشعب يوم 06 - 12 - 2012


بقلم: د.عبد الرازق عبد المنعم [email protected]
"لاشك أن هناك حالة من الالتباس لدى قطاع كبير من البشر حول علاقة الفن التشكيلي والفنون عامة بالدين،بل إن الغالبية ينزهون خطابهم عن الاقتراب من مصطلح الفن ذاته،أو دلالاته أو تأويلاته أو فلسفته.
وحينما نتناول تلك العلاقة ينبغي أن نعي أهمية الخطاب الديني والشريعة وعلاقة كل منها بالفنون التشكيلية، ولابد أولا أن نحرر محل النزاع حول مفهوم كل منها ، ونتفق على أهمية الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني وهي دعوة قائمة ولا تزال. وفي ضوء الكثير من المتغيرات أصبحت الدعوة ملحة للتجديد بعد أن أصبح هذا الخطاب في نظر البعض مسئولا عن كل شيء."
وحين نقترب من الشريعة الإسلامية ونرى أن الكثرة تطالب بضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية ،ثم تنتفض بعض القوى لرفض مجرد سماع المصطلح، يتأكد لنا أن الإشكالية هي غياب التأهيل الفكري عبر عقود مما أوصل البعض من عوام الدعاة إلى حالة من الالتباس والخلط بين الأوامر والنواهي في القرآن الكريم،بل والخلط في كيفية تلقي طلبة العلم للعلوم الشرعية ،فهناك من يعمل بالإجازة على يد الدعاة، وهناك من يجتهد بالقراءة الرشيدة، وهناك من يفرغ الوسع في بحثه عن اللاشئ بلا طائل..!
وفي تقديري أنه لاهذا ولاذاك يصلح الآن لطالب العلم الشرعي الحقيقي ، فلايمكن لغير الخريجين من الأزهر الإلمام بمبادئ العلم الشرعي، كي يبدأ بعد تخرجه رحلة البحث في علم واحد كالفرائض مثلا الذي لايقترب منه أغلب الدعاة، لأن علم الفرائض يحتاج إلى عبقرية خاصة، وفتح من الله لفهم مابعد الفهم، خاصة " ميراث أولي الأرحام"..!
أما عن الأوامر والنواهي في القرآن الكريم ، فالكثير من دعاة التلقي من غير الأزهر لايستوعبون الفقه وأصوله في كيفية أن الأمرقد يكون للإباحة مثل قوله" ياأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون" البقرة ( 172 ).
لكن المتأمل الواعي بأهمية وجوده في الدنيا يجد أن الشريعة الغراء ومبادئها وأحكامها يجد أنها الملاذ الآمن لكل من أراد حرية وعدالة وكرامة اجتماعية وكذلك لكل من أراد أمنا وأمانا حقيقيا.. ولنتخيل جميعا حينما نطبق قول الله عز وجل في سورة المائدة " إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (المائدة:33)
والمحاربون، من الحرابة وتسمى قطع الطريق عند أكثر الفقهاء، وهي: البروز لأخذ مال أو للقتل أو الإرعاب اعتماداً على القوة. وليس هنا مقام الحديث عن اختلاف الفقهاء في العقوبة هل على الترتيب أم على التخيير؟
ولكننا نؤمن أن لله حكمة أجرى عليها شئون الكون كي تستقيم الحياة، وله سبحانه سنته في خلقه توفر لهم السعادة والخير في الدنيا والآخرة.
ويعاند البعض بأن تطبيق الشريعة يجب ألا يكون إلا بعد حد الكفاف ، ونرد بأن الذي نهب أو اختلس أو ارتشى مليارات أو جتى مليون واحد .. هل هو خاضع لحد الكفاف؟!
وما القول في من يختطف ويغتصب ويروع ويقتل جهارا نهارا مدعما بأسلحة لم نراها إلا في أفلام رامبو.. هل المجتمع في حاجة إلى أمثال هؤلاء؟ وهل يجدي معهم أي تهذيب أو تقويم أو إصلاح كما تقول اليافطة المعلقة على أبواب السحون؟ بل يخرج المجرم أكثر إجراما وفتكا بالناس.
الخطاب الديني
لابد هنا أن نحذر ونفرق بين الخطاب الديني والدين، فالدين هو تنزيل رب العالمين في كتابه الكريم أما الخطاب الديني هو ماتراكم عبر القرون من شتى المعارف حول هذا الكتاب المعجز وكذلك من تأويلات وتفسيرات وشروح أنتجها فقهاء ومفسرون وقراءات حديثة أثبتت معجزات علمية لم تكن معلومة للأولين ، ومنها على سبيل المثال الإعجاز العددي والطبي والفلكي ، كذلك قراءات الشيخ سيد قطب عن التصوير الفني في القرآن الكريم ودراسات جادة للدكتور زغلول النجار حول الإعجاز العلمي في القرآن الكريم.
والمقصود بالخطاب الديني هو كل بيان أو فتوى تصدر باسم الإسلام وتوجه للناس أجمعيين بوسائل العصر المتاحة مثل خطبة الجمعة وحلقات الدرس وقنوات الاتصال مثل وسائل الإعلام المسموعة أو المرئية..ومن يتولى عملية الفتوى هم أهل الاختصاص من العلماء الشرعيين الذين يمتلكون أدوات الاجتهاد الصحيح، ويسعون إلى تبسيط وتيسير فهم الخطاب لدى الكافة.
وفهم التجديد هو الأصل فيما ينبغي البناء عليه ، فلايمكن الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني بإلغاء الحدود الشرعية أو التعرض لنصوص الميراث أو تحليل المحرمات المقطوع بها في نصوص الكتاب والسنة، لكن التجديد والاجتهاد يكون في المسائل والنوازل المتجددة والتي تلتمس الواقع ويتم بحثها من خلال المجامع الفقهية والتي تضم فقهاء العصر،ولا يعني هذا أن بعض ما ورد في كتب التراث من اجتهادات لفقهاء سابقين لا يصلح لعصرنا، وليس كل ماورد إلينا يجب الأخذ به.
كما أن فهم التجديد لايمكن أن يتعدى أمره إلى خلافات حادة بين الدعاة الجدد على القنوات الفضائية بعد تنوع أطياف الجماعات الإسلامية وكل منها لديه فهم خاص للفروع ، بلا ترجيح لحكم بأدلة معتبرة، أو قول الجمهور.
وعن التجديد هناك من يرى أن المجال واسع للتغيير في المتغيرات وهي الأحكام والمسائل الظنية التي يندب الاجتهاد فيها لملائمة الزمان والمكان ومواكبة أوجه التطور في الأمور والعلوم الإنسانية كافة وعدم الارتكان إلى اجتهادات السلف دون إنكار قيمتها.
وهناك البعض يرون أن دعوة التجديد هي مخاطرة كبرى لأنها دعوة خارجية في ظنهم وأنها قد تهدم الثوابت.
الموهبة
لقد من الله على البعض بالمواهب المتفردة إلى حد الإعجاز الذي لابد أن تسجد أمامه لجلال الله،ولايمكن أن تكون تلك المواهب إلا لحكمة لايعلمها إلا علام الغيوب.
وآخر مارايته شابا من ذوي الاحتياجات والإعاقة الذهنية، لايعرف من الدنيا غير القرآن وبلاغة اللغة العربية، يسمع أول الآية ثم يكمل لك ويذكر السورة ورقمها وربعها وحزبها بطلاقة ،فلا تملك إلا أن تقول سبحان الله العظيم الذي قال "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"الحجر9. يحفظه سبحانه في قلوب العلماء وطلبة العلم وحتى الذين لاينطقون العربية ، ولكنهم يتلون كتاب الله كما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم.
والمواهب لايمكن اكتسابها بل بمكن فقط صقلها بالدراسة، فالموهبة في جينات البعض كطلاوة الصوت وحلاوته ورقة ودقة الأنامل وغير ذلك ، وقد رأينا في عصر النهضة في أوروبا كيف كان الفنانون يرسمون بريشتهم البورتريه بملابسه التي تكاد تستشعر ملمسها، بل إن أحدهم رسم عنقودا من العنب بأوراقه وكانت الطيورالحية تحاول الوصول إليه على لوحة الجدار.. ومن عمل بالتشكيل يعلم ذلك.
كما كنا نستمع إلى قارئ السورة في المناسبات ونسمع البعض يقول أنه يقرأ من مقام الصبا أوغيره، ولم نكن نعلم النصف بيمول وأثره في هذا المقام، وكنا نسمع إلى الشيخ الجليل الدكتور عمر عبد الرحمن في زاوية صغيرة بالفيوم في أوائل حياته الوظيفية وكان صوت تلاوته للقرآن الكريم وصدق خشوعه سببا في حب الناس له وأكثرهم من الشباب آنذاك مما يفسر لنا لماذا كان أكثرالحفظة لكتاب الله من الفيوم.
الفن التشكيلي
ظل الفن التشكيلي في عصرنا هذا ساحة الرمي لكل مجتهد،وغير المجتهد وارتبط الفنان في الضمير الجمعي الإسلامي بالمجون والفسوق بفعل فاعل مسئول متجبر استقدم من الغرب كل ماعن له الهوى من أفكار حداثية وبعد حداثية وفرضها بسطوته حتى ازدحمت معارض التشكيل بالعاريات سواء لوحة الحامل على جدار المعرض، أو تلك التي ترتاد تلك المعارض، رغم أن الفنان الإسلامي هو الذي ترك لنا حضارة على واجهات المساجد العتيقة ومشربيات المنازل والتي في مجملها حالة من الصوفية الخالصة التي تترد فيها عناصر العمل إلى مالا نهاية، كذكر الله والطواف الذي لن ينتهي إلا مع قيام الساعة، ومن ينكر أن هذا الفنان أشاع جماليات الخط العربي المتفرد حتى أصبحت معارض الخط تلف العالم كله.
لكن الذي نستطيع أن ننقله من كتب التراث أنه حينما فتح المسلمون البلاد المجاورة واتسعت رقعة الدولة الإسلامية، كانت هناك فنون لتلك البلاد، لم يحاول الإسلام القضاء إلا على الماجن والفاسد منها وترك شواهد شامخة على حضارات الأولين وذكرى وعبرة للآخرين.
وكان من نتاج هذا الذي حدث ويحدث في هذا العصرأن أختلط التقليد والموروث بالوافد والحداثي ،وبالقطع اختلطت مفاهيم الإباحة والكراهة والتحريم حول الفنون عامة والتشكيلية خاصة، واستدل أهل المنع والتحريم بأدلة شرعية كانت لهم العون والسند، كما كان هناك من أخذ بالأحوط وقال بالكراهة.
الأدلة وخلافات الفقهاء.
نحن نعلم أن الأدلة الشرعية منها المتفق عليه والمختلف فيه ، لكنها إجمالا الكتاب والسنة النبوية الصحيحة، إجماع الأمة، إجماع أهل المدينة ، القياس، قول الصحابي، المصلحة المرسلة ، الاستصحاب،الاستدلال، الاستحسان، الأخذ بالأخف، العصمة، إجماع أهل الكوفة، إجماع العترة، إجماع الخلفاء الأربعة.
وهنا لابد من التأكيد على أن المجتهد يبحث أولا عن أدلته في القرآن الكريم،فإذا لم يجد ينتقل إلى السنة،والإجماع ، وغيرها، ولا يوجد سبب يمنع من الجمع بين الأدلة من الكتاب والسنة وغيرها من الأدلة.
والمجتهد لايجوز له الاجتهاد في الوقائع التي ورد بشأنها نص قطعي الثبوت قطعي الدلالة كالصلاة والزكاة والصوم والحج،ويجوز له الاجتهاد في قطعي الثبوت ظني الدلالة أو ظني الثبوت والدلالة كأحاديث الآحاد، وهنا يحدث الخلاف بين الفقهاء لأسباب كثيرة وعلى سبيل المثال: الخلاف في لفظ"قرء" في الآية" قوله تعالى"والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء"- البقرة228. والخلاف في المعنى هل هو الطهر أو الحيض مما يترتب عليه طوال مدة العدة أو قصرها مما يعرفه أهل الأصول.
كذلك لفظ اللمس الشائع بين طلاب العلم في الآية الكريمة"أو لامستم النساء" – المائدة6.. هل هو اللمس الموجب للغسل أو الوضوء أو غير ذلك.
وهناك لفظ "الظن" ومعناه الشك ، لكنه ورد في القرآن الكريم مرة ليفيد الشك في قوله تعالى" وقال للذي ظن أنه ناج منهما أذكرني عند ربك"42.يوسف
وورد اللفظ بما يفيد اليقين كما في قوله تعالى" وقال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله " 249البقرة
هذه بعض خلافات الفقهاء الشائعة والتي تدرس لطلبة العلم الشرعي وهي خلافات حول نصوص قطعية الثبوت ظنية الدلالة.
والمانعون والمحرمون للفن عموما والتشكيلي خاصة استدلوا بأدلة من الكتاب والسنة والقياس وسد الذرائع .
- أما الكتاب
قال تعالى"إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا" –الأحزاب57. قال عكرمة هم الذين يصنعون الصور، وقال النسفي هم منكرو النبوة والكفار.نحن إذن أمام عالمين وفقيهين أجتهد كل منهما في الفهم والتفسير..
ونعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين للصحابة الكرام ما كان يحتاج إلى بيان من كتاب الله تعالى كالأحكام المجملة مثل الزكاة والصلاة وغيرها، ولم يفسر كل آية وكل كلمة لأن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يفهمون ذلك بسليقتهم ،فلم يقل أحد من أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فسر كل كلمة ، قال الطبري: فأما ما لا بد للعباد من علم تأويله فقد بينه لهم نبيهم صلى الله عليه وسلم ببيان الله ذلك له "
وروى الطبري عن أنس رضي الله عنه قال : قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه : "عبس وتولى " فلما أتى على هذه الآية :" وفاكهة وأبا " قال : قد عرفنا الفاكهة ، فما الأب ؟ قال : لعمرك يا بن الخطاب إن هذا لهو التكلف . وأخرج أبو عبيد في فضائله وعبد بن حميد عن إبراهيم التيمي قال : سئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن قوله "أبا " فقال : أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم .
وروى عن حبر الأمة ترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال فيها : الثمار الرطبة .
وهذه أيضا أقوال المفسرين من التابعين ، قال عطاء : كل شيء ينبت على الأرض فهو الأب . وقال الضحاك : الفاكهة التي يأكلها بنو آدم ، والأب المرعى . وقال عكرمة : الفاكهة ما تأكل الناس "وأبا" ما تأكل الدواب
- ومن السنة
عدة أحاديث منها" في سنن أبي داوود عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاتدخل الملائكة بيتا فيه صورة أو جنب أو كلب" , وهذا الحديث قطعي الثبوت ظني الدلالة فجاز فيه الاجتهاد، فقال العلماء عن الملائكة هم الذين ينزلون بالبركة والرحمة، أما الحفظة لايفارقون جنبا أو حائضا أو غيره واستثنى الفقهاء كلب الصيد المعلم من العموم المطلق في الحديث.
- وبالقياس حينما ألحقوا مطلق الصور بكل ما يشترك معها في علة الحكم.
- وأعملوا أيضا سد الذرائع بأن النهي هنا والتحريم سدا لذريعة عبادة الأوثان أو التقديس للصورة، أو للأنشغال عن عبادة الله "مثل زركشة المنابر والقبلة".
الحكمة في تحريم التماثيل
كانت العلة في تحريم التماثيل كثيرة منها حماية التوحيد، والبعد عن مشابهة الوثنيين في تصويرهم التي يقفون أمامها خاشعين،مثلما حدث لمن خلدوا موتاهم الصالحين بصنع تماثيل لهم، وطال عليهم الأمد فعبدوها من دون الله، كما قال البعض أن الصانع أو الفنان الذي ينحت تمثالا، يملؤه الغرور،مثلما حدث" لمايكل أنجلو- عصر النهضة" الذي نحت تمثالا دهرا طويلا، فلما أكمله وقف أمامه معجبا مبهورا أمام تقاسيمه وتقاطيعه حتى إنه خاطبه في نشوة من الغرور والفخر: تكلم.. تكلم !!
وقال آخرون أن التماثيل من مظاهر الترف التي يحاربها الدين كالذهب والفضة والحرير وغيرها.
الحكم يدور مع علته
بداية نؤكد على أن التاريخ سيظل يذكرأن "عمربن لحي" صاحب الثراء العظيم في مكة، كان أيضا صاحب الذنب والإثم الأعظم حينما جلب الصنم "هبل" من ارض ثمود في الشمال ، كأول صنم في الأرض المقدسة ليعبد في جوف الكعبة عند البئر، وبعدها تنافس التجار في جلب الأصنام من المصريين والبابليين والآراميين حتى تكدس جوف الكعبة بثلاثمائة وستين صنما، واتخذ أهل كل دار صنما يعبدونه في دارهم ليقربهم إلى الله زلفى.
وحين نتناول لفظ "الصور" في الحديث وغيره من الأحاديث لابد لنا أولا من ضبط المصطلح، فالصورة المقصودة هي الوثن الصنم المعبود سواء تمثالا مجسما كهيئته أو نحتا بارزا أو غائرا على مسطح الجدار. فلم تكن هناك حركة تشكيلية بالمعنى في أرض الحجاز حين ظهر الخطر من العبادة والتقديس لهذه التماثيل التي وصفت بالصورة في الحديث الذي بين أيدينا وأحاديث أخرى. وعلة التحريم كانت مظنة العبادة والتقديس .
وكما ذكرنا أن القاعدة الفقهية تقول أن الحكم يدور مع علته فإذا انتفت العلة انتفى الحكم، والآن وقد انتهت علة الحكم بثبات الدين وكماله ولم تعد هناك شبهة ولا مظنة لعبادة أو تقديس ، لذلك ينتفي حكم التحريم والكراهة ، ويمكن القول خروجا من خلافات عديدة ونقول بالكراهة حتى نريح ونستريح،رغم أن الإمام محمد عبدة منذ أكثر من مئة عام تعرض لهذا الموضوع وأباح النحت والتماثيل وحسم الخلاف بشأنها على أساس أن الدافع للتحريم قد انقضى بالقضاء على عبادة الأصنام والتشبه بالخالق.
والمتابع المشغول بالأمر يجد في عصرنا أن الناس تتندر بالتماثيل بل ويتبولون عليها كما كان يحدث مع تمثال رمسيس في باب الحديد قبل نقله إلى مقره الجديد وبعده أيضا.
وعليه فكل ما يوصل إلى حرام يجب سده وإن كان الفعل مشروعا يحصل مصلحة ولكنه ذريعة إلى مافيه مفسدة فإن هذا الفعل يمنع. ونحن أمام أعمال فنية تثري المشاعر والوجدان وتؤرخ لسجلات الفخار بين الأمم دون مخافة من مفسدة فتبقى الإباحة للبراءة الأصلية.
وعن الأحاديث الواردة بشأن التحريم فقد قال الإمام النووي رحمة الله أن التمثيل بسنن أبي داوود لايصح فإنه لم يستوعب الصحيح من أحاديث الأحكام. وقال أبن دقيق العيد رحمه الله التمثيل بسنن أبي داوود ليس بجيد عندنا، والفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد ذهب إلى أبعد من هذا ، حين عطل حدا من حدود الله وهو حد السرقة في عام المجاعة الثابت بنص قطعي الثبوت قطعي الدلالة، لكن الفاروق عمر أعمل اجتهاده، كما أعمله أيضا في الطلاق إذا كان ثلاثا بلفظ واحد كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم طلقة واحدة ، فلما رأى الفاروق استهانة الناس بأمور الطلاق فأجراه ثلاث طلقات أي بينونة كبرى أي لابد أن تنكح المرأة المطلقة زوجا غيره.
وبعد ذلك إذا انتفت علة التحريم زال التحريم بالضرورة كما حدث في أمور أخرى كثيرة وحين تنتفي مظنة العبادة والتقديس عن الصور والتماثيل وغير ذلك يصير الحكم بالإباحة خاصة وقد ثبت ذلك بنصوص القرآن.
كان على عهد سليمان والجن تعمل له مايشاء من التماثيل بإذن ربه، ولم تكن هناك مظنة للعبادة أو التقديس الآية"قال تعالى:يعملون له مايشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات"- سبأ 13.
والآن لابد أن نستعد لمفاجأة في سورة يونس فنحن أمام عرض متحفي للموميات بإذن الله وإليك التفاصيل.
قال تعالى في سورة يونس" وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوإسرائيل وأنا من المسلمين. الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون" – يونس(90-91-92).
في هذه الآيات أبقى الله سبحانه وتعالى على جسد فرعون ليكون آية للناس والآية في اللغة هي العلامة والدلالة والمعجزة، لتكون معجزة للأجيال من خلف فرعون شاهد على عظمة الله وقهره فرعون ولم تكن هذه الآيات إلا بسر أختصه الله بعضا من عباده قاموا بالتحنيط وتركوه لنا دون تفسير، حتى الأمم أصحاب الحضارات القديمة والحديثة والذين هبطوا على الكواكب قد أعياها البحث عن سر التحنيط دون جدوى، ولم يكن ذلك إلا تصديقا لكتاب الله العزيز ولم يتخذ أحد من هذه الأجيال هذه الموميات آلهة ولاكانت مظنة لعبادة أو تقديس.
واليوم وقد نظمت كل القوى الإسلامية على اختلاف خطابها ، نظمت مظاهراتها بجوار تمثال نهضة مصر للراحل محمود مختار في صدارة ميدان جامعة القاهرة، وكأن نهضة الأمم تبدأ من الجامعة.
والله سبحانه وتعالى أمرنا بالتدبر والنظر في الكون وزينته والمخلوقات وآياتها،بل وأطلق لنا حرية الخيال والتخيل والبحث والتأمل.
سبحانه وتعالى هو الواحد الأحد "بديع السماوات والأرض"
سبحانه وتعالي"فالق الإصباح"

الموقع غير مسئول قانونا عن التعليقات المنشورة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.