«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تجديد الخطاب الديني وفلسفة الفن التشكيلي
نشر في الشعب يوم 06 - 12 - 2012


بقلم: د.عبد الرازق عبد المنعم [email protected]
"لاشك أن هناك حالة من الالتباس لدى قطاع كبير من البشر حول علاقة الفن التشكيلي والفنون عامة بالدين،بل إن الغالبية ينزهون خطابهم عن الاقتراب من مصطلح الفن ذاته،أو دلالاته أو تأويلاته أو فلسفته.
وحينما نتناول تلك العلاقة ينبغي أن نعي أهمية الخطاب الديني والشريعة وعلاقة كل منها بالفنون التشكيلية، ولابد أولا أن نحرر محل النزاع حول مفهوم كل منها ، ونتفق على أهمية الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني وهي دعوة قائمة ولا تزال. وفي ضوء الكثير من المتغيرات أصبحت الدعوة ملحة للتجديد بعد أن أصبح هذا الخطاب في نظر البعض مسئولا عن كل شيء."
وحين نقترب من الشريعة الإسلامية ونرى أن الكثرة تطالب بضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية ،ثم تنتفض بعض القوى لرفض مجرد سماع المصطلح، يتأكد لنا أن الإشكالية هي غياب التأهيل الفكري عبر عقود مما أوصل البعض من عوام الدعاة إلى حالة من الالتباس والخلط بين الأوامر والنواهي في القرآن الكريم،بل والخلط في كيفية تلقي طلبة العلم للعلوم الشرعية ،فهناك من يعمل بالإجازة على يد الدعاة، وهناك من يجتهد بالقراءة الرشيدة، وهناك من يفرغ الوسع في بحثه عن اللاشئ بلا طائل..!
وفي تقديري أنه لاهذا ولاذاك يصلح الآن لطالب العلم الشرعي الحقيقي ، فلايمكن لغير الخريجين من الأزهر الإلمام بمبادئ العلم الشرعي، كي يبدأ بعد تخرجه رحلة البحث في علم واحد كالفرائض مثلا الذي لايقترب منه أغلب الدعاة، لأن علم الفرائض يحتاج إلى عبقرية خاصة، وفتح من الله لفهم مابعد الفهم، خاصة " ميراث أولي الأرحام"..!
أما عن الأوامر والنواهي في القرآن الكريم ، فالكثير من دعاة التلقي من غير الأزهر لايستوعبون الفقه وأصوله في كيفية أن الأمرقد يكون للإباحة مثل قوله" ياأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون" البقرة ( 172 ).
لكن المتأمل الواعي بأهمية وجوده في الدنيا يجد أن الشريعة الغراء ومبادئها وأحكامها يجد أنها الملاذ الآمن لكل من أراد حرية وعدالة وكرامة اجتماعية وكذلك لكل من أراد أمنا وأمانا حقيقيا.. ولنتخيل جميعا حينما نطبق قول الله عز وجل في سورة المائدة " إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (المائدة:33)
والمحاربون، من الحرابة وتسمى قطع الطريق عند أكثر الفقهاء، وهي: البروز لأخذ مال أو للقتل أو الإرعاب اعتماداً على القوة. وليس هنا مقام الحديث عن اختلاف الفقهاء في العقوبة هل على الترتيب أم على التخيير؟
ولكننا نؤمن أن لله حكمة أجرى عليها شئون الكون كي تستقيم الحياة، وله سبحانه سنته في خلقه توفر لهم السعادة والخير في الدنيا والآخرة.
ويعاند البعض بأن تطبيق الشريعة يجب ألا يكون إلا بعد حد الكفاف ، ونرد بأن الذي نهب أو اختلس أو ارتشى مليارات أو جتى مليون واحد .. هل هو خاضع لحد الكفاف؟!
وما القول في من يختطف ويغتصب ويروع ويقتل جهارا نهارا مدعما بأسلحة لم نراها إلا في أفلام رامبو.. هل المجتمع في حاجة إلى أمثال هؤلاء؟ وهل يجدي معهم أي تهذيب أو تقويم أو إصلاح كما تقول اليافطة المعلقة على أبواب السحون؟ بل يخرج المجرم أكثر إجراما وفتكا بالناس.
الخطاب الديني
لابد هنا أن نحذر ونفرق بين الخطاب الديني والدين، فالدين هو تنزيل رب العالمين في كتابه الكريم أما الخطاب الديني هو ماتراكم عبر القرون من شتى المعارف حول هذا الكتاب المعجز وكذلك من تأويلات وتفسيرات وشروح أنتجها فقهاء ومفسرون وقراءات حديثة أثبتت معجزات علمية لم تكن معلومة للأولين ، ومنها على سبيل المثال الإعجاز العددي والطبي والفلكي ، كذلك قراءات الشيخ سيد قطب عن التصوير الفني في القرآن الكريم ودراسات جادة للدكتور زغلول النجار حول الإعجاز العلمي في القرآن الكريم.
والمقصود بالخطاب الديني هو كل بيان أو فتوى تصدر باسم الإسلام وتوجه للناس أجمعيين بوسائل العصر المتاحة مثل خطبة الجمعة وحلقات الدرس وقنوات الاتصال مثل وسائل الإعلام المسموعة أو المرئية..ومن يتولى عملية الفتوى هم أهل الاختصاص من العلماء الشرعيين الذين يمتلكون أدوات الاجتهاد الصحيح، ويسعون إلى تبسيط وتيسير فهم الخطاب لدى الكافة.
وفهم التجديد هو الأصل فيما ينبغي البناء عليه ، فلايمكن الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني بإلغاء الحدود الشرعية أو التعرض لنصوص الميراث أو تحليل المحرمات المقطوع بها في نصوص الكتاب والسنة، لكن التجديد والاجتهاد يكون في المسائل والنوازل المتجددة والتي تلتمس الواقع ويتم بحثها من خلال المجامع الفقهية والتي تضم فقهاء العصر،ولا يعني هذا أن بعض ما ورد في كتب التراث من اجتهادات لفقهاء سابقين لا يصلح لعصرنا، وليس كل ماورد إلينا يجب الأخذ به.
كما أن فهم التجديد لايمكن أن يتعدى أمره إلى خلافات حادة بين الدعاة الجدد على القنوات الفضائية بعد تنوع أطياف الجماعات الإسلامية وكل منها لديه فهم خاص للفروع ، بلا ترجيح لحكم بأدلة معتبرة، أو قول الجمهور.
وعن التجديد هناك من يرى أن المجال واسع للتغيير في المتغيرات وهي الأحكام والمسائل الظنية التي يندب الاجتهاد فيها لملائمة الزمان والمكان ومواكبة أوجه التطور في الأمور والعلوم الإنسانية كافة وعدم الارتكان إلى اجتهادات السلف دون إنكار قيمتها.
وهناك البعض يرون أن دعوة التجديد هي مخاطرة كبرى لأنها دعوة خارجية في ظنهم وأنها قد تهدم الثوابت.
الموهبة
لقد من الله على البعض بالمواهب المتفردة إلى حد الإعجاز الذي لابد أن تسجد أمامه لجلال الله،ولايمكن أن تكون تلك المواهب إلا لحكمة لايعلمها إلا علام الغيوب.
وآخر مارايته شابا من ذوي الاحتياجات والإعاقة الذهنية، لايعرف من الدنيا غير القرآن وبلاغة اللغة العربية، يسمع أول الآية ثم يكمل لك ويذكر السورة ورقمها وربعها وحزبها بطلاقة ،فلا تملك إلا أن تقول سبحان الله العظيم الذي قال "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"الحجر9. يحفظه سبحانه في قلوب العلماء وطلبة العلم وحتى الذين لاينطقون العربية ، ولكنهم يتلون كتاب الله كما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم.
والمواهب لايمكن اكتسابها بل بمكن فقط صقلها بالدراسة، فالموهبة في جينات البعض كطلاوة الصوت وحلاوته ورقة ودقة الأنامل وغير ذلك ، وقد رأينا في عصر النهضة في أوروبا كيف كان الفنانون يرسمون بريشتهم البورتريه بملابسه التي تكاد تستشعر ملمسها، بل إن أحدهم رسم عنقودا من العنب بأوراقه وكانت الطيورالحية تحاول الوصول إليه على لوحة الجدار.. ومن عمل بالتشكيل يعلم ذلك.
كما كنا نستمع إلى قارئ السورة في المناسبات ونسمع البعض يقول أنه يقرأ من مقام الصبا أوغيره، ولم نكن نعلم النصف بيمول وأثره في هذا المقام، وكنا نسمع إلى الشيخ الجليل الدكتور عمر عبد الرحمن في زاوية صغيرة بالفيوم في أوائل حياته الوظيفية وكان صوت تلاوته للقرآن الكريم وصدق خشوعه سببا في حب الناس له وأكثرهم من الشباب آنذاك مما يفسر لنا لماذا كان أكثرالحفظة لكتاب الله من الفيوم.
الفن التشكيلي
ظل الفن التشكيلي في عصرنا هذا ساحة الرمي لكل مجتهد،وغير المجتهد وارتبط الفنان في الضمير الجمعي الإسلامي بالمجون والفسوق بفعل فاعل مسئول متجبر استقدم من الغرب كل ماعن له الهوى من أفكار حداثية وبعد حداثية وفرضها بسطوته حتى ازدحمت معارض التشكيل بالعاريات سواء لوحة الحامل على جدار المعرض، أو تلك التي ترتاد تلك المعارض، رغم أن الفنان الإسلامي هو الذي ترك لنا حضارة على واجهات المساجد العتيقة ومشربيات المنازل والتي في مجملها حالة من الصوفية الخالصة التي تترد فيها عناصر العمل إلى مالا نهاية، كذكر الله والطواف الذي لن ينتهي إلا مع قيام الساعة، ومن ينكر أن هذا الفنان أشاع جماليات الخط العربي المتفرد حتى أصبحت معارض الخط تلف العالم كله.
لكن الذي نستطيع أن ننقله من كتب التراث أنه حينما فتح المسلمون البلاد المجاورة واتسعت رقعة الدولة الإسلامية، كانت هناك فنون لتلك البلاد، لم يحاول الإسلام القضاء إلا على الماجن والفاسد منها وترك شواهد شامخة على حضارات الأولين وذكرى وعبرة للآخرين.
وكان من نتاج هذا الذي حدث ويحدث في هذا العصرأن أختلط التقليد والموروث بالوافد والحداثي ،وبالقطع اختلطت مفاهيم الإباحة والكراهة والتحريم حول الفنون عامة والتشكيلية خاصة، واستدل أهل المنع والتحريم بأدلة شرعية كانت لهم العون والسند، كما كان هناك من أخذ بالأحوط وقال بالكراهة.
الأدلة وخلافات الفقهاء.
نحن نعلم أن الأدلة الشرعية منها المتفق عليه والمختلف فيه ، لكنها إجمالا الكتاب والسنة النبوية الصحيحة، إجماع الأمة، إجماع أهل المدينة ، القياس، قول الصحابي، المصلحة المرسلة ، الاستصحاب،الاستدلال، الاستحسان، الأخذ بالأخف، العصمة، إجماع أهل الكوفة، إجماع العترة، إجماع الخلفاء الأربعة.
وهنا لابد من التأكيد على أن المجتهد يبحث أولا عن أدلته في القرآن الكريم،فإذا لم يجد ينتقل إلى السنة،والإجماع ، وغيرها، ولا يوجد سبب يمنع من الجمع بين الأدلة من الكتاب والسنة وغيرها من الأدلة.
والمجتهد لايجوز له الاجتهاد في الوقائع التي ورد بشأنها نص قطعي الثبوت قطعي الدلالة كالصلاة والزكاة والصوم والحج،ويجوز له الاجتهاد في قطعي الثبوت ظني الدلالة أو ظني الثبوت والدلالة كأحاديث الآحاد، وهنا يحدث الخلاف بين الفقهاء لأسباب كثيرة وعلى سبيل المثال: الخلاف في لفظ"قرء" في الآية" قوله تعالى"والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء"- البقرة228. والخلاف في المعنى هل هو الطهر أو الحيض مما يترتب عليه طوال مدة العدة أو قصرها مما يعرفه أهل الأصول.
كذلك لفظ اللمس الشائع بين طلاب العلم في الآية الكريمة"أو لامستم النساء" – المائدة6.. هل هو اللمس الموجب للغسل أو الوضوء أو غير ذلك.
وهناك لفظ "الظن" ومعناه الشك ، لكنه ورد في القرآن الكريم مرة ليفيد الشك في قوله تعالى" وقال للذي ظن أنه ناج منهما أذكرني عند ربك"42.يوسف
وورد اللفظ بما يفيد اليقين كما في قوله تعالى" وقال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله " 249البقرة
هذه بعض خلافات الفقهاء الشائعة والتي تدرس لطلبة العلم الشرعي وهي خلافات حول نصوص قطعية الثبوت ظنية الدلالة.
والمانعون والمحرمون للفن عموما والتشكيلي خاصة استدلوا بأدلة من الكتاب والسنة والقياس وسد الذرائع .
- أما الكتاب
قال تعالى"إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا" –الأحزاب57. قال عكرمة هم الذين يصنعون الصور، وقال النسفي هم منكرو النبوة والكفار.نحن إذن أمام عالمين وفقيهين أجتهد كل منهما في الفهم والتفسير..
ونعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين للصحابة الكرام ما كان يحتاج إلى بيان من كتاب الله تعالى كالأحكام المجملة مثل الزكاة والصلاة وغيرها، ولم يفسر كل آية وكل كلمة لأن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يفهمون ذلك بسليقتهم ،فلم يقل أحد من أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فسر كل كلمة ، قال الطبري: فأما ما لا بد للعباد من علم تأويله فقد بينه لهم نبيهم صلى الله عليه وسلم ببيان الله ذلك له "
وروى الطبري عن أنس رضي الله عنه قال : قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه : "عبس وتولى " فلما أتى على هذه الآية :" وفاكهة وأبا " قال : قد عرفنا الفاكهة ، فما الأب ؟ قال : لعمرك يا بن الخطاب إن هذا لهو التكلف . وأخرج أبو عبيد في فضائله وعبد بن حميد عن إبراهيم التيمي قال : سئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن قوله "أبا " فقال : أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم .
وروى عن حبر الأمة ترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال فيها : الثمار الرطبة .
وهذه أيضا أقوال المفسرين من التابعين ، قال عطاء : كل شيء ينبت على الأرض فهو الأب . وقال الضحاك : الفاكهة التي يأكلها بنو آدم ، والأب المرعى . وقال عكرمة : الفاكهة ما تأكل الناس "وأبا" ما تأكل الدواب
- ومن السنة
عدة أحاديث منها" في سنن أبي داوود عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاتدخل الملائكة بيتا فيه صورة أو جنب أو كلب" , وهذا الحديث قطعي الثبوت ظني الدلالة فجاز فيه الاجتهاد، فقال العلماء عن الملائكة هم الذين ينزلون بالبركة والرحمة، أما الحفظة لايفارقون جنبا أو حائضا أو غيره واستثنى الفقهاء كلب الصيد المعلم من العموم المطلق في الحديث.
- وبالقياس حينما ألحقوا مطلق الصور بكل ما يشترك معها في علة الحكم.
- وأعملوا أيضا سد الذرائع بأن النهي هنا والتحريم سدا لذريعة عبادة الأوثان أو التقديس للصورة، أو للأنشغال عن عبادة الله "مثل زركشة المنابر والقبلة".
الحكمة في تحريم التماثيل
كانت العلة في تحريم التماثيل كثيرة منها حماية التوحيد، والبعد عن مشابهة الوثنيين في تصويرهم التي يقفون أمامها خاشعين،مثلما حدث لمن خلدوا موتاهم الصالحين بصنع تماثيل لهم، وطال عليهم الأمد فعبدوها من دون الله، كما قال البعض أن الصانع أو الفنان الذي ينحت تمثالا، يملؤه الغرور،مثلما حدث" لمايكل أنجلو- عصر النهضة" الذي نحت تمثالا دهرا طويلا، فلما أكمله وقف أمامه معجبا مبهورا أمام تقاسيمه وتقاطيعه حتى إنه خاطبه في نشوة من الغرور والفخر: تكلم.. تكلم !!
وقال آخرون أن التماثيل من مظاهر الترف التي يحاربها الدين كالذهب والفضة والحرير وغيرها.
الحكم يدور مع علته
بداية نؤكد على أن التاريخ سيظل يذكرأن "عمربن لحي" صاحب الثراء العظيم في مكة، كان أيضا صاحب الذنب والإثم الأعظم حينما جلب الصنم "هبل" من ارض ثمود في الشمال ، كأول صنم في الأرض المقدسة ليعبد في جوف الكعبة عند البئر، وبعدها تنافس التجار في جلب الأصنام من المصريين والبابليين والآراميين حتى تكدس جوف الكعبة بثلاثمائة وستين صنما، واتخذ أهل كل دار صنما يعبدونه في دارهم ليقربهم إلى الله زلفى.
وحين نتناول لفظ "الصور" في الحديث وغيره من الأحاديث لابد لنا أولا من ضبط المصطلح، فالصورة المقصودة هي الوثن الصنم المعبود سواء تمثالا مجسما كهيئته أو نحتا بارزا أو غائرا على مسطح الجدار. فلم تكن هناك حركة تشكيلية بالمعنى في أرض الحجاز حين ظهر الخطر من العبادة والتقديس لهذه التماثيل التي وصفت بالصورة في الحديث الذي بين أيدينا وأحاديث أخرى. وعلة التحريم كانت مظنة العبادة والتقديس .
وكما ذكرنا أن القاعدة الفقهية تقول أن الحكم يدور مع علته فإذا انتفت العلة انتفى الحكم، والآن وقد انتهت علة الحكم بثبات الدين وكماله ولم تعد هناك شبهة ولا مظنة لعبادة أو تقديس ، لذلك ينتفي حكم التحريم والكراهة ، ويمكن القول خروجا من خلافات عديدة ونقول بالكراهة حتى نريح ونستريح،رغم أن الإمام محمد عبدة منذ أكثر من مئة عام تعرض لهذا الموضوع وأباح النحت والتماثيل وحسم الخلاف بشأنها على أساس أن الدافع للتحريم قد انقضى بالقضاء على عبادة الأصنام والتشبه بالخالق.
والمتابع المشغول بالأمر يجد في عصرنا أن الناس تتندر بالتماثيل بل ويتبولون عليها كما كان يحدث مع تمثال رمسيس في باب الحديد قبل نقله إلى مقره الجديد وبعده أيضا.
وعليه فكل ما يوصل إلى حرام يجب سده وإن كان الفعل مشروعا يحصل مصلحة ولكنه ذريعة إلى مافيه مفسدة فإن هذا الفعل يمنع. ونحن أمام أعمال فنية تثري المشاعر والوجدان وتؤرخ لسجلات الفخار بين الأمم دون مخافة من مفسدة فتبقى الإباحة للبراءة الأصلية.
وعن الأحاديث الواردة بشأن التحريم فقد قال الإمام النووي رحمة الله أن التمثيل بسنن أبي داوود لايصح فإنه لم يستوعب الصحيح من أحاديث الأحكام. وقال أبن دقيق العيد رحمه الله التمثيل بسنن أبي داوود ليس بجيد عندنا، والفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد ذهب إلى أبعد من هذا ، حين عطل حدا من حدود الله وهو حد السرقة في عام المجاعة الثابت بنص قطعي الثبوت قطعي الدلالة، لكن الفاروق عمر أعمل اجتهاده، كما أعمله أيضا في الطلاق إذا كان ثلاثا بلفظ واحد كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم طلقة واحدة ، فلما رأى الفاروق استهانة الناس بأمور الطلاق فأجراه ثلاث طلقات أي بينونة كبرى أي لابد أن تنكح المرأة المطلقة زوجا غيره.
وبعد ذلك إذا انتفت علة التحريم زال التحريم بالضرورة كما حدث في أمور أخرى كثيرة وحين تنتفي مظنة العبادة والتقديس عن الصور والتماثيل وغير ذلك يصير الحكم بالإباحة خاصة وقد ثبت ذلك بنصوص القرآن.
كان على عهد سليمان والجن تعمل له مايشاء من التماثيل بإذن ربه، ولم تكن هناك مظنة للعبادة أو التقديس الآية"قال تعالى:يعملون له مايشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات"- سبأ 13.
والآن لابد أن نستعد لمفاجأة في سورة يونس فنحن أمام عرض متحفي للموميات بإذن الله وإليك التفاصيل.
قال تعالى في سورة يونس" وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوإسرائيل وأنا من المسلمين. الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون" – يونس(90-91-92).
في هذه الآيات أبقى الله سبحانه وتعالى على جسد فرعون ليكون آية للناس والآية في اللغة هي العلامة والدلالة والمعجزة، لتكون معجزة للأجيال من خلف فرعون شاهد على عظمة الله وقهره فرعون ولم تكن هذه الآيات إلا بسر أختصه الله بعضا من عباده قاموا بالتحنيط وتركوه لنا دون تفسير، حتى الأمم أصحاب الحضارات القديمة والحديثة والذين هبطوا على الكواكب قد أعياها البحث عن سر التحنيط دون جدوى، ولم يكن ذلك إلا تصديقا لكتاب الله العزيز ولم يتخذ أحد من هذه الأجيال هذه الموميات آلهة ولاكانت مظنة لعبادة أو تقديس.
واليوم وقد نظمت كل القوى الإسلامية على اختلاف خطابها ، نظمت مظاهراتها بجوار تمثال نهضة مصر للراحل محمود مختار في صدارة ميدان جامعة القاهرة، وكأن نهضة الأمم تبدأ من الجامعة.
والله سبحانه وتعالى أمرنا بالتدبر والنظر في الكون وزينته والمخلوقات وآياتها،بل وأطلق لنا حرية الخيال والتخيل والبحث والتأمل.
سبحانه وتعالى هو الواحد الأحد "بديع السماوات والأرض"
سبحانه وتعالي"فالق الإصباح"

الموقع غير مسئول قانونا عن التعليقات المنشورة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.